الرئيسية / غير مصنف / شرعية أتفاقية “السلام” – «المرافعة السياسية» فى قضية «ثورة مصر»

شرعية أتفاقية “السلام” – «المرافعة السياسية» فى قضية «ثورة مصر»

الإثنين 04-05-2009 00:00 | كتب: محمد نور فرحات |

د. محمد نور فرحات: بحثنا فى «عدم شرعية» اتفاقية السلام دفاعاً عن «المجرمين الأبطال».. وأثبتنا أنهم كانوا فى حالة «دفاع عن النفس»

أرى أنه من المهم والمفيد فى آن واحد ونحن نتدبر فى مصر والعالم العربى مرور ثلاثين عاما كاملة على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أن نستعرض آراء نخبة من المثقفين والخبراء والعلماء المصريين فى هذه المعاهدة، وهى آراء صاغوها ووضعوها موضعها فى ملف قضائى عام 1989 دون أن يسمع بها أحد سوى دائرة قضائية وقانونية ضيقة معنية بأمر المعاهدة وآثارها الاجتماعية.

القصة بدأت فى غضون السنوات الأخيرة من ثمانينيات القرن الماضى عندما أخذت تدوى فى سماء القاهرة طلقات الرصاص مستهدفة الممثلين الدبلوماسيين لإسرائيل فى مصر الذين أتت بهم إلى أرض مصر معاهدة السلام التى وقعها السادات كصلح منفرد مع إسرائيل عام 1979.

حارت أجهزة الأمن والاستخبارات لفترة طويلة فيمن يكون الفاعل الذى يطلق الرصاص فى قلب العاصمة إلى أن أعلنت هذه الأجهزة بعد شهور عدة عن سقوط تنظيم يسمى تنظيم ثورة مصر يرأسه رجل المخابرات المصرى السابق محمود نور الدين ويضم فى عضويته عناصر كثيرة من بينها الدكتور خالد نجل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

وانتهت تحقيقات النيابة إلى تقديم المتهمين إلى محكمة أمن الدولة طوارئ الدائرة الثالثة، وقيدت القضية برقم 714 لسنة 1987 حصر أمن دولة عليا، ومثل المتهمون للمحاكمة العلنية عن ارتكاب جرائم أظهرها القتل العمد والشروع فيه أمام دائرة من المستشارين عماد إسماعيل وعبدالسميع شرف الدين ومدحت شاكر.

ومثل الادعاء فيها المستشار رجاء العربى الذى كان وقتئذ يشغل منصب المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا. وشكلت للمحامين هيئة دفاع كان منسقها المرحوم الأستاذ أحمد الخواجة نقيب المحامين وضمت فى عضويتها عددا من أبرز المحامين وقتئذ أذكر منهم الأساتذة عصمت سيف الدولة ومحمد صبرى مبدى وفريد عبدالكريم وأحمد نبيل الهلالى ونبيل نجم وآخرين.

كنت فى هذا الوقت بجانب عملى فى الجامعة أشرف على مركز البحوث والدراسات القانونية باتحاد المحامين العرب حيث كان المرحوم أحمد الخواجة رئيسا للاتحاد وفاروق أبو عيسى وزير خارجية السودان السابق أمينا عاما له.

وأخذ الاتحاد على نفسه من خلال مركزه للبحوث أن يقدم عونا علميا لفريق الدفاع عن المتهمين فى القضية. وطلب منى أن أشكل فريقا بحثيا من أبرز العقول والخبرات المصرية لكتابة تقرير يقدم عن طريق الدفاع إلى هيئة المحكمة يسهم فى براءة المتهمين أو فى أقل تقدير تخفيف العقاب عنهم.

بادرت إلى تشكيل فريق من الخبراء ذوى المستوى الرفيع فى تخصصات القانون والاقتصاد والشريعة الإسلامية وعلم الاجتماع والرأى العام والثقافة. وبالرغم من أن بعض أعضاء الفريق مثل الدكتور الشافعى بشير والدكتور محمد سليم العوا تملكوا شجاعة الموافقة على إعلان أسمائهم فقد طلب أغلبية أعضاء الفريق أن تظل أسماؤهم طى الكتمان حفاظا على مراكزهم الحساسة فى مؤسسات الدولة.

كنا جميعا أعضاء الفريق البحثى، شأننا شأن كافة مثقفى مصر فى ذلك الوقت، ننتمى إلى جيل تربى سياسيا وثقافيا على أن الدفاع عن حقوق فلسطين هو أول الواجبات الوطنية وأقدسها، وأن إسرائيل دولة مغتصبة استولت على أرض شعب عربى واحتلتها، وأن مقاومة الاحتلال حق مشروع بل هو واجب وطنى دونه النصر أو الشهادة.

لم تكن دماء شهدائنا فى حروبنا فى سبيل التحرير واسترداد الأرض قد جفت بعد، وكان طعم الانتصار فى حرب 73 ما زال فى الحلوق، والإحساس بكرامة السلاح وسلاح الكرامة يدفعنا إلى الزهو والكبرياء. فهل يمكن لنا أن نتقبل بسهولة أن يقف فريق من المناضلين الذين أطلقوا الرصاص على العدو خلف قضبان السجون يواجهون عقوبة الإعدام لمجرد أنهم مارسوا حقهم بل وواجبهم الذى مارسه قرناؤهم فى حروب التحرير؟! وكانت المفارقة أن ما قام به المتهمون لو كان قد وقع منذ سنوات قليلة لجلب لهم الفخار القومى والتكريم فما بالهم اليوم يساقون إلى غياهب السجن وأعواد المشانق؟!

كان السؤال هو: ما الجديد فى الأمر الذى أدى إلى تحويل المقاتلين إلى مجرمين خلف القضبان، وحاملى السلاح فى وجه العدو إلى متآمرين على أمن الدولة؟ لاشىء إلا معاهدة الصلح المنفرد التى أبرمها السادات منفردا أيضا مع قيادات العدو الإسرائيلى.

كان السؤال أيضا: إذا كان حاكم مصر والعالم العربى يستطيع أن يفعل كل شىء ثم يسير الجميع فى ركابه يهللون لما قال وفعل ويباركونه، فهل يجوز أن يجرى ذلك على تغيير الثوابت القومية التى تربت عليها أجيال وأجيال وشكلت لحمة ونسيج ضميرهم الوطنى. يستطيع حاكم مصر – شأنه شأن كل الحكام العرب والمسلمين منذ دولة بنى أمية – أن يقنع شعبه بما يريد وبما تتقاذفه أهواؤه ونزواته ولا معقب عليه.

يستطيع أن يجعل من الخلافة وراثة ومن الملكية جمهورية ومن الرأسمالية اشتراكية ومن الاشتراكية رأسمالية ثم من الجمهورية ملكية وأن يعدل الدستور ليتوافق مع طموحاته ورؤاه اللحظية وهلم جرا، ولكن هل يستطيع أن يجعل العدو التاريخى صديقا تاريخيا وأن يجعل الصديق التاريخى عدوا تاريخيا وأن يضرب الصفح عن أرواح ودماء المصريين التى بذلوها فى سبيل تحرير تراب الوطن؟

وبات واضحا لنا كفريق بحثى أن نزع الشرعية عن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتحقيق العلمى للأخطار التى تحيط بالوطن من جراء هذه المعاهدة هو المنهج الأمثل الوحيد فى إستراتيجية الدفاع عن المجرمين الأبطال.

وكان على فريق البحث صياغة إجابات موثقة على الأسئلة التالية نقدمها للمحكمة:

1- هل تستند اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إلى شرعية قانونية بالنظر إلى مبادئ القانون الدولى ونصوص الدستور المصرى؟ وهل تستند المعاهدة إلى شرعية دينية بالنظر إلى ميادئ الشريعة الإسلامية؟ إننا لو انتهينا إلى أن معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عارية من الشرعية الدستورية والدولية فلا بد أن تعود الأمور من الناحية القانونية إلى ما كان عليه الأمر قبل التصديق على المعاهدة وما يتبع ذلك من مشروعية استهداف دبلوماسيى (جواسيس) العدو ما دامت دولتهم ما زالت فى حالة حرب معنا.

وإذا انتهينا إلى رفع الشرعية الدينية الإسلامية عن معاهدة السلام، فإن ما قام به المتهمون (المقاومون) فى تنظيم ثورة مصر يكون ممارسة لحق مقرر فى الشريعة الإسلامية لاعقاب عليه بمقتضى المادة 6 من قانون العقوبات،

2- السؤال الثانى: ماهى المخاطر والتهديدات التى ترتبها معاهدة السلام على الأمن القومى المصرى؟،

3- والسؤال الثالث: ماهى المخاطر والأضرار الاقتصادية الناجمة عن تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل استنادا إلى معاهدة السلام ؟،

4- والسؤال الرابع: ماهى الانعكاسات الثقافية لتطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل. بمعنى: هل توجد مخاطر تمثلها المعاهدة على ثوابت الثقافة الوطنية؟ وكان من شأن الإجابة على الأسئلة الثلاثة الأخيرة بالإيجاب أن يؤدى بالضرورة إلى استخلاص مؤداه أن المتهمين (المقاومين) فى قضية تنظيم ثورة مصر كانوا فى حالة دفاع شرعى عن النفس والغير ضد المخاطر التى ترتبت على إبرام المعاهدة.

ولعل الإجابات التى قدمتها فرق البحث عن هذه الأسئلة (بل هى بالضرورة) صالحة لكى تطرح اليوم ملف هذه المعاهدة على الرأى العام المصرى. لقد مرت ثلاثون عاما منذ خرج أو أخرج آلاف المصريين بغوغائية شديدة للترحيب بالسادات بعد زيارته المباغتة للقدس، فهل أتت هذه الأعوام الثلاثون بجديد إلى الوعى المصرى يثبت صدق الباحثين المصريين فى التقرير الذى نحن بصدد عرضه الآن؟ هذا ما ستقدمه الإجابات التالية ع الأسئلة السابق طرحها.

أولا : فى شرعية المعاهدة .

السؤال المتعلق بالشرعية ينصرف إلى البحث فى مدى شرعية اتفاقيتى كامب ديفيد – الشق العام المسمى بإطار السلام فى الشرق الأوسط الموقع سنة 1978 والشق الخاص المتمثل فى معاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل الموقعة سنة 1979 بهدف التعرف على مدى توافق المعاهدتين مع المبادئ العامة للقانون الدولى وخاصة القانون الدولى للمعاهدات ثم مدى دستورية هاتين الاتفاقيتين فى ضوء مبادئ وقواعد دستور جمهورية مصر العربية.

والرأى الذى انتهى إليه التقرير الذى أعده عالم القانون الدولى البارز الأستاذ الدكتور محمد الشافعى بشير ينتهى إلى مخالفة المعاهدتين لمبادئ قانون المعاهدات الدولية ومخالفتهما مبادئ الدستور المصرى. إن دستور المعاهدات الدولية الذى تبطل المعاهدة إن خالفته هو اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.

فإذا نظرنا إلى وثيقة كامب ديفيد الأولى (المسماة إطار السلام فى الشرق الأوسط)نجد أن هذا الإطار يرتب التزامات فى حق جهات ودول لم تشترك فى التوقيع على المعاهدة وهى منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا والأردن ولبنان. ومواد قانون المعاهدات صريحة فى عدم جواز ترتيب التزامات على الغير أو حقوق له إلا بالموافقة الصريحة كتابية بالنسبة للالتزامات وضمنية بالنسبة للحقوق.

وقد أعلنت كافة السلطات الوطنية المعنية بالمعاهدة رفضها لإطار السلام وبالتالى يفقد هذا الإطار أى قيمة قانونية بالنسبة لها. وبالاضافة إلى ذلك فإن اتفاقية إطار السلام فى الشرق الأوسط ( كامب ديفيد الأولى) باطلة لمخالفتها للقواعد الآمرة للقانون الدولى وأبرزها حق الشعوب فى تقرير مصيرها المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة وفى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فإطار السلام لم يتحدث إطلاقا عن حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره Self Determination وأغفلت الاتفاقية مجرد الإشارة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 بإنشاء دولة عربية إلى جوار الدولة اليهودية أو إلى القرارات اللاحقة التى تؤكد حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد له.

وبدلا من النص على الشعب الفلسطينى وحقوقه القانونية تحدثت الاتفاقية عن السكان inhabitants وحقهم فى الحكم الذاتى Autonomy. وهكذا صيغت اتفاقية الإطار بما يجرد الشعب الفلسطينى من حقوقه الطبيعية المنصوص عليها فى القانون الدولى بما يجعل هذا الإطار باطلا لمخالفته للقواعد الآمرة فى القانون.

وقد فطنت الأمم المتحدة إلى مظاهر البطلان التى تعتور اتفاقية إطار كامب ديفيد فأصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 65 ب فى 29 نوفمبر 1979 الذى ينص على ما يلى: “

1- إن اتفاقية كامب ديفيد قد أبرمت خارج نطاق الأمم المتحدة ودون مشاركة من منظمة تحرير فلسطين الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى،

2- ترفض الجمعية العامة بنود اتفاقية كامب ديفيد التى تتجاهل حقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتنازل فى تقرير المصير وحق العودة وتنكرها وتنتهكها،

3- تدين الجمعية كل الاتفاقات الجزئية التى تتضمن انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطينى،

4- تعلن الجمعية العامة أن اتفاقيات كامب ديفيد والاتفاقيات الأخرى المشابهة باطلة ولاقيمة لها.

ثم تحدث التقرير عن مدى الشرعية الدستورية والقومية والدولية لمعاهدة السلام التى أبرمها السادات مع إسرائيل سنة 1979 تنفيذا لاتفاقية إطار السلام الباطلة السابق الحديث عنها. فيرصد التقرير أن نصوص اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل مناقضة لروح الدستور المصرى التى تتحدث مقدمته عن أن السلام لا يقوم إلا على العدل وعن أن حماية الأمة العربية القادرة على دفع وردع أى تهديد هو هدف أسمى للشعب المصرى، وتنص مادته الأولى على أن شعب مصر جزء من الأمة العربية ويعمل على تحقيق وحدتها.

وعلى نحو مخالف لروح ونصوص الدستور النافذة وقتئذ جاءت معاهدة السلام لتكرس عزل مصر وتفتت الصف العربى وتزيد عربدة إسرائيل بعد أن ضمنت تحييد مصر عن أشقائها العرب .

ثم إن نصوص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تتناقض مع التزامات مصر بمقتضى معاهدة الدفاع العربى المشترك المبرمة بين الدول العربية سنة 1950.

وقد كان مقصودا بهذه المعاهدة وقت إبرامها الدفاع عن الدول العربية ضد العدوان المؤكد والمتوقع من جانب إسرائيل. وبمجرد إقرار مجلس الجامعة للاتفاقية اجتمع وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وإنجلترا فى مايو 1950 وأصدروا تصريحا ثلاثيا بأن دولهم ستحمى إسرائيل من هذا التحالف العسكرى العربى.

وقد تضمنت اتفاقية الدفاع العربى المشترك نصوصا تجعل من الاعتداء على دولة اعتداء على جميع الدول أعضاء الاتفاقية وتلزم الدول بالتشاور فيما بينها فى حالة وجود تهديد لأمنها وتلزمها بدعم قدراتها العسكرية. على أن أهم ما يعنينا من نصوص معاهدة الدفاع العربى المشترك نص المادة العاشرة الذى تتعهد فيه الدول بألا تعقد أى اتفاق دولى يناقض أحكام المعاهدة وألا تسلك فى علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكا يتنافى مع أغراض المعاهدة.

وتتناقض نصوص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية مع نصوص معاهدة الدفاع العربى المشترك تناقضا صارخا، إذ أنهت مصر وإسرائيل حالة الحرب بينهما دون أن تنتهى هذه الحالة بين إسرائيل وباقى الدول العربية، وفى وقت ما زالت فيه إسرائيل تحتل الأرض العربية وتطلق قذائفها بشكل شبه يومى على الشعب الفلسطينى، ومع هذا تعهدت مصر بعدم صدور أى فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو العنف أو التهديد فى مواجهة إسرائيل، كما تعهدت بالامتناع عن تنظيم أو التحريض على أو الإثارة أو المساعدة فى أى عمل من أعمال العنف .

بل إن الفقرة الخامسة من المادة السادسة من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تجعل لنصوص المعاهدة أولوية على أى التزامات أخرى تكون الدولة قد التزمت بها، أى أن نصوص اتفاقية السلام باطلة بمقتضى اتفاقية الدفاع العربى واتفاقية الدفاع العربى غير نافذة بمقتضى اتفاقية السلام. وتتصارع نصوص معاهدة الدفاع العربى المشترك واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية حول أفضلية التطبيق.

ودون الدخول فى تفصيلات قانونية معقدة تناولها التقرير فقد رصد التقرير أن هناك تعارضا واضحا بين التزامات مصر بمقتضى اتفاقية السلام مع إسرائيل وبين التزاماتها بمقتضى معاهدة الدفاع العربى المشترك.

ولما كانت اتفاقية السلام مع إسرائيل اتفاقية ثنائية الأطراف فى حين أن معاهدة الدفاع العربى هى معاهدة متعددة الأطراف، وقد استقرت محكمة العدل الدولية على أنه فى حالة تعارض اتفاقة ثنائية مع اتفاقية متعددة تكون أولوية التطبيق للثانية دون الأولى فإن اتفاقية الدفاع العربى المشترك تكون هى الأولى بالتطبيق من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وهكذا سقطت الشرعية الدولية عن اتفاقة إطار السلام سنة 1978 كما سقطت الشرعية الدستورية والدولية عن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

وإلى حديث قادم عن مخاطر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على الأمن القومى المصرى كما رآه فريق التقرير منذ ما يزيد على العشرين عاما لنرى هل تحققت هذه المخاطر فعلا أم لا.

د. محمد نور فرحات: محمود نور الدين ورفاقه كانوا فى حالة دفاع شرعى عن النفس والوطن

الخميس 28-05-2009 00:00 | كتب: محمد نور فرحات |

هذا هو عنوان الفصل الثانى من التقرير الذى نعرض له حول مخاطر معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية على المجتمع المصرى، وهو التقرير الذى أعده فريق بحثى رفيع المستوى من الخبراء المصريين لتقديمه إلى محكمة أمن الدولة – طوارئ فى القضية رقم 714 لسنة 1987، التى اتهم فيها محمود نور الدين وآخرون بجرائم القتل والشروع فيه فى حق الدبلوماسيين الإسرائيليين فى القاهرة.

كان هدف فريق البحث كما سبق القول هو التوصل إلى إثبات أن المتهمين كانوا فى حالة دفاع شرعى عن النفس والغير، أى فى حالة دفاع شرعى عن الوطن ضد المخاطر التى تمثلها معاهدة السلام.

أعد هذا الشق الأمنى من التقرير خبراء فى الأمن القومى والاستراتيجية فضلوا عدم ذكر أسمائهم ونعرضه اليوم على القارئ بعد 30 عاماً من توقيع المعاهدة لكى ينظر إن كانت رؤى هذا الفريق وآراؤه التى أودعها تقريره ثاقبة أم كانت محض أوهام ومخاوف لا مبرر لها.

يبدأ هذا الفصل من التقرير بمجموعة من القضايا المنهجية ذات الطابع النظرى والتطبيقى اللازمة لتفهم مخاطر اتفاقية السلام على الأمن القومى المصرى، ويتحدث التقرير عن تعريف مبسط للأمن القومى الذى هو حماية الدولة من التهديد الخارجى والداخلى والحفاظ على مصالحها الحيوية،

أما مفهوم الأمن القومى فهو اصطلاح يشير إلى الجانب التطبيقى للتعريف، أى فكرة الدولة عن تحقيق أمنها القومى أو الفلسفة الحقيقية التى منها تنبع تصرفات الدولة والتى ترى أنها من خلالها تحقق أمنها القومى.

بعض الدول فى تحديد مفهومها للأمن القومى تعظم من التهديدات الخارجية (نموذج حالة إسرائيل)، وبعضها تتبنى مفهوماً واقعياً هادئاً مثل السويد وإنجلترا.

والنظام الدولى كان ولا يزال نظاما قائما على القوة بمعناها الشامل، أى القوة التى تتمتع بها الدولة نتيجة الموقع الجغرافى ومعطياته والقوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والعسكرية ومدى تمكن الدولة من إنتاج وإدارة التكنولوجيا، وأى عمل يوجه إلى إضعاف مفردات قوة الدولة يمثل تهديدا لأمنها القومى.

من خلال هذا التصور لمفهوم الأمن القومى وعناصر قوة الدولة نستطيع أن نتبين ما إذا كان التطبيع الذى فرضته معاهدة السلام دعما للأمن القومى المصرى أم تهديدا له.

دعونا أولا نتفحص عناصر مفهوم الأمن القومى الإسرائيلى الذى يتحكم فيه عنصران، أولهما الطموحات والتطلعات الإسرائيلية، وهى طموحات وتطلعات تستند إلى مصالح استعمارية متجذرة فى البناء الأيديولوجى لإسرائيل والمتوافق مع المصالح الغربية والمتوافق أيضا مع تراث يضرب بجذوره فى العقيدة الصهيونية ذات الأساس الدينى، فإسرائيل وفقا للتصور الغيبى هى وعد الرب لنبيه إبراهيم بما يدفع الإسرائيليين إلى المثابرة فى تحقيق شرعة الرب على حساب الأغيار.

والعنصر الثانى فى مفهوم الأمن القومى الإسرائيلى هو المبالغة المفرطة فى تصوير التهديدات التى تتعرض لها دولة إسرائيل، ومن ثم المبالغة فى مفهوم الأمن ومتطلباته بما يدفعها دون تردد إلى صياغة أوضاع المنطقة وفقا لمفهومها بل وهاجسها الأمنى الذى لا تجدى فيه التصريحات العربية لأنه متجذر فى صميم العقيدة الصهيونية لأسباب تاريخية،

لهذا كانت كل زعامات إسرائيل وبلا استثناء زعامات إرهابية ذات تاريخ دموى، بدءا من بن جوريون مؤسس عصابات «الهجاناة» حتى بيجن رئيس منظمة «الأوراجون» منفذة مذبحة دير ياسين، ثم شامير زعيم منظمة «شتيرن» الذى كان مطلوبا للمحاكمة فى بريطانيا عن جرائمه الإرهابية، والقافلة تسير مع تداول مصاصى الدماء حكم الدولة. وتتمثل أهداف الأمن الإسرائيلى فى قيام الدولة وثباتها والحفاظ عليها، ولكن أى دولة وفى أية حدود؟

لقد حرصت إسرائيل على تجنب الإقرار بحدود لها حتى لا تكون رهينة للالتزام القانونى أمام العالم، واكتفت بصياغات مبهمة عن أرض التوراة، وأرض الميعاد، والوعد الإلهى، وتركت السياسة الإسرائيلية المجال مفتوحا للتوسع الدائم بدعوى أن التوسع والاستيطان ليسا سوى استرداد للحقوق المغتصبة وعودة الأرض إلى أصحابها، وتتمثل ركائز الأمن القومى الإسرائيلى فى الصياغة المبهمة المراوغة عن الحدود الآمنة، وفى الاحتفاظ بتفوق عسكرى حاسم على القوة العربية مجتمعة.

الحدود الآمنة فى التصور الإسرائيلى هى حدود مفتوحة، يقول بن جوريون: إن حدود إسرائيل هى كل أرض تطؤها أقدام الجندى الإسرائيلى، وفكرة الحدود الآمنة «غير المحددة» هى ستار يحجب النوايا التوسعية ويسمح لإسرائيل بالتهام الأرض العربية كلما كان ذلك متاحاً مع إمكانية ضم أرض جديدة وتحريك الحدود بزعم ضرورات الأمن،

وقد قام قرار مجلس الأمن رقم 242 الذى استندت إليه معاهدة السلام على فكرة الحدود الآمنة هذه، وهلامية الحدود الآمنة الإسرائيلية تفتح الباب أمامها لتوسيع محيطها الأمنى ليشمل العالم العربى بأكمله بل كل منطقة الشرق الأوسط، ففى أعقاب تملك إسرائيل للسلاح النووى أعربت عن استعدادها للقيام بعمل مشترك مع الهند لتدمير المفاعل النووى الباكستانى، واليوم يتكرر نفس السيناريو مع إيران.

هذا المفهوم التوسعى المراوغ للأمن القومى الإسرائيلى يمثل تهديدا صارخا للأمن القومى المصرى، فالفكر الإسرائيلى الصهيونى بالنسبة لسيناء يعتبر من المقومات الرئيسية للنظرة الأمنية الإسرائيلية نحوها.

فمصر حتى النيل تدخل ضمن حدود إسرائيل الكبرى (لذريتك أعطى هذا البلد فى نهر مصر إلى النهر الكبير- إصحاح 15 آية 8) (وكل موقع تدوسه أقدامكم أعطيته لكم كما كلمت موسى، من البرية ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحيثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم).

وبالتالى يوجد لدى إسرائيل الأساس الدينى لضم أرض مصر ومنها سيناء إلى حدودها الآمنة. ولدعم هذه النظرة التوراتية تصر إسرائيل على الحفاظ دوما على تفوق تسليحى فى مواجهة العرب أجمعين، يتحقق ذلك بتطوير الصناعة العسكرية المتفوقة حتى أصبحت إسرائيل مصدرة للسلاح لكثير من الدول حتى الغربية، وتدخل فى تعاون عسكرى تقنى مع دول الغرب والصين، وبالتوازى مع ذلك تعمل على منع وصول السلاح المتقدم لأى من الدول العربية،

وفى هذا الإطار يأتى تدمير المفاعل النووى العراقى وتدمير الصواريخ السورية فى سهل البقاع والضجة التى صاحبت حصول السعودية على صواريخ من الصين ومعارضة أى صفقة سلاح أمريكية لمصر تمثل خطرا عليها، وتحرص إسرائيل تحقيقا لذات الهدف على الدخول فى علاقات دولية وثيقة خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق تفوقها النوعى فى التسليح بل فى التدخل المباشر لضمان أمنها.

ويتواكب مع ذلك العمل الإسرائيلى بدأب على تقويض أى فرصة للتقارب والتنسيق العربى، ناهيك عن التكامل أو الوحدة، ومن هنا يعتبر تفتيت العالم العربى هدفا أمنياً إسرائيلياً، بل ويمتد مخطط التفتيت والتفكيك ليشمل الأقطار العربية كلاً على حدة،

وفى هذا الشأن يقول المفكر الإسرائيلى أودن زيون بعد توقيعه معاهدة السلام (… ومصر فى وضعها السياسى الداخلى الحالى أصبحت جثة، ويزيد من تكوين هذه الصورة الانقسامات المتزايدة بين المسيحيين والمسلمين. إن تجزئة مصر إلى مناطق جغرافية متميزة هو الهدف السياسى الإسرائيلى على الجبهة الغربية، وتجزئة لبنان إلى 5 مقاطعات من شأنه أن يخدم كسابقة فى العالم العربى بأكمله بما فى ذلك مصر والعراق وشبه الجزيرة العربية، … وتجزئة سوريا والعراق فى مرحلة لاحقة إلى مناطق عرقية ودينية خالصة هو الهدف الإسرائيلى الأسمى على الجبهة الشرقية)

من خلال هذا العرض السريع لمفهوم الأمن القومى الإسرائيلى وتجلياته يمكن أن نفهم مخاطر التطبيع الذى أتت به معاهدة السلام على الأمن القومى المصرى، وتحاول إسرائيل (بالسلام) الذى فرضته المعاهدة تحقيق ما عجزت عنه فى حروبها المتعددة، فمن الناحية العسكرية قسمت شبه جزيرة سيناء إلى 3 مناطق، الأولى منطقة منزوعة السلاح، والثانية منطقة خالية من القوات العسكرية وبها شرطة وحرس للحدود محدودو الحجم والتسليح،

والأخيرة منطقة عسكرية محدودة القوات والتسليح، وتتواجد فى سيناء قوات دولية لحفظ السلام كما تتواجد محطات للإنذار المبكر، وهذه كلها قيود فرضتها المعاهدة على مصر لا مثيل لها على الجانب الإسرائيلى الأمر الذى يجعل المخاطر العسكرية الإسرائيلية على سيناء مخاطر جمة.

ومن مخاطر التطبيع أيضا تنامى القوة العسكرية الإسرائيلية دون احتجاج مصرى، ولم يعد لإسرائيل حجة لتبرير تسلحها المفرط غير المبرر إلا الزعم بمقاومة ما تسميه بالإرهاب الفلسطينى، وقد ترتب على معاهدة السلام تقوقع الدور المصرى فى المحيط العربى مما أعجز مصر عن بناء قوة مواجهة عربية ضد إسرائيل، ومع سقوط الخيار العسكرى العربى من بدائل حل الصراع العربى – الإسرائيلى ينشط الدور العسكرى الإسرائيلى وتزداد فاعليته يوما بعد يوم.

وقد استغلت إسرائيل مناخ التطبيع الذى فرضته المعاهدة وعامل تفوقها العسكرى فى ترويض الفكر والإدراك المصرى على تقبل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة مع بقاء العلاقات المصرية – الإسرائيلية فى مجراها الطبيعى، والأمثلة على ذلك كثيرة منذ ضرب المفاعل النووى العراقى وحتى عمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى،

وفى كل عمل من هذه الأعمال كانت إسرائيل حريصة على افتعال مناسبة يلتقى فيها مسؤول كبير إسرائيلى مع مسؤول كبير مصرى حتى تلصق بمصر تهمة التواطؤ أو على الأقل عدم الاعتراض، فرئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن التقى السادات فى شرم الشيخ قبل ضرب المفاعل العراقى بيوم واحد، وتكرر نفس السيناريو فى زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى لمصر قبل يوم من الاجتياح الأخير لغزة وهذه كلها تصرفات تهدف إلى إسقاط هيبة مصر فى محيطها الاقليمى رغم حقيقة أن أمن مصر الإقليمى جزء من أمنها العربى.

بل والأدهى من ذلك أن تطبيع العلاقات المصرية – الإسرائيلية قد أثر بالسلب على مواقف الدبلوماسية المصرية فى المحافل الدولية، ففى الجمعية العامة للأمم المتحدة امتنعت مصر عن التصويت على الفقرة العاشرة من القرار 42/209 ب التى تتحدث عن التعاون الاستراتيجى الأمريكى – الإسرائيلى باعتباره يساعد إسرائيل على سياستها التوسعية، كما امتنعت عن التصويت على عدد من القرارات كلها تتعلق بإدانة إسرائيل لفشلها فى الالتزام بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وهكذا قيدت المعاهدة يد الدبلوماسية المصرية عن الوفاء بدورها القومى.

لقد سعت إسرائيل من خلال المعاهدة إلى إقامة التطبيع مع مصر لتجنى ثماراً عديدة تمثل خسارة على الجانب المصرى، ولعل أهمها حرمان مصر من محيط أمنها العربى، وامتصاص جيل أكتوبر حتى لاتدخل فى مواجهة جديدة معه، فهو الجيل الذى اقتحم التحصينات الإسرائيلية وألحق بها هزيمة نكراء فى أكتوبر 1973، فكان على إسرائيل أن تمتص هذا الجيل من خلال سياسة السلام والتطبيع حتى إذا حانت لحظة مواجهة جديدة تكون من صنعها واختيارها تقابلت مع جيل جديد لم يشهد الانكسار الإسرائيلى، بل يسمع عن إسرائيل باعتبارها القوة النووية الوحيدة فى المنطقة، إسرائيل الخرافة والأسطورة من جديد.

هذا ما رآه واضعو التقرير من مخاطر معاهدة السلام على الأمن القومى المصرى، فهل تحققت هذه المخاطر فعلا أم هى محض أوهام، سؤال نتركه للقارئ.

عن admin

شاهد أيضاً

خط «الغاز العربي»: مخاوف مشروعة من تطبيع غير مباشر مع العدوّ

فراس الشوفي  11 تشرين الأول 2021 استفاق ضمير الملك الأردني عبد الله الثاني بعد سنوات كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *