الرئيسية / أخــبار / قراءة في كتاب “عـبد النـاصر وتجربة الوحدة”- تأليف صلاح نصر

قراءة في كتاب “عـبد النـاصر وتجربة الوحدة”- تأليف صلاح نصر

كتب عمرو صابح

١٦ مايو 
أصدر المرحوم صلاح نصر -رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق- كتابه “عـبد النـاصر وتجربة الوحدة ” فى يناير عام 1976 ، الكتاب متخم بالمعلومات الهامة عن تاريخ سوريا قبل الوحدة مع مصر ، وكيف تكون حزب البعث ، وعوامل تكوين الوحدة وأسباب ووقائع الانفصال ، مع رؤية بانورامية للعلاقات بين الدول العربية فى الفترة من 1952 حتى 1961.- يروي صلاح نصر فى كتابه:- ان الرئيس عبد الناصر كان متعاطف مع الرئيس السوري أديب الشيشكلي ، وان علاقات مصر بحزب البعث كانت سيئة جدا طوال عهد الشيشكلى لدرجة ان حزب البعث أدان أحكام الإعدام ضد الإخوان فى عام 1954 ونظم مظاهرات معادية لعبد الناصر!!- بسقوط الشيشكلي وبعد صفقة الأسلحة فى عام 1955 بدأ التحسن فى علاقات حزب البعث بالنظام الناصري ، ولكن عبد الناصر كان حذراً فى تعامله مع البعث ومتشككاً فيه ، ومهتماً بتوثيق علاقته بضباط الجيش السوري بعيداً عن الأحزاب السورية.-

رؤية عبد الناصر ارتكزت على الاستفادة من القومية العربية كمرتكز لتحويل العالم العربي لقوة كبرى تحت القيادة المصرية.- بتأميم القناة والانتصار على العدوان الثلاثي بدعم عربي ثم التدخل المصري لمنع الغزو التركي لسوريا فى عام 1957 ، تحول عبد الناصر لمعبود الشعب السوري وتعالت نداءات الوحدة مع مصر ، ولكن عبد الناصر كان رافضاً للوحدة الفورية ويرى أن تقتصر على اتحاد فى السياسات الخارجية والعسكرية فقط لمدة 5 سنوات حتى يتم الإعداد لوحدة اندماجية خاصة فى ظل مخاوفه من عدم وجود اتصال جغرافي بين مصر وسوريا ، بينما البعث رأى فى صعود نجم عبد الناصر مع تبنيه لأفكار قريبة من أفكار البعث فرصة ذهبية لحكم سوريا فى ظل عبد الناصر.-

عندما لم يعد هناك مفر أمام عبد الناصر من تلبية الرغبة السورية فى تحقيق الوحدة الاندماجية مع مصر ، لم يقبل أن تتم عبر البعث بل عبر الجيش السوري أولاً ، وعندما زاره وفد من كبار قادة الجيش السوري طلباً للوحدة ، وافق ولكن بشرط موافقة الرئيس السوري شكري القوتلي ، وافق القوتلي مضطراً ووصف ما حدث بالانقلاب العسكري ، كان القوتلي ذو هوى سعودي ، وكانت السعودية تدعم رئاسته لسوريا وتؤازره حتى يمنع حدوث وحدة بين سوريا والعراق وهذا محظور سعودي.- بعد حصول عبد الناصر على موافقة الجيش السوري والرئيس السوري وافق على إتمام الوحدة.- الملك السعودى سعود بن عبد العزيز كان ضد الوحدة بين مصر و سوريا لأنه رأى فيها تعاظما لنفوذ مصر الإقليمى و الدولى لذا حاول إفشال الوحدة عبر تدبير مؤامرتين لاغتيال الرئيس عبد الناصر ،

الأولى عن طريق رشوة العقيد عبد الحميد السراج مدير المكتب الثانى فى سوريا بمبلغ 2 مليون جنيه إسترلينى ، وقد جارى السراج المتآمرين وحصل منهم على شيكات بأجزاء من المبلغ المرصود لاغتيال عبد الناصر بينما أبلغ الرئيس عبد الناصر بكل تفاصيل المؤامرة ، التى أعلنها الرئيس للعالم كله من شرفة قصر الضيافة فى دمشق أثناء زيارته الأولى لسوريا،

وكانت المؤامرة الثانية للملك سعود تهدف إلى تفجير طائرة الرئيس عبد الناصر يوم قدومه إلى سوريا للمرة الأولى كرئيس لدولة الوحدة، وقد فشلت كلتا المؤامرتين وتسبب الكشف عنهما فى فضيحة سياسية للملك سعود بن عبد العزيز ، حسب شهادة صلاح نصر لم يكن الرئيس عبد الناصر راغباً فى فضح مؤامرات الملك سعود ولكن عبد الحميد السراج سرب أخبار المؤامرات لصحف لبنان مما اضطر عبد الناصر لفضح الملك سعود.- وجد الأمريكيون فى الوحدة المصرية السورية تهديد للنفوذ الأمريكي فى الشرق الأوسط ، وتشجيع للتيارات السياسية المعادية للغرب فى العالم العربي ، وتصاعد لنفوذ عبد الناصر فى العالم العربي لا يمكن قبوله ، ولكن بدء الصراع الناصري -الشيوعى مع بدايات عام 1959 بسبب الخلافات بين مصر والعراق ، وحملة عبد الناصر ضد الشيوعية ، جعل العلاقات المصرية الأمريكية تتحسن نسبياً.- السوفيت رفضوا الوحدة وخاضوا صراع مرير ضد عبد الناصر بسببها لأن حكم عبد الناصر لسوريا سوف يكون عامل هدام لنشاط الشيوعيين فى سوريا ولبنان

لذا كان الزعيم الشيوعى السوري خالد بكداش هو البرلماني السورى الوحيد الذى رفض الوحدة وأعلن عن موقفه ثم حجز تذكرة طيران لبلغاريا عشية إجراء الاستفتاء على الوحدة.- ثورة 14 يوليو 1958 فى العراق وصعود عبد الكريم قاسم للسلطة تم تطويعها من بريطانيا لتحويل قاسم لخصم لعبد الناصر خاصة فى ظل التنافس المصري العراقي على قيادة العالم العربي ، وهو سابق لثورتي يوليو فى مصر والعراق.- عبد الكريم قاسم لم يكن شيوعياً بل وطني عراقي ميال للغرب ولكنه استخدم الشيوعيين فى العراق لضرب خصومه وفى مقدمتهم القوميون العرب والناصريون.- المناورات السياسية بين حزب البعث والرئيس عبد الناصر لم تتوقف ، فالرئيس لم يتعامل مع البعث كصاحب فضل فى تحقيق الوحدة وكان منفتحاً على كل الأحزاب السورية الأخرى رغم حلها جميعا بسبب الوحدة ولكنه كان متوازناً فى تشكيل الحكومات ولم يجعل من سوريا حكراً بعثياً ، ومن هنا نشأت المشاكل وانقلب البعث على الوحدة وبدأ سعيه لتفكيكها.- كانت فترة الوحدة هى أفضل فترات التعاون العسكري المصري السوري فى مواجهة إسرائيل وتجلى ذلك فى معركة التوافيق عام 1960.- مصر دعمت سوريا اقتصاديا خلال فترة الوحدة ، والتجار السوريون استفادوا من السوق المصري الضخم مقارنة بسوريا.- البعد الجغرافي واختلاف العادات وضخامة مساحة مصر وتعداد سكانها مقارنة بسوريا مع مؤامرات حزب البعث وأنظمة العراق والسعودية والأردن تسببوا فى حدوث الانفصال.- عبد الناصر حاول بشتى الطرق أن يحل مشاكل الوحدة ويبقي على الجمهورية العربية المتحدة ولكنه لم يستطع.- عندما يصل صلاح نصر لوقائع انقلاب الانفصاليين الخونة فى 28 سبتمبر 1961 ، يتخلى عن رؤيته الموضوعية المحايدة للأحداث التاريخية لأنه لا يريد إدانة المشير عبد الحكيم عامر صفيه وحبيبه ، يرمي صلاح نصر بشتى التهم على عبد الحميد السراج فهو من أهم أسباب سخط فئات من الشعب السوري على الوحدة ، وهو المسئول عن تضليل الرئيس عبد الناصر عبر تقديم معلومات زائفة له عن أحوال سوريا ، وهو سبب توريط عبد الناصر فى دعم ثورة عبد الوهاب الشواف الفاشلة فى الموصل بالعراق ، وهو من نشر شائعات مشينة ضد المشير عبد الحكيم عامر تتعلق بقضاءه ليالي حمراء وزرقاء فى دمشق ، وهو من كان يعد لانقلاب على الوحدة لولا ان سبقه انقلاب عبد الكريم النحلاوي!!-

يتعمد صلاح نصر عدم الإشارة لاستخفاف المشير عامر -الذى كان هو الحاكم الفعلى لسوريا ولديه جميع سلطات رئيس الجمهورية فى أكتوبر 1959- بكل التحذيرات التى وصلته عن التدبير لانقلاب محتمل ضد الوحدة منذ شهر يوليو 1961 ، ولا يذكر قيام المشير عامر بتعيين المقدم عبد الكريم النحلاوي نائبا لمدير إدارة شؤون الضباط في الجيش الأول (السوري) وهو المنصب الهام الذي سمح للنحلاوي بالتحكم بتنقلات الضباط مما سهل له وضع الضباط الانفصاليين الخونة فى أخطر المناصب مما جعل الانقلاب على الوحدة مجرد نزهة بل أن تقارير المخابرات التى وصلت للمشير عن ضلوع عبد الكريم النحلاوي فى تدبير انقلاب وعن ميوله الإخوانية ، كان تصرف المشير تجاهها هو استدعاء عبد الكريم النحلاوي واطلاعه على ما يقال بخصوصه!! وعندما أعطى القيادى القومي العربي هاني الهندي قائمة بأسماء 37 ضابطاً سورياً يتآمرون للانقلاب وعلى رأسهم عبد الكريم النحلاوي لعبد الحميد السراج طالباً منه إيصالها للرئيس جمال عبد الناصر ، طلب الرئيس من المشير إبعاد النحلاوي عن منصبه ووضعه تحت المراقبة حتى تستبين حقيقته ،فما كان من المشير عامر إلا أن هاجم عبد الحميد السراج واتهمه بأنه يريد حرمانه من أفضل رجاله فى سوريا!! وأن تلك القائمة هى دسيسة من تلفيق السراج !! ولا تستحق الاهتمام!!.- فى الساعات الأولى من يوم 28 سبتمبر 1961 تحركت قوات الانفصاليين ، وعندما اقتربت من دمشق رصدتها المخابرات العسكرية ،واتصل رئيس المخابرات العسكرية العقيد السورى محمد الاستنبولي بالمشير عامر فى استراحته وأعلمه بالأمر، قرر المشير التوجه لمبنى رئاسة الأركان ،

و استدعى كبار قادة الجيش للاجتماع به هناك من أجل وضع خطة التصدى للانقلاب ، هذا الاجتماع كان سبباً فى تسهيل مهمة الانقلابيين بعد محاصرتهم للمشير وقادة الجيش والقبض عليهم ، وبعد ساعات قام الإنفصاليون بإرسال المشير عامر فى طائرة للرئيس عبد الناصر بالقاهرة.- الغالبية العظمى من الشعب السوري كانت ضد الانفصال ومع استمرار الوحدة ،وخرج ألاف السوريين فى مظاهرات حاشدة على امتداد سوريا ضد انقلاب الانفصاليين ، وقد لجأ الانفصاليون لفض المظاهرات بالقوة المسلحة ثم بفرض حظر التجول فى مدن سوريا واعتقال الوحدويون ، ويبرر صلاح نصر عدم قدرة المظاهرات الشعبية على وأد الانقلاب بسبب عدم تنظيمها ، ورغم استمرار المظاهرات لمدة أسبوع بعد الوحدة ، نجح الانفصاليون فى النهاية فى بسط سيطرتهم على سوريا بالكامل.- رفض عبد الناصر استخدام القوة فى القضاء على الانقلاب لخشيته من حدوث حرب أهلية فى سوريا .- لم يفسر صلاح نصر السبب وراء اعتقال الانفصاليين لعبد الحميد السراج فى سجن المزة وتعذيبهم له حتى كاد يفقد بصره ،

ولا أمر الرئيس عبد الناصر لسكرتيره سامى شرف بضرورة تحرير السراج من محبسه وإحضاره لمصر ، وهو ماحدث فعلا عبر خطة مصرية نفذها ضابط المخابرات المصري محمد نسيم بالاتفاق مع منصور رواشدة أحد حراس السراج فى محبسه ، وهى خطة نجحت بتهريب السراج إلى لبنان ومنها إلى مصر حيث استقبله الرئيس عبد الناصر فى منزله فى صباح يوم 7 مايو 1962 وحيث عاش معززاً مكرماً فى مصر حتى وفاته.- المدهش فى الموضوع بعيداً عن محاولات صلاح نصر لتبرئة المشير عامر من مسئولية الانفصال ، أن المشير بعد عودته من سوريا مطروداً عبر انقلاب نفذه أحد أصفياءه ، لم تتقلص قوته بل بالعكس ازداد قوة ، بعد محاولة عبد الناصر لاعفاءه من منصبه كقائد عام للقوات المسلحة فى نهاية عام 1962 عبر تشكيل مجلس للرئاسة ، رفض المشير واختفى عن الأنظار وانهالت البرقيات من كبار قادة الجيش على رئاسة الجمهورية ،تطالب عبد الناصر بالإبقاء على المشير قائداً للجيش ، ولم يكتف المشير بذلك بل كتب استقالة يطالب فيها الرئيس عبد الناصر بالديمقراطية!! وبالفعل عاد لمنصبه ولكن ليس كقائد عام للجيش فقط بل بعد إضافة منصب جديد له هو نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ،

وهو منصب لم يكن لأحد قبل أو بعد المشير عامر ، تم اطلاق مسمى الانقلاب الصامت على أزمة المشير مع الرئيس فى ديسمبر عام 1962 ، وبخروج المشير منتصراً أصبح هو المتحكم الوحيد فى شئون القوات المسلحة المصرية ،وبعلاقته بصلاح نصر رئيس جهاز المخابرات العامة ، وبسيطرته على جهاز المخابرات الحربية أصبحت أقوى الأجهزة الأمنية فى البلاد فى قبضته بعيداً عن سيطرة رئيس الجمهورية ، عندما بدأت أزمة حرب يونيو 1967 ، واصل المشير التصرف بنفس الطريقة التى تصرف بها خلال أزمة انقلاب الانفصاليين ، فاستخف بتحذيرات رئيس الجمهورية واتخذ القرارات منفرداً ورفض الاعتراف بمسئوليته عن الهزيمة بل انه دبرانقلاباً للعودة لمنصبه بعد الهزيمة ولكن الانقلاب تم اجهاضه.-

المرحوم صلاح نصر كان من أغزر قادة ثورة 23 يوليو إنتاجاً للكتب ، وبعض كتبه تمثل مراجع علمية مثل كتبه عن الحرب النفسية،والحرب الاقتصادية، وتاريخ المخابرات، كما أن مذكراته من أهم المذكرات السياسية فى تاريخ مصر المعاصر ، يحسب لصلاح نصر فى كل الكتب التى أصدرها خلال حياته انه لم يشارك فى الهجوم على الرئيس عبد الناصر وكان محايداً وموضوعياً فى أغلبها رغم خلافه مع عبد الناصر الذى انتهى بمحاكمته وسجنه ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمشير عبد الحكيم عامر يفقد صلاح نصر حياده وموضوعيته وينتصر للمشير على حساب الحقيقة.-

ظنى أن صلاح نصر كان ضحية من ضحايا المشير عبد الحكيم عامر ، كان للمشير عامر قدرة هائلة على اكتساب محبة وولاء من حوله ، وكان ذو تأثير بالغ على مصائر كل من اقتربوا منه ،وفى مقدمتهم الرئيس جمال عبد الناصر ، للأسف الشديد كانت عواقب هذا التأثير فى مجملها سلبية وليست إيجابية.-تفككت دولة الوحدة قبل أن تتدعم أركانها لأنها تمت تحت ضغوط داخلية وخارجية كانت تعانى منها سوريا ،

فجاءت الوحدة بين مصر و سوريا كضرورة أمن قومى بين البلدين أكثر منها كهدف قومى.- عقب انفصال الوحدة بمؤامرة شارك بها حزب البعث فى 28 سبتمبر 1961 ، ووقع على وثيقة الانفصال أحد كبار قادته “صلاح البيطار” ، كما أيد الانفصال “ميشيل عفلق” ذاته ، اشتعلت حرب ضروس بين النظام الناصري وحزب البعث ، استمرت حتى رحيل “جمال عبد الناصر” فى 28 سبتمبر 1970 ، تبادل خلالها الطرفان شتى الاتهامات ، لم يدرك قادة حزب البعث أهمية وجود قيادة سياسية بحجم جمال عبد الناصر فى مصر القطر القاعدة بالعالم العربي ، لذا شنوا عليه حرباً إعلامية طاحنة لم تتوقف إلا بعد موته ، وبعد رحيله بدأ التباكي عليه والإشادة بخصاله ، والإحساس بعظمته خاصة مع خلافة نقيضه أنور السادات له.-

كان التحالف بين قائد سياسي كجمال عبد الناصر وحزب قومى قوى كالبعث فرصة تاريخية ضائعة ، لو تمت لجنبت القوميين العرب مآسي عديدة ، حاقت بالمشروع القومى العربي بسبب الصراع الناصري البعثي طيلة حقبة الستينيات من القرن الماضي ، للأسف كان إحساس قادة حزب البعث بالدونية أمام عبد الناصر وشعبيته ونفوذه ، ورفض عبد الناصر للتنظيمات الحزبية من أهم أسباب هذا الصراع السياسي الذي تسبب فى فشل التحالف بين الزعيم التاريخي للقومية العربية وأهم حزب قومي عربي فى التاريخ المعاصر.

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *