الرئيسية / غير مصنف / تساؤلات في ذكرى الانفصال

تساؤلات في ذكرى الانفصال

بقلم عوني فرسخ

سوريا …..مظاهرات مؤيدة للوحدة يوم الإنفصال في 28 سبتمبر

سوريا …..مظاهرات مؤيدة للوحدة يوم الإنفصال في 28 سبتمبر 1961


في 28/9/1961 عصف انقلاب عسكري بوحدة مصر وسوريا التي كان مجلس النواب السوري ومجلس الأمة المصري قد أقرا بإجماع الحضور من أعضائهما في 5/2/1958 الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة واختيار عبدالناصر رئيساً لجمهورية رئاسية . وذلك ما أيده شعبا القطرين بما يقارب الإجماع، في استفتاء غير مطعون به يوم 22/2/1958 . وفيما عدا الحزب الشيوعي السوري أيدت أحزاب سوريا ومنظماتها السياسية، وبحماس كبير، الدستور المؤقت برغم تجاوزه الليبرالية والنظام الحزبي واعتماده التنمية غير الرأسمالية، كما كانت قد انتهت إليه الثورة المصرية بقيادة عبدالناصر . وحين تكون سوريا، وهي القطر الأصغر التي طلبت الوحدة وصاحبة الدور الأول بقيامها، قد استكملت الإجراءات الدستورية كافة في قيام الجمهورية العربية المتحدة، ففي ذلك دليل قيامها ديمقراطياً وفي اتفاق مع الفكر السياسي المعاصر الذي تجاوز الضغط والأسلوب البسماركي في قيام الوحدات القومية .

ثم إن وحدة مصر وسوريا إنما جاءت تتويجاً للتفاعلات التي تواصلت بين النظام بمصر ونظيره السوري، والقوى الوطنية في القطرين، منذ التصدي لحلف بغداد مطلع 1955 . وخلال السنوات الثلاث السابقة للوحدة وقّع الطرفان اتفاقيات عسكرية واقتصادية وثقافية، كما تعمقت واتسعت تفاعلات نخبهما السياسية والفكرية، فضلاً عن تنامي الشعور العام في سوريا بأن طموح شعبها إلى التحرر والوحدة والتقدم والعدالة الاجتماعية والحياد الإيجابي، متطابق مع طروحات ثورة مصر بقيادة عبدالناصر . وفي ضوء ما جرى خلال السنوات الثلاث السابقة للوحدة ما يدحض الادعاء بأن الوحدة كانت متسرعة وغير مدروسة .

ولا شك أن أخطاء، وقعت، وتجاوزات للحريات جرت، والمسؤول عنها بالدرجة الأولى الرئيس عبدالناصر الذي أقر بمسؤوليته عن الأخطاء في خطاب عام في 16/10/،1961 وكان كما يقرر د . وليد الخالدي، أول حاكم يعترف لخصومه بأخطائه وهو في سدة الحكم . غير أن التقويم الموضوعي للتجربة ينتهي إلى أن ما تحقق فيها من إنجازات لمصلحة أغلبية الشعب السوري يفوق بكثير الأخطاء والتجاوزات التي أصابت النخبة السياسية . ما يرجح عندنا أن الأخطاء والتجاوزات والإجراءات الاقتصادية المتخذة لم تكن هي الدافعة إلى التآمر على الوحدة، بدليل أن الوحدة لم تفصل بثورة شعبية ضد ما قيل عن التسلط المصري وتهميش السوريين، وإنما بانقلاب عسكري مأجور .

وكثيرة هي المصادر الموثّقة التي تدل على أن الانقلاب الانفصالي دبرته مخابرات أجنبية وعربية وبتمويل عربي . فيما تميز موقف جماهير سوريا تجاه الانقلاب الانفصالي عن مواقفها تجاه الانقلابات السابقة والتالية له . فللمرة الوحيدة في تاريخ سوريا لا تخرج الجماعير مرحبة بالانقلاب، ومنددة بالحكم الذي أسقطه . وإنما على النقيض تماماً تصدت الجماهير للانقلابيين بصدور عارية هاتفة للوحدة ولعبدالناصر . ولقد تواصل رفض الأغلبية الساحقة للانقلاب على الوحدة نحو عامين كاملين، فضلاً عن أنه في فبراير/ شباط 1962 طوقت جماهير الفلاحين والعمال مبنى مجلس النواب، وفرضت على نواب الانفصال تثبيت قانوني الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية وقرارات التأميم، والتأمينات الاجتماعية، أبرز المكاسب التي تحققت للأغلبية في عهد الوحدة .

ولست الوحيد بين دارسي تجربة الوحدة الموءودة الذي انتهى إلى أن إنجازات الوحدة، وليست الأخطاء والتجاوزات التي لا تنكر، هي التي استفزت القوى الدولية والإقليمية والأطراف العربية المعادية للفكر والعمل القومي العربي، بحيث بدأت تآمرها على الوحدة منذ طرحت فكرتها . وأول المنجزات التي استفزت التآمر متعدد الأطراف نجاح الشعبين المصري والسوري بإقامة نواة الوحدة في تضاد مع القرار الاستراتيجي الدولي بمنع العرب من توحيد وطن يحتل موقعاً استراتيجياً، ويختزن موروثاً حضارياً، فضلاً عن إمكاناته المادية وقدراته البشرية . والجدير بالتذكير، التقاء كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا وبروسيا والنمسا، برغم ما كان بينها من تناقضات، على ضرب تجربة محمد علي سنة 1840 . وسعي مترنيخ إلى توحيد أوروبا ضد ما دعاه شبح إمبراطورية عربية .

وكان الإنجاز القومي الثاني أنه بوحدة مصر وسوريا لم توضع إسرائيل بين فكي كماشة عربية فقط، كما قال بن غوريون حينها، وإنما قدمت أيضاً بداية الرد العربي على الاستراتيجية الاستعمارية بإقامة إسرائيل لتكون حاجزاً بشرياً غريباً يفصل بين جناحي الوطن العربي ليمنع الوحدة، فضلاً عن أنها رسمت للشعوب العربية طريق وحدتها بالتحرر والانضمام إلى نواة الوحدة، وشكلت الوحدة رافعة للتيار القومي العربي بقيادة عبدالناصر ووسعته، ليغدو التيار الأول، صاحب المبادرة ما بين المحيط والخليج، الأمر الذي استفز بقية القوى السياسية والفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، التي رأت في التيار القومي الخطر الأول على أدوارها فأجمعت على معاداته واستفزت مختلف القوى غير القومية، وراحت ترصد ما يجري في الإقليم السوري مسلطة الأضواء على الأخطاء مهما صغرت ومثيرة أجواء من الشك ومروجة الشائعات الملفقة .

وأتساءل بعد خمسين عاماً من الانفصال، ألم يكن اتحاد العراق مع الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 قد صان للعراق وحدة نسيجه الاجتماعي، وحال دون صراعات قواه السياسية الدامية، وشكل ضمانة لدولة الوحدة؟ وهل حقق الذين عادوا دولة الوحدة الديمقراطية والتنمية في أي قطر عربي؟ وأليس الواقع المأزوم المثقل بالاستبداد والفساد والفارق في التبعية من بعض الحصاد المر للنهج غير القومي الذي شاع بعد الانفصال؟ وأليس في التكامل العربي حماية ثورات الربيع الديمقراطي العربي من محاولات الاحتواء الأمريكية والثورات المضادة؟ تساؤلات أطرحها على شباب وصبايا الأمة صناع حاضرها وبناة مستقبلها .

عن admin

شاهد أيضاً

خط «الغاز العربي»: مخاوف مشروعة من تطبيع غير مباشر مع العدوّ

فراس الشوفي  11 تشرين الأول 2021 استفاق ضمير الملك الأردني عبد الله الثاني بعد سنوات كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *