الرئيسية / كتاب الوعي العربي / الصهيونية أول المتعاونين مع النظام النازي

الصهيونية أول المتعاونين مع النظام النازي

بقلم : عوني فرسخ

 

لأن كلا من الحركة الصهيونية والنظام النازي الالماني يصدران عن عقيدة عنصرية انتفى التناقض العدائي فيما بينهما . وبالعودة للمصادر التي أرخت للعلاقة بين الطرفين يتضح أنه منذ صعود النظام النازي في المانيا سنة 1933 عرف اركانه بالانفتاح على الحركة الصهيونية ، إذ قام البارون ملدنشتاين ، الضابط في الشرطة الالمانية ss برحلة الى فلسطين صحبه فيها كورت توخلر من المنظمة الصهيونية الالمانية ، واستغرقت رحلتهما ستة شهور طافا خلالها ارجاء فلسطين حيث اطلع البارون النازي على سائر أنشطة التجمع الاستيطاني الصهيوني ، ثم عاد ليكتب سلسلة مقالات عن عمليات الاستيطان الصهيونية في صحيفة ديرانغريف Der Angriff الناطقة بلسان غوبلز ، وزير الإرشاد والدعاية النازي ما بين 26/9 – 9/10/1934 الأمر الذي نظر إليه باعتباره دعاية نازية للصهيونية واستيطانها الاستعماري في فلسطين –

 

وحيث كان النظام النازي والحركة الصهيونية يعاديان اندماج يهود المانيا ووسط أوروبا في مجتمعهم الوطني والتقيا على العمل لتهجيرهم من أرض آبائهم وأجدادهم . وعليه بدأت سلسلة لقاءات بين كل من القنصل الالماني في القدس “فولف” ووزراء الخارجية والمالية في برلين مع رجل الأعمال اليهودي سام كوهن ، ثم شارك فيها رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في القدس ارلوزوف بعد أن اعتمدت ذلك كل من ” الوكالة اليهودية بالقدس والمنظمة الصهيونية في لندن . وكان السير هوراس رامبولد ، سفير بريطانيا في برلين يتابع تطور السياسة اليهودية للنظام النازي ، وجعل من السفارة البريطانية قناة اتصال بين الدوائر الوزارية الالمانية وقيادات الحركة الصهيونية . وتم الاتفاق على تمكين المهاجر اليهودي من إخراج أمواله في حدود أربعة آلاف جنيه استرليني ، ومن ثم تصفية أملاك وأموال يهود ألمانيا وتمكينهم من الهجرة الى فلسطين . عرج ارلوزوف على لندن حيث قابل سكرتير وزارة المستعمرات ليستر ، الذي أبدى الاستعداد لتقديم التسهيلات المطلوبة لتهجير يهود المانيا إلى فلسطين . خاصة فتح الحسابات المصرفية اللازمة لتمكين المهاجرين اليهود من تحويل أموالهم الى فلسطين . وتأسست في تل أبيب شركة “هعفرا” (النقل) “لتحقيق هذه الغاية سنة 1933 . وقد رأت قيادات الحركة الصهيونية في تهجير يهود المانيا ونقل أموالهم الى فلسطين ما يسهل انعاش الهجرة والاستيطان وشراء الاراضي بسبب قصور موارد كل من الصندوق القومي اليهودي ” الكيرين كايمت ” وصندوق تأسيس فلسطين “كيرين هايسود” بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية . فضلا عن فتح آفاق التعاون النازي – الصهيوني في مجالات أخرى .

 

وفي 21/8/1933 عقد في براغ المؤتمر الصهيوني الثامن عشر ، ولم يكن قد أعلن عن توقيع اتفاقية “هعفرا” إلا أن بعض أعضاء المؤتمر قد ألموا بأخبار المفاوضات الجارية مع النازيين . كان حزب الماباي مؤيدا الاتفاقية وقد حصل على 44 % من أعضاء المؤتمر ، فيما كان التصحيحيون بزعامة جابوتنسكي ، ويمثلون 10 % من الأعضاء يعارضونها ويدعون لمقاطعة المنتوجات الألمانية ، ويحدوهم الأمل بأن يساندهم ستيفن واير” والمؤتمر الصهيوني الأمريكي

 

وفي 29/8/1933 ، وبينما المؤتمر الصهيوني لما يزل منعقدا ، أعلنت الحكومة الألمانية خبر توقيع الاتفاقية مستهدفة وضع المؤتمرين أمام الأمر الواقع ، واختبار مدة فعالية الصهاينة في الوسط اليهودي . وفي مواجهة تحالف معارضي الاتفاقية أوضح موشيه شاريت انه عند وجود تناقض بين مصلحة المشروع الصهيوني في فلسطين ومصلحة اليهود في الخارج فان مصلحة المشروع الصهيوني تحتل الاولوية وبهذا حسم شاريت الجدل ، إذ أيدت أكثرية أعضاء المؤتمر بقيادة الماباي الاتفاقية ، وأرست بذلك قاعدة التعامل مع النازيين دون قرار أو إعلان رسمي ، الأمر الذي عارضه جابوتنسكي وانسحب التصحيحيون من المؤتمر وشكلوا منظمة صهيونية خاصة بهم .

 

وحين قام أعضاء المؤتمر الصهيوني الثامن عشر بمراجعة نتائج التعامل مع النازيين بموجب اتفاقية “هعفرا” قال حاييم وايزمان الزعيم الصهيوني : ليس لنا ما يخجلنا باستعمال قمع اليهود في المانيا في بناء فلسطين . شيء ما يتم بناؤه – قاصدا الوطني القومي اليهودي – وسيحًول المخاوف التي نتحملها الى أغان وأساطير لاحفادنا”

 

وتواصل عمل الصهاينة والنازييًن بموجب اتفاقية “هعفرا” لست سنوات حتى العام 1939 ، وبموجبها هاجر الى فلسطين نحو ستين ألف شاب وفتاة ما يعادل 10 % من يهود المانيا و 15 % من يهود فلسطين حينها . وعندما اتضح للالمان أن الاتفاقية تشكل خسارة ملموسة في ميزان مدفوعاتهم حاولت وزارتا الخارجية والمالية إلغاءها عام 1935 ، غير أن “المستشارية – إدارة هتلر – أصرت على العمل بها ، ذلك لأن هدفها إنما كان التخلص من يهود المانيا بأي ثمن .

 

وأليس في إثارة نتنياهو مشكلة مع بولندا متهما بعض البولنديين بالتعاون مع النظام النازي ، متجاهلا كون القيادات الصهيونية كانت أول المتعاونين مع النظام النازي وعقدت معه اتفاقية “هعفرا” البرهان الحي على تعاطي الصهاينة تعاطيا نفعيا مع التاريخ بتسليط الضوء على ما يتصورون فيه فائدة لمشروعهم الاستعماري الاستيطاني ، مقابل تكثيف الظلال على ما لا يخدم مشروعهم من أحداث التاريخ الماضي والحاضر ؟

 

 

 

عن admin

شاهد أيضاً

رياح توريث خماسينية تهب على مصر من جديد - بقلم :محمد عبد الحكم دياب

16, Aug 2019   يجب ألا يحار المرء في معرفة كيف يشق الاستبداد السياسي …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *