الأحد 25/11/1434 هـ - الموافق 29/9/2013 م
بقلم - مؤنس زهيري:
لماذا نجحت “دولة” جمال عبد الناصر؟ .. نجحت لأنها كلها كانت “ضفيرة” واحدة متماسكة متشابكة .. يشد كل قطاع فيها عضد القطاع الآخر ويؤيده ويدعمه في سبيل الاتجاه إلى تحقيق هدف واحد فقط .. وهو رفعة الوطن وكرامة المواطن ..
ففي الوقت ذاته الذي أنشأت فيه الدولة المجمعات الاستهلاكية الحكومية تعرض فيها السلع الأساسية الغذائية اللازمة لحياة المواطنين بالأسعار الرسمية لها وفرضت التسعيرة الجبرية لكل هذه السلع على التجار الذين لا يجدون أي حرج في فرض أسعارهم الخاصة على تلك السلع نحو مزيد من المكسب وذلك لتقضي على جشعهم واستغلالهم حاجة المواطن .. في ذات الوقت نجد ظهور الفيلم السينمائي “الفتوة” والذي تقوم قصته كلها على جشع التجار في سوق الجملة الرئيسي وقتها وكان يقع على نهر النيل والمسمى بسوق “روض الفرج” و أخرج الفيلم العبقري صلاح أبو سيف وكان من بطولة العملاقين زكي رستم وفريد شوقي .. وخلصت القصة الدرامية على الشاشة بتصارع المعلمين الكبيرين وأنصار كل منهما مع بعضهما البعض ومقتل كل منهما ..
غير أن اللقطة الأروع في الفيلم كانت في خاتمته بعد مقتل الكبيرين .. حين مجيء محمود المليجي إلى السوق وتلقيه نفس “القفا” الذي سبق وتلقاه فريد شوقي عندما دخل السوق لأول مرة في بداية أحداث الفيلم مع ضحكة كبيرة من الفنانة هدى سلطان التي ستقوم بدور الفنانة تحية كاريوكا التي بدأت الفيلم مع فريد شوقي ..
ومغزى هذه اللقطة هي رسالة للمشاهد أنه على الرغم من موت المعلمين الكبيرين الذي سعى كل منهما للسيطرة على السوق .. إلا أن الأمر لم ينته .. فهناك معلم جديد قادم .. وصراع جديد مستمر .. طالما كان “الجشع” هو البطل الحقيقي .. والفتوة الحقيقي في السوق .. بقي أن نذكر أن الفنان الراحل كمال يس الذي قام بدور ضابط نقطة البوليس في السوق كان هو “الحكومة” التي عاشت تحارب فساد وجشع التجار في عهد الفتوة السابق .. وكل فتوة جديد يظهر في السوق ..
وهكذا نجحت “دولة” جمال عبد الناصر .. حيث كانت كل قطاعات الدولة “ضفيرة” واحدة متماسكة نحو تحقيق هدف واحد مشترك .. وهكذا أيضاً سقطت كل الدول بعد دولة جمال عبد الناصر .. سقطت لأنها أهملت المواطن .. المواطن عماد الوطن .. هذا الحديث بمناسبة الأسعار “المجنونة” للسلع الغذائية التي شاع جنونها على الجميع اليوم في مجتمع الغلابة المطحونين .. اليوم عندما أستمع للرئيس الأمريكي يهدد مصر .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد وعيد الإتحاد الأوروبي لمصر .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد حكومة مهزوزة خائفة .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد سلاحا فلسطينيا موجها نحو مصر .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد اختلاف العرب حول مصر .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد اختفاء المنتج المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد انهيار الأمن المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد انكسار الفلاح المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد انحدار التعليم المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد خفوت صوت المرأة المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد هوان العامل المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد مذلة الموظف المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد إسفاف الفن المصري .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. اليوم .. عندما لا أجد “مصريا” .. أتذكر جمال عبد الناصر “المصري” ..
—
فقر الفكر وفكر الفقر ..
يقول الدكتور يوسف إدريس عن هذا الكتاب إنه كان مشروع عمره لأكثر من ثلاث سنوات .. ويكتب إدريس في تقديمه لهذا الكتاب : “كلما رأيت ما صارت إليه حياتنا وما تصير إليه أحس إحساساً محضاً أني لابد أن أُخرج للناس ذلك الكتاب الذي كتبته على فترات متقطعة، وعلى هيئة حيثيات مستقلة؛ ذلك أن تلك الظاهرة - ظاهرة فقر الفكر وفكر الفقر - أو الفقر في الأفكار المؤدية إلى فقر في الحياة والإنتاج حين يؤدي بدوره إلى فقر فكري، وهكذا دواليك”. ومن موضوعات هذا الكتاب: (لماذا لا ننتج ؟! - أنا كاتب عربي - أخطر رسالة عن إسرائيل - محاكمة روجيه جارودي - تكتيك هولاكو - العروبة ضد العرب والإسلام ضد المسلمين - الجحيم الأرضي - ملف خاص عن محاولة اغتيال كاتب لأنه كتب “البحث عن السادات) وغير ذلك من الموضوعات ..
—
لا تقل الصحف الورقية انتهت .. ولا تقل مؤسسات الصحافة القومية مثقلة بالديون وفي سبيلها للانهيار .. لكن قل كلمة واحدة فقط .. “سنقاوم .. سنقاوم .. سنقاوم” .. كلمة أطلقها جمال عبد الناصر وكان من خلفه شعب بأكمله .. فانتصرت “مصــر” على جيوش دول كانت تضع أكاليل غار النصر في الحرب العالمية الثانية فوق رؤوسها .. قاوم ولا تستسلم .. فوراءك تاريخ الصحافة المصرية ركن أصيل من تاريخ الوطن .. عليك الدفاع عنه..
—
المريض .. والطبيب .. والدواء ..
“المدعوقة” الديمقراطية .. ما هي إلا الدواء الوحيد الذي يصفه الطبيب الأمريكي لدول المنطقة العربية التي تجتاحها الثورة فترتفع درجة حرارتها لتصل إلى درجة الحمى .. الدواء متوفر على صورة شراب .. أو حبوب .. أو حقن .. أو لبوس .. والشكل الأخير هو الوحيد المتوفر في السوق الأمريكي .. والسوق الأمريكي هو الوحيد الذي يحتكر “الصنف” .. وصنف ذلك الدواء ما هو إلا سمٌ يسيطر به الطبيب الأمريكي على جسد المريض العربي .. لن تنجح الشعوب العربية في التخلص من مرضها إلا بالتخلص من الطبيب نفسه ..
—
والدنيا ضاقت في وشك قوي كده .. ولا يهمك ليك رب اسمه “الفتاح” .. وأبواب الرزق اتقفلت قدامك .. ولا يهمك ليك رب اسمه “الرزاق” .. ومش عارف تكمل شهرك بماهيتك .. ولا يهمك ليك رب إسمه “المنعم” .. ورئيسك في شغلك ظالمك .. ولا يهمك ليك رب اسمه “العدل” .. وعمال تصرخ وتجعر بالظلم عليك .. ولا يهمك ليك رب اسمه “السميع” .. وزعلان من أصحابك ما بيودوك .. ولا يهمك ليك رب اسمه “الودود” .. بص على كل اسم من أسماء الله الحسني .. هتلاقيه إجابة لحالة من حالات حياتك ..
—
فيه واحدة “أمورة” وحلوه جداً .. اسمها “عمولة” .. والأمور “عمولة” دي هي سبب كوارث ونكبات مؤسسات الصحافة القومية كلها .. وهي التي قسمت وصنفت عبر سنوات طويلة من “الشغل” جموع العاملين في تلك المؤسسات إلى طبقتين .. “أسياد” .. و .. “عبيد” .. أسياد يقبضون المرتبات والعمولات بمبالغ خرافية بمعنى الكلمة .. وعبيد يكدحون من أجل “حافز” إضافي حاجة كده قيمة عشرين ولا تلاتين جنيه على ما تفرج..
وبالمناسبة الأمور “عمولة” .. لا توجد في قطاع الإعلانات فقط .. لكن توجد في باقي القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الطباعة .. التوزيع .. الحفلات .. المعارض .. وأي قطاع آخر بيدخل فلوس للمؤسسة..
“عمولة” هدمت نظام العدالة الاجتماعية داخل كل المؤسسات .. ووسعت الفوارق بين طبقات العاملين فيها بشكل يندي له الجبين فعلاً .. مما أضاع “روح الانتماء” للمؤسسة .. وفي ضياع تلك الروح كل الخطورة فعلاً على مستقبل مؤسسات التاريخ الصحفي الكبيرة..
“إنسف” نظام عمولاتك .. ينصلح حال مؤسساتك .. هذا إن أردت إصلاحاً حقيقياً .. بأقول إن أردت يعني .. ولا مؤاخذه..
مجلة الوعي العربي