الرئيسية / تقارير وملفات / واشنطن تبعث إلى إسرائيل 200 طائرة و1000 طيار قبيل حرب يونيو 1967

واشنطن تبعث إلى إسرائيل 200 طائرة و1000 طيار قبيل حرب يونيو 1967

عادل حمودة

في ثلاث ساعات ونصف الساعة ـ من الثامنة صباحا إلى الحادية عشرة والنصف ـ وقعت هزيمة الخامس من يونيو 1967. كانت هذه المدة الزمنية القصيرة التي استغرقتها الضربة الجوية الاسرائيلية, وكانت ضربة قاسية, قاصمة, أنهت الحرب قبل أن تبدأ, وجعلت الأراضي العربية في الدول المتحاربة سهلة المنال وكأنها قالب من (الجيلي) بين أسنان جائع للسطوة والسيطرة. كانت هناك 492 طائرة اسرائيلية انطلقت على ثلاث موجات لضرب مطارات العمق, وحطمت الطائرات التي كانت نائمة في هناجرها, وحطمت معها أعصاب القيادة العسكرية المصرية, وهو الهدف الأول فيما يسمى بالحرب الخاطفة, وكانت النتيجة الطبيعية ان الجيش المصري قد أصبح في وضع عسكري لا يطاق, ولا يحسد عليه, فرجاله كانوا يقاتلون بدون غطاء جوي, ومع سيطرة جوية كاملة للعدو, وفي صحراء مكشوفة فإن القتال لا يعود قتالا, وإنما يتحول إلى قتل مهما كانت شجاعة الرجال. ولم يجد القائد العام للجيوش عبدالحكيم عامر ما يفعله أمام هذه الصدمة سوى انه أمر بالانسحاب قبل مرور أقل من 24 ساعة, وهو ما رفع عدد القتلى من 294 شهيدا في اليوم الأول إلى 6811 شهيدا في اليوم الثاني, ومع الفوضى التي صاحبت الانسحاب تحولت الخسائر إلى خسائر فادحة. والمؤسف ان الخطة الإسرائيلية في حرب 1967 هي نفسها الخطة الاسرائيلية في حرب 1956 فالخطط عادة لا تتغير لانها محكومة بشروط وتضاريس الجغرافيا, ولكن التغيير يكون في أساليب القتال, وعنصر المفاجأة, طبيعة الظروف السياسية الدولية, وكان رأي وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق موشى ديان: ان العرب لا يقرؤون, وإذا قرأوا لا يتعلمون, وإذا تعلموا لا يثقون في أنفسهم. أقصى درجات العنف لم يفصل هيكل بين ما جرى في يونيو 67 وبين ما كان يكتبه قبل الهزيمة مباشرة تحت عنوان (نحن وأمريكا) اعتبر هيكل ما جرى في يونيو 67 هو أقصى درجات العنف في التعامل مع التجربة الناصرية وقد استخدم هيكل العبارة نفسها عبارة (أقصى درجات العنف) لتكون عنوان أول مقال له بعد الهزيمة. لكن قبل أن نحدد إلى أي مدى وصلت أقصى درجات العنف, لابد أن نشير إلى ان هيكل فور اعلان مصر اغلاق خليج العقبة كتب مقالا في (الأهرام) بتاريخ 26 مايو 1967 يقول فيه: (ان هذا القرار معناه الحرب المسلحة مع اسرائيل) وشرح بالتفصيل نظرية الأمن الاسرائيلية, ثم قال في المقال نفسه: (اننا سوف نتلقى الضربة الأولى في المعركة) . ثم أضاف بالحرف الواحد: هناك ملاحظة لابد أن نقولها من الآن وهي انه لابد أن نتوقع أن يوجه العدو إلينا الضربة الأولى فى المعركة ولكنه يتعين علينا ونحن ننتظر الضربة الأولى من العدو أن نقلل إلى أقصى حد مستطاع من تأثيرها ثم تكون الضربة الثانية في المعركة وهي ضربتنا الموجهة إليه ردا وردعا ـ ضربة مؤثرة إلى أبعد حد مستطاع) وقبل ثلاثة أيام من المعركة أشار هيكل في مقال نشر في الثاني من يونيو 1967 إلى ان استيلاء المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ـ وهو الاستيلاء الذي تمثل في عودة الجنرال موشى ديان إلى وزارة الدفاع والجنرال حاييم بارليف إلى وكالة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي ـ معناه ان الهجوم الاسرائيلي أصبح مسألة ساعات) ولكن لم يكن في مصر في ذلك الوقت من كان قد تعود على السمع والقراءة, فكانت الكارثة متجاوزة كل تقدير وتوقع. ولا بد أن تكون الكتابة في مثل هذه الظروف القاسية صعبة ومؤلمة, وهو ما عبر عنه هيكل في بداية مقاله المنشور في يوم التاسع من يونيو ,1967 بعد أربعة أيام فقط من الهزيمة, فقد كتب يقول: (في أوقات المحن الكبرى ـ وما أكثرها على طريق بناء الأمم ـ لحظات يشعر فيها الذي يمسك بالقلم انه لا يكتب ما يكتبه على الورق بقطرات من الحبر ولكن بقطرات من دمه, ومثل هذا شعوري اليوم, لكن مثل هذا الشعور على الرغم من أي شيء وعلى الرغم من كل شيء لابد من تنحيته جانبا فإن هناك الآن ما هو أولى وأبدى, وأولى وأبدى الأشياء الآن أن نتمثل بوضوح حقيقة ما حدث, بتعقل كامل مهما كانت انفعالاتنا العاطفية, وبصدق مع النفس مهما كانت نزعاتنا إلى التبرير, ومع ان الانفعال العاطفي والنزوع على التبرير طبائع بشرية فإن أمتنا العربية تحتاج في ظروفها الراهنة إلى أن ترتفع حتى فوق الطبيعة ذاتها. ماذا حدث تماما؟ وما هو معنى العاصفة العاتية التي هبت على العالم العربي ابتداء من اليوم الخامس من يونيو سنة 1967 ثم توقفت في اليوم العاشر من هذا الشهر بعد أن تركت على أجزاء عديدة من وطن الأمة العربية حطاما وركاما وأشلاء كثيرة؟ كيف؟ ولماذا؟ وإلى أين بعد الآن؟ نقول وبالحق: ان ما رأيناه خلال هذه الأيام الخمسة الرهيبة هو أقصى درجات العنف في الصدام الذي احتدم بين الأمة العربية وبين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح التي تمثلها وسياسات السيطرة والقوة التي تمارسها؟ هذا هو الموضوع نفسه, وأي شيء غيره ظواهر عارضة تعبر عن الشكل الخارجي للحوادث ولا تعبر عن صلب الحقيقة فيه, ولقد كنت قبل أسابيع منهمكا في حديث طويل عن المراحل المتعددة للصدام بين ما تمثله الولايات المتحدة الأمريكية وما تمثله الجمهورية العربية المتحدة, وعددت من مراحل هذا الصدام أربعا كانت آخرها مرحلة العنف, ولقد تركت ذلك الحديث ومرحلة العنف في بدايتها وأعود إليه الآن ومرحلة العنف قد بلغت أقصاها. وقد رصد هيكل مظاهر مرحلة (أقصى درجات العنف) التي مارستها الحكومة الأمريكية في حرب يونيو, ومنها ارسال 200 طائرة على عجل لإسرائيل, بالاضافة إلى ارسال قرابة ألف متطوع من الطيارين والملاحين والعسكريين, وتكفلت حاملات الطائرات الأمريكية بحماية الشواطئ الاسرائيلية لتترك كل القوة الإسرائيلية للهجوم, وقامت طائرات التجسس الأمريكية الشهيرة (يو-2) بالسيطرة على أجواء المنطقة وقت العمليات, وكانت هناك أيضا سفينة التجسس الأمريكية المعروفة (ليبرتي) . وينهي هيكل مقاله قائلا: (ولا أستطيع أن أقول ـ أمانة ـ اننا كنا بلا خطايا, ولكننا نستطيع أن نقول ـ أمانة ـ انه في عام 1956 جاءتنا إسرائيل ووراءها بيومين بريطانيا وفرنسا, وفي سنة 1967 جاءتنا إسرائيل, وقبلها بشهرين على الأقل الولايات المتحدة الأمريكية) . الديك السمين كانت كل الإدارات والأجهزة والمؤسسات الأمريكية العلنية والخفية طوال الشهرين ـ على الأقل قبل الهزيمة في حالة استنفار كامل لتوجيه الضربة إلى جمال عبدالناصر أو (الديك السمين) على حد الاسم الكودي أو الرمزي لعملية الخامس من يونيو 1967 وقد كانت الأيام الخمسة من الاثنين الخامس من يونيو إلى الجمعة التاسع من يونيو هي أسوأ الأيام في حياة جمال عبدالناصر وأكثرها عذابا, على حد وصف هيكل الذي أضاف (كانت أيام محنة حقيقية لرجل تحمل تبعات مشروع عربي كبير, وكانت بعض الساعات خلال هذه الأيام أشبه ما تكون بكوابيس مطبقة على عمر بأكمله, وقد انقضت عليه وقائع ما جرى وكأنها صواعق من نار وظلام) . كان جمال عبدالناصر قد ذهب في الحادية عشرة من صباح الاثنين الخامس من يونيو إلى مقر القيادة في مدينة نصر, وكان ذهابه إلى هناك خروجا عما تعود عليه فيما قبل وهو أن يترك جو العمليات للعسكريين من دون تدخل أو ضغط سياسي, لكنه في الساعة التاسعة والنصف بدأ يشعر بالقلق بعد أن عرف بأمر الضربة الجوية الاسرائيلية, لكنه لم يستطع تقدير حجمها, وبدأت التقارير التي يتلقاها مرتبكة ومشوشة, فقرر الذهاب بنفسه إلى مقر القيادة, وعندما وصل إلى هناك أحس بالشؤم عندما وجد ان عبدالحكيم عامر يتجنب النظر في عينيه, وعلى حد وصف هيكل (بدت له أجواء القيادة شديدة الارتباك بأكثر مما هو منتظر, ان بعض الارتباك في مثل هذه الظروف ضروري, ولكن ما رآه أمامه كان أقرب إلى حالة الفوضى منه إلى مجرد ارتباك عابر) . وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الخميس الثامن من يونيو اتصل جمال عبدالناصر بهيكل بالتلفون في مكتبه بالأهرام, كان جمال عبدالناصر في مقر القيادة, وكان قد أدرك بنفسه أن الموقف (بالغ السوء) .. وهو ما جعله يقرر وقف اطلاق النار, ويقول هيكل: ان صوته بدا للوهلة الأولى على التلفون مثقلا بهموم الدنيا كلها, وقال: انه (يتحمل المسئولية كاملة) ولا سبيل غير أن يذهب أو (يمشي) على حد تعبيره, ويقول هيكل انه (قد سألني ما الذي أقترح عمله؟ وكان رأيي أنه لم يبق أمامه غير الاستقالة, وكان رده بالحرف: هذا ما فكرت فيه تماما, وكان ردي: انه ليس هناك خيار آخر, وكان تعليقه بالموافقة) . وطلب جمال عبدالناصر من هيكل أن يكتب له خطاب الاستقالة ليلقيه يوم الجمعة التاسع من يونيو, وقال هيكل: سوف أسهر عليه طوال الليل وهي مهمة لم أكن أتمنى في حياتي أن تعهد لي بها ولكني أقبلها عارفا بمسئولية الظروف) واتفقا على اللقاء بين جمال عبدالناصر في الساعة الثامنة صباحا (فقد كان يعرف انني لن أنام مثله) وبالفعل قضى هيكل الليلة في مكتبه في حماية نوال المحلاوي (تلك الصديقة الوفية والصلبة) التي كانت (مسئولة عن المكتب مقيمة فيه قبل دخولي إليه وبعد خروجي منه) وعند الفجر (جاءت نوال المحلاوي بآخر فنجان قهوة ومعه قطعة من خبز (الكرواسان) وشرب هيكل القهوة ولم يجد في استطاعته مضغ شيء في فمه. لماذا شمس بدران؟ في ملف خاص من 26 ورقة كتب هيكل ما جرى في ذلك اليوم الذي وصفه بأنه (يوم طويل .. طويل) .. كان ذلك اليوم هو يوم الجمعة التاسع من يونيو اليوم الذي قدم فيه جمال عبدالناصر استقالته, لقد بدأ ذلك اليوم من اليوم الذي قبله, يوم الخميس الثامن من يونيو, بدأ منذ اللحظة التي كلفه فيها جمال عبدالناصر بكتابة خطاب التنحي, ويصف هيكل هذه المهمة بأنها (كانت تجربة في الكتابة من أقسى ما عانيت في حياتي, وقد ظللت معها ليلة كاملة دون نوم تحت وطأة هم الكلمات وقبلها هموم الحوادث) . في ذلك اليوم فكر هيكل في أن يعتزل الكتابة, أو على الأقل يقدم استقالته هو أيضا من رئاسة تحرير (الأهرام) فكل شيء من حوله ملفوف بالضباب, ويحجب رؤية ما هو قريب, ولكن لابد من الاشادة بقدرته على التماسك والسيطرة على نفسه وعلى أعصابه, فعلى الرغم من كل المعاناة فقد نفذ المهمة التي بدت وهو ينفذها وكأنها المهمة الأخيرة للرجل الذي ارتبط به كظله.. جمال عبدالناصر, ان أحدا غيره ما كان يقدر على هذه الدرجة في فصل ضغوط العواطف عن ضغوط الدور العام. سأله جمال عبدالناصر عما فعل بعد أن أحضر له مشروع الخطاب وأضاف: (لابد انك وجدت صعوبة كبيرة في كتابته؟) وأخرج هيكل مشروع الخطاب, وقال له: ان لديه ملاحظة قبل أن يقرأه, وكانت ملاحظة هيكل خاصة بشمس بدران, الذي قرر جمال عبدالناصر أن يخلفه بعد الاستقالة, قال هيكل: لقد (حاولت أن أكتب اسمه في سياق الخطاب ولم أستطع رغم كل المحاولات) وسأله جمال عبدالناصر بصوت متعب عن السبب, فقال هيكل: (انني أنا الذي أريد أن أعرف السبب, لماذا شمس بدران؟) وكان رد جمال عبدالناصر هو أن كرر ما سبق أن قاله بالأمس عن تجنب الاحتكاك بين الجيش العائد جريحا من سيناء والجماهير الغاضبة بمفاجأة الهزيمة, وقال هيكل: انه لم يفهم هذه النقطة, وأضاف: ان شمس بدران هو أحد المسئولين عما جرى, وهو واحد من مجموعة ليس لديها رصيد عند الناس. (ثم ان هناك في الأمر محظورا لا يجب السماح بوقوعه, ذلك ان تعيين وزير الحربية وهو مسئول ولو جزئيا عن الهزيمة بحجة تجنب صدام بين الجيش والشعب يعني في المحصلة النهائية رخصة للقادة المهزومين بحق لهم فوق مشاعر الناس, فالشعب سوف يغضب بلا جدال وهؤلاء القادة المهزومون ليس عندهم ما يدافعون به عن أنفسهم غير السلطة, فإذا أصبح الرجل الذي كان وزيرا للحربية قبل الهزيمة رئيسا للجمهورية بعدها, إذن فالصدام قادم لا محالة, ولا أظن ان ظروف البلد تحتمله الآن أو غدا) . كان يراود هيكل وقتها إحساس مبهم بأنه يعبر في هذه اللحظة عما هو أكبر من صديق وأكثر من صحفي وقد استغرب هذا الشعور المبهم, وقد قال لجمال عبدالناصر: (انه وقد قرر الاستقالة وهو قرار سليم لا بديل عنه فإن المنطق الطبيعي بعده أن تعود الأمور بالكامل للناس فيكون هناك رئيس مؤقت مقبول منهم يشرف على لم أجزاء الموقف وشظاياه ثم يجري بعد ذلك استفتاء عام للناس على أساس جديد ودستور جديد وبرنامج يلبي مطالب مرحلة مختلفة) . وسأله جمال عبدالناصر: (إذا لم يكن شمس بدران فمن؟) وفكر هيكل لثوان, ثم سأله: (من هو الأقدم بين الأعضاء الباقين من مجلس قيادة الثورة؟) وفكر جمال عبدالناصر لحظة ثم قال: (زكريا محيي الدين) وأبدى هيكل ما يفيد معنى الارتياح, وقال جمال عبدالناصر: (زكريا رجل عاقل وهو ذكي) ثم استطرد: (وفيه مميزات كبيرة) و(يمكن أن يكون مقبولا دوليا وهو بالتأكيد قادر على الحوار مع الأمريكيين وهي ضرورة حتمية الآن) و(ان كان السوفييت لن يعجبهم اختياره بانطباعاتهم السطحية عنه) ثم سأل: (هل أتحدث مع زكريا؟ ورد بنفسه على سؤاله قائلا: (لا فلو تحدثت اليه فمن المؤكد انه سيعتذر) واضاف: (الحقيقة انه حمل ثقيل, وكئيب أيضاً, والرجل لا ذنب له فيه) . وطلب جمال عبدالناصر من هيكل ان يقرأ الخطاب, وراح هيكل يقرأ, لكن ما أن قرأ ثلاثة أو اربعة اسطر حتى استوقفه تعبير (النكسة) الذي استخدم لأول مرة, وسأله جمال عبدالناصر لماذا اختار هذا التعبير, وان لا يمنع ذلك انه مستريح اليه, وقال هيكل: (انني توقفت كثيرا قبل ان استقر عليه, كان علي ان اختار بين كلمة (النكسة) وبين ثلاثة أوصاف اخرى طرحت نفسها على اثناء الكتابة كلمة (صدمة) وقد وجدتها اقل من اللازم, وكلمة هزيمة وقد وجدتها أسوأ من اللازم) واستطرد هيكل, (اننا لو استعملنا كلمة هزيمة فذلك سوف يحدث خطراً لأن كلمة الهزيمة معناها ان جمال عبدالناصر أو من يجيء بعده قرر الاستسلام, كما ان كلمة هزيمة تؤثر على معنويات قوات لا تزال تشكيلاتها ـ أو بعضها ـ تقاتل في سيناء وعلى ضفتي القناة) . ثم واصل هيكل القراءة الى ان وصل الى الفقرة الخاصة بقراره ان يتنحى (عن اي منصب رسمي وأي دور سياسي) وعندها توقف هيكل ونظر اليه, وفيما بعد كتب هيكل: (كنت اريد فرصة للتوقف لأنني احسست ان نبرات صوتي ـ وقد حاولت ان اضعها كلها في خدمة ما أقرأ ـ على وشك ان تتحشرج تأثرا, كان اعتقادي من أولة لحظة ان ذلك لا يصح ان يحدث, الرجل يحتاج الان الى اصدقاء يشجعونه على قراره الصعب وان يضعف اصدقاؤه امامه فقد يؤثر عليه, وتذكرت انه لسوء الحظ انه ليس هناك معنا الآن اصدقاء كثيرون يستطيعون المساعدة على التماسك, هناك أنا وهو وليس معنا غير الله) . وواصل هيكل القراءة حتى وصل الى الفقرة الجوهرية التي تقول: (وبرغم اية عوامل قد اكون بنيت عليها موقفي من الازمة فإنني على استعداد لتحمل نصيبي من المسئولية) عندها قاطعه جمال عبدالناصر قائلا: (انه يعترض على هذه الجملة لأنه يتحمل المسئولية كاملة, ولا يرى مجالا لتجزئتها بان يتحمل (نصيبا منها) بينما هو يرى انه يتحمل المسئولية كاملة (ولم يختلف هيكل معه فيما قال واعاد صياغة العبارة على الفور كالآتي: وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفي من الازمة فإني على استعداد لتحمل المسئولية كلها) . وكان تعليقه على هذه الصياغة الجديدة: (أن تلك هي الحقيقة, وهذا أدق وأكرم) وقال: إنه لن يعرف ما الذي سيفعله به الناس؟ واستطرد: إنه سوف يرضى بأي شيء, ولن يلتمس لنفسه دفاعاً , وسوف يقبل كل شيء حتى ولو الشنق في ميدان العتبة. بحور من البشر خرج هيكل من بيت جمال عبدالناصر إلى بيته وقد استقر رأيه على ان يكون بمفرده اثناء متابعة الخطاب, وفي الساعة السابعة إلا خمس دقائق كان جالسا امام التلفزيون, كانت هناك مارشات حماسية, كان هو أول من يعلم أنها متناقضة تماما مع المفاجأة التي سيفجرها بعد دقائق الخطاب. ويكتب هيكل بنفسه شارحا خواطره: (وظهرت صورته على الشاشة وراح يقرأ, وكنت أكثر من غيري أشعر بمدى الجهد الذي يبذله كي يظل مسيطراً على الموقف, وكادت سيطرته ان تفلت منه للحظة عندما وصل الى الفقرة التي يعلن فيها تنحيه, ثم فرغ من الخطاب, واختفت صورته من الشاشة, ولأول مرة بدأت تصوراتي تذهب الى ما يحتمل ان يحدث بعد انفجار النبأ, ولم تمض غير دقائق حتى جاءت الإجابة عما كنت أتساءل فيه, فإذا أنا اسمع أصواتا في الشارع لا أتبين مصدرها, ثم اقتربت من نافذة تطل على كوبري الجلاء فأجد ألوفا من الناس يجرون ولا يعرفون الى أين, ولكنهم ذاهبون بأقصى سرعة, وصراخهم متصاعد ينادي بما لم استطع تمييزه من مكاني, ورحت أدير جهاز الراديو على بعض محطات الاذاعة أحاول التقاط ما عساه ان يكون للنبأ من صدى في العالم الخارجي, وكانت بعض المحطات تقطع ارسالها وتذيع النبأ. (واتصلت بالأهرام أسأل عن برقيات وكالات الانباء وما حملته أو جاءت به مما أعلنه جمال عبدالناصر قبل دقائق في قصر القبة, واحسست بالمفاجأة الضخمة التي وقعت على كل الرؤوس من هؤلاء الذين تحدثت اليهم في الاهرام, ثم قيل لي أن جماهير كبيرة من الناس تتدفق على مبنى الاهرام (وكان وقتها في وسط المدينة في شارع المساحة) وان هتافهم الملح هو كلمة واحدة (ناصر) . (وفي هذه اللحظة دق جرس تليفون آخر كان موصولا بالشبكة الخاصة للرئاسة, وكان المتحدث هو شعراوي جمعة, وكان انفعاله على الآخر, هو يصرخ في التليفون متسائلا عن هذا الذي حدث, ثم قائلا انه ليس في مقدوره ولا في مقدور غيره ان يمسك بزمام الامور في البلد لأن كل المعلومات التي وصلت اليه في نصف الساعة التي مضت منذ القى الرئيس خطابه تقول ان طوفانا من البشر يتدفق الى الشوارع مناديا باسم (عبدالناصر) ومطالبا ببقائه, ثم قال لي ان سامي شرف ابلغه الآن فقط أن أوامر الرئيس قاطعة في أن لا تقال أو تذاع اي كلمة بدون الرجوع (اليك) وقد عرف من سامي شرف ان الرئيس لا يريد أي اتصال مباشر به, وهو على اقتناع كامل بأن الموقف قد يفلت في الشارع في أي لحظة, وسألني عما يمكن عمله, وكان رأيي أن عليه ان يبقى وان يحاول التماسك قدر ما يستطيع, فهي ساعات اختبار لنا جميعا, ولم يكن على استعداد لان يسمع شيئاً وإنما قال لي بسرعة إنه في طريقه الى بيت الرئيس ليستطلع رأيه فيما يجري. وبعد قليل اتصل بي زكريا محيي الدين, وكانت دهشته بالغة, وكانت أول عبارة صدرت عنه هي سؤاله عن هذا الذي فعلناه به, وهل هذا معقول؟ وانه عرف ان مظاهرات في الشوارع تهتف ضده وتطالبه بان لا يقبل ما كلفه به وإلا فهو أمام الناس خائن, ثم قال لي أيضا إن سامي شرف أبلغه ان الرئيس ترك في يدي مسئولية ما يمكن ان يقال أو يذاع, وهو يطلب على الفور اذاعة بيان بأنه اعتذر عما كلف به وأنه مستعد لمواصلة دوره في الخدمة العامة تحت قيادة جمال عبد الناصر, وهو ما يطالب به الناس جميعا, وقلت له انني اتفهم منطقه واقدر حرج موقفه, ولكن قرار جمال عبدالناصر كان واضحا, ولا أظن ان في إمكان احد ان يفعل شيئاً قبل الصباح, وخرج عن هدوئه الطبيعي وقال لي (بهذا الشكل لن يطلع صباح) وراح يحدثني عما يجري في الشوارع ليس في القاهرة فقط وانما في كل مكان في مصر. (وعاد إلى الاهرام يتصل بي لإبلاغي ان ما يحدث في القاهرة متكرر في كل عاصمة عربية, وان وكالات الانباء تنقل صورا رهيبة عن بحور من البشر تتدفق الى الشوارع مطالبة ببقاء جمال عبدالناصر وان صوت الرصاص بدأ يلعلع في بيروت. (وكان شعراوي جمعة مرة اخرى على الخط الآخر يقول لي انه ذهب الى بيت الرئيس وان هناك حصاراً بشرياً مخيفا حول البيت وكل الاخبار لديه أن القاهرة معرضة لحريق أسوأ من حريق سنة 1952 ما لم تصدر كلمة عن جمال عبدالناصر تطمئن الناس وتهدىء مشاعرهم. (ثم اتصل بي محمد فائق يقول لي أن المشير عبدالحكيم عامر اتصل به صاخباً ومهتاجا وقائلا ان لديه بيانا يريده ان يذاع على الناس, وانه رد عليه بعدم استطاعته اذاعة شيء الا بعد الاتفاق معي, ثم قال انه يرجح أن المشير سوف يتصل بي الآن, ولابد أن الاحظ ان اعصابه في آخر درجة من الهياج, ثم قال لي إنه كاد يضرب في طريقه الى بيت جمال عبدالناصر لأن بعض الناس اخطأوا وتصوروه زكريا محيي الدين. (وصدق ما توقعه محمد فائق فلم أكد اضع سماعة التليفون بعد حديثي معه الا والمشير عبدالحكيم عامر على الخط مهتاجا بطريقة لا يبين منها كلام مفهوم, وحاولت تهدئته قدر ما استطيع بأن طلبت منه ان يبعث لي بالبيان الذي يريد اذاعته مع رجائي له بأن يكون ما فيه مساويا لحرج الموقف كله. ليه؟ (لم تمض دقيقة حتى دوت صفارات الإنذار مؤذنة بغارة جوية على القاهرة وحاولت الاتصال بشعراوي جمعة في مكتب سامي شرف وكانت جميع الخطوط مشغولة بلا توقف, ودق جرس التليفون, وكان المتحدث هو عبدالحكيم عامر مرة اخرى يقول انه يفضل املائي البيان بدلا من ارساله اختصارا للوقت, وكان البيان الذي يريد اذاعته هو اعلان بأنه قدم استقالته من جميع مناصبه ابتداء من الساعة السابعة والنصف مساء, وان استقالته قبلت, وسألته: (من قبلها) واستغرب السؤال, وقلت له: ان الرجل الذي كان في اختصاصه قبول الاستقالة اعلن على الناس استقالته في الساعة السابعة, ولم يعد في امكانه ان يقبل شيئا أو يرفضه, وفوجىء المشير, وقال انه سيعاود الاتصال بي بعد دقائق, وعاد وكان اقتراحه أن يصدر إعلان عنه بـ (انه ابتداء من الساعة السابعة والنصف تخلى عن كل مسئولياته, ورجوته في صياغة ما يريد وإرساله مباشرة الى الاذاعة اختصارا للوقت, وانني سوف اتصل بمحمد فائق, والواقع ان هدفي كله في تلك الساعة كان أن اكسب الوقت بأقل قدر ممكن من دواعي التفجير, وكان غضبه قد بدأ يتزايد ولكني أشهد أن كلمة جارحة لم تصدر عنه, ورجوته أن يراعي ان اعصاب الجميع مشدودة على الآخر, واذا فلتت منا اعصابنا فإن احدا منا لا يستطيع ان يضمن كيف يجيء الصباح علينا. (وعدت احاول الاتصال بشعراوي جمعة واذا بي أجده على الخط الآخر يطلبني والصورة لديه عن الجماهير الزاحفة باتجاه بيت جمال عبدالناصر قد اصبحت مقلقة على الرغم من الانذار بوقوع غارة, وسألته عن هذا الإنذار, وكان رده ان الدفاع المدني رصد طائرات معادية في اتجاه القناطر الخيرية وكان ذلك يدعو الى قلق كبير, وما هي الا دقائق حتى أعلنت قيادة الجيش الاسرائيلي انه لم تكن لها(هذا المساء) طائرات على الاطلاق في العمق المصري, وعدت اتصل بشعراوي جمعة وقد احسست من لهجته بشعور غامض جعلني اتساءل بعد المكالمة عما اذا كانت هناك غارة حقيقية أو ان صفارات الانذار كانت وسيلة فكر فيها احد لإقناع الناس بإخلاء الشوارع, وبدا لي أنه حتى اذا كان ذلك هو القصد فإن النجاح لم يكن حليفه لأن الجماهير الزاحفة في الشوارع كانت في انفجار مشاعرها أقوى من اية قنابل يمكن ان تلقيها طائرات. (واتصل بي أنور السادات رئيس مجلس الامة الذي حاصره اعضاء المجلس في مظاهرة امتزج فيها الأسى والغضب طالبين منه ان يفعل شيئاً لتدارك الاوضاع الخطيرة في كل مكان, وقد حاول عدد منهم ان يذهب معه الى بيت الرئيس أيضا, ولم يتمكنوا من الوصول اليه, وعاد انور السادات الى المجلس مصراً على ضرورة ان يصدر بيان يقول للناس على الأقل بان الرئيس سوف يعاود التفكير في الأمر, وقلت له (أنه ليس في استطاعتي كتابة هذا البيان أو طلب اذاعته, وكان عدد كبير من نواب مجلس الامة قد دخلوا قاعة المجلس واعتبروا انفسهم اجتماعا شرعيا فيه باسم الشعب ملحين على طلب عودة جمال عبدالناصر, وكانت تلك بالضبط هي الصيحة العامة من المحيط الى الخليج وورائهما طبقاً لما كانت تتناقله وكالات الانباء على خط طويل ممتد من أقاصي آسيا حتى المغرب الأقصى. (وكان الليل على وشك ان ينتصف, ودق جرس التليفون, وكان جمال عبدالناصر هو المتكلم, وكان سؤاله بصوت مثقل هو (ما الذي حدث؟) كانت الدولة كلها قد انتقلت الى مكتب سامي شرف المواجه لبيته, وكان بحر الجماهير الزاحفة قد احاط بهذا البيت من كل جانب, وكانت خشية المسئولين بدون استثناء انه اذا طلع الصباح بدون رد على المشاعر الجامحة فان الموقف سوف يفلت تماما وسوف تكون العواقب خارج تصور اي انسان. وهكذا اقتحمت باب بيت جمال عبد الناصر مجموعة من المتحمسين لطلوع الصباح وصعد بعضهم الى غرفته ودخلها عدد منهم يضعون امامه صورة الموقف, ولم يصدق ما سمعه, واتصل بي يسألني عما يجري, ورويت له صورة مصر والعالم العربي كما كانت بادية لي لحظتها, وكان سؤاله المتكرر (ليه؟) وراح يرددها مستغرباً. الرجل الثاني لقد جرت كل هذه الاتصالات في خمس ساعات كانت الأعصاب فيها مشدودة ورؤية الصباح غامضة, وفي هذه الساعات الخمس كان هيكل هو الذي يدير ما جرى, كانت كل الخطوط تنتهي اليه, وكانت كل التصورات تخرج منه, وهو ما جعل البعض يكرر فيما بعد ان هيكل كان على الاقل الرجل الثاني في مصر, أقول على الاقل لان البعض اعتبره (الأول مكرر) وفيما بعد اجاب هيكل في حوار صحفي أجرته معه مجلة (نصف الدنيا) في صيف عام 2000 قائلا:. (اعتقد (ان حكاية الرجل الثاني) كلام فارغ وكان ممكنا من ناحية الغرور الإنساني الطبيعي أن اقول أن هذا الكلام صحيح, لكن واقع الامر ان هذا الكلام لم يكن صحيحا, ولا جدال انني في ذلك الوقت كنت اقرب الناس للقمة, لكننا ننسى دائما طبائع السلطة عندما يقال ان فلان الثاني أو الثالث أو الرابع, واعتقد أننا في النظم الموجودة في عالمنا الثالث وهي في غياب عمليات فرز وديمقراطية حقيقية تصبح مسألة الرجل الثاني والثالث شائعة.. والأمر هكذا ادعاء أعمى, وفي امريكا مفهوم أن الرئيس هو الأول والثاني هو رئيس المحكمة العليا لان السلطة هناك موزعة طبقاً لقانون وطبقاً لأوضاع حقيقية وعندما نتكلم عن العالم الثالث فإننا نتكلم عن سلطة رجل واحد ( لا يستطيع ان يبني هرما ولكن يعمل حوله دائرة) وهذه الدائرة قد تتغير, أو هي قابلة دائما للتغيير, يعني عبدالحكيم عامر كان يمكن ان تجده فعلا الرجل الثاني, ليس بحكم منصبه لكن بحكم القوات المسلحة, ثم انتهى, ومعنى ذلك ان الرجل الثاني موجود لكنه قضية متغيرة دائما. (انا بالفعل ـ كنت قريبا من الدائرة, وكنت صديقاً من أقرب الناس الى جمال عبدالناصر, ولكن هذا لا يجعلني ان اكون الرجل الثاني في النظام, ولان الرجل الثاني في النظام لابد ان يكون مهيئا ليحل محل الرجل الاول وهذا لم يكن موجودا في حالتي على الاطلاق, هذا على فرض انني نسيت يوما ان الصحافة هي حياتي وليست فقط مهنتي, وحتى لا نطيل النقاش في هذه النقطة فأنا فعلا كنت في الدائرة القريبة لجمال عبدالناصر ولكن حكاية الرجل الثاني غير مطروحة من ناحية السلطة ولا من ناحية التنفيذ) . ولوجوده في الدائرة القريبة ـ أو لوجوده في مركزها في ذلك اليوم ـ فإن هيكل عندما اتصل به جمال عبدالناصر لم يتردد في إقناعه بضرورة اصدار بيان يهدىء على الأقل الخواطر الهائجة, واتفق على أن جمال عبدالناصر سيذهب في الغد الى مجلس الامة ليناقش معه الأمر, لكن الجماهير التي غطت الشوارع لم تعد الى بيوتها, وفضلت البقاء خارجها, بلا نوم. واتصل جمال عبدالناصر بهيكل مرة اخرى بعد منتصف الليل ليقول له: أنه يشعر بتعب لم يشعر به من قبل وأنه يحس بحاجة شديدة الى ان يغمض عينيه وينام, وانه بالفعل سوف يبلع قرصاً منوما ويحاول, لكن المحاولة لم تنجح, لأنه عاد واتصل بهيكل في الساعة الخامسة والربع قائلا: (ان القرص المنوم اضر به أكثر مما نفعه, فقد اصابه بعوارض النوم وفي الوقت نفسه فإن فكره كان يقظا, وسأله: متى استطيع أن اراك؟ فرد هيكل: على الفور اذا اردت ونزل هيكل من بيته, وكانت كل الطرق في تلك الساعة من الصباح مسدودة وبخاصة ميدان التحرير, وتمكنت من الوصول الى (الاهرام) بصعوبة بالغة, واتصلت به اقول انني سوف أتأخر على الرغم من ارادتي لأن الطرق كلها مغلقة, ولم يكن قادراً ـ على حد وصف هيكل ـ ان يستفيق من دهشته, وكان تعليقه بصورة تشيع فيه حيرة كاملة (ان هذا الشعب غريب, تصورت انه سينصب لي مشنقة في ميدان التحرير فإذا تصرفه على عكس ذلك تماما) , وقال لهيكل ايضا: (انه من الافضل ان تظل في مكتبك حيث استطيع الاتصال بك في اي وقت بدلا من ان تتوه في وسط الزحام فلا تصل الى بيتي ولا تبقى حيث استطيع ان اتصل بك) . وكما فشل هيكل في الوصول الى بيت جمال عبدالناصر, فشل كل المحيطين بجمال عبدالناصر في البحث عن وسيلة لوصوله الى مجلس الامة, وكان ان اقترح هيكل ان يوجه جمال عبدالناصر برسالة الى مجلس الامة بدلا من الذهاب اليه, على أن يكون الذهاب اليه فيما بعد عندما تعود الجماهير الى منازلها, وطلب هيكل مهلة ربع ساعة لكتابة الرسالة, وراجعها مع جمال عبدالناصر عبر التليفون, وبهذه الرسالة انتهى يوم من اطول الايام في مصر.

عن admin

شاهد أيضاً

رئيس الوزراء البريطاني الجديد والرهان المستحيل - بقلم : محمد عبد الحكم دياب

26 - يوليو - 2019 فاز بوريس جونسون برئاسة وزراء بريطانيا لفترة قادمة؛ …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *