الرئيسية / كتب و دراسات / حصريا :كتاب المثقفون والثورة للمفكر الناصري د. نديم البيطار

حصريا :كتاب المثقفون والثورة للمفكر الناصري د. نديم البيطار

ينجز البيطار في هذه المرحلة النظرية ثورة حقيقية في مفهوم الفكر القومي العربي للأمة في القرن العشرين. إن مفهومه سوسيولوجي يرى الهوية القومية هوية نسبية وتاريخية يحققها شعب ما من طريق تفاعله أو علاقته الديالكتيكية مع التاريخ، ولا يرثها من تركيب نفسي أو جوهر متأصل فيه. البيطار يقوم هنا في قطعه مع “المفهوم الميتافيزيقي” الذي يحدد شخصية الأمة بجواهرها أو تركيبها، بقطع مع تجليات هذا المفهوم في مرحلته النظرية الأولى خصوصاً، وفي مسار فهم الفكر القومي العربي للهوية القومية في النصف الأول من القرن العشرين عموماً. وفي هذا المفهوم السوسيولوجي يقترب البيطار كثيراً من الإنسية، ويرى أن جميع الأمم والقوميات تكشف أن الاختلافات والفروق الموجودة بين أفراد الأمة الواحدة هي أكبر وأكثر من متوسط الاختلافات والفروق الموجودة بينها وبين أمم أخرى” وفي حين كان في مرحلته النظرية الأولى يرى وحدة العرق ضرورية في تكوين الأمة لأسباب نفسية وليس علمية فإنه يصف العرقية في مرحلته الثانية بـ”صفاقة فكرية” ويقول في شكلٍ قاطع: “العرق لا يفسر شيئاً أبداً” حدود الهوية القومية - ص215. وفي هذه المرحلة الثانية يقود إلى طرح سؤال عن مدى قناعته بأن الأمة العربية متكونة أم هي في طور التكون، والتي كانت مركز الرحى في الصراع ما بين الشيوعية العربية المسفْيتة وبين القوميين العرب؟ يسكت البيطار عن هذا السؤال الذي تقود إليه نظريته في مرحلتها الثانية، فيبقي السؤال معلقاً على المستوى العلمي، وهو المستوى الذي يمثل مركز اهتمامه منهجياً.

مفاهيم المرحلة الأولى تنزاح إلى مفاهيم جديدة يعاد بناؤها، فينزاح مفهوم النخبة الانقلابية في “الإيديولوجيا الانقلابية” إلى مفهوم الانتلجنسيا في “المثقفون والثورة: سقوط الانتلجنسيا العربية”، ومفهوم الفوذد والدوتشي والفوهرر إلى مفهوم السلطة المشخصنة، ومفهوم الانقلابية ثم الثورية إلى مفهوم الوحدوية، فما هو وحدوي لدى البيطار ثوري بالضرورة، وكي يكون اليسار يساراً حقيقياً يجب أن يكون وحدوياً. إذ تعبر هذه المرحلة عن الاندماج العضوي بين مفهوم الدولة - الأمة وبين مفهوم الحداثة. والبيطار هنا مفكر قومي علماني حداثي خالص، يرى عملية الاندماج الاجتماعي أو القومي عبر محورية الدولة، لنقل ما يسميه علماء الاجتماع، وما يستعيده البيطار في شكل الترسيمة الحرفية المدرسية، العلاقات الأولية التي تتجلى في الانقسامات العمودية الطائفية والدينية والعشائرية والاجتماعية إلى مستوى العلاقات الثانوية فتتطابق هنا مسيرة الأمة العربية من التجزئة إلى الوحدة مع مسيرتها من التقليدية إلى الحداثة.

بلور البيطار في هذه المرحلة الثانية نظريته للوحدة العربية، على أساس تحديد قوانين الانتقال من التجزئة إلى الوحدة بقوانين أساسية يمكن وصفها بالقوانين المكونة وأسباب إعدادية يمكن وضعها في إطار العوامل المكونة. ظل البيطار هنا أميناً لمفهومه للدولة بصفتها مركز عملية الاندماج الاجتماعي أو بناء الأمة، وركز على أولوية الدولة. ومن هنا رفض الطريق الاقتصادي للوحدة، من منطلق أنه لا يقود في ذاته، مجتمعاً مجزأًً أو كيانات سياسية مستقلة إلى الاتحاد السياسي، وأعطى العامل السياسي الأولوية الأولى، الذي يرى أنه “يتقدم على العامل الاقتصادي وغيره من العوامل الأخرى، لأن القوانين الرئيسية التي تتحكم بالعملية الوحدوية هي قوانين سياسية”.

إن “الأمة هي أولاً وأساساً من عمل كيان سياسي واحد” يرتد إلى الدولة. دور الدولة يعود في ظهوره إلى دور القاعدة التي تمارسه، وتقع هنا القوانين المكونة للوحدة العربية في نظرية البيطار والتي يحددها بوجود إقليم - قاعدة يرتبط به ويتمحور حوله العمل الوحدوي في الأقطار أو الكيانات المستقلة المدعوة إلى الاتحاد ، ووجود قيادة مشخصنة تستقطب مشاعر الشعب، وتكسب حماسته وولاءه عبر الحدود الإقليمية، ووجود مخاطر خارجية تولد التحديات التي تدفع إلى الاتحاد في حين أن القوانين الإعدادية هي أسباب مساعدة. ولكن تعيين البيطار للإقليم - القاعدة ظل مشوباً بالارتباك. لقد راهن على سقوط الساداتية، واستعادة مصر لدور الإقليم - القاعدة وطرح مفهوم القاعدة المركبة من اتحاد قطرين اقترح أن يكونا ليبيا ومصر كخطوة أول، أو اتحاد سورية مع مصر كخطوة ثانية لتشكيل مثل هذه القاعدة التي ينيط بها وظيفة “الإقلاع الوحدوي”. لكن إزاء إخفاق الرهان على هزيمة الساداتية، عاود تعيينه لمفهوم الإقليم - القاعدة وقال بإمكان حدوث تحولات تنقل هذا الدور الذي اضطلعت به مصر إلى قطر عربي آخر، ووضع ذلك في دائرة احتمالات، كأن “توحد أقطار الخليج في دولة جديدة” أو “إن ظهرت أوضاع وتحولات مناسبة يستطيع فيها العراق وضع نهاية لأنظمة الخليج، وضم أقطاره في دولة واحدة” فتستطيع هذه الدولة “بقوة وفاعلية، أن تفرض ذاتها كقاعدة، عندئذ يجب على العمل الوحدوي وجميع الوحدويين الاتجاه إليها والارتباط بها. خارج هذين الاحتمالين، لا يبدو أن هناك أي احتمال في انتقال هذا الدور إلى قطر آخر. الواقع أنه تحدث عن ضم العراق لدول الخليج بتعبير “السحق”، مع أنه في مكانٍ آخر يقول بأن الضم العسكري لم يعد ممكناً بسبب الظروف الدولية، لكن الممكن تغيير ثوري في الداخل تدعمه دولة الإقليم - القاعدة.

رابط تحميل الكتاب

https://drive.google.com/file/d/1LxSwN1UnaOpe6wkmgriHH5PD-mBiiBHl/view?usp=sharing

 

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب دفاع عن الشعب - دفاع د.عصمت سيف الدولة عن انتفاضة يناير 1977 ” دفاع ممتد “

دفاع عن الشعب: كان هذا هو العنوان الذى اختاره الدكتور/عصمت سيف الدولة، عليه رحمة الله، …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *