أحمد البهائي
ببساطة يعرف التضخم على أنه الإرتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار في دولة ما والناجم عن فائض الطلب عما هـو معروض من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة ، كما يعرف بأنه عبارة عن الإنخفاض المستمر والمتواصـل فـي القيمـة الحقيقية لوحدة النقد ، حيث يمتاز التضخم في مصر بأنه مركب ومتنوع ، فالتضخم في مصر بجانب أنه ناشئ عن الطلب فهناك التضخم النقدي ، والتضخم في أسواق السلع (التضخم السلعي والتضخم الرأسمالي)، كذلك التضخم في أسواق عوامل الإنتـاج (التضخم الربحي والتضخم في التكاليف ) ، وما يزيد تميز هذه الأنواع أنها تشترك في خاصية واحدة، وهي عجز النقود عن أداء وظائفها أداءً كاملاً .
فقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم العام لشهر يونيو 2019، شهد تراجعاً على المستويين السنوي(ليسجل 8.9% مقابل 13.8% فى يونيو 2018) والشهري(بانخفاض 1% عن شهر مايو 2019)،بالنظر الى الأرقام المعلن عنها ، بلغ حجم الانخفاض فى معدل التضخم السنوى 4.9% ،ومع ذلك من يراقب أسعار أسواق السلع والخدمات يعلم أنها بعيدة تماما عن تلك الأرقام والنسب المعلنة، لنتساءل من جديد على أي مؤشر رقمي يقاس عليه التضخم في مصر؟.
حيث تكتـسب مؤشرات الأرقـام القياسية أهميتها، من خلال مقدرتها على إظهار التغيرات في مستويات الأسعار التي تحدث في الاقتصاد، فكلما كانت تلك الأرقام دقيقة وشاملة، كلما دل على مقدرتها في عكس التغيرات التي تحـدث فـي القـوة الشرائية للنقود ، فمن الملاحظ ، يعتمد في عملية قياس ظاهرة التضخم في الاقتصاد المصري على الرقم القياسي لأسعار الجملة والرقم القياسي لأسعار التجزئة،تلك الارقام معروف عنها انها يشوبها بعض القصور وعدم الدقة في جمع بياناتها ، وهذا ما تبينه ارقام ومعدلات التضخم المعلن عنها، متجاهلين الإعتماد على رقم قياسي أخر أكثر دقة ،وهو الرقم القياسي الضمني ، فهو يعد من أكثر الأرقام القياسية إستخداما في قياس تضخم إقتصادات الدول ، وتعتمد العديد من الهيئـات والمنظمـات الدوليـة وبـالأخص صندوق النقد الدولي على هذا الرقم ، وذلك نظرا لاحتواء هذا المؤشر على أسـعار جميع السلع والخدمات الموجودة في الاقتصاد القومي، سواء كانت سلع وسيطة أو إنتاجية أو سلع استهلاكية نهائية، كما يتضمن أسعار الجملة والتجزئة على السواء، ويتم الحصول عليه من خلال قسمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية علـى الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة مضروباً في مائة ، وذلك في سنة معينة أو كل ربع سنوي، فإذا كان ناتج القسمة مساويا 100 فذلك دليـل علـى استقرار مستويات الأسعار، في حين أنه إذا زاد الناتج عن 100 فإن ذلك يؤكد على حدوث ارتفاع في المستوى العـام للأسعار، وعلى العكس إذا كان الناتج أقل من 100، فإن ذلك يدل على حدوث انخفاض في المستوى العام للأسعار،والدليل على ذلك ،أعلن أن معدل التضخم السنوي 2017 و2018 في مصر كان على التوالي 29.5%،14.4% حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ،ولكن بإستخدام مؤشر الرقم القياسي الضمني هو في حقيقته اعلى من ذلك ، فبقسمة الناتج المحلى الاجمالي بالأسعار الجارية خلال أعوام 2017 و2018 (4.440 و3.475) على الناتج المحلى الاجمالي بالأسعار الثابتة لنفس الأعوام( 2.000 و3.650) كلا منهما مضروب في مائة ، حيث الرقام مقدرة بتريليون جنيه، تجد ان التضخم على التوالي 173.5%،122% ،أي أن الزيادة عن 100 لأعوام2017 و2018 ، كانت 73.5% و22% ، ومع توافر بيانات عن الربع الأول والثاني للسنة المالية الحالية 2018/2019 ، حول الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية(1.404 و1.383) والثابتة (0.923 و0.951) ، تجد أن التضخم للربع الأول والثاني للسنة المالية الحالية على التوالي 152% و 145% ، هذا يدل على ان معدلات التضخم اعلى من النسب المعلن عنها ، حسب مؤشر الرقم القياسي الضمني ، ومن هنا نطالب ببعض الشفافية ، وألا تكون البيانات التي يعتمد عليها في قياس التضخم تقتصر على عدد محدود من محافظات الجمهورية ، حتى تعكس التغيرات الحقيقية في مستوى معيشة الأفراد ، وألا تقتصر على أنماط المستهلكين في الحضر دون الريف ، وألا يعتمد فيها على أسلوب العينة في إعداد الرقم القياسي لأسعارالمستهلك ، وعدم الإعتماد على الإسعار الرسمية لمبيعات التجزئة ، التي لاتعكس حقيقة الأرقام الفعلية ، وخاصة عند إنتشار ظاهرة التعامل في السوق السوداء ، أو تحديد الأسعارفي السوق وفقا لقوى العرض والطلب ، وذلك حتى لا تشير الأرقام القياسية الى التضخم الظاهر ، دون الإشارة الى التضخم المكبوت ، وهذا ما نخشاه .
مجلة الوعي العربي