الرئيسية / حوارات ناصرية / «لعبة الأمم» التى أغضبت شفيق أحمد على

«لعبة الأمم» التى أغضبت شفيق أحمد على

5 سبتمبر 2015

0

كتب : حمدي الحسيني

قبل أكثر من عشرة أعوام، دخل على مكتبى فجأة صديقى شفيق أحمد علي، بسرعة.. كل من يعرفه يعلم أن الابتسامة لم تكن تغادر وجهه البشوش، لكن فى تلك اللحظة تحولت ابتسامته المعتادة إلى عبوس، وغضب ظاهر على ملامحه لدرجة أوشكت أن تدمع عيناه.

السبب فى كل هذا أنه وجدنى منهمكاً فى قراءة كتاب «لعبة الأمم» لضابط المخابرات الأمريكى الشهير مايلز كوبلاند.
بعد لحظات من الصمت المغلف بالعتاب.. قال: أنا حزين جداً، وأخشى عليك من أن يلوث أفكارك هذا الكذاب الحاقد، الذى يحتقر العرب ويضمر الشر والخبث لهم، ويعتمد على روايات مزيفة لتشويه وتلويث سمعة جمال عبد الناصر.
الأستاذ شفيق لم يترك لى فرصة الدفاع عن «جريمتي»، ولم يهدأ إلا بعد أن تعهدت له بعدم تصديق هذا «الكاذب»، وأن القصة كلها تتركز فى معرفة كيف ينظر الكارهون والحاقدون إلى الأمة وزعمائها!
أصعب شيء على النفس أن تعدد مناقب زميل أو صديق رحل عنا، لكنى وبضمير مرتاح أزعم أن الأستاذ شفيق كان نموذجاً لعاشق الصحافة الغيور على المهنة والمحب لزملائه والداعم لكل ضعيف محتاج، كما أنه أحد السابحين ضد التيار دائماً الذى لم يتربح من هذه المهنة الصعبة، بل ربما أخذت من صحته وجهده أكثر مما أخذ منها.
وأستطيع القول بلا تردد إن هذا الرجل لم يطعم ابنته «إيثار» وابنه «سخاء» من مال مشكوك فى مصدره، أو من رشوة أو عمولة أو أى مصدر مشبوه.
ورغم فارق السن بيننا، إلا أنه كان يمنحنى بعض ثقته وأسر بالعديد من خبايا حياته الثرية، سوف أتطرق لبعضها بما لا يخل بالثقة التى أولاها لي.. فقد دفع طوال حياته الصحفية الغنية ثمناً باهظاً بسبب مواقفه الصلبة ضد الظلم والفساد، كان أبرزها حرمان ابنه من تحقيق رغبته فى الالتحاق بكلية الشرطة رغم انطباق كافة الشروط عليه باستثناء رفض بعض الجهات.
والسبب أن والده مصنف لديهم باعتباره «ناصري» متعصبا!!.. لولا تدخل نقيب الصحفيين فى ذلك الوقت إبراهيم نافع الذى تعهد بحمل الملف إلى وزير الداخلية وحسم الأمر، ومع ذلك كان شفيق يقول: حتى لو حرموا ابنى من أبسط حقوقه لى الشرف أن يعاقبونى على إيمانى بأن عبد الناصر هو الزعيم الشعبى الوحيد الذى عرفته مصر فى العصر الحديث.
أزعم أن رحيل شفيق أزاح كابوساً ظل يؤرق الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره أبرز من تبنوا إحياء قضية مقاطعة العدو شعبياً ورسمياً، وأفنى قسماً كبيراً من حياته فى تأليف عدد من الكتب الهامة فى هذا المجال، فقد كان يردد بسعادة وفخر أنه لن يترك مطبعاً مع العدو يهنأ بتطبيعه، ولا جهة حكومية أو نقابية أو شعبية ترتكب هذه الجريمة بدون أن يلاحقها صحفياً ويفضحها أمام الرأى العام.
كنت معجباً بإصراره ومنبهراً بعزيمته الصلبة فى تبنى هذه القضية التى ماتت فى ضمائر الكثير من العرب منذ توقيع السادات على كامب ديفيد، ففى عام 1980 وقبل ظهور «موضة» التحقيقات الاستقصائية كان شفيق له الريادة فى عمل أهم تحقيق من هذا النوع حول فلاح القليوبية «سعد حلاوة» الذى لم يحتمل استقبال السادات لسفير إسرائيل بمصر وأصبح أول شهيد للتطبيع بعد كامب ديفيد، ففى نفس التوقيت الذى كان الرئيس السادات يعانق السفير الإسرائيلى «بن أليسار» فى قصر عابدين اتجه سعد حلاوة إلى مقر الوحدة المحلية بقرية أجهور بالقليوبية ومعه حقيبة جلدية بها رشاش ماركة بور سعيد صناعة محلية ومسدس روسى قديم وكمية من الطلقات، وراديو، وكشاف إضاءة وعدد من شرائط الكاسيت تتضمن عددا من الأغانى الوطنية التى غناها عبد الحليم وأم كلثوم وعبدالوهاب وغيرهم، واحتل المبنى ورفض مغادرته قبل أن يتراجع الرئيس عن قرار اعتماد سفير للكيان الصهيونى فى مصر.
تفاصيل المشهد نجح شفيق بأسلوبه المميز، ودقته المتناهية فى تجسيده لحظة بلحظة فى تحقيق صحفى مطول نشره على صفحات جريدة الأهالى التى عاندت السادات فى توجهاته نحو إسرائيل، ثم نشرها فى كتاب بديع يحمل اسم سعد حلاوة.
لم يكتف بالنضال ضد المحتل على الورق، بل سافر على نفقته الخاصة إلى أقصى مكان بالقارة السمراء وبالتحديد فى مدينة ديربان بجنوب أفريقيا للتظاهر ضد عنصرية إسرائيل على هامش المؤتمر الذى أشرفت عليه الأمم المتحدة عام 2001.
لم أستغرب أن يقتطع شفيق من قوت أولاده كى يعلن ويرضى ضميره فى التعبير العملى عن إيمانه بخطورة المحتل على مصر والمنطقة، لذلك ربما تكون إسرائيل سعيدة برحيل واحد من أشرس خصومها فى الصحافة المصرية.
كنت أتعرف على حالته الصحية من نبرات صوته، فقد أبلغنى ذات مرة بأن مرضه الأخير، كشف له معادن رفاقه، فقد فوجئ بزميلنا عادل حمودة يدفع نفقات إحدى العمليات الجراحية، وحتى لا يجرح مشاعره، قال لابنته «إيثار» التى كانت ترافقه إن هذا المبلغ كان ديناً عليه لوالدها.
بحكم تجاور مكاتبنا فى روزاليوسف جمعتنى جلسات جميلة معه وشاركتنا فى العديد منها الكاتبة المبدعة زينب منتصر، فقد وقفنا بالمرصاد فى مواجهة من اعتادوا الترويج للتطبيع وأصحاب السمعة السيئة، فكنت محظوظاً بتلك الصحبة التى كان يحل عليها من حين لآخر رابعنا الراحل مجدى مهنا، فعاصرت العديد من المعارك التى خاضها شفيق أحمد على فى روزاليوسف وغيرها، وكلها كانت تبدأ وتنتهى بانتصاره لمهنته وغيرته على مقالاته وجهده، فأغلب تلك المعارك كانت تتعلق بحقه فى الدفاع عن الضعفاء والمظلومين.

عن admin

شاهد أيضاً

80363737_2921875331164758_5594966841807077376_n

العدالة الاجتماعية.. «أمير الفقراء» رسخها فى وجدان المصريين

| كتب: أحمد بلال |   «لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون الغنَى …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *