بقلم : أحمد علي حسن
حسب البيانات الرسمية المصرية فإن الإقتصاد المصرى حقق نمواً لسنة “2018 _ 2019” قدرة 5.6% … ومعدل النمو الإقتصادى هو نسبة التغيير الإيجابى فى حجم الناتج المحلى الإجمالى لدولة ما .. أى هو معدل زيادة القيمة السوقية لجميع السلع والخدمات فى دولة ما فى فترة زمنية محددة … وقد شهدت مصر تفاوتاً فى معدل النمو الإقتصادى خلال الأربعين سنة الماضية ، فوصل لأعلى معدلاته فى عام 1983 “8.876%” ، وبلغ أقل معدلاته “0.3%” فى سنة 1991… وقد حقق فى سنة “2011ــ 2012” نسبة 2.2% ، وهى سنة ثورة 25 يناير ، والقيمة المتوسطة “التقريبية” لمعدل النمو الإقتصادى فى مصر فى حدود 5% .. وهو معدل نمو مرتفع نسبياً بالقياس على الدول النامية المشابهة.
لماذا لا يحس المواطن المصرى بعائد التنمية الإقتصادية !؟
بإفتراض صحة الأرقام والمعدلات الرسمية المصرية حول معدلات التنمية للإقتصاد المصرى .. فقطاعات كبيرة من المواطنين المصريين، وخصوصاً فى الطبقات الفقيرة، ونسبة كبيرة نسبياً من الطبقة المتوسطة، لا تحس بعوائد تلك التنمية ، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها:
1 ــ تركز نسبة كبيرة من مجالات التنمية الإقتصادية فى قطاعات لا تمس حياة غالبية المواطنين المصريين .. كالإستثمار المتنامى بشدة فى نمط الإسكان الفاخر كالمنتجعات والقرى السياحية وخلافه، وكذلك فى مجالات النمط الإستهلاكى والسلع الهامشية والتوكيلات الخارجية والمولات وخلافه.
2 ــ عدم وجود نظام ضريبى عادل، بحيث يتم تحصيل ضرائب تصاعدية على رجال الأعمال والفئات الأكثر دخلاً، والتوسع فى منح الإعفاءات الضريبية بحجة تشجيع الإستمار ، وبديهى أن حصيلة تلك الضرائب تعود على جميع المواطنين فى صورة خدمات .. بل أن الدولة على العكس من ذلك تقوم بتقديم التسهيلات والإعفاءات لرجال الأعمال فى حين تقوم بزيادة مقابل الخدمات الحكومية على المواطنين وتقليص صور الدعم المختلفة التى كانت تقدمها لهم .
3 ــ عدم وضوح رؤية تنوية حقيقية لنهوض الدولة المصرية .. والإهمال “شبه المتعمد” لمجالات الإستثمار الصناعى، والذى يمكن أن يحقق نهضة حقيقية بتقليل الإعتماد على الإستيراد من الخارج بالعملة الصعبة .. بل وفتح أسواق للتصدير للسوق الإفريقية والعربية ، مما سيؤدى بالضرورة لتقليل نسبة البطالة.
4 ــ البذخ الشديد لحد السفة فى الإنفاق الحكومى الخاص بمخصصات كبار المسئولين، وديكورات مكاتبهم، وسفرياتهم المتعددة بسبب وبدون سبب، وسيارات تنقلاتهم وخلافه، مما لا يتناسب مع الحالة الإقتصادية للدولة المصرية، مع عدم تطبيق الحد الأقصى للأجور، وما تستهلكه فاتورة الفساد المالى والإدارى .. مما يؤدى لإستنزاف مبالغ طائلة من موارد الدولة.
هذه الأسباب وغيرها أدت ليس فقط بألا يشعر المواطن بتلك التنمية الإقتصادية، ولكن فى أن تصب معدلات زيادة التنمية الإقتصادية فى خزائن فئة محدودة من رجال الأعمال وكبار المسئولين.
فمصر فى المرتبة 8 من أسوأ 15 دولة فى توزيع الثروة .. وحسب تقرير التنمية البشرية فى مصر لسنة 2016 فإن 8 ملياديرات فى مصر يملكون وحدهم ثروة تقدر ب 22 مليار دولار، وإحتل 7 من المصريين قائمة مجلة الفوربس لأكثر الأفراد ثراءاً فى العالم … وأن ثروات كبار رجال الأعمال قد تم تقديرها ب 22.3 مليار دولار فى سنة 2014 .. لتزداد فى سنة 2015 إلى 33.1 مليار دولار .. أى أن ثروات كبار رجال الأعمال قد زادت بحوالى 50% خلال عام واحد !! …. ويمتلك 1% من أثرياء المصريين 48.5% من إجمالى الثروة فى مصر .. فحسب تقرير التنمية البشرية فإن 160 ألف رجل أعمال “فقط” فى مصر يملكون 40% من إجمالى الثروة فى مصر … وحسب معدلات الأمم المتحدة للتنمية البشرية فإن عدم المساواة فى مصر وصل إلى 69% …… وهكذا فمعدلات التنمية التى تتحقق كلها تكاد تصب فقط فى صالح عدد محدود من رجال الأعمال وكبار المسئولين، لذلك تتنامى ثروات هذه الطبقة سنة وراء أخرى وبمعدلات سريعة للغاية …. لذلك فقد زادت ثروات أغنى 10% من السكان فى مصر من 61% من إجمالى الثروة فى مصر سنة 2000 … فوصلت ثرواتهم إلى 65.% من إجمالى الثروة سنة 2007 …. لتواصل الصعود إلى 73.3% من إجمالى الثروة فى مصر سنة 2014 …. ولأن الحكومة مازالت تنتهج نفس النهج منذ بداية الإنفتاح الإقتصادى فى السبعينات من القرن الماضى وحتى الآن .. فستواصل ثروات تلك الطبقة فى الزيادة مخصومة من الطبقات المتوسطة والفقيرة لتزداد فقراً .. فحسب البنك الدولى فإن 60% من المصريين أصبحوا “بعد عدة سنوات من الإصلاح الإقتصادى المزعوم” إما تحت خط الفقر أوأكثر فقراً.
مجلة الوعي العربي