الرئيسية / الوحدة العربية / خمس مشاهد رسمت صورة خالدة لما جرى في شباط 1958

خمس مشاهد رسمت صورة خالدة لما جرى في شباط 1958

 

بقلم : اسحق البديري

 

 

لا أظن أن أحدا من ابناء الأمة العربية الذين عاشوا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين يمكن أن ينسى المشاهد الرائعة لأحداث أيام مجيدة ، متتابعة ومتوالية ، جرت وقائعها خلال شهر شباط فبراير من عام 1958 من أول يوم فيه إلى آخر يوم فيه ….. وهي مشاهد كونت ورسمت مجتمعة ومتداخلة معا صورة خالدة تنبض بالحياة… صورة ما تزال معنا إلى الآن….. صورة تاريخية… ظهرت فيها وجوه عربية حاشدة بالآلاف لرجال ونساء ، لشيوخ وأطفال ، لشباب وشابات ، وقد ملأت فيها هذه الجموع الصورة على اتساعها . بحيث شكلت الجموع خلفية الصورة كلها ، وفي احد جوانب الصورة يظهر جمال عبد الناصر وهو يطل على الجماهير المحتشدة من شرفة قصر الضيافة في دمشق ملوحا بذراعيه… وصوته يدوي في ساحة الجلاء ليصل إلى كل من في الساحة ، والى كل من في دمشق ، وهم بالآلاف ولينتقل صوته المدوي عبر الأثير ليصل إلى آذان من هم في القرى والنجوع والمدن العربية وهم بالملايين ، التفوا حول أجهزة الراديو وهم مشدوهين مبهورين ، الكل ، يهتف باسمه ، القريب في ساحة الجلاء الذي يراه ويسمعه … والبعيد هناك على امتداد الساحات العربية الذي يسمعه دون أن يراه…. الصوت المدوي المنطلق من شرفة قصر الضيافة بدمشق يصل إلى أقاصي الدنيا ويعلن للعالم اجمع ” أيها المواطنون لقد قامت الجمهورية العربية المتحدة…. ان هذه الجمهورية ستكون سندا لكل العرب ” ، وفي كل زوايا الصورة تظهر هتافات الجماهير العربية وهي تشق عنان السماء لتدوي في كل ارض عربية. الله اكبر الله اكبر….. عاشت الوحدة …عاشت الجمهورية العربية المتحدة … عاش جمال عبد الناصر .

 

 

 

صورة خالدة ، سوف تبقى على مر الزمن في ذاكرة ملايين العرب… صورة . لم يقم بتصويرها شخص بمفرده …. ولم يرسمها فنان واحد بريشته .إنها صورة تكونت وتجمعت من مشاهد متتابعة ومتداخلة, ولم تكن تلك المشاهد هي وحدها صانعة الصورة ، لكن هذه المشاهد كانت نتيجة حتمية لمجموعة عوامل وعناصر تضافرت كلها لتساهم في تشكيل وتكوين الصورة ، إنها صورة ساهمت في تكوينها أجيال الماضي وأجيال الحاضر……. صورة ساهمت في رسم معالمها أجيال عربية وراء أجيال ناضلت وقدمت الآلاف من الشهداء على مدى القرون والسنوات سعيا من اجل الوحدة ، بل من اجل القوة. صورة شاركت في رسم ملامحها كل القوى والتيارات والأحزاب والشخصيات العربية التي آمنت بالوحدة ، صورة فرضت مضمونها ومحتواها جماهير الشعب العربي في سوريا وفي مصر ….. صورة وضع شكري القوتلي و جمال عبد الناصر لمساتها الأخيرة وجعلاها تنبض بالحياة …إنها… صورة خالدة…. بكل مقاييس ذلك الزمان من القرن العشرين .

إن المشاهد الرائعة للأحداث المجيدة التي جرت وقائعها على الأرض . كانت مشاهد متتالية ومتعاقبة وهي مشاهد ما تزال حية إلى هذه اللحظة ، بمعنى انه ما زال ممكنا استرجاعها و مشاهدتها مسموعة ومرئية عبر اجهزة الاذاعة والتلفاز وشبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ، وهي مشاهد لأحداث وقعت وجرت في شهر شباط - فبراير 1958….. وهل يمكن لأحد أن ينسى شباط فبراير من عام 1958 وان ينسى مشاهده المجيدة مشهدا وراء مشهد .

