الولع بعبد الناصر

حسن حسين
كلما اقتربت الأيام من 15 يناير أو 23 يوليو أو 28 سبتمبر ترتفع الأصوات إحياءًا لذكراه، و تقام الإحتفالات تكريماً له، بعض الناصريين المتشددين يؤكدون أن استكمال مهام ثورة يوليو هو التكريم الحقيقي لزعيمها وقائدها، والبعض الآخر لا ينفي ذلك، و لكنه يعتبر أن الاحتفالات هي جزء لا يتجزأ من مواجهة الحملة الضارية التي تلاحق مبادئه ومشروعه حتى الآن.فيما يتساءل الجيل الجديد الذي لم يحالفه الحظ ليعاصره عن السر وراء حضوره الطاغي على المشهد السياسي العربي طيلة أكثر من أربعين عاماً تلت رحيله عن الدنيا .

مثله مثل كل القيادات الوطنية والزعامات التاريخية لم يكن يمتلك قوةً مادية يحقق بها أهدافه، بل كان كل ما يملكه قدرة على التحليل العلمي الموضوعي للواقع ، و رؤية ثاقبة للمستقبل، وإرادة لا تلين مهما تعرضت لمعوقات، و إصرار على مواصلة المحاولة تلو الأخرى لتمكين الأمة من الحصول على كافة حقوقها الاقتصادية والسياسية.

لم تكن إنتماءاته إلا تعبيراً حقيقياً وتجسيداً لأفكاره ومبادئه التي تمثلت في رفض الاستغلال بكل صوره، سواء أكان إحتلالاً من غاصب أجنبي ، أو افتئاتاً من قوى اجتماعية على حقوق الشعب بأكمله، أو انتقاصاً من حق الأمة في تحقيق وحدتها، ولذلك جاءت معاركه متسقة مع ذلك النهج منذ بدأ وحتى سلّم الراية مخضبةً بدماء شهداء الوطن، لكنها مضمخةً بالعزة والكرامة حسبما جاء في أحد خطبه بل أشهرها إثناء محاولة اغتياله.

ولم تكن تحالفاته كذلك إلا في إطار رؤية إنسانية أرحب من الانتماء القومي، و من هنا كانت مساهماته التي لا تنكر في إطار دعم حركة التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، والتي أدت لانحسار الإستعمار بشكله التقليدي في مساحات جغرافية واسعة في العالم، ولم يكتف بذلك بل ساهم مع أبرز قادة العصر الحديث في العالم وقتها على تأسيس حركة الحياد الإيجابي في مواجهة الحرب الباردة من ناحية والتوحش الغربي الرأسمالي من ناحية أخرى.

كان واحداً من أبناء الشعب العامل الذي طالما دافع عنهم، لم ينسهم يوماً ، و طيلة حكمه لم يصدر قراراً أو قانوناً يمس المصالح الحقيقية للفقراء ، حتى انه أطاح بحكومة يرأسها واحد من أهم أعضاء مجلس قيادة الثورة لأنه رفع سعر كيلو الأرز نصف قرش.

بعد ما يقارب الخمسين عاماً من رحيله مازالت رؤيته ومشروعه ومبادئه هي الأقدر والأجدر بحل مشكلات الواقع العربي، ربما لأن أعداء الأمة في الداخل والخارج لم يألوا جهداً في القضاء على ما تحقق في عصره، وربما لأن الأوضاع أصبحت اكثر انحطاطاً على كافة المستويات، وأن الخطر المحدق بالوجود القومي نفسه اقترب من تحقيق أهدافه في مخطط التفتيت بعد مؤامرة التجزئة .

نعم الاحتفال به وتكريم ذكراه وإعلاء رايته القومية الاشتراكية ورفع صوره ليس مجرد طقساً يقيمه دراويش الناصرية كما يحلو لخصومه أن يقولوا، لكنه فعل نضالي حقيقي يرسل إنذاراً للغافلين ويستدعى جموع المناضلين ، ويستحث من قاده إحباطه إلى الانعزال، ويحّرض من يخشى على مستقبله .

عبدالناصر هو عنوان المرحلة لمن لا يعلمون، منه تبدأ المسيرة وإليه تنتهي ، هو حلم مازال عصياً على الأعداء، وأفقٌ لا يحد؛ يعجز أمامه الخصوم ، وتحفظه الأمة في الأفئدة والجفون، و يقاتل في جيشه المناضلون المؤمنون بحق هذه الأمة في الحرية والوحدة، سواءً أطلقوا على أنفسهم ناصريين أو لم يطلقوا.

عن admin

شاهد أيضاً

Hq-2_7

نبذة عن الدور السوفيتى فى تسليح مصر خلال حربى الاستنزاف وأكتوبر 1973.

بقلم: عمرو صابح تبدو علاقة الرئيس السادات بالسوفيت من أكثر العلاقات تعقيدا ، فالحقائق والأرقام …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *