الرئيسية / حوارات ناصرية / المقال الثالث فاروق يطلب تدخل البريطانيين والأمريكان - بقلم : دكتور صفوت حاتم

المقال الثالث فاروق يطلب تدخل البريطانيين والأمريكان - بقلم : دكتور صفوت حاتم


المقال الثالث (3 – 4 )
فاروق يطلب مساندة الأنجليز والأمريكان لسحق حركة الضباط
استعرضنا في الأسبوعين الماضيين شهادات حيّة لشخصيات التي عاصرت عن قرب شديد اللحظات الأخيرة لنهاية الحكم الملكي .. وأسرة محمد علي في مصر .. بعد نحو 147 عاما على تولي ” محمد علي ” ولاية مصر وحكمها عام 1805 .
وكانت الشهادة الأولى لأحد ضباط الحرس الملكي .. هو المرحوم ” محمد وفاء حجازي ” .. الضابط في الحرس الملكي .. والذي كان مناوبا في قصر رأس التين لحظة اندلاع حركة الضباط الأحرار .. وكان شاهدا على على توقيع فاروق لوثيقة التنازل عن العرش لإبنه .. ثم مغادرته البلاد على متن اليخت المحروسة .
واستعرضنا كذلك شهادة المستشار ” سليمان حافظ ” .. الرجل الذي صاغ وثيقة التنازل .. والذي قدمها بنفسه لفاروق لتوقيعها .
لماذا إستسلم فاروق ؟
للأجابة عن هذا السؤال نعود لمذكرات المستشار سليمان حافظ .. الرجل الذي قدم وثيقة التنازل عن العرش للملك السابق فاروق .
يجيب ” سليمان حافظ ” على هذا السؤال قائلا :
“.. وإذا كان نزول الملك عن عرشه قد تم بهذه السهولة دون سفك دماء ولا متاعب , فإنما يرجع الفضل في ذلك , بعد الله , وما ألقاه الله في قلبه من رعب نتيجة مباغتة القوات الثائرة له , وإدراكه ألا ملجأ له منها , أن الشعب كان أشد سخطا عليه منها , ويرجع الفضل بعد هذا كله إلى ما أبداه ” علي ماهر ” من مهارة وحزم وحضور ذهن وسرعة خاطر في إقناعه بذلك .. وهي صفات كان يمتاز بها ” علي ماهر ” على سائر أقرانه من السياسيين القدامى في مواجهة الأحداث المفاجئة ” ( سليمان حافظ , مصدر سابق , صفحة 45 ) .
وهكذا نرى من شهادة المستشار ” سليمان حافظ ” أن فاروق طاف بذهنه خاطر مقاومة الضباط الثائرين .. وصورت له ظنونه أن لديه من قوات الجيش الموالية له , ما يمكنه من هزيمة الضباط الثائرين .. كما فعل جده الخديوي توفيق مع عرابي وصحبه .
وهنا يثور سؤال : هل كان الإشتباك الذي حدث بين الضباط المحيطين بفاروق والقوات المحاصرة لقصر رأس التين بناء على مبادرة من ضباط الحرس الملكي أم بناء على أوامر من فاروق نفسه ؟؟
شهادة الضابط والمؤرخ أحمد حمروش
للأجابة على هذا السؤال , من المهم الإستماع لشهادة المرحوم ” أحمد حمروش ” .. أحد الضباط الأحرار الذي شاركوا عن قرب في وقائع تلك الأيام .. وكان مسؤولا عن القوات التي تحركت إلى الأسكندرية لمحاصرة فاروق في الأسكندرية .. وهو في الوقت ذاته أحد المؤرخين الجادين لوقائع ثورة يوليو ..
يقول أحمد حمروش :
” .. ولما كان الملك في الأسكندرية , فقد أخذت الأنظار تتجه إليها , وخاصة بعد أن استتب الأمن في القاهرة , وحوصر قصر عابدين , , وتم أعتقال كبار ضباط الجيش , والقلم السياسي , ومدير الأمن . . ولم تكد تهدأ أنفاس الضباط الأحرار في القاهرة , حتى كان الأمر قد استقر على إرسال وحدات إلى الأسكندرية تمهيدا لعزل الملك . بناء على تكليف لزكريا محيي الدين بوضعها , كما وضع من قبل خطة تحريك القوات يوم 22\ 23 يوليو . لم يكن تحريك القوات إلى السكندرية مجرد مظاهرة عسكرية , ولكنه كان ضرورة تقتضيها ظروف الحيطة والحذر من تصرفات الملك , الذي كان مجرد وجوده يمثل خطرا حتى اللحظة الأخيرة . فالبحرية .. مثلا .. كانت خاضعة له خضوعا كاملا ولم تسهم بأي دور في الحركة .. وقوات الجيش هناك كانت محدودة .
لم يكن الملك يائسا .. كان يبحث عن طريقة للخروج من هذا المأزق .. كانت كلماته التي حملها مرتضي المراغي إلى محمد نجيب تحمل تلميحا باحتمال تدخل القوات البريطانية في الموقف كما حدث في أيام أحمد عرابي . ( أحمد حمروش , قصة ثورة يوليو , ص 227 )
اللجوء للأمريكان
كان فاروق يحاول بكل الطرق انقاذ عرشه . فلما يئس من البريطانيين , فكر في اللجوء للأمريكان لإقناعهم بالتدخل لدى البريطانيين وانقاذه من حركة الضباط . وهكذا استدعى الملك فاروق ” جيفرسون كافري ” سفير أمريكا لمقابلته في سراي المنتزة يوم 23 يوليو . وطلب منه فاروق أن يطلب من حكومته اقناع الحكومة البريطانية بحاجة الملك الشديدة لتدخل قواتها .
وهنا تضيف الدكتورة ” لطيفة سالم ” في كتابها الموسوعي ” فاروق وسقوط الملكية في مصر …”
الوقائع التالية :
1- ان فاروق قد أيقن خطورة الموقف ودقته وانهارت حالته وانقلب استهتاره إلى خوف سيطر عليه .. ودق تليفونه عدة مرات عن السفير الأمريكي ( كافري ) وفي كل مرة كان يقول له ( أي فاروق ) ان التدخل الاأجنبي فقط هو الذي يمكن ان ينجيه هو واسرته .. وان لم يطلب بالتحديد تدخل القوات البريطانية .. إلا ان هذا الأمر كان واضحا ” ( لطيفة سالم .. ص ٩٨٩ ) .
وتضيف ” لطيفة سالم ” ..بالأعتماد على الوثائق البريطانية ل ” كراسويل ” .. الوزير المفوض بالسفارة البريطانية .. والمسؤول عن السفارة في غياب السفير :
” ان السفير الأمريكي كافري اتصل بالوزير المفوض ” كراسويل ” والقائم بالأعمال ليقف منه على رد الفعل على اتصالات فاروق .. فبين له : كراسويل ” انه عليه تبليغ الملك بان قائد القوات البريطانية بُلغ تبليغا كاملاً بالأحداث .. وان وجهة نظره الشخصية .. أي كراسويل ” .. ان المسألة داخلية بحتة ..وأنه لا يعتقد أن الحكومة البريطانية ترغب في استخدام القوات البريطانية لهذا الغرض .
وتضيف ” لطيفة سالم ” نقلا عن مذكرات ووثائق كراسويل ( بالانجليزية ) ان كراسويل سأل السفير الأمريكي كافري عما يمكن ان تكون هذه الإجابة سبباً في مغادرة فاروق لمصر ( !! )
****
فأجابه كافري بأن الملك في حالة ذعر رهيب ( !!! ) ..لكنه سيعمل كل مافي وسعه ليجعله هادئا وثابتاً .. فطلب منه القائم بالأعمال البريطاني ” كراسويل ” ان يعطيه هذه النصيحة منه أيضا … وانه إذا حافظ على هدوئه فربما يتخطى الأزمة ويخرج منها كحاكم دستوري .. وفي اللحظة التي كتب ” كراسويل ” خطابا لحكومته .. وصل رسول من طرف محمد نجيب .. أرسل إليه عن طريق عضو من السفارة الأمريكية ..ومعه رسالة بأن الحركة في مجموعها هي عمل داخلي وهدفها الرئيسي القضاء على الفساد وان أي تدخل بريطاني سيقاوم !!! ( كراسويل .. منقول من لطيفة سالم .. ث ٩٩٠ ) .
٢ - وفي نفس الموضوع يضيف المؤرخ ” أحمد حمروش “
ويقول ” ايدن ” في مذكراته أنه قد أوضح للسفارة البريطانية في القاهرة ان القوات البريطانية لا يجوز أن تتدخل لإبقاء فاروق على العرش . ولذا فإن السفارة البريطانية لم ترد على السفير الأمريكي ” كافري ” ردا مشجعا بعد اتصالات عاجلة تمت بين لندن وواشنطن ؟؟ كما يقول الوزير البريطاني ” أنتوني ناتنج ” في كتابه المهم ” ناصر ” .
ويعقب ” أحمد حمروش ” على هذه الوقائع بجملة واحدة موحية : ” وهكذا لم تثمر جهود ” الملك ” في استجلاب تدخل بريطاني
أو أمريكي لحماية عرشه ” . ( قصة ثورة يوليو … , صفحة 227 ) .
3- وتضيف ” لطيفة سالم ” واقعة مهمة في هذا الصدد ان الخارجية البريطانية ارسلت ردها فورا للقائم بالأعمال والوزير المفوض ” كراسويل ” الذي توافق فيه على رأيه بعدم التعرض ” للحركة ” لما في ذلك من نتائج سيئة .. وان على كافري ( السفير الامريكي ) تهدئة فاروق .. وتتعشم ان يحرص على عدم اتخاذ أي عمل وهو في حالة الرعب التي تتملكه ( !! ) . ويكتب وزير الدفاع البريطاني ليؤيد موقف ” كراسويل ” لما في الوضع من حساسية .. ويبين انه من الأساس ضرورة تجنب اي عمل يثير القوات المسلحة المصرية .. وأنه ان لم تظهر اي مخاطر على ارواح البريطانيين أو ممتلكاتهم في مصر .. او على أمن القوات البريطانية في منطقة القناة .. وعليه فيجب ألا تتخذ أيه تحركات خارج منطقة القناة او اي عمل يخطط لإغلاقها !! ( لطيفة سالم .. ص ٩٩١ ) .
4- انه في حدود الساعة الثالثة من ظهر يوم ٢٣ يوليو .. وبعد ان قابل الملك رئيس وزراءه ” نجيب الهلالي ” الذي اعلمه بنيته ( أي الهلالي ) بنيته في تقديم استقالته .. ارسل فاروق للسفير الامريكي ” كافري” ليذكر له انه ليس لديه بديل .. ولابد من تكليف علي ماهر بتأليف الوزارة .. ووصف ضباط الحركة بأنهم ( وقحون ) .. وشكا له من البريطانيين ..مشيرا انهم وراء الفتنة .. فدحض السفير الامريكي ذلك .. وابلغ فاروق ان اول انطباع لحكومته ( الحكومة الامريكية ) ان يتحكم الملك في أعصابه .. وانه اذا تصرف بحكمة وضحى ببعض مستشاريه الفاسدين فيمكنه إسترداد ما فقده . ( لطيفة سالم .. ص ٩٩٣ ) .
فهل نفذ فاروق نصيحة السفير الأمريكي ؟؟
يقول ” أحمد حمروش ” في كتابه ” قصة ثورة يوليو ” ما يلي :
” …وكان الملك قد جمع حوله ” أنطون بوللي ” , ” كافتسي ” ( مدرب الكلاب ) , ” جارو ” ( الحلاق ) , والقائمقام ” حلمي حسين ” ( السائق ) , و ” محمد حسن ” ( الشماشرجي ) , والأميرلاي ” محمد أبو النصر ” ( مدير مشاة الحرس الملكي ) , والياور ” علي مقلد ” والياور الجوي ” حسن عاكف ” .. وطلب منهم صد الهجوم عن القصر بتوجيه نيران الهجانة ومدافع الماكينة على الدبابات الرابضة خارج الأسوار .. وبدأت الطلقات المتبادلة .. ثم أمر الملك بوقف الضرب عندما أبلغ أن مدفعا كبيرا مصوبا فوهته على صالة القصر ” . ( أحمد حمروش , قصة الثورة , ص 228 ).
وهكذا أدرك فاروق أن توازن القوى ليس في صالحه .. وأن قوات الحركة سيطرت على الموقف .. ونجحت في حصاره مع أسرته .
وقرر الإستسلام .. ومغادرة البلاد .
شهادة مرتضى المراغي
وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر .. يهمنا أن نذكر هنا ما كتبه ” مرتضى المراغي ” آخر وزير للداخلية في عهد فاروق بصدد الإتصالات الأخيرة للملك فاروق بالإنجليز والأمريكان ..
وتكتسب مذكرات الأستاذ ” مرتضي المراغي ” أهمية خاصة واستثنائية من كونها صادرة عن رجل كان أخر وزير داخلية في عهد فاروق .. أي انه الرجل الذي كانت تصب في مكتبه كل التقارير السرية لجهاز الأمن المصري عن الأحداث والشخصيات والأحزاب السياسية والمنظمات السرية .. ومنها تنظيم الضباط الأحرار .
ورغم الإحتراز الواجب في النقل عن ” مرتضى المراغي ” .. الذي حاول في مذكراته غسل سمعته عن الفساد الذي لحق بدوائر الحكم .. وخصوصا الفساد المتعلق بالملك وحاشيته .
****
الإتصال بالإنجليز
يقول الأستاذ ” مرتضى المراغي ” عن واقعة الإتصال بالسفارة البريطانية ما يلي :
” .. لقد أراد الملك فاروق فعلا أن يستعين بالإنجليز في اليوم التالي لقيام الثورة . فأرسل مبعوثا إلى السفارة البريطانية قابل فيها الوزير المفوض مستر ” كرسويل ” الذي كان قائما بأعمال السفير . ودار بينهما هذا الحوار :
- المبعوث : أنا موفد من الملك فاروق برسالة إليك .
- المستر ” كرسويل ” ( بسخرية ) : وما هي الرسالة ؟
- المبعوث : إنه يود معرفة ما إذا كنتم تستطيعون مساعدته ؟
- كرسويل : وهل تظن أننا نساعد مجنونا ملعونا( Dam fool) ؟
وهكذا ترك الإنجليز فاروق لقدره !! ( مرتضى المراغي .. شاهد على حكم فاروق . ص 290 )
ويبقى سؤال : هل حاول فاروق مقاومة الضباط قبل ان يستسلم لقدره ؟؟
سؤال نجاوب عليه في المقال القادم …

عن admin

شاهد أيضاً

اعادة إكتشاف عبد الناصر - بقلم الأخواني السابق: أحمد بان

.. وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر، فى مثل هذه الأيام رحل عن عالمنا هذا الراحل …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *