26 يوليو ذكرى تأميم قناة السويس
:- مناقشة رسالة الدكتوراه للدكتور مصطفى الحفناوى
يقول الدكتور على الحفناوى
من أوراق التاريخ (16)
من مضبطة مناقشة رسالة دكتوراة الطالب مصطفى الحفناوى (39 سنة) أمام لجنة جامعة السوربون بباريس سنة 1951، برئاسة القانونى العالمى جيلبرت جيدل
توقف البروفيسور جيدل لحظات وقال: “والآن اسمع مني ما لا يرضيك. كيف استبحت لنفسك أن تنعت الفرنسي العظيم فرديناند ديلسبس بأوصاف لا تليق، وما ينبغي أن تدنس بها رسالتك الرائعة هذه … إنني أطالبك بحذف تلك العبارات”.
وأجاب الحفناوى: إني متمسك بها؛ وإنها ليست من صياغتي، وإنما وردت في أسباب الحكم بالسجن خمس سنوات ضد فرديناند ديلسبس في قضية قناة بنما، وقد صدر هذا الحكم من محكمة جنايات السين في باريس، فى آخر أيام ديلسبس؛ وبعد مأساة قناة السويس، وطعن في الحكم بالنقض، ورفض الطعن باسثناء وقف تنفيذ العقوبة البدنية ضد ديلسبس، لأنه كان طاعنا في السن، وتجاوز عمره الثمانين عاما…
قال الأستاذ جيدل: “بي ضعف لهذا الفرنسي العظيم الذي لو أنصفته فرنسا لأقامت له تمثالا في كل ميناء. وبسبب ضعفي هذا أصر على رجائي إياك أن تحذف تلك النعوت… ”
الحفناوى: “هل يسمح سيادة الرئيس لمواطن مصري أن يكون به ضعف لوطنه المجني عليه؟”
وعندئذ دوى تصفيق حار من المصرين الذين كانوا بالمدرج، وشاركهم غير المصريين، فتراجع الأستاذ الكبير، وقال بصراحة العالم الشريف: “أنا فرنسي! وأنت مصري، ومن يدري ماذا كنت لأقول لو أنني مصري؟”… ننتقل إلى مسألة أخرى…
وكانت المسألة هي مصير شركة قناة السويس، بعد إذ بين الحفناوى بالرسالة بطلان عقد الالتزام وانعدامه، كما بين الفضائح التي تورطت فيها الشركة ومخالفاتها وجرائمها التي لا تحصى، مستندا إلى ملفات الشركة التي ذُكرت أرقامها في هوامش الرسالة. ومع ذلك لم يطق “جيدل”، الذي وصل القمة في علمه، أن يقرأ دعوة الطالب بتصفية الشركة، واتخاذ إجراءات فورية لذلك، في المدة الباقية حتى يحين يوم ١٦ من نوفمبر سنة ١٩٦٨م، واعتبار هذه المدة مرحلة انتقال إلى أخر ما ذكره في رسالته بهذا الخصوص. وأعلن جيدل أنه وزملائه لا يقبلون الحلول التي عرضها في هذا المسألة، ومطلوب منه أن يقترح حلا آخر في الحال، وأن يحاول التوفيق بين مصالح مصر التي يدافع عنها وبين بقاء الشركة واستمرارها، فرد الحفناوى على الفور إنه ليس عنده حل آخر، ثم قال جيدل: “إن قريعة العالم الشاب الذي كتب هذه الرسالة، لا يعجز عن اقتراح حلا آخر يكون معتدلا وتقبله الهيئة”، وشفع ذلك بتهديد في لغة مهذبة قائلا: “إنك باقتراحك الحالي ستعرض وطنك لمتاعب جسام؛ ذلك أن الدول صاحبة المصالح لن تترككم تسيرون في الطريق الذي تدعو إليه” ، فأعلن للهيئة الموقرة إصراره، قائلا: “يبدو لي أنكم أخطأتم فهمي، وتصورتم أني مجرد طالب يبحث هنا عن درجة علمية، درجة دكتور في القانون، وأبادر فأعلن أني متنازل عن درجة الدكتوراه في القانون، فما أنا بحاجة إليها، إنني في مصر محام لدى محكمة التقض، وهنا في باريس مستشار سفارة، ومعنى ذلك أني وصلت في سلم عملي إلى آخر المراحل، فلا حاجة بي للقب دكتور في القانون، أنا هنا محام يبسط للعالم كله من منبر عالمي حر، منبر في جامعة باريس، قضية بلاده العادلة، ويعرض الحلول التي يراها، فإذا استعصى هذا المنبر فإني سأطوي الملف، وأترك باريس، وأذهب إلى بلد آخر فيه منابر حرة لأستعملها”.
وهنا دوى صوت جيدل وهو ينادي قائلا: “إن جامعة باريس كانت دائما وأبدا منبر الأحرار الذين يعرضون منه قضايا الحرية، ونحن نعتز بهذا، ونرحب بك اليوم، كما رحبنا بغيرك، وسنرحب دائما بطلاب الحرية والاستقلال”.
وبعد المناقشة التى استمرت خمس ساعات ونصف، وبعد المداولة التى استمرت خمسة دقائق، أعلن جيلبرت جيدل باسم جامعة السوربون بباريس بمنح درجة الدكتوراة للطالب مصطفى الحفناوى بتقدير جيد جدا مع تهنئة هيئة التحكيم.
مجلة الوعي العربي