أخبار عاجلة
الرئيسية / الوحدة العربية / عبد الناصر وذكرى قيام الوحدة

عبد الناصر وذكرى قيام الوحدة

عاتبني أصدقاء على غياب تعليق لي على ذكرى الوحدة ، واجبت ان الذكرى ليست طقساً بل قناعة .. لكنني بيني وبين نفسي كنت أدرك ان الإحياء ولو لذكرى هو نقيض ما يبدو وكأنه موات لأمة

وإذ بسطور أ. أسعد صقر تأتي لتروي .. والحق انه بإيجاز محكم حكّ كل الجروح والندوب وشرّح جلّ الرزايا التي أعانت قوى الهيمنة والتجزئة على تقويض مشروع نهضة أمة

روى لي كلوفيس مقصود كيف ان عمر ابوريشة سفير الوحدة في الهند ، ومعاونه اديب الداودي ، سارعا لإنزال علم الوحدة من سارية السفارة لحظة سمعا ببلاغ الانفصال العاشر ،، وسارع ابوريشة لهجو عبدالناصر شعراً ولم تكن طائرة المشير قد حطت في القاهرة بعد

لا أنسى تعليق عبدالحميد السراج على الانفصال قائلاً: أيعقل ان يستطيع ٣٧ وغد فصل سوريا من الوحدة التي انتزعناها بما أوتينا وباللتي واللتيا من فك الاستعمار ؟

ليس من سبيل الا لتذكر كيف انقسم المجتمع السوري عهد الانفصال بين غالبية وحدوية طاغية وأقلية انفصالية كبيرة ، وكيف زاولت الثانية همجية فاحشة في هجومها على الاولى ، من اول رمزها الى كل المحرمات ؛ من عنصرية لقطرية لطبقية لجهوية لطائفية

ما كان الانفصال ، رغم كل معايب عهد الوحدة ، إلا نصف الطريق الى الهزيمة
د.كمال خلف الطويل
…………………………………………………………
اسعد صقر
22/02/2019

عبد الناصر وذكرى قيام الوحدة
يحل اليوم الثاني والعشرون من شهر شباط فبراير والامة العربية تمعن في انحدارها نحو مزيد من التشرذم والاقتتال حتى باتت تخجل بتسميتها. حدثني صديق عائد من القاهرة وكان يحضر مؤتمرا واستخدم في كلمته تعبير الوطن العربي فاستدعاه رئيس المؤتمر , وهو عربي , وقال له: “أرجو ألا تستخدم هذا التعبير فهو يسبب لنا مشاكل”.
في متل هذا اليوم من عام الف وتسعمئة وثمانية وخمسين توصل الشعبان في مصر وسورية وبمؤازرة من شعوب الامة العربية الى اقامة وحدة اندماجية بين الدولتين المصرية والسورية واتخذت الدولة الجديدة اسم الجمهورية العربية المتحدة وانتخبت لها في استفتاء حماسي لانظير له جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية العتيدة. وقد كان من حظي وابناء جيلي ان كنا شهودا على مهرجانات الفرح التي فاقت الوصف بشرى بقيام اول وحدة عربية منذ مايقرب من الف عام , وأملا بدولة قوية مهابة الجانب ترفع عن الاعناق الظلم والمهانة وتعيد الى الوطن ما استلب من ارضه.
تلحُ علي اليوم ذكرى لامناص لي من استحضارها. كنت عند اعلان الوحدة اعمل مدير الثانوية في مدينة جبله وقد التقيت ُفي اللاذقية الاستاذ والصديق الفيلسوف زكي الارسوزي ودعوته للقاء يتحدث فيه الى طلاب البكالوريا في الثانوية وهم مئة وخمسون ، وكان الاستاذ كما يسميه ابناء جيلي كريما معي فلبى الدعوة راضيا. كان الارسوزي قائد نضال ابناء لواء الاسكندرون وابرز الوجوه الوطنية التي تقف بصلابة ضد الحاق اللواء بتركيا وكان يعمل استاذا للفلسفة في ثانوية انطاكية.
وقف الارسوزي امام الطلاب مفتتحا كلمته بالقول: “بكيت في حياتي مرتين , الاولى قهراً وحزناً عندما أُنزل العلم السوري عن دار الحكومة في انطاكية وحلّ مكانه العلم التركي. والثانية فرحاً عندما أُنزل العلم السوري عن دار الحكومة في دمشق وحل مكانه علمُ الوحدة.”
لم يُكتب للوحدة ان تعيش طويلا فقد قُيّض لها حفنة من الضباط معدودة ليس لهم شأن في الجيش ولم يُعرف لهم فرادى او مجتمعين موقف سياسي او توجه حزبي ولكنهم استطاعوا ان يعلنوا انفصال سوريا عن مصر والحقيقة انهم لم يجدوا مقاومة حقيقية تقف في وجوههم.
قد يبدو هذا التناقض غير قابل للفهم ولكنه واقع وساحاول ان القي بعض الضوء. والسؤال هو: كيف يمكن للوحدة التي هي مطلب جماهيري آمنت به اجيال متعاقبة وضحى في سبيله كثيرون ان يسقط بهذه السهولة؟ والوحدة التي تغنى بها شعراء العرب وكتابهم وامتلات بها برامج الاحزاب وهدر بمديحها الخطباء والرؤساء , عندما واجهتها اول عقبة لم تجد من يدافع عنها بل تخلى اخلص دُعاتها عنها في اول منعطف؟

لا ابتغي في هذه الاسطر الاستفاضة بتحليل الاسباب التي أدت الى انهيار اول وحدة بين قطرين عربيين فقد كتب في ذلك الكثير , وقد عشت تلك الايام يوما فيوما بل ساعة بساعة ، وبعد الانفصال اتيح لي لقاء الرئيس عبد الناصر رحمه الله مرارا والتحدث اليه في شؤون سياسية متنوعة مما زاد في محبتي له واقتناعي العميق باخلاصه وصفاء رؤيته للاحداث.
لقد شارك الكثيرون عن وعي او بدونه في تمهيد الطريق للانفصال وليست الحفنة من الضباط البائسين الذين كانوا القشة التي قصمت ظهر البعير الا قبضة صغيرة من العملاء نُسب اليهم القضاء على الوحدة وقد سبقهم الى ذلك سياسيون بنوا “امجادهم” على الدعوة الى القومية العربية ووحدة الامة وتنكروا لجمهورهم الذي تخلى عنهم وتعلق بجمال عبد الناصر الذي اصبحت كلمته هي العليا في الدول العربية جميعا على الرغم من حكامها الذين انكشف امرهم للناس واصبح واضحا ان حماسهم للوحدة العربية لايعدو ان يكون زبدا يذهب جُفاءً مثله مثل الشعراء الكبار الذين حفظنا اشعارهم عن ظهر قلب وهم يتغنون بالوحدة ثم انقلبوا عليها فصح فيهم القول “والشعراء يتبعهم الغاوون , الم تر انهم في كل وادٍ يهيمون , وانهم يقولون مالايفعلون” والذي قال:
أرزُ لبنان أيكةٌ في ذرانا —- والفراتان ماؤنا والنيلُ
وقال :
ليس بين العراق والشام حدٌّ —- هدم اللهُ مابنوا من حدود
هو نفسه يهجو رئيس دولة الوحدة:
كافورُ قد جُنّ الزمانُ —- واليكَ آل الصولجانُ
خجلَ السريرُ من الدّعيِّ —- وكاد يبكي الارجوانُ
طبعا ! عبد الناصر ابن فلاح لم يرث عن ابيه صولجانا ولا سرير ملك ولا هو امبراطور يحق له ارتداء الارجوان فذلك لباس الاباطرة.
ويزيد شاعرنا الكبير عمر ابو ريشه من الشعر بيتاً يشتهي دوام الانفصال الذي وقع في شهر أيلول فيقول غداة سقوط حكومة الانفصال:
سيطلعُ الصبحُ من َايلولَ ثانيةً —- والعمرُ عندي مدى الايام أيلولُ
وحده من سوريا نزار قباني قال اجمل الشعر في رثاء عبد الناصر بعد وفاته
قتلناك يا آخر الانبياء —— قتلناك ليس جديدا علينا اغتيال الصحابة والاولياء
لقد كتب الكثير عن اسباب فشل الوحدة بين سوريا ومصر وهناك اكداس بل تلال من المقالات بعضها يحاول ان يكون موضوعيا واكثرها شخصي أملته اغراض واحقاد. ومن عجب ان اكثر نقاد الوحدة اخفوا عداءهم لها وصبوا كراهيتهم على شخص جمال عبد الناصر — صحيح ان مكانة عبد الناصر لدى الجماهير العربية قاربت القداسة و لكن الوحدة العربية لا تُختصر برجل مهما بلغت كاريزماه. لم يبق سبب او علة لم يتذرعوا بها كسبب للاضرار التي الحقتها الوحدة بسوريا التي زعموا انها كانت قبل الوحدة فردوسا ارضيا حتى اذا جاء اليها في موسم الصيف بضع عشرات من العمال المصريين ليعملوا ندلاء في المطاعم او في قطاف القطن او ما يشبه ذلك , انبرى “خبراء المال” والاقتصاد ليقرعوا نواقيس الخطر والتحذير من ابتلاع الثروات السورية , وعندما شح المطر وضعفت المواسم عام ثمانية وخمسين رأى علماء الا قتصاد من حملة الشهادات العليا من جامعات فرنسا وبريطانيا نُذُر خراب سوريا واُطلقت النكات التي ترى الوحدة شؤما وان سوريا ضاعت وان جمال عبد الناصر هو السبب الخفي وراء الكوارث النازلة والتي ستنزل بساحتنا نحن الشعب الذي انقاد له.
ويتحمل معظم المثقفين من سوريين ومصريين عبئاً لايستهان به من اوزار الحرب النفسية التي شُنت على الوحدة بين سوريا ومصر. المصريون بغطرستهم والنظر الى أنفسهم كفاتحين , وجهلهم بكل شئ عن سوريا — والسوريون العاشقون للوحدة العربية — من الخليج الثائرِ الى المحيط الهادرِ لبيك عبد الناصرِ— يعشقونها ويهيمون بها على الورق حتى اذا تجسدت خلقاً سويا انكرناها وتنكرنا لها ونسينا قصائدنا التي ملأناها غزلا وهياما وهدرنا بها على المنابر بيانا ساحرا يستمطر التصفيق وسخرنا من قائدها ورمزها الذي نصبته الجماهير , ولسنا نحن , زعيما عربيا. وبدلا من اعتبارنا له رجلا تصدى لقيادة شعب انهكه الفقر والتخلف والاستبداد , وهو رجل يخطئ ويصيب وقد ينهزم ولكنه لايستسلم ، ومستشاروه اما انهم لايؤمنون بارائه وبعضهم يغشه فان استبدلهم جاء لاحقهم كسابقهم وجاؤوه بمشاكلهم التي تنوء بها الجبال وكلها تنبع وتصب في نرجسيات اوغلت في زهوها حتى استحال ارضاؤها.
ولايمكن بالطبع نسيان دور الجيش الاول “الجيش السوري” الذي نقل معظم ضباطه الفعالين الى مصر وهناك لم تسند اليهم مراكز هامة وربما وجدوا انفسهم مهمشين وقد شاركهم هذه المشاعر معظم السياسيين السوريين الذين اضحت اقامتهم في القاهرة دائمة وغير مجدية في رأيهم.
ولا ريب ان من العسير على الذين لم يعيشوا تلك الاجواء ان يفهموا حقيقة الحذر وانعدام الثقة وتضخيم الجزئيات بين الاطراف جميعا ، وكانت سوريا منذ ان استقلت عام ستة واربعين حائرة بين طموحات شعب تفوق امكاناته وحكومات مترهلة تدير الدولة كما تدار مزرعة وهي لاتعرف ماذا تفعل حتى جاءت نكبة فلسطين عام ثمانية واربعين التي كشفت عورات الحكومات العربية واظهرت عجزها وتواطؤها ، وفي دمشق بدأ مسلسل الانقلابات العسكرية العقيمة والمرتبطة بالنفوذ الاجنبي وقد عانت البلاد من تلك الدكتاتوريات الامرين حتى بعد سقوطها اذ اورثتها حالتين مرضيتين:
الاولى انها حالت بين سوريا وبين التطور الطبيعي وحرمت الشعب من بناء مؤسساته السياسية والاجتماعية. والثانية انها كرست فكرة هيمنة الجيش على الحياة السياسية صراحة اومداورة او من وراء ستار عبر ديمقراطية موهومة ومزيفة ، ولم تكن تلك مسؤولية الجيش وحده بل ان الاحزاب السياسية يمينية ويسارية وفي الوسط تسابقت لاستدراج الجيش كي يحملها الى السلطة ولم تعلم انها أداة في يده على الرغم من محاولة جريئة لتغيير هذه الحال ولكنها جاءت للاسف متأخرة.
اليوم في الذكرى الثالثة والستين لقيام اول وحدة بين قطرين عربيين كبيرين نتأمل المسرح العربي الذي اصطبغت جوانبه بالدماء ونتساءل: هلاّ واجهنا حتى اليوم سؤالا كيف نشأت بين ظهرانينا “حالة اسرائيلية” ولماذا يفر الكثيرون من الحديث عنها كما يفرون من الطاعون وهي كذلك؟ لماذا صار حديث المجالس شتم العروبة والعرب والشطط في استعمال توصيفات العربان والاعراب والتنكر لفلسطين وكأنها قضية الفلسطينيين وحدهم وليست قضية أمن واستقلال وحرية أمة بأسرها؟

عن admin

شاهد أيضاً

الوضع العربى.. لا دور جاهزًا ولا بطل مهتمًا

جميل مطر* الأربعاء 24 يوليه 2019 نقسو أحيانا، بل كثيرا، على الجامعة العربية أو …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *