في الجزء الثاني من قصة ثورة 23 يوليو، يسرد أحمد حمروش في الباب الأول أحداث الفترة التالية لصراع 1954: تحرير مصر والسودان من الاحتلال الإنجليزي واختيار السودانيين لأن تكون دولتهم مستقلة عن مصر؛ المعركة السياسية التي خاضتها مصر وانتصرت فيها ضد الدخول في حلف دفاعي غربي (والذي كان الثمن المطلوب من مصر لتزويدها بالأسلحة الغربية وللمساعدة في بناء السد العالي)؛ دخول السوفييت إلى المنطقة بعد صفقة الأسلحة التشيكية؛ ثم العدوان الثلاثي من انجلترا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر عام 1956 والذي انتهى بفشل ذريع بسبب مساندة العالم كله لمصر، وأيضا بسبب تخلي الولايات المتحدة عن حليفيها الأوربيين إذ كانت قد بدأت في الحلول محلهما في المنطقة، وخرجت مصر من العدوان بانتصار سياسي، وأصبح جمال عبد الناصر بعد معركة الأحلاف والعدوان الثلاثي بطلا قوميا عربيا.
ويتحدث عن “مجتمع جمال عبد الناصر” في فترة الستينات، والمقصود بذلك في الكتاب العلاقات المتشابكة والمتغيرة بين عبد الناصر وزملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة، ثم التنظيمات السياسية التي أنشأتها الثورة، بداية من هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي، ثم التنظيم الطليعي أو طليعة الاشتراكيين
لا يخفي أحمد حمروش إنحيازه لليسار وهو الذي كان عضوا في تنظيم شيوعي من قبل قيام الثورة، وموقفه من عبد الناصر يشبه إلى حد كبير موقف كثير من الشيوعيين: إعجاب باتجاه عبد الناصر للكتلة الشرقية، وإعجاب بتركيزه على العدل الاجتماعي ومحاولته لبناء مجتمع اشتراكي، ولكن في نفس الوقت نقد مرير لسياساته ولاختياره للأشخاص المحيطين به، وهو نقد يمكن أن يتلخص في جملة واحدة: كيف يتسنى لعبد الناصر أن يقيم مجتمعا اشتراكيا بدون مشاركة الاشتراكيين ؟ وكيف يقيم مجتمعا اشتراكيا وهو يلقي بالعشرات من الشيوعيين في السجون (كان أغلبهم مسجونا من بداية عام 1959 وحتى عام 1964) ؟ وحتى عندما خرجوا من السجون لم يشترك منهم في المناصب المهمة إلا عدد محدود وربما بصفة شخصية كما يقول أحمد حمروش. وفي مقابل ذلك اعتمد عبد الناصر على سياسيين وظباط أغلبهم كان غير مقتنع بينه وبين نفسه بالاشتراكية ، وهو ما يفسر “ارتداد” هؤلاء الأشخاص عن “الإيمان” بالاشتراكية فور وفاة جمال عبد الناصر.
هناك أيضا نقطة أخري يأخذها المؤلف - والشيوعيون - على فلسفة عبد الناصر في الحكم: وهي أنه كان يرفض فكرة الصراع الطبقي ولصالح فكرة “التصالح الطبقي” التي ظهرت في مبدأ تلاحم قوى الشعب العاملة، ولم يبدأ في الاقتناع بحتمية الصراع الطبقي إلا متأخرا عندما أيقن أن الطبقات التي انتزعت منها الأراضي أو الأموال او الشركات لا يمكن أن تكون مشاركة في بناء المجتمع الاشتراكي، وأيضا عندما أصبح واضحا له أن النظم الرجعية العربية لا يمكن أن تقف إلى جانبه ضد القوى الاستعمارية الغربية
مجلة الوعي العربي
