الكاتب و الباحث / عمرو صابح
بمناسبة وفاة الدكتور “عبد القادر حاتم” الله يرحمه ، من أشد ما يلفت النظر فى مسيرته السياسية ، ما حدث فى يناير 1973 ، عندما نشر المثقفون المصريون بياناً ضد سياسات السادات فى صحف لبنان ، طالبوه فيه بحسم الموقف وكسر جمود حالة اللا سلم واللا حرب التى ستؤدى لتمزق المجتمع المصري من الداخل ، ولو عبر البحث عن حل دبلوماسي للصراع مع إسرائيل ، كان من ضمن الموقعين على البيان توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ، هاج الرئيس السادات وماج وهاجم الموقعين على البيان ، واختص توفيق الحكيم بالذات بالهجوم فوصفه بالعجوز المخرف الذى يقطر قلمه بالحقد الأسود ، ثم طلب من د.عبد القادر حاتم مقابلة الحكيم ومحفوظ ، ونقل غضب الرئيس إليهما وشرح الموقف السياسي لهما ، ولكن توفيق الحكيم الذى ساءه هجوم السادات عليه كتب خطاباً فى يوم 7 مارس 1973 بخط يده للسادات ، وأعطاه للأستاذ هيكل ليوصله للرئيس ، فى خطابه روى الحكيم تفاصيل لقاءه هو ونجيب محفوظ وثروت أباظه مع الدكتور حاتم.
ملخص المكتوب بالخطاب هو ان الدكتور حاتم قال للثلاثة :
ان أساس المحنة التى تعاني منها مصر حالياً هو رفض الرئيس عبد الناصر للهزيمة عام 1967 ، وعدم قبوله بتسوية المسألة سياسياً ، وان تصريح السادات بالبحث عن حل سلمى سيجعله محاصراً من جهات عديدة هى الجيش المصري واليسار المغامر وليبيا والمقاومة الفلسطينية ، لذا لابد من ترك الرئيس يتصرف وفقاً لما يراه ، وعندما سأل الثلاثة الدكتور حاتم :
هل هناك معركة ستتم ، وما طبيعتها؟
أجابهم ان المعركة فى الحقيقة لن تكون أكثر من مناوشات محدودة للفت نظر العالم لخطورة الوضع بالمنطقة ليسرع لمنع الكارثة عبر تسوية مقبولة ، وان التسوية التى ستقبلها مصر ليست بالضرورة شاملة ، بل تسوية جزئية لا تنص على إنسحاب كامل ولكن تبدأ كخطوة تتبعها خطوات أخرى فى إطار الحل الشامل.
قام الأستاذ هيكل بتوصيل خطاب توفيق الحكيم للرئيس السادات ، الذى سأله بعد قراءاته للخطاب:
هل توجد نسخ أخرى منه؟
وعندما قال له الأستاذ هيكل : لا.
هاجم الرئيس السادات الأستاذ توفيق الحكيم ، وقال لهيكل هل تعلم انه كتب يهاجم “جمال عبد الناصر”، وأعطاه نسخة من مسودات كتابه “عودة الوعى” والذى لم يكن قد تم نشره علناً بعد ، ثم طالب هيكل بترتيب لقاء له مع الحكيم لتسوية الأمر ، وهو ما جرى فعلاً.
—
تعقيبي:
- كلام الدكتور حاتم للأدباء الثلاثة كان فى بدايات عام 1973 قبيل حرب أكتوبر بشهور ، وما قاله الدكتور حاتم عن الحل السياسى للأزمة هو ما نفذه الرئيس السادات فعلياً وصولاً لمعاهدة السلام مع الصهاينة، لم يفعل السادات الأمر اعتباطاً بل وفق خطة فى ذهنة منذ بداية حكمه.
- لفت نظري رؤية السادات ان أساس محنة مصر هو رفض عبد الناصر لهزيمة 1967 ، وعدم قبوله بتسوية المسألة سياسياً عقب النكسة لأن تلك الرؤية هى نفس رؤية ليفى أشكول وموشى دايان وجولدا مائير الذين كانوا منتظرين اتصال عبد الناصر بهم لتسوية مسألة سيناء سياسياً ، وعندما رفض صرحوا علناً ان بقاء عبد الناصر على قمة السلطة فى مصر هو أكبر عائق للسلام المصري الإسرائيلي ولا بد من الخلاص منه.
- المدهش ان عبد الناصر نفسه فى خطاب له عام 1969 قال ان قادة إسرائيل ينتظرون تغيير النظام فى مصر لفرض سلامهم على الشعب المصري ،والأكثر إدهاشاً رغم حدس عبد الناصر المسبق بذلك، ان السادات نائبه وخليفته من داخل قمة النظام الناصري قام بكل ما يريده قادة إسرائيل ، ولكن للأسف بعد انتصار 1973 .
- من ضمن الجهات التى كان يخشاها الرئيس السادات للتصريح بنواياه عن الحل السلمى الجيش المصري الذى لم يكن السادات متيقناً من مدى قبوله بذلك ، والذى جاء أداءه العسكرى خلال حرب 1973 ليزيد من مهمة الرئيس السادات صعوبة فى تمرير الحل السياسي الذى قرر تنفيذه.
- كتاب”عودة الوعى” كان بإيعاز من الرئيس السادات الذى كان على علم برغبة الحكيم فى الحصول على جائزة نوبل ، لذا أوصل له رسالة ان تحقيق ذلك رهن برضا اليهود عنه ، وسبيله للحصول على الرضا اليهودى هو مهاجمة جمال عبد الناصر خاصة فى ظل المعلوم عن علاقته الوطيدة به طيلة حكم عبد الناصر.
- الأستاذ هيكل كعادته فى الاحتفاظ بالأوراق والوثائق ، قام بتصوير خطاب توفيق الحكيم للرئيس السادات ، وقام بنشر صورة الخطاب فى كتابه “خريف الغضب” الذى صدرت طبعته الأولى فى عام 1983.
—-
عمرو صابح
مجلة الوعي العربي