وتتوالى المشاهد واحدا وراء الآخر لترسم الصورة الخالدة

 

***********

وأول هذه المشاهد المجيدة التي كونت تلك الصورة الخالدة كان مشهد جمال عبد الناصر وشكري القوتلي رئيس جمهورية سوريا وهما يقفان جنبا إلى جنب يخاطبان الجموع المصرية المحتشدة أمام مقر مجلس الوزراء في القاهرة في الاول من شباط 1958 بعد توقيعهما على اتفاق إعلان قيام الوحدة بين مصر وسوريا باسم الجمهورية العربية المتحدة ، ويقول المناضل شكري القوتلي -الذي رفع العلم السوري في يوم جلاء القوات الفرنسية عن سوريا في 17 نيسان 1946 وأعلن حينذاك انه لن يرتفع فوق العلم السوري إلا علم الوحدة العربية – أمام هذه الجموع “” إن هذا اليوم هو من أيام العمر …. نعلن اليوم أن الوحدة قد قامت بين مصر وسوريا… لقد ولدت اليوم الجمهورية العربية المتحدة “” ويقول جمال عبد الناصر – الذي أكد في صلب دستور 1956 على انتماء مصر إلى أمتها العربية والذي استجاب لمطلب الشعب السوري بالوحدة مع مصر ” اليوم - أيها الإخوة المواطنون - بعد أن كانت القومية العربية هتافاً وشعارات، أصبحت حقيقة واقعة. اليوم اتحد الشعب العربي في سوريا مع الشعب العربي في مصر وتكونت الجمهورية العربية المتحدة؛ هذه الجمهورية المتحدة ستكون سنداً للعرب جميعاً، ستكون قوة للعرب جميعاً، ستعادى من يعاديها وتسالم من يسالمها ويواصل عبد الناصر خطابه قائلا ” اليوم - أيها الإخوة المواطنون - اليوم يوم خالد في تاريخنا , ومرحلة حاسمة في تاريخنا، باسمكم جميعاً أتكلم إلى الأخ الأكبر أخي شكري القوتلي ، وأقول له: إننا جميعاً نحييك، وإننا جميعاً نحيى جهادك، وإن الشعب العربي في كل مكان سيذكر على مر الزمن ما قمت به، وإن الجمهورية العربية المتحدة هي خير هدية نقدمها لك اليوم، وإعلان مولدها على أنها هي النتيجة الكبرى لجهادك في سبيل الوحدة العربية وفى سبيل القومية العربية.. والله يوفقنا جميعاً. ”

كان مشهدا رائعا ومجيدا…في الفاتح من شباط فبراير 1958 . شكري القوتلي ومعه أبناء جيله الذين ناضلوا وعملوا من اجل تحقيق حلم الوحدة ، يسلم الراية في يوم خالد من أيام العمر إلى جمال عبد الناصر ومعه جيل جديد يتقدم ليحمل راية الوحدة ويتابع المسيرة …..جيل ناضل وقدم تضحيات كبيرة وهائلة من اجل تقريب يوم الوحدة العربية ويسلم الراية إلى جيل جديد…. جيل يتقدم ليحمل العلم من جيل سبقه……. جيل جديد واعده القدر بان يعيش ويرى نقط تحول فاصلة في التاريخ العربي المعاصر ….. جيل يعيش لحظات انتصار عظيم لم يصنعه وحده ولم يتحمل تضحياته بمفرده……. جيل جديد يعيش النتيجة المجيدة لتفاعل عوامل كثيرة سبقت…… جيل جديد قدر له أن يشهد وان يرى بل وان يعيش مهرجان الشروق حين يحدث الانتقال العظيم ساعة الفجر من ظلام الليل إلى ضوء النهار….. مشهد جليل وعظيم…. مشهد جرت وقائعه في الاول من شباط فبراير سنة 1958

***********

.أما ثاني هذه المشاهد فقد جرت وقائعه في يوم الخامس من شباط – فبراير وفي هذا المشهد نرى شكري القوتلي وهو يتحدث أمام مجلس النواب السوري في دمشق وبعد وقت قليل نرى جمال عبد الناصر وهو يتحدث أمام مجلس الأمة المصري في القاهرة ….. شكري القوتلي وجمال عبد الناصر كلاهما معا في يوم واحد وفي وقت واحد تقريبا يقدمان إلى المجلسين والى الشعبين نصوص اتفاق الوحدة …… والإعلان عن عرض الاتفاق واختيار أول رئيس للجمهورية العربية المتحدة على استفتاء شعبي يجري في مصر وسوريا في يوم 21 شباط فبراير….. ويعلن شكري القوتلي أمام مجلس النواب السوري وعلى مسمع من الجموع الشعبية السورية التي أحاطت بمنى المجلس وهي تهتف للوحدة العربية عن مبايعته لجمال عبد الناصر وترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية …. قائلا إن هذا اليوم هو من أيام العمر ويعلن المجلس فيما يشبه الإجماع موافقته على هذا الترشيح بعد موافقته على اتفاق الوحدة…… وتمتلئ شوارع وساحات دمشق بالآلاف من الرجال والنساء بالشيوخ والشباب والأطفال فرحا وسعادة , لقد تحقق الحلم .. أيام معدودة ويجري الاستفتاء الشعبي لتولد دولة الوحدة بشكل رسمي وفعلي…ولم تنم دمشق ولا سوريا في تلك الليلة ولا في الليالي التي تلتها… كان مشهد دمشق قلب العروبة النابض رائعا ومجيدا……

.

وفي نفس اليوم وبعد ساعة تقريبا التفت الجماهير السورية من حول أجهزة الراديو في دمشق وفي كل مدينة سورية…. والجماهير المصرية في مدن وقرى مصر كلها …والجماهير العربية في عواصم ومدن وقرى عربية على امتداد الأرض العربية وهي تستمع إلى صوت جمال عبد الناصر وهو يدوي أمام أعضاء مجلس الأمة المصري وينتقل عبر الأثير إلى أفاق الدنيا …. قدم عبد الناصر في ذلك الخطاب الذي يعتبر بغير جدال أهم وثيقة عربية حول الوحدة شرحا كاملا للظروف التاريخية التي عاشتها الأمة العربية في سعيها من اجل الوحدة والظروف القريبة والبعيدة التي مهدت لقيام الوحدة بين مصر وسوريا….. وكان هذا المشهد رائعا …. ما قاله عبد الناصر في هذا الخطاب هام الى ابعد الحدود وكان المشهد زاخرا وحافلا .. كانت كلماته عظيمة وهذا بعض منها وليس كلها …

” أيها المواطنون.. أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة:

لقد سبق كل فجر شهدنا مطلعه ليل طويل؛ لقد سبقت فجر الاستقلال وفجر الحرية، وفجر العزة والكرامة، وفجر القوة، وفجر الأمل، ليال طويلة امتدت مئات السنين فى صراع مستمر مع ظلام الاستعمار والاستبداد والظلم والضعف.. ليال طويلة عاشتها أجيال قبلنا، وقاست أهوالها وتحملت مصاعبها لكى تقرب منا اللحظات الرائعة للانتقال العظيم. وكذلك هذا الفجر الذى نشهد اللحظة مطلعه، إن الليل الذى سبق فجر الوحدة هو دون شك أطول ليالى كفاح أمتنا العربية؛ ذلك أن الأمل الذى يتحقق لنا اليوم هو أقدم آمالنا. إن تاريخ الوحدة فى عمر أمتنا هو نفس عمر تاريخ أمتنا، لقد بدأ معها منذ بدأت، نشأ على نفس الأرض، وعاش نفس الحوادث، واندفع إلى نفس الأهداف، فلما استطاعت أمتنا أن ترسى قواعد وجودها فى هذه المنطقة وتثبت دعائم هذه القواعد، كان مؤكداً أن الوحدة قادمة وأن موعدها بات قريباً. ”

ويختتم عبد الناصر خطابه التاريخي قائلا ”

ا يها المواطنون أعضاء مجلس الأمة:

لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث فى قلبه، لقد قامت دولة كبرى فى هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوى ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تطيق.

ولم تنم الجماهير العربية في مصر وفي سوريا…. لم تنم القاهرة ولم تنم دمشق …. بل إن الأرض العربية كلها لم تنم ليلتها ولا في الليالي التي أعقبتها … لقد اصبح يوم الوحدة قريب وقريب جدا ……

*************

ويرتفع الستار عن المشهد الثالث الذي كون الصورة الخالدة انه مشهد جليل…. جموع مصرية وسورية تبدأ منذ الصباح الباكر في التوافد بالعشرات والمئات ثم التدافع بالآلاف ومئات الآلاف , على مراكز ودوائر الاستفتاء الشعبي المنتشرة في كل مكان من ارض سوريا ومصر تدلي بأصواتها في صناديق الاقتراع لإبداء رأيها والإجابة على سؤالين محددين أولهما : . هل توافق على قيام الوحدة بين مصر وسوريا في دولة واحدة اسمها الجمهورية العربية المتحدة…. وثانيهما: هل توافق على انتخاب جمال عبد الناصر لمنصب رئيس الجمهورية العربية المتحدة…… مشهد مجيد شهده العالم كله …. رأى ملايين السوريين والمصريين وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع منذ الصباح الباكر وحتى ساعات المساء من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شباط فبراير…. امتلأت .شوارع وأحياء النجوع والقرى والمدن المصرية والسورية من القامشلي في أقصى شمال سوريا إلى أسوان والنوبة في أقصى جنوب مصر عن بكرة أبيها في زحف قل نظيره في التاريخ العربي المعاصر ….. بل إن هذا الزحف إلى صناديق الاقتراع امتد إلى أبناء الجاليات السورية والمصرية الذين توجهوا إلى السفارات والمفوضيات والقنصليات المصرية والسورية في مختلف أنحاء العالم….. من واشنطن الى بكين الى موسكو من باريس الى بون الى لندن وغيرها من عواصم العالم …… شكري القوتلي وقادة سورية وجمال عبد الناصر وقادة مصر جميعهم توجهوا الى مراكز الاقتراع ……

انه مشهد لحدث كبير وضخم…. لقد أراد العرب وبالذات أبناء سوريا ومصر في هذا اليوم إن يصنعوا بإرادتهم الحرة تاريخا جديدا للمنطقة العربية … أرادوا أن يكون هذا اليوم يوم الاستفتاء يوما جديدا في تاريخ العرب…. وسهر الشعب في كل سوريا وفي كل مصر ومعهم شعوب أمتهم العربية طوال الليل وحتى الصباح في انتظار نتائج الاستفتاء ، وكان ملايين العرب في البلاد العربية الأخرى يتمنون في أن يشاركوا إخوتهم في سوريا ومصر في التصويت أمام صناديق اقتراع مماثلة لكن الحدود والحواجز المصطنعة لم تمكنهم من أداء دورهم تأييدا للحدث الضخم كان مشهد الحادي والعشرين من شباط فبراير مشهدا رائعا ومجيدا …..

***************

… ويرتفع الستار عن المشهد الرابع في هذه الصورة الخالدة حيث أطل الفجر واشرق صباح يوم مجيد ، صباح الثاني والعشرين من شباط فبراير كان هناك مشهد عظيم

 

ورائع قد اطل علينا ……. وزير الداخلية السوري يعلن من دمشق النتائج الرسمية للاستفتاء الذي جرى في سوريا وكانت النتائج باهرة…. الشعب السوري يوافق بأغلبية ساحقة على قيام الوحدة وعلى انتخاب جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة وتبدأ دمشق وغيرها من المدن السورية احتفالات ضخمة…… سوريا كلها تهتف للوحدة وللجمهورية العربية المتحدة ولجمال عبد الناصر …. وفي القاهرة يحتشد منذ الصباح أكثر من نصف مليون شاب من أبناء المدارس والجامعات في ميدان الجمهورية اكبر ميادين القاهرة وهم يستمعون إلى وزير الداخلية المصري وهو يعلن موافقة شبه أجماعية في الاستفتاء على قيام الجمهورية العربية المتحدة وانتخاب عبد الناصر رئيسا لها ….. ويضج الميدان بالهتاف لحظة أن اطل جمال عبد إلنا صر على جموع الشباب المحتشد في هذا الميدان ..وقف القائد الثائر رئيس الجمهورية العربية المتحدة يخاطب جموع الشباب قائلا

أيها الموطنون.. الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله الذي حقق الآمال.. الحمد لله الذي كان في عوننا دائماً ونحن نكافح من أجل الأهداف الكبرى التي نسعى إليها، والتي نعمل من أجلها.. الحمد لله الذي حقق آمال شعب سوريا وشعب مصر، ووحد بين قلوبهم، ووحد بين دولتهم.. الحمد لله فبعونه قامت اليوم الجمهورية العربية المتحدة. إن هذه الجمهورية المتحدة ستكون دائماً سنداً للعرب، وإن هذه الجمهورية العربية المتحدة ستكون دائماً عوناً للعرب ضد الاستعمار وضد العدوان، وأرجو الله أن يوفقنا ويرعانا”””.

وكما في دمشق وسوريا …… أيضا في القاهرة وفي مصر كلها… احتفالات ضخمة وكبيرة….الشعب المصري يخرج فرحا في الشوارع والساحات الأضواء جعلت من ليالي القاهرة نهارا ليصل الليل بالنهار….

************

ويرتفع الستار عن مشهد خامس رائع ومجيد ليستكمل الصورة الخالدة وهو مشاهد لعدد من الأيام تداخلت كلها في مشهد واحد بداْ في دمشق في ذلك الصباح الباكر من يوم 24 شباط فبراير ولايام وليالي بعده ففي ذلك الصباح وبصورة مفاجئة هبط جمال عبد الناصر في دمشق وقامت الدنيا ولم تقعد

وهنا اترك للاستاذ محمد حسنين هيكل وهو يروي في تحقيق صحفي نشره في الاهرام بعنوان ” جمال في دمشق ” قصة الساعات الاولى التي وصل فيها عبد الناصر ولاول مرة في حياته الى دمشق حيث يقول ” … في السابعة صباحا اقلعت من مطار الماظه في القاهرة طائرة متجهة إلى دمشق، لعلها اول طائرة تحمل اسم ” الجمهورية العربية المتحدة وفى الساعة الثامنة تماماً بدأت الطائرة تعلو فى الجو ثم بدأت تمرق وسط السحب فى محاذاة شاطئ إسرائيل. وفى الثامنة والثلث كان جبل الشيخ المعمم بالثلوج يبدو عند الأفق، وكانت أول نفحة من سوريا. ويطل جمال عبد الناصر من نافذة الطائرة يلقى أول نظرة على الأرض التى انتخبته رئيساً لجمهوريتها دون أن تراه ودون أن يراها. وفى الساعة التاسعة إلا ربعاً كانت الطائرة تهبط فى مطار المزة. وبدت الطائرة للذين كانوا فى المطار كأنها طائرة عادية كغيرها من عشرات الطائرات التى تهبط كل يوم فى مطار المزة. ثم توقفت الطائرة تماماً أمام مبنى المطار وكان هناك جماعة من قواد الجيش السورى يتقدمهم اللواء عفيف البزرى والزعيم أمين النافورى والقائم مقام عبد المحسن أبو النور الملحق العسكرى المصرى فى دمشق. كانوا واقفين ينتظرون الطائرة وفى تصورهم أن القائد العام المشير عبد الحكيم عامر موجود بين ركابها. وفتح باب الطائرة ولدهشتهم جميعاً ظهر على بابها آخر شخص كانوا يتوقعون ظهوره فى هذه الساعة من الصباح. وكان اللواء البزرى أول من أفاق من الدهشة فقال: “يا خبر”! ثم بدأ الباقون جميعاً يتطلعون إلى الرئيس جمال عبد الناصر فى ذهول وهم يرونه يهبط سلم الطائرة ويمد يده إليهم مصافحاً. ولم تكن هناك سيارات فى الانتظار ولم تكن هناك ترتيبات للاستقبال. وركب الرئيس سيارة كانت فى المطار بينما اندفعت سيارة اللواء البزرى تفسح الطريق أمامها، فى الطريق الذى يؤدى من مطار المزة إلى عاصمة الأمويين الخالدة. وكان اندفاع سيارة اللواء البزرى فى الطريق هو الشىء الوحيد الذى لفت أنظار بعض السيارات المارة، فتطلع ركابها إلى الركب، ركب السيارات التى تجرى على الجانب الآخر من الطريق ثم اكتشف ركاب هذه السيارات، الحقيقة مرة واحدة، فاستداروا بسياراتهم وعادوا يحاولون اللحاق بموكب جمال عبد الناصر وهم ينادون باسمه. وبعد قليل كانت شوارع دمشق كلها تردد نفس الاسم، وفى تلك اللحظة كانت سيارة الرئيس جمال عبد الناصر قد وصلت إلى دار الرئيس شكرى القوتلى.

يواصل الاستاذ هيكل في وصف احداث ذلك اليوم في مقاله حيث يقول ” كان الرئيس شكرى القوتلى ما زال بالدور العلوى بمنزله ولم يكن يعرف بأمر المفاجأة التى وصلت إلى دمشق فى هذه اللحظات. وأخطر الرئيس شكرى القوتلى بأن جمال عبد الناصر ينتظره فى صالون بيته. وارتدى الرئيس شكرى القوتلى ملابسه وهرع للقاء ضيفه، المفاجأة التى لم تكن متوقعة فى هذا الصباح فى دمشق. وتعانق الرجلان.

وفى تلك اللحظات كانت جموع الشعب التى سمعت النبأ بدأت تزحف على قصر الرئيس شكرى القوتلى كأنها سيل ينحدر من قمم الجبال، وبدأت أصوات الجماهير تعلو حتى وصلت إلى أسماع الرئيسين حيث كانا واقفين فى الصالون. وكانت الجماهير تهتف: ناصر ناصر ناصر ناصر.. وخرج الرئيسان إلى شرفة البيت وتحدث السيد شكرى القوتلى وبعده الرئيس عبد الناصر، ثم دخل الرئيسان إلى بيت الرئيس شكرى القوتلى، ومن منزل شكري القوتلي يتحدث جمال عبد الناصر امام الجماهير السورية قائلا :

.”…. كنت دائماً أتمنى فى السنين الأخيرة أن أزور دمشق؛ لأننى كنت أشعر فى كل وقت بأنها قلب العروبة النابض؛ ففيها تتفاعل القومية العربية، ومنها تتصاعد مثل القومية العربية، وقلبها يخفق بالوحدة وتدعيم القومية العربية. واليوم، وأنا أزور دمشق بعد تحقيق هذا الحدث الخالد فى تاريخ العرب.. الحدث الذى كافح من أجله الآباء والأجداد، هذا الحدث الذى تتمثل فيه قوة العرب وعزة العرب، أيها المواطنون: .إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتى، فقد كنت دائماً أنظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا وأترقب اليوم الذى أقابلكم فيه، والنهارده.. النهارده أزور سوريا قلب العروبة النابض.. سوريا اللى حملت دائماً راية القومية العربية.. سوريا اللى كانت دائماً تنادى بالقومية العربية.. سوريا اللى كانت دائماً تتفاعل من عميق القلب مع العرب فى كل مكان.

واضاف هيكل : ولما جاء الموعد الذى يجب أن ينتقل فيه الرئيس جمال عبد الناصر إلى قصر الضيافة، خرج إلى شوارع دمشق فى سيارة مكشوفة. إن الحماس الذى شهدته شوارع دمشق لا يمكن أن يوصف، وأى محاولة لوصفه لن تستطيع أن تشير إلى الحقيقة. إن الطريق بين قصر القوتلى وقصر الضيافة لا يزيد طوله على 100 متر، ولكن السيارة المكشوفة قطعته فى أكثر من ساعة. ثم وصل الرئيس جمال عبد الناصر وسط بحر متدفق من الجماهير وبقى واقفاً فى الشرفة أكثر من ربع ساعة يرد تحية شعب دمشق الذى احتشد فى الميدان الكبير وملأت الجماهير جميع الشوارع المؤدية إلى قصر الضيافة.

.وقال السيد شكرى القوتلى للرئيس جمال عبد الناصر:

“إن هذه الأمة فى حماية شبابك وإيمانك وشجاعتك”.

وقضى الرئيس كل ساعات ما بعد الظهر يخرج إلى شرفة القصر ويدخل منها. كلما كانت الجماهير تلح عليه فى أن يطل عليها وكانت أصواتها كالرعد وهى تناديه:

“طل علينا يا جمال”.

.. ويطل عبد الناصر على الجماهير التي احتشدت في ساحة الجلاء ويرد تحيتهم رافعاً كلتا يديه ويتحدث اليهم اكثر من مرة في ذلك اليوم . والى ساعة متاْخرة من الليل .. كانت الجماهير تتدفق من احياء دمشق تهتف باسمه.. وتنادي عليه لكي يطل عليها . وكان يطلب من الجماهير أن تنصرف لأن البرد يشتد مع وصول الليل، ولكن تجمعات الجماهيركانت تزداد . ومع منتصف الليل كان الميدان الفسيح أمام قصر الضيافة مازال ممتلئاً حتى آخره بالجماهير وهى تهتف من قلوبها: طل علينا يا جمال .

ومع ساعات صباح اليوم التالي كانت الجماهير تتدفق من احياء دمشق تهتف باسمه وتنادي عليه لكي يطل عليها ……. و بداْت الحشود الضخمة رجالا ونساءا تتوافد الى ساحة الجلاء مع من كل سوريا …. من كل قرية ومن كل مدينة في سوريا من كل ارجاء الاقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة

وبعد ساعات على وصوله إلى دمشق بدأت جماهير لبنان العربي هي الاخرى في التوافد إلى دمشق بالمئات والآلاف…. كانوا يعبرون الحدود السورية اللبنانية في سيارات وشاحنات كلهم يريدون أن يروا عبد الناصر وان يعيشوا احتفالات سورية بالوحدة جاء أبناء لبنان من بيروت ومن طرابلس ومن صيدا وصور والجبل جاءؤا مسيحيون ومسلمين جمعهم إيمانهم بالوحدة العربية …….وجاءت إلى دمشق وفود من الأردن والعراق ….. وكانت جماهير حاشدة تضم مئات الالاف من عرب الاردن والعراق قد حاولت عبور الحدود للوصول الى دمشق لكن سلطات البلدين حالت بينهم وبين عبور الحدود الى سوريا …..وظهر جمال عبد الناصر في ذلك اليوم ولايام تالية اخرى في شباط 1958 ليخاطب الجماهير المحتشدة في ساحة الجلاء

وطوال ساعات ما بعد المساء والليل خاطب عبد الناصر الجماهير اكثر من مرة من شرفة قصر الضيافة وتسمعه الجماهير المحتشدة في ساحة الجلاء وهو يقول في ساعات ما بعد ظهر ذلك اليوم ”

أيها المواطنون:

إننى فى هذه الأيام أشعر بهذه المشاعر التى تعبرون عنها، وأشعر - كما تشعرون - أن دولتنا الجديدة - الجمهورية العربية المتحدة - التى قررها شعب الجمهورية العربية المتحدة؛ إن هذه الساعات التى قضيتها معكم - هنا فى دمشق قلب العروبة النابض - ورأيت فيها كيف تعلو راية القومية العربية، رأيت فيها الحماس والمشاعر، رأيت فيها القوة، رأيت فيها الشباب يتدفق وطنية ويتدفق بالعزم والإيمان. رأيت فى هذه الساعات فى دمشق ما كنت دائماً أتخيله وأنا بعيد عنكم، فأنا كنت أشعر بكم كما أراكم؛ لأننا كنا دائماً نشعر بإخوتكم ونشعر بمحبتكم، ونشعر بتضامنكم.

 

ومع ساعات صباح اليوم التالي كانت الجماهير تتدفق من احياء دمشق تهتف باسمه وتنادي عليه لكي يطل عليها ……. و بداْت الحشود الضخمة رجالا ونساءا تتوافد الى ساحة الجلاء مع من كل سوريا …. من كل قرية ومن كل مدينة في سوريا من كل ارجاء الاقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة

 

وفي كلمة اخرى في صباح اليوم التالي يتحدث عبد الناصر امام الجماهير التي زحفت من المدن السورية المختلفة ….

أيها الإخوة المواطنون:

لقد بدأ فجر جديد يشرق على ربوع هذه المنطقة من العالم؛ خرج الاستعمار إلى غير رجعة، خرج الاستبداد إلى غير رجعة. حينما دخل القائد الفرنسى إلى دمشق بعد الحرب العالمية الأولى؛ ذهب إلى قبر صلاح الدين وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين.واليوم، نشعر جميعاً ألا عودة للاستعمار، ولا للسيطرة الأجنبية.. فلا مكان فى هذه الأرض.. لا مكان فى هذه الأرض إلا لكم، ولا حكم فى هذه الجمهورية إلا لشعب الجمهورية. لقد خرج الاستعمار الفرنسى من سوريا مدحوراً، وخرج الاستعمار البريطانى من مصر مدحوراً.وخرجت القوة الغاشمة حينما تكاتف الاستعمار الفرنسى مع الاستعمار البريطانى ليؤازر بعضهم البعض، ويهاجموا بورسعيد.. خرجوا وهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة والفشل.

 

واعود الى الاستاذ هيكل وهو .. يروي وقائع اهم مشهد في التاريخ العربي المعاصر جرت احداثه في دمشق فيقول : لو أن الذى حدث فى دمشق، روى لى من على البعد، دون أن تتاح لى فرصة رؤيته عن قرب، ما كنت صدقته! ولو أنى حاولت أن أصف ما رأته عيناى فى عاصمة الأمويين، لكانت محاولتى تجنيا صارخاً على الحقيقة ويساْل هيكل …. . ما هو المعنى الحقيقى لاستقبال جمال عبد الناصر فى دمشق…… ؟ ، هذا الاستقبال الذى نقلت الصحف، ووكالات الأنباء والإذاعات، من تفاصيله، ما يكفى لأن يجعله ببساطة “شيئاً لم يحدث من قبل”؟ معناه أن هذه الأمة كانت تبحث عن “بطل” فلما عثرت عليه، والتقت به وجهاً لوجه، تفجرت المشاعر المكبوتة فى أعماقها منذ قرون طويلة من الزمان. إن استقبال جمال عبد الناصر فى دمشق، لم يكن استقبال سياسى أو قائد أو زعيم مهما كانت مساهمته فى خدمة أمته. إنما كان استقبال جمال عبد الناصر أكثر من هذا. لم يكن مجرد سياسى أو قائد أو زعيم، ذلك الذى كانت مئات الألوف، يقفون فى ساحة الجلاء منذ الصباح الباكر إلى ما بعد منتصف الليل، ينتظرون أن يخرج إليهم لخمس دقائق أو عشر، طوال فترة انتظارهم الطويل. ولم يكن مجرد سياسى أو قائد أو زعيم، ذلك الذى كانوا يقبلون للسلام عليه، ثم يتطلعون إلى وجهه، ثم تتملكهم نوبة من البكاء! رأيت شيوخ القبائل يبكون. رأيت الرجال يصافحونه بيد، وباليد الأخرى يغطون وجوههم ليحجبوا عنه الدموع. رأيت نساء وفتيات ما أن يقفن أمامه حتى يضيع منهن ما كن قد أعددنه ليقلنه له، ثم لا يجدن ما يسعفهن إلا البكاء وأيديهن ما زالت معلقة فى يده.

التفسير الوحيد هو هذا الذى قلته: كانت الأمة العربية تبحث عن بطل فلما عثرت عليه كان ما كان. لقد كان لهذه الأمة عزها ومجدها. ثم مرت عليها سنوات من الزمان، تكالبت عليها المحن والآلام. ولكن الأمة العريقة لم تنس ماضيها، ولم تسكت يوماً عن التغنى بمفاخره. ولم يكن أمامها وسط ما أحاط بها من المحن والآلام إلا أن تحلم. إن عصور الظلم والظلام التى مرت بها سلبتها الكثير، سلبتها الحرية أحياناً، وسلبتها لقمة العيش أحياناً أخرى، ولكن عصور الظلم والظلام التى مرت بها لم تستطع أن تسلبها أحلامها. وكان حلمها أن يجىء يوم، وأن يجىء بطل.

ثم يدور الزمان دورة كاملة. ويعود العز والمجد، كما كانا فى الماضى وأكثر مما كانا فى الماضى! وعلى مر القرون التى مضت كانت الأمة العربية تتحرك، وكانت تنتفض، ثم لا تجد من يمسك بيدها ويقودها وسط الأنواء والعواصف فتسكن أو تستكين ثم لا تجد مهرباً إلا حلمها…”باليوم” و”بالبطل”. ولقد أحسست فى دمشق أن كل سجل جمال عبد الناصر من الأعمال لم يكن فى مشاعر الأمة العربية، مجرد أعمال سياسية أو انتصارات وطنية. لم تكن كلها أعمالاً سياسية. أو انتصارات وطنية فحسب. وإنما كانت هذه كلها فى مشاعر الأمة العربية “إشارات”.

إشارات معناها أن اليوم قد جاء. وأن “البطل” قد ظهر.

لقد كان هذا المشهد الذي جرت وقائعه ابتداء من الساعة التاسعة الا الربع من صباح 24 شباط فبراير أي منذ هبط جمال عبد الناصر في دمشق والايام والليالي التي تلت…… كان رائعا ومجيدا بل ومهيبا ولا اظن انه قد تكرر حتى هذه اللحظة في أي عاصمة عربية…….. علينا ان نتذكر بان عبد الناصر في ذلك اليوم ولايام لاحقة ذهب الى منطقة الخطر كان ت سوريا في ذلك الوقت معزولة تتربص بها القوة المعادية التي كانت تحيط بها من الجنوب والشرق والشمال وكان الاسطول الاميركي السادس يتجول قرب سواحلها الغربية …..كانت الدول والانظمة معادية لكن الشعوب وقفت وايدت قيام الجمهورية العربية المتحدة كان اكبر امانيها قد بداْ يتحقق …. بقيام الوحدة بين مصر وسوريا تغيرت المنطقة العربية كلها لقد تغيرت خريطة الشرق الأوسط حين تلاشت الحدود وذابت بين مصر وسوريا.

والذى يقف على مآذن دمشق العريقة هذه الأيام ويتطلع إلى الحدود من كل ناحية حوله، يستطيع من فوق مآذن دمشق الأبية، أن يرى تغييرات أخرى فى الحدود… ظاهرة عند الأفق.

**********

وينزل الستار عن المشاهد المجيدة التي جرت وقائعها فيما بين الاول الى الاخر من شباط سنة 1985 …. وهي المشاهد التي رسمت وكونت لوحة وصورة ستبقى خالدة في ذاكرة ملايين العرب …. صورة لامة ورجل ….. امة عملت وكافحت وناضلت وقدمت التضحيات ونادت من اجل الوحدة العربية……. ورجل جاء من اعماقها عاش معاناتها وعاش احلامها وامانيها ….. امة باسرها نادت …… ورجل لبى النداء …….. امة عربية نادت …. وبطل عربي استجاب ولبى النداء ……. هذه الصورة الخالدة التي تظهر فيها الامة العربية التي نادت … والتي يظهر فيها جمال عبد الناصر الذي لبى النداء وحمل الامانة بكل جسارة واقتدار في ذلك الزمان من القرن العشرين …..

وبصرف النظر عما جرى بعدها فان الامة كانت تمللك ارادتها وكان هناك رجال ملكوا الارادة والقدرة والجسارة وفي طليعتهم ابن العرب ابن بني مر………… جمال عبد الناصر ومعه رجال شرفاء حملوا الامانة معه .

 

 

عن admin

شاهد أيضاً

أزمة المثقف العربي - ​​​​​​​​د. يوسف مكي

يطرح المفكر العربي، الدكتور محمد عابد الجابري، في بحثه الموسوم بـ “المثقفون في الحضارة العربية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *