الرئيسية / حوارات ناصرية / د. صفوت حاتم يكتب : ثورة يوليو .. خلود القيم ..وحدود الإنجاز

د. صفوت حاتم يكتب : ثورة يوليو .. خلود القيم ..وحدود الإنجاز

شيئان يثيران الجدل والخصام بين بني البشر أكثر من أي شيء آخر : الدين .. والثورات .
وإذا كان البشر يعتقدون ان الأديان تأتي من الله .. مما يجعل تفسيرها .. واحتكار المعرفة بها سبب في كثير من الحروب المقدسة التي يروح بسببها الألاف والملايين وهم يظنون صدقا او هما انهم يدفعون حيواتهم طواعية من أجل الرب .
أما الثورات الاجتماعية والسياسية فهي بدورها اختيار بشري يتواجه فيه البشر ويتقاتلون ويهريقون دماء بعضهم البعض عن اعتقاد جازم انهم انما يضحون بحيواتهم من أجل القيم الأنسانية المنزهة والمثل العليا الشريفة .
وسيظل هذا الجدل حيا .. يتصاعد ويخفت ما بقيت الأديان كحقيقة ثابتة في حياة البشر .. وما بقيت الثورات كوقائع تعترض الاجتماع البشري في لحظات حتمية من تطوره .
ولأن ذلك كذلك .. سيظل الجدل حول الثورات متجددا بين أنصارها ومعارضيها .. بين المؤمنين بأنها خير مطلق .. والمؤمنين بأنها شر مطلق .. بين الذين لا يرون سوى الإيجابيات والذين لا يرون سوى السلبيات .
وهو جدل وصراع لا ينتهي بمرور الزمن .
الثورة الفرنسية
فالثورة الفرنسية ..مثلا .. والتي يعتبرها الكثيرون ” أم الثورات ” المعاصرة .. لازالت تحظى بذات الجدل ونفس الإنكار ..
ورغم مرور أكثر من قرنين على إندلاع الثورة الفرنسية .
واحتفال الفرنسيين عام 1989 بمرور مائتي عام على الثورة الفرنسية في احتفالات رسمية ومهرجانات شعبية تبلغ قمتها في 14 يوليو .. وهو ذكرى سقوط الباستيل .
و 14 يوليو قد اصبح منذ أكثر من قرن عيد فرنسا الوطني أو القومي .. ففيه يرقص الفرنسيون في الشوارع حتى الفجر . اما الدولة الفرنسية فتجري في باريس استعراضاتها بطول الشانزليزيه حتى قوس النصر في ميدان ” الإيتوال وشارل ديجول حيث الشعلة الدائمة على قبر الجندي المجهول.
ولا شك انه اذا ذكرت الثورة الفرنسية سيذكر معها اسماء عشرات من عمالقة الثوار في التاريخ مثل : دانتون وروبسبيير ومارا وسان جوست وهيبير وديمولان وكوندورسيه واندريه شنييه ومدام رولان وبابيف .. وكلهم ماتوا على المقصلة في اقل من خمس سنوات من عمر الثورة . فضلا عن عشرات آخرين من الثوار وجهابذة الخطابة والسياسة الثورية الذين حافظوا على رؤوسهم من المقصلة .. رغم انهم كانوا في مقدمة الثوار .. حتى انجلى الاعصار ..فماتوا على فراشهم مثل : ميرابو وسييز وتاليران وفوشيه .
واهم من كل هؤلاء يذكر التاريخ ” نابليون بونابرت” صاحب الغزوات الكاسحة والعبقرية التي لم يعرف لها التاريخ لها مثيلا .. فهو الذي صدر الثورة الفرنسية الى العالم بعد ان انقذ فرنسا من الحكام الفاسدين .
لقد جاء نابليون لفرنسا .. بعد عودته من مصر .. ليجد أبناء الثورة يأكل بعضهم بعض .. فوجه طاقته البركانية الى الخارج . في البداية فعل ذلك تحت رايات الثورة ومبادئها .. فلما استتب له الأمر فعل ذلك تحت رايات ” الامبراطور ” فكان جنوده يندفعون للموت صارخين ” يحيا الامبراطور ” .. رغم انهم يقاتلون تحت رايات فرنسا .
ورغم الانتصارات العظيمة التي حققها نابليون لفرنسا .. لكن لم يخلو تاريخه من كوارث وهزائم عسكرية كبيرة .
ورغم هذا يعتبر الفرنسيون ان ” نابليون بونابرت ” هو أحد أهم الشخصيات التاريخية فب تاريخ فرنسا .. رغم هذه المسيرة الحياتية الممتلئة بالأضطرابات والتموجات والانتصارات والهزائم العسكرية التي لم تجن منها فرنسا اي عوائد مادية .
الثورة الروسية ١٩١٧
تعد الثورة الروسية بحق أهم حدث تاريخي في القرن العشرين .
ويعد صعود الإتحاد السوفييتي عام 1917 ..ثم سقوطه عام 1990 هو الحدث السياسي الأبرز والمميز للقرن العشرين .
فلا يمكن ..مثلا ..تصور نجاح حركات الاستقلال الوطني المناهضة للإستعمار والإمبريالية دون دعم الإتحاد السوفييتي .. وموقفه المبدئي من هذه الحركات الوطنية .
ولا يمكن ..مثلا .. تصور انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشية والنازية ..دون المشاركة الفعالة للإتحاد السوفييتي في هذه الحرب ..والتضحيات المادية والبشرية التي دفعها والتي وصلت لحوالي 26 مليون سوفييتي من أصل 60 مليون شخص ..هم كل ضحايا تلك الحرب .
ورغم التضحيات البشرية والقمع الذي شهدته فترة حكم ” جوزيف ستالين ” .. لكن لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه في تطور الإمبراطورية السوفياتية وسيطرتها على مساحة جغرافية كبيرة في القارتين : الأوروبية والأسيوية ..
ولا يمكن .. طبعا .. إنكار دور ستالين في قيادة بلده والإنتصار على النازية .
كما أنه لا يمكن إنكار دوره في تأسيس الصناعة الروسية المتقدمة .، وبناء الجيش الروسي الحديث.. وتحويل روسيا إلى قطب سياسي وصناعي وعسكري مواز للقطب الأمريكي .
ورغم سقوط الامبراطورية السوفياتية وتحلل جمهورياتها .. تظل الدولة الروسية حاملة جينات الدولة السوفياتية وطموحاتها وقدراتها المختزنة .
هذا يفسر لنا إصرار الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” على الإحتفال بالعيد المئوي للثورة الروسية في أكتوبر من هذا العام .. رغم انهيار الامبراطورية السوفياتية التي شيدتها الثورة الروسية عام 1917 ..ورغم إنتهاء سيطرة الشيوعية كفكر .. وانتهاء سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم في روسيا .
ورغم سقوط ” الأمبراطورية السوفياتية ” عام ١٩٨٩ لعوامل ذاتية وموضوعية .. أدت في مجملها الى اضطراب شديد في النظام الدولي وتحوله لصالح نظام أحادي القطبية لم تستمر سوى لعقدين من الزمان فقط .. تعود بعدها روسيا في ظل رئاسة ” بوتين ” لتصارع ” الغول ” الرأسمالي في أماكن متعددة من العالم .. بعد ان عاشت حقبة من الإذلال والمهانة والخضوع خلال حقبة ” بوريس يلتسين” .
ثورة يوليو ١٩٥٢
لاشك ان انجازات واخفاقات ثورة يوليو قد ارتبطت تاريخيا وعمليا بالحقبة من ١٩٥٢ وحتى سبتمبر ١٩٧٠ .. وهو التاريخ المحفور في ذاكرة العرب باعتباره تاريخ الغياب الجسدي لقائد الثورة .. ذلك التاريخ الدرامي الذي يشبه أبطال المآسي الكبرى في التراجيديات اليونانية
ولعلنا هنا نتفق مع ما قاله المفكر الراحل الكبير ” مطاع صفدي ” في دراسته الرائدة ” الناصرية الغائبة الحاضرة .. انذار التاريخ وديموقراطية النهضة : : ان البحث عن الناصرية .. وهي الحقبة التي اعطت ثورة يوليو ١٩٥٢ طابعها المميز خلال ١٨ عاما .. هي كل عمر الحقبة الناصرية .. يجب ان يكون في أحشاء الاوضاع التي سادت في مصر ومعظم انحاء الوطن العربي .. وهي الأوضاع التي شكلت ” النقيض ” لكل ما انجزته الناصرية وبشرت به ودعت إليه خلال عمرها القصير .
ورغم ان ” النقيض ” لثورة يوليو حاول بكل الطرق الإساءة لها والتشهير بها .. لكنه في الواقع العملي كان يثبت وجودها في الوجدان الشعبي ويبرز خصائصها ومزاياها حينما فشل في ان ينجح في معركة من معارك ثورة يوليو في الاستقلال الوطني والتنمية المستقلة والتصنيع والإعتماد على الذات .
حتى نصر أكتوبر العسكري .. والذي تم في غياب قائد الثورة .. لم يعد من الممكن نسبته كلياً لصاحبه ” انور السادات ” .. لسبب بسيط : هو ان الإعداد لذلك ” النصر ” ما كان ممكنا بدون الإعداد المكثف واعادة البناء للجيش المصري من تسليح وتدريب وقيادات خلال حرب الاستنزاف المجيدة .. والتي ما كان ممكنا بدونها ” تطعيم ” الجندي المصري بالثقة والخبرة والقدرة التي اكتسبها خلال تلك السنوات من الاشتباك مع العدو .
****
لماذا قامت ثورة يوليو
يرجع البعض إرهاصات ثورة يوليو 1952 إلى هزيمة الجيش المصري في حرب فلسطين عام 1948 .
وقد يبدو ذلك صحيحا من الوهلة الأولى .. فقد دأب الفكر السياسي .. بشكل عام .. على اعتبار الهزائم العسكرية سببا مباشرا .. وربما وحيدا .. على نهاية الأنظمة السياسية .
واعتقادنا ان نهاية أي نظام سياسي يكمن في عدد كبير من الأسباب .. قد تكون الهزيمة العسكرية احداها .. ولكنها قد تكون دافعا في أحيان أخرى على اعادة صياغة النظام السياسي وتجديده .. كما سنرى فيما بعد .

أظن ان العامل الحاسم في اندلاع الثورة هو فشل الحركة الوطنية المصرية عن تحقيق نجاح حاسم لمسألة الأحتلال البريطاني لمصر منذ عام 1882 ..
وربما يعود ذلك .. في شق كبير منه .. الى غياب دور الجيش المصري .. كقوة مؤسساتية في النضال الوطني من اجل التحر ر من الإحتلال والإنحياز للحركة الوطنية منذ هزيمة الثورة العرابية ..
الواقعة التي لا ينتبه لها الكثيرون من منتقدي ثورة يوليو 1952 .. أن النضال من اجل الجلاء وإزالة الإحتلال البريطاني كان هو المطلب الوحيد الذي تمحورت حوله مطالب المصريين وحياتهم بشكل كامل تقريبا .
والسؤال الأساسي : أين كان يقف الجيش المصري خلال تلك المواجهة .. داخل معركة الاستقلال الوطني ام خارجها ؟؟
والإجابة واضحة …
كانت سلطة الإحتلال البريطاني قد فرضت نفسها سلطة عليا فوق الحكام الفعليين للبلاد من خلال قوتها العسكرية الغاشمة .
ولتأكيد سيطرتها وهيمنتها عملت على إضعاف الجيش المصري وتحطيمه وتجريد مصر من أي قوة حربية .
وقد تتابعت مؤامرات الإنجليز على الجيش المصري لمحو هويته الوطنية .. بالقضاء على ما تبقى من قوات الزعيم الوطني الخالد ” أحمد عرابي ” .
فأرسلوا الجيش المصري للقضاء على الثورة المهدية في السودان ..والتي كان يقود الجيش فيها قواد إنجليز غير أكفاء للجنرال ” هكسلي ” .. والذي تسبب بجهله العسكري في إبادة معظم الجيش المصري في موقعة ” شيكان ” في 5 نوفمبر عام 1883 .. أي بعد عام من الاحتلال !!!
وبعد انتهاء حملة الجيش المصري في السودان .. أنشأت بريطانيا جيشا مصريا هزيلا يفتقر للتسليح والكفاءة ..
ويفتقر قبل كل شيء للروح الوطنية والمعنويات القتالية .
وكان يرأس هذا الجيش ضابط إنجليزي ” سردار ” .. أي قائد عام .. ويتولى قيادته ضباط إنجليز .
وهبط عدد الجيش إلى عشرة آلاف ضابط وجندي .. وأستبعد الضباط الوطنيون .. وتفشى النفاق بين الضباط المصريين وخضوعهم للقادة الإنجليز وتملقهم لهم .
ومنذ الاحتلال عام 1882 .. أغلق البريطانيون المدارس الحربية والبحرية .. واقتصر التعليم العسكري على مدرسة واحدة يلتحق بها أعداد قليلة من الشباب الوطني .. ويقتصر التعليم بها على معلومات لا قيمة لها ..ويقوم بالتعليم فيها مدرسون معظمهم من الأنجليز .
وبعد اعلان 28 فبراير عام 1922 .. والذي اعترف صوريا بمصر كدولة مستقلة .. بقي الجيش المصري تحت قيادة ” السردار ” الإنجليزي .. وكان آخر سردار إنجليزي هو ” السير لي ستاك ” الذي أغتيل في 19 نوفمبر عام 1924 .. وأطاح إغتياله بوزارة الزعيم الوطني ” سعد زغلول ” .. وأعقب ذلك الإنذار البريطاني الذي قضى بإقصاء الجيش المصري عن السودان نهائيا !!
لكل هذا ..وغيره .. كانت قضية الاحتلال البريطاني .. والاستقلال الوطني هي القضية الأساسية وراء الحركة الوطنية المصرية منذ عرابي وحتى ثورة يوليو 1952 .
وقد حققت ثورة يوليو هذا الهدف من خلال حرب الفدائيين في القناة في نهاية عام 1953 .. التي كانت سببا مباشرا في إرغام البريطانيين على التفاوض وتوقيع اتفاقية الجلاء في 19 أكتوبر عام 1954 …. وإقرار جلاء الانجليز جلاء تاما عن الأراضي المصرية خلال فترة عشرين شهرا من تاريخ التوقيع على الإتفاق .
وقد تم جلاء آخر جندي إنجليزي يوم 18 يونيو عام 1956 .
وهكذا خرجت الجيوش البريطانية من مصر بعد 74 عاما من الإحتلال والمهانة والذل .
لقد انتصرت مصر في معارك عديدة للتحرر الوطني .. وانهزمت في معارك عديدة ..
لكن تبقى قضية الاستقلال الوطني .. وانهاء الإحتلال البريطاني لمصر .. هي الإنجاز للثورة المصرية .. وأهم نجاح للحركة الوطنية المصرية بأجيالها المختلفة وشهدائها الأبرار على مر أكثر من ثلاثة أرباع القرن .
وهي القيمة الكبرى التي يجب ان تحملها الاجيال المتعاقبة من المصريين : تحقيق الاستقلال الوطني .
انها “القيمة الخالدة ” التي يجب ان نحتفظ بها ..حتى لو بدا إنجازا محدودا لدى بعض كارهي الثورة لأسباب شخصية او نفسية او عقائدية تخصهم وحدهم !! .****
انهاء حكم الأسرة الأجنبية
قلنا في مقدمة هذا المقال كيف ان هناك في فرنسا بضعة عشرات أو مئات من الأفراد مازالوا يحنون للحكم الملكي ويدعون لعودته .
وفي مصر .. بعد ما يقرب من سبعين سنة .. على ثورة يوليو ١٩٥٢ .. لازال هناك من يحن للحقبة الملكية ويتحدثون عن مزايا الملكية .
ومهما كان عدد هؤلاء او أهميتهم أو حيثياتهم .. لكنهم ينسون .. ضمن ما ينسون ان هؤلاء الحكام ..منذ كبيرهم الأول محمد علي باشا .. حتى آخرهم فاروق الأول الأبن الوحيد لوالده الملك فؤاد لم يكونوا من أصول مصرية .. وان جدهم الأكبر فرض حكمه بقوة السلاح بعد أن اطاح بقادة الثورة الوطنية المصرية على الحكم العثماني والمماليك .. وبعد أن أبعد اضطهد زعيم الحركة الوطنية .. آنذاك .. السيد عمر مكرم .
ورغم هذا يمكننا هنا ان تتذكر بعض ملامح نظام الحكم الذي ثار عليه ضباط الجيش الأحرار في ٢٣ يوليو ١٩٥٢ :
1- لم يكن قد مضى على تولي فاروق حكم مصر ثلاثة شهور حتى كان رجال القصر والحاشية قد سيطروا عليه . ففي ٢٠ أكتوبر عين فاروق علي ماهر رئيسا للديوان الملكي دون موافقة الوزارة ..كما تقتضي التقاليد الدستورية .
2- في ٣٠ ديسمبر ١٩٣٧ تخلص فاروق من النحاس باشا رئيس الوزراء بطريقة مهينة بإصدار خطاب ” إقالة ” وليس قبول ” استقالة ” كما تقتضي الاعراف الديبلواسية حفاظا على كرامة رئيس الوزراء .. خصوصا انه كان زعيم الأغلبية وملقب بزعيم الأمة .
3- في سنة ١٩٤٤ يطلب القصر على لسان رئيس الديوان احمد حسنين باشا من السفير البريطاني الإذن في ان يتخلص من وزارة النحاس باشا .. وكان هذا الاستئذان شديد المهانة لمصر قبل ان تكون لشخص الملك ورئيس الوزراء النحاس باشا .
4- في ٨ أكتوبر عام ١٩٤٤.. وللمرة الثانية ..يرسل الملك فاروق خطاباً مهيناً للنحاس باشا .. بإقالته من الوزارة .. مع مافي ذلك من إهانة لزعيم المعارضة الشعبية الحقيقية آنذاك .
5- في سنة ١٩٤٦ كان بداية الانحدار الأخلاقي والسلوكي للملك فاروق حيث سمح لأفراد حاشيته بطلب الرشوة علناً لحساب الملك وحسابهم .. وأخذوا يتسلون بتغيير الوزارات .
6- استولى فاروق بطرق غير مشروعة على كثير من أراضي الأوقاف وطرد نظارها .. وانتزع من وزارة الأوقاف اكثر من ٤٥ الف فدان .. وانتزع عام ١٩٤٨ وقف زينب كريمة محمد علي المعروف بوقف شاوة ومساحته ٩ ألاف و ٣٨٠ فدان .
7- وانتزع لنفسه عام ١٩٤٥ من وقف الخديوي اسماعيل ١٦ الف و ٦٥٣ فدان .
8- وانتزع عام ١٩٤٨ من وقف الخديوي اسماعيل ٥٠ ألف و ٥٠٠ في المنتزة والمنصورية والمعتمدية .. وكان هذا الإنتزاع بموجب أوامر شفوية تسمى ” نطق سام” .. تبلغها الخاصة الملكية لوزارة الاوقاف .
9- في عهد وزارة النقراشي باشا الاخيرة ١٩٤٧- ١٩٤٨ .طلب الملك فاروق ان يتم اصلاح الباخرة المحروسة على حساب الدولة بنحو مليون ونصف المليون جنيه . ولما رفض النقراشي باشا هذا الطلب .. عاد فاروق لنفس الطلب بعد اغتيال الاخوان المسلمين للنقراشي باشا .. وأجابت الحكومة على طلبه ..وذهب معظم المبلغ عمولة له ولرجال حاشيته انطونيو بوللي والسمسار الملكي ” أدمون جهلان ” .
10- اشترى الملك فاروق يخته الخاص ” فخر البحار ” سنة ١٩٥٢ من الأمير يوسف كمال بمبلغ ٧٦ ألف جنيه .. ثم باعه إلى الحكومة بمبلغ ١٧٦ ألف جنيه بحجة ضمه للأسطول المصري .. ولكنه خصصه لرحلاته الخاصة دون دفع نفقان رحلاته واستعماله الشخصي ) محمد عبد الفتاح أبو الفضل .. تأملات في ثورات مصر ..ثورة يوليو ..ص ٢٤- ٢٦ ) .
كانت تلك بعض المؤشرات القليلة على فساد الحكم الملكي قبل الثورة .. ضمن مؤشرات كثيرة ..لا يتسع المقال لذكرها .. لكن نتركها للمهتمين من والأوفياء لتاريخ بلدهم وشعبهم .
اعلان الجمهورية المدنية
مهما كانت الإنتقادات التي توجه لشخصية عبد الناصر .. وبغض النظر عن موجات التملق أو الكراهية الذي تعرضت لها شخصيته ونظام حكمه .. فسيظل له الفضل الأول في تثبيت مفاهيم وقيم الدولة الوطنية الحديثة :
– ١- تأسيس النظام الجمهوري وحمايته من الإنهيار أو الإرتداد كل فترة حكمه.
٢- تأسيس الجيش الوطني الحديث وتخليصه من سيطرة ورقابة القواد والضباط الإنجليز
.
٣- إبعاد الجيش عن السياسة والحكم والانقلابات العسكرية .. الأمر الذي كان سائدا في المشرق العربي في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات ( سوريا والعراق ) وفي أمريكا اللاتينية ..
ورغم ما حدث في يونيو ١٩٦٧ من هزيمة عسكرية .. فقد نجح جمال عبد الناصر في اعادة بناء الجيش الوطني وتحويله لجيش محترف ومتفرغ لحماية الوطن بعد هزيمة يونيو 1967 .. وظل هذا الجيش الوطني بعيدا عن الحياة الحزبية والسياسية بالمعنى العام حتى يومنا هذا .
٤- طرح برنامج عمل اجتماعي ذو صبغة اشتراكية لتحقيق العدالة الاجتماعية والانحياز الصريح للفقراء والطبقات المتوسطة . ولعل ما قاله عالم النفس اللبناني ” علي زيعور ” في كتابه الرائد ” التحليل النفسي للذات العربية..” : كيف ان صورة جمال عبد الناصر في المخيلة الشعبية العربية صارت تستدعي في الذهن العربي صورة الحاكم القوي العادل الذي يأخذ من الأغنياء لصالح الفقراء “.
وربما يستدعي هذا ما قاله أحدهم : كيف ان جمال عبد الناصر نجح في ان يجعل من كلمة ” الأشتراكية ” كلمة تتردد على ألسنة المواطنين العرب في أبعد الكفور والقرى والفيافي الصحراوية المعزولة .. من خلال خطبه التي كان ينتظرها المواطنون العرب من المحيط ألى الخليج .. فتحققت له زعامة شعبية وفكرية طاغية .. غير مسبوقة او ملحوقة في التاريخ العربي كله .
.
٥- وضع فكرة التقدم والتنمية المستقلة والتصنيع الواسع للبلاد كهدف عملي للخروج من العلاقات الريفية والريعية والتحول للانتاج للاستهلاك المحلي والتصدير .
٦- ونجحت ثورة يوليو في وضع الأساس لدولة مدنية بعيدة عن الاستقطاب الطائفي والطبقي ..
لقد نجح جمال عبد الناصر في تأسيس دولة مدنية حديثة قائمة على الوحدة الوطنية في مواجهة الأخوان المسلمين دعاة الدولة الاسلامية او دولة الخلافة .. وفي مواجهة تيار ” الامة القبطية ” الذي يسعى لإيجاد دولة قبطية .
فقد نجحت ثورة يوليو في إلغاء المحاكم الملية في سبتمبر 1955 .. ثم الغاء المحاكم الشرعية ونقل وظائفها إلى المحاكم المدنية اعتبارا من اول يناير 1956 .. تأكيدا لوحدة المصريين امام المحاكم والقانون دون تمييز على أساس الدين .
ونجح عبد الناصر من خلال علاقة مميزة مع البابا كيرلس السادس من بناء الكاتدرائية الكبيرة بالعباسية .. وقال للبابا كيرلس انه يسمح له ببناء 25 كنيسة كل عام في الاماكن التي يحددها البابا .. خلافا للقانون الصادر في 1930 بشأن شروط بناء الكنائس .
ويذكر في هذا الصدد القانون الذي صدر خلال الحقبة الناصرية والذي كان يجعل الترقي للوظائف القيادية العليا بالأقدمية المطلقة في الوظائف العليت .. لمنع اي تمييز طائفي في قمة الجهاز الإداري ( تم تغيير هذا القانون في الحقبة الساداتية .. حيث اصبح الإختيار للوظائف القيادية العليا بالإختيار من رئيس الوزراء او رئيس الدولة ) . ( راجع : دكتور عاصم الدسوقي .. مقامات ناصرية .. كتاب الجمهورية .. ص 230 )
.٦- طرح فكرة القومية العربية كشعار عملي لمستقبل مصر مع شقيقاتها العربيات .. ورغم نكسة الإنفصال بين مصر وسوريا عام ١٩٦١ .. لكن يظل خيال جمال عبد الناصر هو المعبر المثالي لأحلام الشعب العربي بوحدته السياسية والقضاء على التجزئة . وتظل قيادته لثورة يوليو ولمصر هي الحقبة الأكثر نضالا من اجل الوحدة العربية ومساندة نضال الشعوب العربية والأفريقية على التخلص من الاستعمار والهيمنة الأجنبية .
قد تبدو تلك القيم باهتة الآن .. لكنها في زمنها .. في الخمسينات كانت محورا للنضال والموت والإستشهاد .. رغم النكسات والهزائم ..
وغيابها اليوم .. لا يعني طوباويتها .. قدر ما يعني انحطاط الواقع الحالي للعرب . انها النقيض الذي يثبت جاذبية النقيض الاول ومدى تأثيره في الوعي العربي المختزن حتى لحظتنا الراهنة .
ان محدودية الانجاز في كل هذه الأهداف .. أو الإرتداد عنها وعليها .. لا يمكنه أن يمنع من استمرار تأثيرها في الواقع .. ولا يمنع توق المواطن العربي لها .. ولا يؤثر في وهجها على العقل العربي .. .
ومهما احتشد أعداء التقدم او زيفوا من حقائق التاريخ .

عن admin

شاهد أيضاً

اعتذار إلى عبدالناصر - بقلم : عبد الله السناوي

نشر فى : الأربعاء 15 مارس 2017 - 10:10 م | آخر تحديث : …

تعليق واحد

  1. حَسن بُوحجي

    آخر خطاب للزعيم عبدالناصر في ٢٣ يوليو عام ١٩٧٠م في ذكرى قيام الثورة.

    https://youtu.be/X8TMTFAz6dY

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *