الرئيسية / تقارير وملفات / لما قامت مصر تلعن الجوع والمذلة.. انتفاضة 18و 19 يناير1977. تهزم ادعاء المؤامرة”فيديو وصور”

لما قامت مصر تلعن الجوع والمذلة.. انتفاضة 18و 19 يناير1977. تهزم ادعاء المؤامرة”فيديو وصور”

 

  • خالد محمد
قبل انطلاق ثورة 25 يناير 2011 بأكثر من ثلاثة عقود، وقع ما يمكن أن نسميه “يناير الأول”، الذي انتفض فيه الملايين من المصريين في توقيت واحد، في مختلف محافظات مصر يومي 18 و19 يناير من عام 1977، احتجاجًا على القرارات المفاجئة للحكومة وقتها برفع أسعار عدد من السلع الأساسية.

تلك “الانتفاضة” وصفها الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم، في قصيدة شهيرة له، بـ”البشاير”، حين قال: “كل ما تهل البشاير.. يوم تمنتاشر يناير.. لما قامت مصر قومة بعد ما ظنوها نومه.. تلعن الجوع والمذلة والمظالم والحكومة؟”.. “حد فيهم كان يصدق.. بعد جهل وبعد نوم.. إن حس الشعب يسبق أي فكر وأي صوت.. هي دي مصر العظيمة”.

كانت “مصر العظيمة” مع بدايات عهد السادات على أعتاب تحول كبير في سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة خلال عهد سلفه جمال عبد الناصر؛ من توجهات منحازة للغالبية العظمى من الشعب والفقراء، تعتمد على التخطيط والقطاع العام، إلى ما سمي بالانفتاح الذي وصفه لاحقا “أحمد بهاء الدين” بأنه “انفتاح السداح المداح” الذي استفاد منه، في المقام الأول، الرأسمالية الطفيلية والمضاربون والفاسدون.

ويعرض “حسين عبد الرازق”، في كتابه “مصر في 18 و19 يناير”، جانبا من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي مهدت “لانتفاضة الشعب المصري” في هذه الأحداث، مشيرا إلى أن سياسة الانفتاح والمناطق الحرة وتوقف التخطيط القومي أدت إلى بروز عدد من الأمراض والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما في السنوات التالية لحرب أكتوبر، كان من بينها ضرب الصناعة المصرية لحساب الأجنبية، وانخفاض معدلات الزيادة في الإنتاج الصناعي من 12% في المتوسط إلى 5% عام 1976.

“وقد ترافق مع ذلك سلسلة من الارتفاعات في أسعار المواد الأساسية جعلت الحياة “مغامرة صعبة”، وطبقا للإحصاءات الرسمية، فقد ارتفع رقم تكاليف المعيشة من عام 1973 إلى عام 1976 بنسبة 42% خلال 3 سنوات. وبينما الحال كذلك، والصحف الرسمية تخرج على الناس، قبيل أيام من 18 و19 يناير، بمانشيتات من نوع “تثبيت أسعار جميع السلع عام 1977، وتحسين أوضاع العاملين في الدولة”، و”السادات يطلب ألا يتحمل هذا الجيل كل التضحيات”، أعلن الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء ورئيس المجموعة الاقتصادية، في 17 يناير، زيادة مباشرة في أسعار البنزين والبوتجاز والسكر والسجائر، وإلغاء الدعم بما يوفر للدولة 277 مليون جنيه يتحملها المستهلك في شكل زيادة في الأسعار، ابتداء من أسعار الدقيق الفاخر والذرة والسمسم والحلاوة الطحينية والفاصوليا واللحوم والشاي والأرز وصولا للمنسوجات والملبوسات.

استيقظ المصريون صبيحة اليوم التالي (18 يناير)، ليجدوا قرارات رفع الأسعار حقيقة واقعة، وليس أمامهم من وسيلة للتعبير عن غضبهم سوى النزول للشوارع والحارات بشكل تلقائي، في مختلف أنحاء مصر، بحسب شهود العيان وقتها، احتجاجا على الارتفاعات التي جاءت لتجعل حياتهم الصعبة أصلا غير ممكنة، وهو ما عبرت عنه شعارات الانتفاضة التي كان من بينها مثلا: “مش كفاية لبسنا الخيش.. جايين ياخدوا رغيف العيش”، و”يا حرامية الانفتاح.. الشعب جعان.. مش مرتاح”، و”قولوا للنايم في عابدين.. العمال بيباتوا جعانين”.
استمرت مظاهرات المصريين السلمية طوال يوم 18 يناير، وبينها عدد من المظاهرات العمالية والطلابية المنظمة، إلا أنه بحلول المساء تحولت بعض المظاهرات إلى العنف والتخريب بعد التعامل العنيف من جانب قوات الأمن المركزي، التي سعت لتفريقها، وبعد اندساس “شراذم من الغوغاء وضعاف النفوس والمخربين” في أوساطها، بحسب التقارير الأمنية وقتها، وهو ما أعطى السادات ذريعة لمحاولة وصم الانتفاضة بأنها “انتفاضة الحرامية”، ولم تتوقف المظاهرات ومعارك الشوارع إلا بعد إعلان الحكومة إلغاء قرارات رفع الأسعار بعد ظهر يوم 19 يناير.
ورغم أنه كان واضحا للعيان أن قرارات رفع الأسعار ومن قبلها السياسات الاقتصادية التي أضرت الاقتصاد الوطني وأدت لارتفاع تكاليف المعيشة إلى حد غير مسبوق، هي المسئول الأول عن هذه الأحداث التي كانت أكبر من أي قوى سياسية، إلا أن الخطاب الحكومي والأمني ركز على وتر “المؤامرة”، محاولا إلصاق التهمة باليساريين بكل ألوانهم من أعضاء حزب التجمع والماركسيين والناصريين، بتهمة “تحريك وتزعم وتهيئة المناخ” لهذه الأحداث.

وعلى سبيل المثال فقد جاء في المحضر الذي حرره العقيد منير محيسن بإدارة مباحث أمن الدولة في القاهرة في الساعة الواحدة فجر يوم 19 أنه “بالنسبة لأحداث الشغب والمظاهرات التي حدثت بالمدينة، صباح أمس، ثبت من التحريات والمعلومات المتوفرة لدى الفرع أن المتزعمين والمحركين لتلك الأحداث من العناصر الماركسية ومدعي الناصرية”، لتبدأ واحدة من أكبر حملات الاعتقالات لليساريين، وكان بين المطلوبين من توفي قبل الأحداث بفترة ومنهم من سافر خارج البلاد منذ سنوات.

ولاحقا في خطاب رئيس الوزراء آنذاك، ممدوح سالم، أمام مجلس الشعب، ردا على عدد من طلبات الإحاطة حول انتفاضة 18 و19 يناير، تكررت كلمات التآمر والمؤامرة عشرات المرات، ربما أكثر من أي كلمة أخرى، إذا يقول على سبيل المثال: “إن أخطر ما نتعرض له الآن، أن يتوه عن وعينا القومي الصلة العضوية الوثيقة بين هذا التآمر التخريبي، وصلته بالتيارات السياسية العالمية والداخلية، التي لا تريد لقضيتنا القومية الرئيسية حلا”، مضيفا في موضع آخر: “إن كل من يهدف عن عمد أو غير عمد إلى حصر هذه الأحداث وهذا التآمر في نطاق القرارات الاقتصادية لن يحقق إلا عزلته عن الفكر العالمي الإجماعي”.

غير أن أحكام القضاء، التي هي “عنوان الحقيقية”، كما يقولون، جاءت لتنسف الادعاءات السابقة، إذ قالت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار محمود رياض الزيدي في حيثيات حكمها ببراءة 43 متهما: “كان لإذاعة بيان الموازنة بما حواه من رفع الأسعار في الوقت الذي كانت تنتظر فيه جماهير الشعب من الحكومة عكس ذلك، رد فعل قوي على مختلف طوائف الشعب أثارت أعصابه، فبدأت مجموعات من الطلبة والعمال منذ صباح 18 يناير تنتظم في مسيرات تعبر عن اعتراضها على سياسة رفع الأسعار، وكانت تردد بعض الهتافات المعادية للحكومة احتجاجا على سياستها في هذا الصدد. وكانت هذه الوسيلة للتعبير عن رأيهم، إنما دفعهم إليها ما عانوه خلال الفترة الطويلة الماضية وتلك الصدمة التي أحدثتها رفع الأسعار، ولم يكن هدفهم التخريب أو التدمير بدليل أنهم، وحلوان إحدى قلاع الصناعة في مصر وبها العديد من المصانع، لم يحاولوا المساس بأي من هذه المصانع أو الماكينات الموجودة بها وهي تساوي الملايين من الجنيهات بل كان لهم من وطنيتهم ما جعلهم يحولون بين وصول أي يد مخربة أو منحرفة داخل مصانع”.

وغير بعيد عما سبق، جاء رد محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار حكيم منير صليب، في القضية التي اتهم فيها عددا كبيرا من رموز وكوادر اليسار، والتي أشارت حيثيات الحكم فيها إلى أنه “بينما أولاد هذا الشعب غارقون في بحار الأمل، إذا بهم وعلى حين غرة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التي تمس حياتهم وأقواتهم اليومية، وهكذا دون إعداد أو تمهيد، ومن أين لجل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل أن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون، وإذا بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلى الطرقات والميادين، وكان هذا الخروج توافقيا وتلقائيا محضا، وإذا بهذه الجموع تتلاحم زاحفة معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات التي حطمت الآمال. والذي لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18 و19 يناير كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار، ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلى سبب آخر”.
_______________________________________________________________________________

انتفاضة 18 و 19 يناير - 1977

والله لبكرة يطلع النهار ياخال
والله لبكرة يطلع النهار ياخال

وتبقي الدنيا عال

والشمس تيجي تيجي من ورا الجبال

قبل إنتفاضة الخبز عام 1977، قامت قطاعات عمالية كثيرة بإضرابات وانتفاضات في 75 و 76 فقد كان شعب مصر يحلم بالرخاء الاقتصادي الذي وعد به أنور السادات بعد حرب 73 وتحوله من الاشتراكية للراسمالية وتقربة من الولايات المتحدة الأمريكية الا انة في يوم 17 يناير 1977 اعلن نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسونى في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الاقتصادية منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والشاى والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط، وكانت الإجراءات تشتمل على تخفيض الدعم للحاجات الأساسية بصورة ترفع سعر الخبز بنسبة 50% والسكر 25% والشاي 35% وكذلك بعض السلع الأخرى ومنها الأرز وزيت الطهي والبنزين والسجائر.

بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة في شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية وفي مصانع الغزل والنسيج في شبرا الخيمة وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالأسكندرية وبدأ العمال يتجمعون ويعلنون رفضهم للقرارات الاقتصادية وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر وبسقوط الحكومة والنظام رافعة شعارات منها:
«ياساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور

ياحاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين
عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم م العمال
سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه
هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة
بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض
لا اله الا الله السادات عدو الله»

تطورات الانتفاضة الشعبية

بدات نفس المظاهرات في الجامعات وانضم الطلاب للعمال ومعهم الموظفين والكثير من فئات الشعب المصري في الشوارع والميادين القاهرة والمحافظات يهتفون ضد النظام والقرارات الاقتصادية وحدثت مظاهر عنف منها حرق اقسام الشرطة وابنية الخدمات العامة ومنها أقسام الشرطة (الأزبكية والسيدة زينب والدرب الأحمر وقسم شرطة إمبابة والساحل وحتى مديرية أمن القاهرة)، واستراحات الرئاسة بطول مصر من أسوان حتى مرسى مطروح واستراحة الرئيس بأسوان، ووصل الهجوم إلى بيت المحافظ بالمنصورة وتم نهب أثاثه وحرقه، ونزل إلى الشارع عناصر اليسار بكافة أطيافه رافعين شعارات الحركة الطلابية، واستمرت هذه المظاهرات حتى وقت متأخر من الليل مع عنف شديد من قوات الأمن وتم القبض على مئات المتظاهرين وعشرات النشطاء اليساريين.
إخماد الانتفاضة

استمرت الانتفاضة يومي 18 و 19 يناير وفي 19 يناير خرجت الصحف الثلاثة الكبري في مصر تتحدث عن مخطط شيوعي لاحداث بلبلة واضطرابات في مصر وقلب نظام الحكم وقامت الشرطة بالقاء القبض علي الكثير من النشطاء وزاد العنف في ذلك اليوم ثم اعلن في نشرة أخبار الثانية والنصف عن الغاء القرارات الاقتصادية ونزل الجيش المصري لمنع المظاهرات واعلنت حالة الطوارئ وحظر التجول من السادسة مساء حتي السادسة صباحا[2]. وتم زج الآلاف في السجون المصرية بتهم المشاركة بأحداث الشغب أو الإنتماء لتنظيم شيوعي (ضمت القائمة أربعة تنظيمات)، وكان من ضمن المعتقلين عددا كبيرا من رجال القانون والمحاماة والكتاب والفنانين، وتوزعو على سجون طرة وسجن الإستئناف (باب الخلق) وسجن أبو زعبل.

عن admin

شاهد أيضاً

5b7d4f1695a597881d8b460c

معادلات القوة في الأزمة الليبية - بقلم: عبدالله السناوي

توركو ستريم قام ويشتغل، هو واقع ولم يعد تهديداً روسيا وتركيا في حالة تساكن في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *