اللواء سمير غانم :عبدالناصر كان يتابع تحركات الجيش ليلة الثورة فى كل المواقع وحكاية «الملابس المدنية» كذبة
اللواء سمير محمد غانم “مدير عام سابق في المخابرات العامة”
يرد على جمال حماد
العربى 1\3\2009
رجل المخابرات الأشهر وقائد المقاومة فى منطقة القناة اللواء سمير محمد غانم
أجرى الحوارات غريب الدماطي
يصف اللواء سمير غانم رجل المخابرات الكبير وعضو تنظيم الضباط الأحرار، الذين يهاجمون ثورة يوليو وقائدها بـ”الكذابين” الذين لا يرون فى الثوب الأبيض للثورة سوى “الثقب الأسود”.
ويعتبر اللواء غانم تلك الشهادة التى أدلى بها اللواء جمال حماد إلى قناة “الجزيرة” شهادة مضللة تستهدف لى الحقائق، وتصفية حسابات مع الثورة، وتشويه للتاريخ.
ويقول اللواء غانم فى شهادته التى يقدمها تاليا: “انظر إلى قادة العالم اليوم، وسوف تجدهم جميعا من الشباب، فى أمريكا وروسيا وفرنسا وفنزويلا وغيرها، وهو ما يرد الاعتبار لهؤلاء الشبان الذين قادوا يوليو وغيروا وجه التاريخ فى مصر والمنطقة العربية”، وإلى نص الحوار:
سؤال : متى انضم اللواء جمال حماد إلى تنظيم الضباط الأحرار؟
سمير غانم - انضم إلى التنظيم فى عام 1950، وبعد قيام الثورة ونجاحها تقلد مناصب عديدة فى الخارجية والحكم المحلى وقد التقيت به مباشرة أثناء تواجده فى سوريا بصفته الملحق العسكرى لمصر فى دمشق، وكان ذلك فى أثناء مهمة قمت بها إلى عدد من البلدان العربية فى إطار جمع الأسلحة لمساعدة ثوار الجزائر وذلك عام 1955، وكانت هذه مقابلتى الأولى له بينما كانت المقابلة الثانية فى أثناء عملى كمدير للأمن العام فى اليمن عام 64/1965 .
سؤال : ادعى حماد أن مجلس قيادة الثورة وخاصة المشير عبد الحكيم عامر قاموا باستبعاده عن الجيش خشية من القيام بعمل ما ضد الثورة فما صحة ذلك؟
سمير غانم - الحقيقة المؤكدة أن القائد الفعلى للثورة هو جمال عبدالناصر، وبعد أن ثبتت الثورة أركانها بدأ عبدالناصر ينظر كيف يمكن توظيف الضباط الأحرار وإسناد مهام فى الدولة لهم حتى يمكن أن يساهموا فى سياسات الحزم والانضباط والإنجاز أيضا، وقد سعى عبدالناصر من خلال مجلس قيادة الثورة إلى الاعتماد على الضباط الأحرار فى شغل المناصب فى الدولة، وقد كنت من الضباط فى اللواء الأول، فتم نقلى إلى المخابرات الحربية ثم العامة، وقد كان النقل نوعا من التكريم وتحمل المسئولية، أما قصة استبعاد حماد من الجيش لأن عبدالناصر كان يخاف منه فهى قصة مبالغ فيها، لأن الثابت أن الجيش هو الذى قام بالثورة وهو الذى تقلد الحكم، وبالتالى فقد كان الجيش تحت سيطرة مجلس القيادة، لذا فقد كان من الصعب أن يقوم حماد أو غيره بانقلاب عسكرى أو تحرك ما ضد الثورة.
سؤال : متى انضممت إلى تنظيم الضباط الأحرار؟ وما هى مهمتك ليلة الثورة؟
سمير غانم - انضممت إلى التنظيم قبل الثورة بشهور قليلة، وكان معى فى الخلية الضابط مختار عمر من الكتيبة الثالثة “مشاة” التابعة للواء الأول، وكنت وقتها برتبة ملازم أول، وفى يوم 22 يوليو ذهبت إلى الكتيبة صباحا، فأخبرنى قائد ثانى الكتيبة البكباشى طاهر الشربينى بأن الجيش سيتحرك الليلة وكنت لا أعلم أنه ضمن الضباط الأحرار، وقد سألنى وقتها عن رأيى، فما كان منى إلا أن قلت له: “موافق يا فندم”، وقد قال لى البكباشى طاهر وقتها إنه سوف يبلغ خمسة ضباط آخرين للمشاركة فى المهمة، فرجوته ألا يبلغهم.
عندما دقت الساعة الثالثة عصرا، وهو نهاية يوم العمل، خرجت أنا والشربينى فى سيارة قائمقام بديع عصام على اعتبار أننا سوف نعود إلى وحدتنا مرة ثانية لتجهيز أنفسنا لتنفيذ الخطة التى تتضمن التحرك الساعة الثانية عشرة ليلا، حيث تم تكليفى مع طاهر الشربينى والبكباشى أركان حرب اللواء الأول عبد القادر مهنا باعتقال الضابط النوبتجى للفرقة، وكانت مهمتى الاستيلاء على مخزن الذخيرة لإمداد الكتيبة بالأسلحة للتحرك بالفصيلة التى كنت أقودها لاحتلال بوابة البوليس الحربى، حتى يمكن للقوات التى ستتحرك من “الهايكستب” أن تتحرك دون مقاومة من أحد.
سؤال : وهل قمتم بهذه المهمة فعلا؟
سمير غانم - نعم، قمت بالاستيلاء على الأسلحة وجمعت صف الضباط فى الكتيبة وقلت لهم إننا الليلة سنخرج فى حالة طوارئ وهى “حالة عسكرية” كان قد اعتاد عليها الجنود وصف الضباط، لكنى قلت لصف الضباط إننا سنخرج لمنع البوليس الحربى من ضرب الشعب إذا تحرك، ولأن ضباط الصف كانوا يحبوننى ويسمعون كلامى لم يسألوا كثيرا فقالوا لى نحن مستعدون للمهمة.
فى الساعة الثانية عشرة ذهب طاهر الشربينى وعبد القادر مهنا لاعتقال الضابط النوبتجى فقال لهم: “أمركم انكشف وحركتكم فشلت”، فجاؤوا لى يقولون هذا الكلام من دون أن يعتقلوا الضابط النوبتجي. وفى هذه الأثناء نظرت إلى الكتيبة المجاورة لنا وكانت من سلاح المدفعية فوجدت الضباط فيها فى وضع الاستعداد والتأهب، فصرخت فى طاهر وقلت له: “يافندم المدفعية فى حالة تأهب وأنا قلت لصف الضباط عندى إننا سنخرج فى مهمة طوارئ، فعلينا أن نتحرك فورا، لنكمل تنفيذ الخطة، لأننا إذا لم نتحرك فمن الممكن اعتقالنا باعتبار أن أمرنا قد انكشف”، فما كان من طاهر الشربينى إلا أن وافقنى فتحركت ومعى الفصيلة التى كانت تضم 36 جنديا، فى اتجاه بوابة البوليس الحربى، وعندها اكتشفت أن يوسف صديق قد تحرك ومعه سرية مدافع من “الهايكستب” واقتحم بوابة البوليس الحربى واتجه إلى القاهرة وأنه اعتقل قائدى الفرقة واللواء قبل وصولهم إلى “الهايكستب” لإخماد أى تحركات.
وقد واصل صديق سيره بالقوات إلى أن وصل إلى “ميدان الكوربة” فى قلب حى مصر الجديدة بالقاهرة فوجد عبدالناصر وعامر.
سؤال : هل كان عبدالناصر يرتدى بالفعل ملابس مدنية فى ذلك الوقت؟
سمير غانم - ليس صحيحا أنه كان يرتدى ملابس مدنية، كان عبدالناصر وعبد الحكيم عامر يرتديان البنطلون العسكرى والقميص العسكرى من دون “شارة الرتب” وكانت الشارات موجودة فى سيارة عبدالناصر، وبعد أن تقابل يوسف صديق مع عبدالناصر وعامر واصلوا السير بالقوات نحو مركز القيادة معا وهناك ألقوا القبض على حسين فريد وقادة الجيش.
سؤال : كيف أنهيت مهمتك ليلة الثورة؟
سمير غانم - قبل أن أتحرك بالكتيبة سبقتنى مجموعة ضباط المدفعية واقتحموا بوابة البوليس الحربى وأطلقوا الرصاص على العسكر المتواجدين على البوابة من دون أن يحدثوا أى خسائر، وعندما اقتربت من البوابة وجدت الجنود فى وضع التأهب وحاولوا منعى والكتيبة من الخروج نحو القاهرة، وتصادف وجود أحد ضباط الصف من ضمن جنود البوابة كان قد عمل معى فى وقت سابق بعد إلغاء المعاهدة، فاستعنت به لاستطلاع الأمر ولتدبير حيلة يمكن أن أخرج بها أنا والكتيبة، فقال لى إن ضباط المدفعية خرجوا بصحبة جنود وأطلقوا علينا النيران، فقلت له: “لقد جئت إليكم لأعزز البوابة حتى لا يخرج أحد فاجمع لى جنودك من على البوابة”.. فجمعهم وقمت باعتقالهم.
فى هذه الأثناء كان قد أتى البكباشى طاهر الشربينى والبكباشى أركان حرب عبدالقادر مهنا وتسلما جنود حراسة البوليس الحربى وتم نقلهم إلى “الكوربة”، وسرنا فى اتجاه القاهرة فوجدنا يوسف صديق وعبدالناصر وضباطا آخرين، من بينهم زكريا محيى الدين الذى كان أستاذى فى كلية أركان الحرب ومحمود حسنى عبد القادر (دفعتي)، وكان اللواء الأول بالكامل قد تحرك باستثناء الفرقة الثانية لأنها كانت موجودة فى السودان.
ظللت فى مركز القيادة إلى أن تمت إذاعة البيان الأول للثورة، وقد انتحيت جانبا نحو البكباشى طاهر الشربينى وقلت له: “يافندم لازم نعزل الملك”، فقال لي: “يا سمير اصبر شوية.. كل شيء سيأتى فى وقته وعليك أن تلازم جنود كتيبتك حاليا تحت فى مركز القيادة”.
سؤال : نعود إلى ما قاله جمال حماد.. هل بدأ الصراع بين أعضاء مجلس قيادة الثورة منذ اليوم الأول للسلطة؟
سمير غانم - أولا لابد أن نشير إلى أن مجلس قيادة الثورة لم تجمعهم أيديولوجية سياسية واحدة، وكانوا جميعا من الضباط الوطنيين الذين أرادوا أن يخلصوا البلاد من الاستعمار والفساد ومسالب حكومات الملك، لذا فقد كانت الرؤى تتباين بينهم لكن الأهداف كانت محددة ومتفق عليها.
كانت تظهر بعض الاختلافات فى الرؤى التنفيذية لكن هذه الخلافات لم ترق إلى حد الصراع المتبادل فيما بينهم.
سؤال : ألم تتخلل تلك الخلافات نزعات شخصية من قبل بعض أعضاء المجلس؟
سمير غانم - لم تكن هناك نزعات شخصية، لكن الخلافات كانت حول الرؤى الوطنية فى تحقيق الأهداف، وفى هذا الشأن أود أن أقول إن الرؤى الوطنية كانت هى معيار اختيار عبدالناصر لعناصر تنظيم الضباط الأحرار، بمعنى أن تجنيد الضباط إلى التنظيم لم تتخلله العواطف الشخصية أو الصداقات، لكن كانت تتم لضباط يحلمون للوطن بمستقبل أفضل.
سؤال : ما حقيقة إقالة كبار ضباط الجيش وما صحة استبدالهم بضباط من “القمرتية والحشاشين” حسبما قال حماد؟
سمير غانم - ما هذا الكلام؟! هذا الكلام غير صحيح ودجل وتشويه للحقائق وللتاريخ، والاستغناء عن كبار الضباط تم وفق معايير أبرزها الانحرافات التى كانت تلاصق بعضهم، وكذلك المعادين للثورة من الضباط الموالين للملك، وهذه حالة من حالات تطهير الذات، لأن الثورة الذين قاموا بها هم ضباط الجيش، فكان عليها أن تطهر نفسها من الفاسدين والمعادين، والثورة هنا لم تقدم على إعدام ضابط أو تسعَ لإيذائه لكنها فضلت عزل هؤلاء فقط من الجيش، ولم تستعن بضباط منحرفين، والذين يتحدثون عن استعانتها بضباط “قمرتية وحشاشين” هم أنفسهم “الحشاشين”.
سؤال : بعض من ينتسبون إلى الثورة مثل اللواء جمال حماد ادعوا أن عبدالناصر قام بترقية أقاربه وأصدقائه من صغار الضباط إلى قيادة الجيش عقب عزل كبار الضباط.. فما صحة ذلك وما معايير الترقي؟
سمير غانم - الأمر الطبيعى أنه بعد عزل كبار الضباط كان لابد من الدفع بضباط آخرين بديلا عنهم، لذا قاد مجلس قيادة الثورة عمليات ترقى لعدد من الضباط خضعت لمعايير أقدمية التخرج والدراسات العليا، بالإضافة إلى مدى وطنية الضابط، وهنا أؤكد أن الضباط الذين تم عزلهم لم يكن من بينهم الكفاءة العسكرية التى يمكن القول إنها خسارة، وليس صحيحا أن عبدالناصر قام بترقية أصدقائه أو أقاربه وحكاية ترقية عبد الحكيم عامر جاءت بقرار لمجلس قيادة الثورة برئاسة محمد نجيب.
سؤال : لكن تم تفسير ترقية عبد الحكيم عامر على أساس ضمان ولاء الجيش لعبدالناصر؟
سمير غانم - ربما لعب عبدالناصر دورا فى ترقية عامر لكن دافع عبدالناصر عن ذلك لم يكن شخصيا لكنه كان دافعا من منطلق حرصه على أن يظل الجيش هو حامى الثورة باعتباره }} الجيش }} هو صاحبها، وقد نجح عبدالناصر فى ذلك بالإضافة إلى أن الشعب والتحامه مع الثورة كان معززا لهذا الاتجاه.
سؤال : وهل كان الأمر يستدعى استبعاد كبار الضباط من صفوف الجيش؟
سمير غانم - طبعا خاصة ممن لهم ولاء للملك وممن تحوم حولهم بعض الشبهات خاصة الأخلاقية، أضف إلى ذلك أن هؤلاء الضباط الكبار لم تكن لهم قيمة عبقرية عسكرية.
سؤال : هل كان عبدالناصر وفق روايات جمال حماد يخطط للانفراد بحكم مصر؟
سمير غانم - ليس صحيحا، لم يفكر أحد فى أن ينفرد بالحكم، هذا كلام ليس له أساس، وكل الضباط الأحرار الذين شاركوا ليلة الثورة كان يستهدفون إصلاح الجيش وإزاحة الملك.
سؤال : يقول اللواء جمال حماد إن الرئيس عبدالناصر كان يفرض نفسه على عمل اللجان التى شكلتها الثورة منذ بدايتها ويترأس اجتماعاتها ويفرض آراءه؟
سمير غانم - عبدالناصر كان القائد الفعلى للثورة والمؤسس لتنظيم الضباط الأحرار، وكان يسعى لتقوية التنظيم ويباشر تحركاته، وقد نجح فى ضم ضباط وطنيين مخلصين للفكرة، وبالتالى عندما كان يترأس عمل أى لجنة يساهم فى عملها فهذا يرجع إلى أنه كان يريد الاطمئنان على أن عمل تلك اللجان يسير فى الطريق الصحيح للثورة، ويحسب لعبدالناصر أنه جاء باللواء محمد نجيب لرئاسة الثورة لأن اللواء نجيب كان من كبار الضباط ولعب دورا وطنيا وكان محبوبا فى صفوف الجيش، ولعل معركة انتخابات نادى الضباط كانت نقطة البداية فى تعارف اللواء نجيب بعدد من الضباط الأحرار، وأنا لا أجد مبررا للذين يسعون إلى إظهار عبدالناصر على أنه كان ديكتاتورا، فهو تفسير خاطئ وغير مبرر وغير علمي.
سؤال : هل تعتقد أن انسحاب عبدالناصر من أحد اجتماعات مجلس قيادة الثورة وتهديده بالاستقالة على خلفية إصراره على عودة الديمقراطية، كان مناورة أم أنه كانت هناك رغبة من قبل عبدالناصر بضرورة عودة الديمقراطية؟
سمير غانم - عبدالناصر لم يكن مناورا على زملائه أبدا، بل كان واضحا فى تصرفاته، متسقا مع ما يقول، وقصة انسحابه تلك صحيحة لكنه عاد وعدل عن استقالته بناء على رغبة أغلبية المجلس، وهذا التفسير يرجع إلى “نظرية المؤامرة” لناس يرغبون فى تفسير الأشياء وفق هواهم الشخصى، أنا لم أكن أعرف عبدالناصر قبل ليلة الثورة، لكن عندما عرفته لم أتلمس فيه أنه كان ممثلا أو متآمرا أو مناورا على زملائه.. ثم ماذا يعيبه فى أن يعدل عن رأيه بناء على رغبة أو أغلبية المجلس، أليست هذه ديمقراطية؟!
سؤال : وما تعليقك حول ما قاله اللواء حماد بأن لولا محمد نجيب لم يكن قد كتب للثورة النجاح؟
سمير غانم - يحسب للضباط الأحرار أنهم أتوا بمحمد نجيب ليلة الثورة، لأن نجيب كان برتبة لواء وهو ما أدخل الطمأنينة لدى باقى أفراد الجيش، فضلا عن أن الضباط الأحرار أنفسهم هم الذين ساندوا نجيب فى انتخابات النادى فى مواجهة مرشح الملك.
سؤال : البعض مازال يفسر ثورة “23 يوليو/تموز” على أنها حركة انقلابية من داخل الجيش فما تقييمك؟
سمير غانم - ما حدث ليلة “23 يوليو/تموز” ثورة بكل المعانى شكل فيها الجيش رأس الحربة لأنه بعد 23 يوليو التف الشعب حولها وتحولت إلى ملحمة وطنية جامعة ولولاها لما خرج الاحتلال الإنجليزى من مصر الذى ظل منذ عام 1882 قابعا فى البلاد ولم تنجح أى من الثورات أو الحركات من طرده.
مجلة الوعي العربي