


تدور إطلالتي في عدد هذا الأسبوع من
جريدة “القاهرة” التي تتابعون جهد رئيس تحريرها الكاتب الصحفي المجدد طارق رضوان وهيئة تحريرها لإهدائنا وجبة صحفية وثقافية
مشبعة ومعرفة بما يجري على الساحة الثقافية في بلادنا.
في إطلالتي كتبت:
إطلالة
مصطفى عبدالله
حكاية قرار إيداع درويـش “السرايا الصفرا”
أي جينات يمكنها أن تنتج هذه العقلية التي اتهم صاحبها بالجنون، وأحيل إلى الوزير المختص ليوقع قرار إيداعه وهو بعد ابن 22 عامًا مستشفى الأمراض العقلية، فما كان من الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة، آنذاك، إلا أن اصدر قراره بنقل أحمد فؤاد درويش من مؤسسة السينما إلى مكتبه الفني بقصر عائشة فهمي.!
وسأتركك عزيزي القارئ لتصدر أنت أيضًا حكمك الخاص على هذا العجيب أحمد فؤاد درويش بعد أن جنى كل هذا: كتب السيناريو وأخرج “الموسوعة السينمائية للحضارة المصرية القديمة”، في ثلاثين فيلمًا وثائقيًا، خلال السنوات من 1969 إلى 2008، بجهده وعلى نفقته الخاصة، وتم عرض هذه الأفلام في المتحف البريطاني خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر 2008، وقد مَثَّل مصر في تلك الاحتفالية الدكتور مرسي سعد الدين، وقدم درويش فيلميه الروائيين: “إعدام طالب ثانوي” 1982، و”حلاوة الروح” 1990، وكان قد تصدى لإنتاج فيلم “ليل وقضبان” 1971.
واشتهر بأفلام وثائقية مثل: جماليات فنون التشكيل المصرية / التنشيط السياحي لمصر/ سينما التحليل السياسي/ أفلام السينما الصناعية في مصر ودول الخليج العربي وأوروبا/ صناعات الإنتاج الحربي المصرية/ سينما الصناعات الهندسية والكيميائية/ الإسكان والتعمير/ أفلام هيئة قناة السويس وصناعاتها/ أفلام صناعات مدن مصر الجديدة.
فضلًا عن أفلام رائدة لحكومتي: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرهما.
وفي مجال توزيع الموسيقى الشعبية المصرية قدم هو نفسه الموسيقى التصويرية لفيلمين روائيين ولثمانين فيلمًا وثائقيًا. وعنه قال صبحي شفيق: إن الموسيقى في أفلام درويش، شديدة التميز، والمصرية، ليس فقط في فرعونياته، وفي فنون التشكيل؛ وإنما في أفلامه الصناعية والتحليل السياسي أيضًا، وفي أفلام تمثل نهرًا من الإبداع في العديد من الفنون، لمبدع واحد.
وفي يوليو 1980، تم الإعلان في نيويورك عن تصنيف المخرج أحمد فؤاد درويش، المخرج المبتكر رقم 15 في تاريخ إبداع الأفلام الوثائقية في العالم على مدى القرن العشرين، وجاء هذا التصنيف من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيلوس.
كما ألف أحمد فؤاد درويش العديد من الكتب في مجال السينما مثل: “سينما الأطفال” 1979، و”دور التكنولوچيا في تجميد صراع الطبقات في المجتمع” 2006، و”السينما التسجيلية في مصر”، و”من روائع الأفلام الوثائقية في العالم” 2009، و”السينما في إفريقيا السمراء” 2010، و”سينما وعي الشعوب” 2011 عن مخرجي نوعية أفلام الفلاحين والعمال والطبقة الوسطى في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، و”الإبداع من التشكيل إلى السينما” 2017، و”الفنون التشكيلية في السينما المصرية” 2022، وكتابه الأحدث “فنون الطفل العربي” 2023 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو يعكف حاليًا على مشروع “أحب اتنين سوا.. السينما والغنا”، عن الصنعَة السينمائية في السينما الغنائية المصرية.
في 1967 تخرج أحمد فؤاد درويش من المعهد العالي للسينما في أكاديمية الفنون بتقدير امتياز، وفي 1968 تخرج من كلية التجارة بجامعة القاهرة.
وعمل في مكتب نجيب محفوظ عندما كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، وأصبح مقربًا إليه، وفي مايو 1968 أصبح عبدالحميد جودة السحار رئيسًا للمؤسسة، فأمر بحرق نيجاتيڤ أول أفلام درويش “وجوه من القدس”، فهاجم درويش مكتب السحار واشتبك معه، فقررت المؤسسة إيداعه مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، وحررت خطابًا رسميًا رفعته إلى الوزير المختص ثروت عكاشة، وذهب درويش - بصحبة مخصوص - إلى مقر قصر عائشة فهمي بالزمالك، ليعاينه الوزير قبل أن يعتمد قراره بإيداعه “السرايا الصفرا”.
وبعد ساعة تناقش فيها الوزير معه، أصدر تصريحه الشهير “الولد ده مش مجنون، الولد ده عبقري”، وعلى الفور قرر نقل أحمد فؤاد درويش للعمل في مكتبه الفني بوزارة الثقافة، وحظي برعايته وفَجّر مواهبه.
وكان درويش قد بدأ حياته بالكتابة في صفحة الرأي في جريدة “الأهرام” من 1969.
وعلى الرغم من أنه كان في الأصل مخرجًا سينمائيًا وموزعًا موسيقيًا، فإن جوهر موهبته كان في الكتابة، فأبدع في القصة القصيرة “اغتصاب” 1967 عن الطبقة الجديدة في ريف مصر بعد 1952، وكتب رواية “الدنس” 1975 عن شباب مصر من 1961 إلى 1981، كما كتب السيناريو والحوار للفيلم الروائي “للتصفيق فقط”عن قصته “الدنس”، كذلك كتب القصة السينمائية والسيناريو والحوار للفيلم الروائي “حلاوة الروح” عن قصة “العسكري الأسود” ليوسف إدريس 1977، إلا أنه تم منع هذا الفيلم حتى عام 2011.
وفي القصة القصيرة نشر مجموعة “أحضان فتاة فقيرة” 1983، وكتب القصة السينمائية والسيناريو والحوار للفيلم الروائي “باب العرش” عن رواية البشير بن سلامة وزير ثقافة تونس في عهد الحبيب بورقيبة، وهو إنتاج تونسي عام 1987، وكتب القصة السينمائية والسيناريو والحوار للفيلم الروائي “دربال.. خالي البال” عن رواية “البحر ينشر ألواحه” للكاتب التونسي محمد صالح الجابري 1987، وكان في 1979 قد كتب قصة وسيناريو وحوار الفيلم الروائي “إعدام طالب ثانوي” الذي استمر عرضه لمدة ثلاث سنوات من 1982 إلى 1985، وفي عام 2009 كتب رواية “ابن آني” التي يعتبرها دُرَّة أعماله، وذلك خلال منحة للتفرغ في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، والخيال فيها من درويش والحقيقة من بردية الحكيم آني الذي يعود إلى عام 1350 قبل الميلاد، وجوهر الرواية حول التسامح بين الآلهة والبشر، وفي 2011 كتب رواية “العدالة قد عادت” مستلهمة من مصر القديمة، وفي 2018 صدرت روايته “دمائي .. ليست زرقاء” عن الفرعون المصلح حور إم حب، الذي أنقذ مصر من انقضاض الكهنة على العرش، بعد انهيار إخن آتون، ووفاة ابنه توت عنخ آمون.
وكان قد كتب خلال السنوات من 1969 إلى 2008 نصوصًا أدبية ما بين الشعر والنثر، لنحو ثمانين فيلمًا وثائقيًاً.
إنني أهدي هذه الملامح إلى صاحبها طالبًا منه أن يشرع على الفور في تحرير سيرته السخية بالأحداث والمواقف. ونشرها على القراء في مجلد يضاف إلى رصيد إبداعات السير الذاتية في مكتبتنا العربية.
نقلا عن مجلة القاهرة 2025
مجلة الوعي العربي