الرئيسية / غير مصنف / سامي شرف يكتب :حقيقة الدور الأمريكى فى المنطقة

سامي شرف يكتب :حقيقة الدور الأمريكى فى المنطقة

سامى شرف

نشرت جريدة «الأهرام» يوم الأحد الموافق 3أكتوبر الحالى حوارا مع الدبلوماسى الأمريكى دنيس روس، الذى دافع عن الدور الأمريكى فى المنطقة، ورغم أننى أتفهم ذلك باعتباره مواطنا أمريكيا، ودبلوماسيا يدافع عن سياسة بلاده، إلا أننى لم أستطع أن أتفهم مغالطته الصارخة حين صرح بأنه: يجب على الولايات المتحدة الاستمرار فى لعب دور فى المنطقة، حيث إن الفراغ الذى خلفه غياب الولايات المتحدة سوف تملؤه قوى تستمر فى خلق الفوضى فى المنطقة، وهذه القوى ستنشر عدم الاستقرار خارج الشرق الأوسط.

وكأن السيد روس يريد أن يصور الولايات المتحدة الأمريكية حامية للمنطقة، والضامن لاستقرارها، وتناسى تاريخ منطقتنا، الذى يشهد عبر عقود طويلة هيمنت بلاده على المنطقة، بعد أن ورثت تركة الاستعمار البريطانى والفرنسى فيها، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية.

منذ إعلان الاستقلال فى عام 1776، كانت الولايات المتحدة عازمة على توسيع أراضيها ونفوذها، وما كان إعلان قادتها الأوائل أمثال الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون، حول ولادة عهد جديد تنعم فيه الشعوب حول العالم بالحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير، سوى خدعة لتحقيق هدفها فى الهيمنة، وتوسيع نفوذها، من خلال وراثة مستعمرات التاج البريطانى وفرنسا.

وهو ما أكده مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» كتبه ايريز مانيلا أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد الأمريكية، يتناول الفترة ما بين نوفمبر 1918 ويونيو 1919، يقول فيه «حين تعلقت آمال المصريين – فى الاستقلال عن بريطانيا – بالوعود البراقة التى ساقها الرئيس ويلسون، سرعان ما تحطمت أحلام المصريين على صخرة الواقع المرير، إذ تراجع ويلسون عن مبادئه ونقاطه الأربع عشرة، وسارع بالاعتراف بسيادة بريطانيا على مصر». وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تدخر الولايات المتحدة أى جهد للسعى وراء الهيمنة على المنطقة والاحتفاظ بها، وسخَّرت تفوقها المطلق فى قطاعات العسكرية والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، للتدخل كثيرا فى الشئون الداخلية لدول المنطقة..

ولقد كان عداء الولايات المتحدة الأمريكية لثورة 23 يوليو 1952، وزعيمها جمال عبد الناصر، سببه الرئيسى هو مقاومة الرئيس عبد الناصر للهيمنة الأجنبية على المنطقة، ومحاولته توحيد العرب، وجعل قرارهم وثرواتهم فى أيديهم، دون وصاية شرقية أو غربية.

وظلت الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على عدم تكرار تجربة جمال عبد الناصر، وقمع أى حركة وحدوية عربية، بل عملت على تأجيج التوترات بين دول المنطقة، من خلال شن الحروب، وإثارة المواجهات بين دولها، وبث الفوضى بين شعوبها.

ساعدها فى ذلك الكيان الصهيونى المحتل فى فلسطين، فكانت أمريكا أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة، بل دعمتها بما لم يسبق لدولة أن تدعم حليفا على مر التاريخ، واستمرت تلك العلاقات المميزة بينهما، بل ازدادت قوة على مر السنين، فهناك مصالح استراتيجية مشتركة عززت وما زالت تعزز العلاقات بين الطرفين؛ فأمريكا ترى إسرائيل كحليف استراتيجى، وكدولة وظيفية تمزق الوطن العربى، وتحمى المصالح الأمريكية فى المنطقة، فأمريكا تعتبر إسرائيل قاعدة عسكرية لها تعتمد عليها وتخطط وتنسق معها للهيمنة على الوطن العربى والمحافظة على مصالح الطرفين.

وانطلاقا من مبدأ ترومان، المعروف أيضا باسم سياسة الاحتواء، ووصولا إلى السياسات الخارجية للإدارات الأمريكية الحديثة، بما فى ذلك استراتيجية باراك أوباما المعروفة باسم القوة الذكية، وسياسة أمريكا أولا التى أعلنها دونالد ترامب، وخطة إعادة البناء بشكل أفضل التى وضعها جو بايدن، فإن الهدف دائما هو تأمين الهيمنة الأمريكية، عبر الاستغلال الاقتصادى والسياسى للدول والشعوب.

ومنذ الثمانينيات، جعل الرؤساء الأمريكيون الترويج للدمقرطة فى بلدان المنطقة هدفا رئيسيا للمساعدات الخارجية الأمريكية، إلا أن مثل هذه التحركات غالبا ما جلبت الكوارث إلى البلدان المتلقية؛ فقد أدت عملية الدمقرطة السياسية السريعة وكذا الخصخصة الاقتصادية فى العديد من البلدان الإفريقية إلى أزمات سياسية واسعة النطاق بل وحتى صراعات دامية، مع استمرار الاضطرابات السياسية فى بعض البلدان حتى اليوم. ومن المثير للسخرية أن استطلاعا حديثا أجرته مؤسسة «تحالف الديمقراطيات» بين 50000 مشارك فى أكثر من 50 دولة، وجد أن ما يقرب من نصف المشاركين ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها تهديد للديمقراطية.

وبعد هجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001، أصبحت عمليات مكافحة الإرهاب التى تقودها الولايات المتحدة أداة للحفاظ على هيمنتها وتعزيز ما يسمى بالديمقراطية والقيم الأمريكية فى الخارج، ما أدى إلى إلحاق الأذى بالعديد من المدنيين، وتفاقم قضية اللاجئين، وإغراق المناطق المتضررة فى حالة من الفوضى، وزيادة التهديدات الأمنية.

وبصرف النظر عما يسمى بعمليات مكافحة الإرهاب، فقد انتهكت الولايات المتحدة – أمام العالم كله- بشكل صارخ حقوق الإنسان والحريات فى الدول الأخرى، كما يتضح من الفضائح المروعة للانتهاكات التى ارتكبها الجيش الأمريكى ضد السجناء فى أفغانستان والعراق.

ومن المفارقات أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان فى عام 2001 باسم مكافحة الإرهاب، لكنها فى الحقيقة رعت الإرهاب، وبعد 20 عاما من وجودها هناك سلمت الحكم لحركة طالبان.

وفى عام 2003، وعلى الرغم من المعارضة الواسعة من المجتمع الدولى، شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق بتهم لا مبرر لها، ما أسفر عن مقتل ما يتراوح بين 180 ألفا و200 ألف مدنى عراقى، وفقا لمعهد واتسون للشئون الدولية والعامة. كما استخدمت قوات التحالف ذخائر اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض فى العراق، ما عرّض البيئة المحلية وصحة الناس لخطر كبير.

هذه نماذج من صفحات تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة وغيرها، تؤكد أنه لم تكن أمريكا يوما دولة حاملة للخير أو السلام أو الديمقراطية أو الحرية أو الرخاء للآخرين، بل كانت دائما مصدرا للفوضى والصراع والتشتت والاستغلال والإرهاب، ويكفيها أنها ارتكبت أبشع ثلاث جرائم فى تاريخ البشرية، الأولى استئصال شعب كامل من أرضه وهم الهنود الحمر، الثانية: استعباد جنس بشرى وهو الأفارقة السود، الثالثة استخدام القنبلة الذرية فى هيروشيما وناجازاكي.

كتبت هذا المقال من الفراش بالمستشفي.
المقال من جريدة الأهرام اليوم 12 اكتوبر 2021

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 11 أكتوبر 1973..عناصر متقدمة من القوات البرية العراقية تنضم إلى الجيش المصرى لمشاركته فى الحرب ضد إسرائيل

سعيد الشحات يكتب.. الإثنين، 11 أكتوبر 2021 10:00 ص حرب أكتوبر وصلت العناصر المتقدمة من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *