الرئيسية / أخــبار / 14أكتوبر ثورة إنسانية.. وخطاب عبدالناصر في تعز كان ساعة الصفر لانطلاق الكفاح المسلح

14أكتوبر ثورة إنسانية.. وخطاب عبدالناصر في تعز كان ساعة الصفر لانطلاق الكفاح المسلح


و • تظل أعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر محطات نتذكر فيها الرعيل الأول من المناضلين الذين قهروا كل الصعاب لبلوغ لحظة استطاع الفجر فيها أن يبزغ بفضل صمودهم الأسطوري في وجه الاستعمار والإمامة.احدية الثورة اليمنية حقيقة عززتها كثير من الدلائل
أعياد الثورة مناسبة ليقف هذا الجيل على تراث المناضلين وما سطروه على درب التحرر من الاستعمار وأن كل ما يشاهدونه اليوم في الواقع لم يكن ليتحقق إلا بإرادة الله ثم بتضحيات المناضلين الذين وقفوا أمام جبروت امبراطورية لاتغيب عنها الشمس بكل عزيمة وإصرار وصنعوا فجر الاستقلال الناجز بعد انتصار ثورة 14 أكتوبر.
“الثورة” وبمناسبة أعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التقت المناضل عبدالقادر أمين القرشي -عضو اللجنة التنفيذية للجبهة القومية وأبرز قيادات الجبهة الوطنية لتحرير الجنوب إحدى التنظيمات السرية التي تكونت منها الجبهة القومية في حديث عن سفر النضال الوطني بعقلية لا تزال قادرة على العطاء والبذل وبقراءة عميقة تثبت أن ذلك الجيل من المناضلين يحق لهم أن تخلد سيرتهم بحروف من نور في سفر النضال اليمني جيل لم يزايد بالنضال الوطني ولم يبحث عن المكاسب الخاصة جيل كان أعظم حلم ظل يراوده أن يرى بلاده حرة مستقلة من طغيان الاستعمار ر والإمامة وأن تظلهم راية واحدة هي راية اليمن الموحد .. فإلى نص الحوار:
* من هو المناضل عبدالقادر أمين القرشي ¿
– عبدالقادر أمين القرشي من مواليد عام 1940م في قرية بين المساجد القريشة إحدى قرى محافظة تعز كان انتقالي إلى مدينة عدن في عام 1950م كحال انتقال معظم أبناء مناطق الشمال وفي عدن حصلت على التعليم في مدارس عدن الابتدائية والمتوسطة والثانوية كما التحقت بمركز تدريب المعلمين.
* ماهي أبرز أدواركم في العمل الفدائي في عدن¿
– أولاٍ: أريد أن أشير إلى أن الحديث يجب أن يشتمل على مجمل النضال الوطني عموماٍ سواء كان هذا النضال شعبيا أو اجتماعيا أو سياسيا أو فدائيا أما ما يتعلق بالعمل الفدائي فقد تم تدريبي على حرب العصابات في معسكر الصاعقة المصري في صنعاء بإشراف خبير عسكري من أبناء مصر الشرفاء الشهيد عصام الدالي والذي استشهد بعد ذلك في حرب الاستنزاف في عام 1972م.
وبعد مرور شهرين من التدريب قمت وبعض الرفاق في بعض التنظيمات السرية الأخرى بالتواصل مع كل من قحطان الشعبي وعبدالله العويدي في صنعاء وكان حينها قحطان الشعبي مستشار للرئيس السلال بدرجة وزير لشئون الجنوب المحتل وكان الغرض من التواصل هو التمهيد لقيام الجبهة القومية.
* ماهي أبرز التنظيمات التي شكلت الجبهة القومية عند إعلانها¿
– ولدت الجبهة القومية وضمت في تكوينها عند إعلانها وبحسب ميثاق الجبهة القومية كلا من حركة القوميين العرب والجبهة الوطنية لتحرير الجنوب المحتل والتي كنت أحد قادتها وجبهة الإصلاح اليافعية .. بعدها انضمت إلى الجبهة القومية بعد ذلك كل التنظيمات السرية الأخرى التي ذكرت في ميثاق الجبهة القومية.
* هل هناك دلالة لهذه التسمية ¿


– كان لابد من هذه التسمية حتى تكون ثورة أكتوبر جزءاٍ لايتجزأ من ثورات الأمة العربية كما أن تسمية الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني يعني إبراز الشطر الجنوبي من الوطن بأنه جزء لا يتجزأ من اليمن.
* كيف استطاعت الجبهة القومية أن تستوعب كافة التنظيمات السرية¿
– لقد عملت الجبهة القومية منذ ولادتها على القيام بالتنسيق في عدن حتى يتم ضم كافة التنظيمات السرية هناك إلى الجبهة القومية وبالفعل التحق أعضاء الجبهة الوطنية إحدى التنظيمات التي كونت الجبهة القومية في عدن وغيرها من التنظيمات بالتنسيق مع الشهيد نور الدين قاسم إلى الجبهة القومية وقد حاول الاستعمار وبكل الطرق أن يظهر الجبهة القومية ومناضليها الشجعان أنهم مجرد تنظيم إرهابي وللأسف بعض الصحف القريبة من الاستعمار كانت تعزف على هذا الوتر وأريد أن أشير إلى أن الرئيس جمال عبدالناصر قال للمناضل قحطان الشعبي: (إياكم أن تقتلوا المدنيين من البريطانيين حتى ولو كانوا من عائلات الضباط والجنود أو تقتلوا السياح البريطانيين وفعلاٍ كان المدنيون من البريطانيين ينزلون إلى شوارع التواهي والمعلا وكريتر والبريقة ولم يتعرض أي منهم لأذى. لقد كانت ثورة أكتوبر ثورة إنسانية تطالب بالتحرر والاستقلال.
* ماهو أبرز أدواركم في الكفاح المسلح¿
– ابرز ما قمت به في العمل الفدائي المسلح هو تدريب عدد من أعضاء الجبهة القومية في بعض النوادي في مدينة عدن ومنها نادي الاتحاد القرشي على استعمال السلاح وبالفعل بدأت العمليات الفدائية ضد الدوريات البريطانية الأمنية والعسكرية وكذلك ضد الصحف التي كانت تصف ثوار الجبهة القومية أنهم مجرد إرهابيين وقد تعرضت هذه الصحف لحرق مقراتها ومن الصحف التي تعرضت للحرق صحيفة “الكفاح” والتي لم يكن لها من اسمها نصيب فقد كانت قريبة من الاستعمار.
* هل هناك تاريخ محدد للعمل الفدائي المسلح ضد الاستعمار¿
– نعم أستطيع أن أقول إن بداية انطلاق العمل الفدائي ضد الاستعمار البريطاني في عدن بشكل منظم كان في النصف الثاني من عام 1964م.
* ولماذا في هذا التاريخ بالذات¿
– لأن الجبهة القومية في عدن في ذلك الوقت كانت تريد استغلال ادعاء الاستعمار أن ما حدث في ردفان في 14 أكتوبر1963م ليس شرارة ثورة وإنما مجرد حروب قبلية.

خطاب جمال عبد الناصر في تعز

لقد كان الاستعمارالبريطاني يستهين بما حدث في ردفان ولا يشدد حراسته ولا يقوم با لتفتيش في نقاط الدخول إلى عدن وقد ساعدنا هذا على تسريب كثير من الأسلحة إلى منطقة دار سعد بواسطة أعضاء الجبهة القومية الذين يعملون في صفوف الجيش العربي الليوي (شامبيون لي) هكذا كان يسمى وقد استطعنا تسريب أسلحة كثيرة من شمال الوطن وتحديداٍ من تعز تلك الأسلحة قدمتها مصر عبدالناصر وكان الفريق أول سعد الدين الشاذلي يرحمه الله متواجداٍ حينها في صنعاء وهو من أمر وأشرف على تزويد ثوار أكتوبر بالسلاح وتم بالفعل تخزينها في دار سعد تمهيداٍ لوصولها إلى كل مناطق عدن عن طريق أعضاء الجبهة القومية المتواجدين في الشرطة العربية والجيش العربي الليوي وقد وصل السلاح إلى أيدي مناضلي الجبهة القومية في الشيخ عثمان والتواهي والبريقة وكريتر والمعلا وخور مكسر.
إن الجبهة القومية عندما امتلكت السلاح الكافي لمواجهة الاستعمار قرر قادتها في تعز وبالتحديد كل من فيصل عبداللطيف الشعبي وقحطان الشعبي وسيف الضالعي أن تكون بداية العمليات الفدائية ضد الاستعمار بعد أن يلقي الرئيس جمال عبدالناصر خطابه من تعز وكان خطاب عبدالناصر الشفرة التي حددت ساعة الصفر لانطلاق العمل الفدائي وقد فهمها مناضلو الجبهة القومية جيداٍ وخاصة عبارته الشهيرة “على بريطانيا تلك العجوز الشمطاء أن تحمل عصاها وترحل من الجنوب اليمني”.
وعندما نحدد تاريخ للعمل الفدائي في منتصف عام 64م لايعني هذا أن العمل الفدائي قبل هذا التاريخ كان غير موجود بل كان كل تنظيم يقوم بالعمل الفدائي منفرداٍ دون علم التنظيمات الأخرى مثل العمليات الفدائية التي قامت بها الجبهة الوطنية للتحرير الجنوب المحتل والذي كنت أحد مؤسسيها في مدينة الشعب وفي التواهي وكان كثير من الضباط أعضاء فيها ومنهم المناضل أحمد باحلة -رحمه الله- والذي توفي يوم الاستقلال بسبب مرض خبيث وكذلك المناضل أحمد محمد فقيرة من دثينة وكلها كانت عمليات تهدف إلى التوضيح للاستعمار بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للخلاص.
* ما مدى تأثير انطلاق شرارة الثورة في ردفان على مستوى العمل الفدائي في عدن¿
– إنطلاق شرارة الثورة في ردفان بقيادة الشهيد المناضل راجح بن غالب لبوزة كان له أثر فعال في إذكاء الحماس وحب التضحية والفداء في نفوس كل الثوار الذين أرادوا أن ينخرطوا في العمل الفدائي لكن النضال ضد الاستعمار لم يكن كله كفاحا مسلحا لقد تنوع النضال مابين عمل فدائي وعمل شعبي وعمل نقابي وعمالي طلابي أيضاٍ كما قامت النوادي المختلفة بالعمل الاجتماعي في صفوف الجماهير.
* وماذا عن دور الحركة العمالية والنقابية والطلابية والمرأة في مواجهة الاستعمار¿
– لقد كان للحركة النقابية والعمالية والمرأة دور بارز في القيام بالمظاهرات وتوزيع المنشورات والتحفيز على إنجاح الإضرابات العامة عن العمل التي كانت تدعو إليها النقابات الست التي كنت واحداٍ من أعضاء أمانتها العامة.
* ماذا تعني بالنقابات الست وكيف أنشئت¿
– لقد كان نشوء النقابات الست بسبب الصراع الموجود بين النقابات المختلفة وقيادة المؤتمر العمالي التي كانت لا تؤمن بالكفاح المسلح وتؤمن بالكفاح السياسي وهذا الجناح هو جناح حزب الشعب الاشتراكي وهذه النقابات هي النقابة العامة لعمال البترول ونقابة ميناء عدن ونقابة الطيران المدني ونقابة الإنشاء والتعمير ونقابة البنوك والنقابة العامة للمعلمين وكنت رئيسها وقد أعلنت النقابات الست أمام رفض قيادة المؤتمر العمالي مواصلة الانتخابات التي أفرزت قيادات النقابات الست كمجموعة ولها أمانة عامة وأعلنت أنها هي التي تمثل الحركة النقابية الشرعية وكانت النقابات الست تؤيد الجبهة القومية وتعترف بالكفاح المسلح.
* ما أهم ماقدمته النقابات الست¿
– النقابات الست قامت برفد الجبهة القومية بالمال والفدائيين ونتيجة لأدوارها في مواجهة الاستعمار قررت القيادة العامة للجبهة القومية بعد الاستقلال والتي كانت تمثل السلطة الشرعية في ذلك الوقت أن يحلف رئيس الجمهورية قحطان الشعبي اليمين أمام اثنين من اللجنة التنفيذية للجبهة القومية وهما الشهيد محمد صالح عولقي وأنا كوننا أعضاء في الأمانة العامة للنقابات الست وأدى رئيس الجمهورية الرئيس قحطان الشعبي اليمين أمام قيادة النقابات الست تقديرا لدور النقابات الست في الكفاح المسلح ضد الاستعمار.
* وماذا عن دور الطلاب والمرأة¿
– اتحاد الطلاب التابع للجبهة القومية قام بدور كبير في المظاهرات وتوزيع المنشورات ونقل السلاح للفدائيين من مكان إلى آخر وأبرز القيادات الطلابية التي قدمت أدواراٍ مشرفة أتذكر محمد أحمد جرهوم وصادق عبدالولي زيد وآخرون لم أعد أتذكر أسماءهم أما المرأة فقد قدمت أدواراٍ مشرفة من خلال المشاركة في المظاهرات التي كانت تدعونا إليها عائلات السجناء السياسيين في سجون الاستعمار وممن كانوا في سجون الاستعمار المناضل محمد سعيد عبسي والمناضل عبده على سعيد والمناضل محمد عبدربه أم أسود والمناضل محمد أحمد باشماخ والمناضل عبد العزيز عبدالولي والمناضل أبوبكر شفيق وأبرز قيادات النضال ضد الاستعمار من النساء اذكر الأستاذه عائدة علي سعيد رحمها الله والأستاذة نجيبة محمد عبدالله رحمها الله والأستاذة زهرة هبة الله -رحمها الله- وكذلك الأستاذة آمنة عثمان يافعي أطال الله في عمرها و كان لدور المناضلة دعرة الردفاني يرحمها الله اثر كبير في نفوس النساء في عدن عندما شاهدن صورها في جريدة “المصور” و”آخر ساعة” المصريتين وهي تحمل السلاح في وجه المستعمر البريطاني في ردفان.
* واحدية الثورة اليمنية حقيقة لطالما استرعت اهتمام الكثيرين برأيك لماذا¿
– لقد تجسدت واحدية الثورة اليمنية في مساندة ثورة سبتمبر الأم لثورة أكتوبر وكل مناضلي أكتوبر تدربوا على مواجهة الاستعمار في صنعاء وتعز وكانت مصر بفضل ثورة سبتمبر تدعم ثورة أكتوبر لأن ثورة سبتمبر هي من عرفت بالمناضلين الحقيقيين الذين يريدون تحرير الشطر الجنوبي من الوطن كمقدمه لتحقيق الوحدة اليمنية انطلاقاٍ إلى الوحدة العربية الشاملة كما ورد في ميثاق الجبهة القومية بل إن أول قرار للرئيس عبدالله السلال بعد انتصار ثورة سبتمبر مباشرة كان تعيين المناضل قحطان الشعبي مستشاراٍ للرئيس بدرجة وزير للشئون الجنوب اليمني المحتل.
لقد أراد الاستعمار أن يثني الشهيد لبوزة ورفاقه العائدين بعد مشاركتهم في ثورة سبتمبر وأن يسلموا أسلحتهم لكنهم رفضوا ذلك رغم تحذيرات البريطانيين لقد قال الشهيد لبوزة حينها (أنني مؤمن أن ارضي التي أقف عليها هي ارض يمنية وإننا سنقاتلكم كمستعمرين وإنني لا أعترف بحكومتكم ولا اعترف إلا بحكومة واحدة هي حكومة ثورة سبتمبر) يرحمه الله لقد كان أول شهيد من شهداء ثورة أكتوبر وهذه دلالة أخرى على واحدية الثورة اليمنية.
لقد فشل الاستعمار في مواجهة ثورة أكتوبر بعد أن فشل في مواجهة ثورة سبتمبر وانتصرت الثورتان وفشل الاستعمار كان بسبب أن كل ثورة مرتبطة بالأخرى ففي أحداث منطقة معبق في عام 1963م حاول الاستعمار البريطاني الاستيلاء على المنطقة بقوات مدججة بالسلاح لكن سكان منطقة معبق تصدوا لقواته ببسالة واستشهد في تلك المواجهة المناضل طه شمسان عم المذيع المعروف عبدالله محمد شمسان ومن الدلائل الأخرى لواحدية الثورة اليمنية نضال أبناء عدن وردفان والضالع في المحابشة ومعارك نقيل يسلح ضد قوات الملكيين ويكفي دليلاٍ على واحدية الثورة اليمنية أن الجبهة القومية كان أعضاؤها من مختلف المناطق اليمنية وتظهر حقيقة واحدية الثورة اليمنية في أحاديث الشهيد المناضل الكبير علي أحمد ناصر عنتر حيث برز بجلاء إيمانه العميق بوطن واحد في أشد مراحل الانشطار.
إن بروز دور صنعاء وتعز في دعم الكفاح المسلح ضد الاستعمار خير شاهد على واحدية الثورة اليمنية حيث كان كلَ من المناضل أحمد الكبسي والمناضل محمد علي الأكوع ينظمون صفوف ثوار أكتوبر في صنعاء ويدعمونهم بالمال والسلاح وهذا موجود في كثير من كتب تاريخ الثورة اليمنية.
* رغم الأوضاع الأمنية الصعبة التي كان يعيشها اليمن في السنوات الأولى لثورة سبتمبر وبروز كثير من القوى المتربصة بالثورة عبد الناصر قام بتلك الزيارة التاريخية لليمن كيف استقبل ثوار أكتوبر خبر الزيارة وهل كان للزيارة تأثير على الأحداث¿
– باعتباري واحداٍ من المنخرطين في العمل السياسي والفدائي ضد المستعمر في عدن كانت لدينا معلومات مسبقة عن تلك الزيارة سواء إلى صنعاء أو تعز وكما ذكرت في جواب على سؤال سابق كان عبد الناصر قد عمل على إيصال السلاح إلى تعز من خلال دور المناضل العربي القومي سعد الدين الشاذلي الموجود حينها في صنعاء وكانت زيارة عبدالناصر إلى اليمن وإلقاء خطابه الشهير بمثابة إعلان ساعة الصفر لانطلاق العمل الفدائي المنظم ضد الاستعمار لقد فهم الفدائيون كلمات عبدالناصر وكانت دافعا كبيرا للصمود أمام مؤامرات الاستعمار والإمامة وحافزاٍ للثوار على خوض الكفاح المسلح.
* هل صحيح أن بعض أعداء الرئيس عبدالناصر راهنوا على اغتياله في اليمن¿
– الذي أعرفه أن عبدالناصر لم يستمع للكثير من النصائح التي كانت تقول إن الزيارة لليمن في تلك الظروف الأمنية الصعبة والمعقدة كانت تعتبر مغامرة وأشير في هذا الجانب إلى مقال قرأته في إحدى مجلات الأزهر الشريف ولم أعد أتذكر من كتبه أشار هذا المقال إلى أن الصحافة البريطانية وكثيراٍ من السياسيين الغربيين المعادين لعبدالناصر والثورات العربية ومنها الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) كانوا يراهنون على اغتيال عبدالناصر في اليمن. لقد أرادوا من خلال تلك التسريبات أن يظهروا الشعب اليمني عبارة عن قبائل متأخرة في تفكيرها لكن الشعب اليمني الباسل استقبل جمال عبدالناصر مرحباٍ ومسهلاٍ بل وأطلق الرصاص في الهواء ترحيبا به كعادة من عادات الشعب اليمني وأثبت الشعب اليمني وقبائله الباسلة أن الأخلاق الإسلامية جسدها اليمنيون واقعاٍ ملموساٍ.
* وماذا عن دور الرئيس عبد الناصر في دعم العملة اليمنية¿
– هذه حقيقة لاغبار عليها فمع زيارة عبدالناصر لليمن كانت هناك مؤامرة ضد ثورة سبتمبر فقد قررت حكومة ثورة سبتمبر أن تعيد الريال اليمني من ريال نمساوي فضي إلى ريال فضي يمني مكتوب عليه الجمهورية العربية اليمنية ووضع الريال اليمني الجمهوري الفضي وكثير من القطع الذهبية والفضية في البنك الدولي كتغطية بحيث تستطيع حكومة ثورة سبتمبر بمقدار تغطيتها أن تطبع ريالات ورقية وعندما نزلت الريالات الورقية إلى الأسواق شن أعداء الثورة ضدها دعايات خبيثة بأنها بدون تغطية.
فنزل سعر الريال الجمهوري الفضي من 5 شلنات في عدن إلى 2 شلن مما جعل عبدالناصر يتخذ قراراٍ قومياٍ لا تهتدي إليه إلا النفوس الشريفة التي تؤمن بوحدة الأمة العربية إذ عاد إلى قانون الملاحة في قناة السويس ووجد أن هناك مادة في هذا القانون تسمح للدولة المالكة لقناة السويس أن تطلب أي عملة تريدها كرسوم فاتخذ قراراٍ أن تكون 20% من رسوم الملاحة في قناة السويس بالعملة اليمنية وقد أدى هذا القرار إلى ارتفا ع سعر العملة اليمنية في عدن إذ كان سعر الريال 13 شلناٍ ثم استقر عند 7 شلنات -أي مايعادل دولارا واحدا- حينها .. وهنا يمكن أن نضع سؤالاٍ ماذا كانت حكومة ثورة سبتمبر تمتلك حينها حتى تكون عملتها تساوي ذلك.
وقد ذكرت هذه الحقيقة في مقدمة ملحمتي الشعرية (السويس ملحمة شعرية) المكونة من 450 بيتاٍ وقمت بإرسال 30 نسخة من تلك الملحمة إلى نائب الرئيس جمال عبدالناصر سيادة حسين الشافعي -رحمه الله- وقد بعث هو بعدة رسائل رداٍ على تلك الملحمة الشعرية أكد فيها أن ما تضمنته ملحمتي الشعرية قد عاشها مع عبدالناصر خطوة خطوة.
* لماذا قرر عبدالناصر زيارة تعز بعد صنعاء¿
كان عبد الناصر يعرف ماذا تعنيه مدينة تعز نتيجة لقربها من عدن فأراد أن تصل كلماته إلى مسامع الاستعمار عبر إذاعة تعز والتي كان السباق في دعمها لقد كان عبد الناصر يعرف أن بيانات الجبهة القومية كانت تذاع من إذاعة صنعاء وإذاعة تعز وتصل بوضوح إلى الشطر المحتل من الوطن. لقد خاطب عبدالناصر الاستعمار -وهو يدرك وقع كلماته على الاستعمار- وبالفعل كانت زيارة عبدالناصر لها أكبر الأثر في نفوس ثوار الجبهة القومية واشتد من حينها الكفاح المسلح وعلى سبيل الذكر لا الحصر سنورد بعض العمليات الفدائية التي نفذتها الجبهة القومية بعد زيارة عبدالناصر وهذه العمليات الفدائية هي: “ضرب منزل المندوب السامي في عدن ولم يكن الهدف من ضرب المنزل قتل المندوب السامي بل إيصال رسالة للاستعمار مفادها قدرة قذائف الهاون التي يطلقها الفدائيون من أبطال الجبهة القومية على الوصول ومن أماكن بعيدة وكان لتلك العملية أثرها البالغ سياسياٍ.
كما نجحت الجبهة القومية في اغتيال رئيس المجلس التشريعي المستر “شارلن” بعد أن قال: (سنتابع الإرهابيين ويقصد مناضلي ثورة أكتوبر في مدينة الشيخ عثمان وفي دار سعد وسنجعلهم يخرجون من جحورهم كالفئران) وبالفعل قتل على يد أحد القناصة حيث قنصه وهو خارج من المجلس التشريعي بجوار باب عدن وكان مقر المجلس التشريعي حينها في مدينة كريتر آخر شارع أروى.
كذلك استطاع الفدائيون ضرب نادي البحرية البريطانية (المارنز) في التواهي حيث قتل في هذه العملية الفدائية 12 ضابطاٍ بريطانياٍ وقد كان هذا النادي في مكان يسمى الآن عروسة البحر.
أيضاٍ تم نسف أنابيب البترول التي تنقل النفط والزيت من مصافي عدن إلى التواهي والتي تقع في الجسر الواقع على الطريق الموصل إلى فندق عدن حالياٍ واستطاع الانفجار أن يجعل مصافي عدن توقف نقل النفط والزيت لمدة 20 يوماٍ وقد قامت بريطانيا بعمل جدار عازل يغطي تلك الأنابيب لا يزال موجوداٍ حتى الآن.
ومن العمليات أيضاٍ ضرب المطار العسكري بقذائف الهاون من مسافة بعيدة ولم يكن الهدف من العملية تحطيم طائرات الاحتلال ولكن لتغطية عملية الجسر التي استهدفت أنابيب النفط والزيت مما جعل نجاح عملية الجسر مؤكداٍ وقد شهد عام 1965م بعد ذلك أكبر العمليات العسكرية والتي استطاعت أن تقتلع الاستعمار من جذوره.
* ماطبيعة لقائكم بالزعيم جمال عبدالناصر في القاهرة¿
– كان شرف اللقاء بعبد الناصر في القاهرة في إبريل من عام 68م مع المجلس المركزي للاتحاد العربي للعمال العرب وكان من عادة عبدالناصر أن يلتقي بكل المجالس العربية للاتحادات المهنية تجسيداٍ لوحدة الأمة العربية.
* برأيك لماذا غابت ثقافة الحوار في الماضي من أجندة اليمنيين ولماذا ظل العنف الخيار الأقرب¿
بعد هذا المشوار الطويل قد يكون ما سأطرحه مختلفاٍ عن قناعات البعض وهذا رأيي الشخصي. أنا مؤمن بمقولة عبدالناصر أن تعدد الأحزاب هو تعدد الأيدي التي تمتد خارج نطاق الشرعية الدستورية إلى الخارج لإيجاد الفتن والمشاكل وإغفال التطور في الوطن العربي.
كما أن الديمقراطية ليست قرآنا مْنزلا من السماء ولقد بنت مصر نفسها من خلال تنظيم واحد وكذلك الجزائر أما ما يتعلق بغياب ثقافة الحوار فغياب ثقافة الحوار في الماضي هو ما جعلني شخصيا لا أنتمي إلى أي حزب بل قدمت استقالتي من الجبهة القومية بعد الاستقلال بعد 22يونيو 1969 عندما انحازت قيادة الجبهة القومية حينها إلى الفكر الماركسي بعد هزيمة حزيران 67م التي كان لها أثر في نفوس الذين لا يثبتون على مبادئهم أن انحياز البعض الانحياز التام إلى فكر معين ورفض ما يعارضه من فكر هو من سبب غياب ثقافة الحوار في الماضي وهذا سبب صراعا وتشتتا أميركا مكونة من حزبين واصغر دولة يمكن أن يوجد فيها أكثر من 50 حزباٍ أما في ما يتعلق بازدهار استعمال العنف في العمل السياسي في الماضي فقد كان كل من يستخدم العنف مسيراٍ من غيره ولا يمتلك إرادته لقد باع إرادته مقابل المال أو الاستمرارية في الواجهة دون إدراك بشاعة ماارتكبه في حق نفسه وحق وطنه.
* ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر هل هناك حقائق وأحداث من تاريخ الثورة اليمنية لم تعرف بعد وما دور الرعيل الأول من المناضلين في هذا الجانب¿
– نعم هناك حقائق من تاريخ الثورة اليمنية لم تعرف وأنا عندي قناعة راسخة مفادها أن مهمة كتابة تاريخ الثورة بوعي وبتجرد هي مهمة الأجيال القادمة بعيداٍ عن تأثير أي نظام سياسي أنا من المؤمنين بأن كل ما قمنا به من اجل الوطن كان إرضاء لله أولاٍ وإرضاء لضمائرنا وأن الجزاء الأوفى هو عند الله .. الكثير من المناضلين يعيشون مستوري الحال وان ظلموا في مراحل مختلفة لكن البعض منهم رغم ما قدموه من أدوار من أجل الثورة اليمنية يعانون في صمت وطهارة نفس وعلى سبيل المثال أذكر معاناة المناضل الكبير على محمد الفاطمي من أبناء منطقة دثينة لم يلتفت إليه أحد وهو في فراش المرض وأدواره الوطنية معروفة ومشهودة وأذكر أيضاٍ المناضل الخضر عبدربه أم أسود وكذلك ما يعانيه النقابي المعروف حسين دقمي الذي يسكن مدينة تعز وهو بعد كل ماقام به من نضال بدون عمل وهو الآن طريح فراش المرض وكذلك أحمد علوان شمسان النقابي المعروف والذي كان ينقل الأسلحة لأعضاء الجبهة القومية ليس تاريخ الثورة وحده بحاجة للكتابة الواعية المناضلون أيضاٍ بحاجة إلى من ينظر إلى أحوالهم تكريماٍ لما قدموه من أدوار مشرفة في سفر النضال الوطني.
* بعد هذا المشوار النضالي الطويل ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ونقف على أعتاب مرحلة يصيغ فيها اليمنيون عقدا اجتماعيا جديدا لبلوغ الدولة المدنية اليمنية الحديثة دولة لا ظالم فيها ولا مظلوم كيف تنظر إلى مستقبل اليمن في ضوء نتائج مؤتمر الحوار الوطني¿
– أتمنى ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر النجاح لمؤتمر الحوار في ظل دولة الوحدة اليمنية.
ومن يظن أن تشتت الوحدة وتمزيقها هو العمل الناجح فسيندم على ذلك عندما يجد نفسه كشعب ليبيا أو شعب العراق أو الصومال.

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *