الرئيسية / حوارات ناصرية / عبد الناصر الذي فقدناه ولم نفقد معاركه في التحرير وصد العدوان

عبد الناصر الذي فقدناه ولم نفقد معاركه في التحرير وصد العدوان

بقلم: محيي الدين بهلول

في هذه الأيام التي أصبحت فيها اعصابنا رماداً وأحاطت بنا الأحزان من بلدان عربية عدة كانت في يوم من الأيام درع العروبة وسندها القوي، خذوا مثلا العراق وما يعانيه من صدامات طائفية، وسوريا حيث حكومة تحارب شعبها، وليبيا لم تعد تعرف اليوم شمالها من جنوبها، فطرابلس صارت في عداء مع بني غازي وكأن المدينتين في محيط آخر، واليمن الذي كان يطلق عليه (اليمن السعيد) تحول إلى اليمن الحزين، ولبنان في جنوبه دولة داخل الدولة ممثله في «حزب الله» الذي انفرد بقرار التدخل في الصراع السوري وكأن هذا الحزب شركة مقاولات ومرتزقة يحارب لمن يدفع له أكثر في بلدان عربية، أما تونس فهي تعاني من اولئك الذين سرقوا ثورتها، أما السودان فهي اول من بدأت التقسيم من أجل الصراع على السلطة.
إن ما حدث لم يكن من اختراع المواطن العربي انما هو من صناعة المستعمرين الجدد، هكذا نرى جسد الأمة العربية محترقاً كما رأينا غزة بالأمس تحترق.
متى يعود تاريخنا الناصع من جديد وبجلود جديدة وعزيمة اكيدة ووحدة مطلوبة ونقول إنه لولا بقاء مصر وجيش مصر وشعب مصر لكنا نحن العرب اليوم في خبر كان.
يقول الكاتب (حماد عبدالله) مازلنا نجني ثمار ثورة 23 يوليو 1952 حتى اليوم، هذا التاريخ قد يثير الكثيرين ذكريات غير سعيدة (وهم قلة) لكن شعب مصر مازال يرفع صورة القائد والزعيم والمعلم الخالد جمال عبدالناصر ولا يمكن أن يختلف أي انسان رشيد على أن مصر عاشت أزهى عصورها الوطنية في ظل قيادة جمال عبدالناصر.
يقول الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن شاهدت مع عبدالناصر فيلم (يوليوس قيصر) في سينما مترو كنت في عام 1954 مع صديق لي وكان أول افلام النجم العالمي (مارلون براندو) في سينما مترو في وسط القاهرة وفجأة أثناء عرض الفيلم وجدت صديقي الذي لمحه (يلكزني) في قدمي ويقول لي (بص شوف مين ورانا) فلمحت (عبدالناصر وعبدالحكيم عامر) اللذين غادرا السينما معاً بعد انتهاء العرض وركبا سيارة عامر (الفورلكس) وانطلاقا.
وحكاية أخرى اذكر أن (محمد حسنين هيكل) قال لي ان (ناصر) كان لا يعرف الانواع الفاخرة من الاطعمة لحرصه الدائم على تناول طعام البسطاء وخاصة (الجبنة البيضاء)، ففي إحدى المرات وأثناء انعقاد احد مؤتمرات القمة بأحد فنادق القاهرة الكبرى فوجئ (هيكل) بأن (ناصر) يكتفي بطبق (الجبنة البيضاء) تاركاً كل الانواع الأخرى ولما عرض عليه ان يختار له بعضها قال له ناصر: (دعني أشعر بما يشعر به غالبية الشعب).
كذلك فقد عرف عن عبدالناصر كرهه الوساطة والمحسوبية فبعد ان تخرجت ابنته (منى) في الجامعة الأمريكية ارادت ان تعمل فطلب منها أن تسعى بمفردها للحصول على فرصة عمل من دون تدخل منه فتوجهت إلى دار المعارف للعمل بها وكتبت طلب توظيف، وقدمته لرئيس مجلس الإدارة الذي فوجئ باسمها لكنه شك ان تكون هي فاتصل بـ «هيكل» الذي أكد له أنها هي ثم ابلغ رئيس مجلس الإدارة انه غير ملزم بتعيينها إلا اذا كانت هناك بالفعل أماكن شاغرة وبنفس المرتبات التي يتقاضاها الآخرون.
يكتب الكاتب رشاد كامل حيث يقول بعد عودة الملك فاروق من احدى رحلاته في اوروبا دعا (فؤاد سراج الدين باشا) وزير الداخلية في حكومة الوفد لمقابلته وما ان جلس امامه في غرفة المكتب حتى فوجئ بكومة كبيرة عالية من اعداد الصحف بجواره وجاءت المفاجأة الثانية حين سأله في سخرية: قوللي يا باشا، مصر فيها وزارة داخلية؟ أجاب الوزير طبعاً يا مولاي، قال الملك امال أيه ده؟ ثم راح يأخذ الصحف بيمينه وشماله ويقذف بها في وجه وزير الداخلية، هذه الحكاية رواها المفكر الاسلامي الكبير (خالد محمد خالد) والذي كان وقتها واحداً من أهم كتاب الرأي في مجلة (روز اليوسف).
وحكايات أخرى يرويها أطفال مصر وكيف كان جمال في عيونهم يقول الطفل سيف الدين محمد عبدالحميد (11 عاماً) ان جمال عبدالناصر هو الذي قضى على الاستعمار وخلص مصر من عهد الاقطاع وأقام لها جيشاً قوياً منذ ثورة 1952 التي مضى عليها اليوم اكثر من 60 عاماً ويقول الطفل ايضاً ان جدتي هي التي حكت لي كثيراً عن عبدالناصر وكنت أرى في صوتها الحب والفخر والزهو.
ويقول الطفل محمد عبدالحميد وعمره 9 سنوات ان والده يعشق عبدالناصر ودائم الحديث عنه وسيرته لا تنقطع، وتعلم هذا الطفل من والده ان جمال عبدالناصر هو من بنى الجيش وحقق انجازات عديدة منها السد العالي والاصلاح الزراعي وجلاء المستعمر البريطاني وتأمين قناة السويس، هكذا كان ناصر في عيون الاطفال.
واليك عزيزي القاري معلومة اخرى عما قالته جريدة التايمز البريطانية: ايها الغرب، ان نوري السعيد هو امل بريطانيا الوحيد فهو القادر على الحفاظ على نفوذها وبترولها في الشرق الاوسط، واستطردت التايمز قائلة: انه لا بد من وضع حدا لصفعات عبدالناصر ويقصد هنا لبريطانيا والاستعمار كان ذلك قبل بدء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والاستعمار وقتها يهمين على دول عربية كثيرة، ارسلت جريدة التايمز صرخة الفزع والاستغاثة في مقال خطير تضمن من الحقائق ما يشرف العرب وجمال عبدالناصر ولا يشرف حكومة العراق آنذاك ورئيسها نوري السعيد، وحول هذا الموضوع تقول جريدة التايمز ايضاً ان رغبة مصر في خوض حرب ناجحة ضد اسرائيل قد اقتربت بعداء سافر ضد بريطانيا، وهذا العداء يظهر حينما اعلن الكولونيل أنور السادات السعي إلى ازالة النفوذ البريطاني من منطقة الشرق الاوسط وكذلك السيطرة البريطانية في إفريقيا والخليج العربي والارتباطات البريطانية في السودان والاردن وليبيا، هذه اذن بريطانيا التي استطاع الزعيم الخالد ان يقلم اظافرها ويقطع ذيل اسدها.
في يوم 19/11/1958م أدلى الرئيس جمال عبدالناصر بتصريح بشأن عرض محصول القطن المصري على أمريكا لشرائه قائلا: اني لا اضمر شيئا ضد أمريكا أو ضد بريطانيا ولكنهما عندما يأتيان إلى حلف بغداد أو مبدأ (ايزنهاور) يكون لزاما علي ان ارفض، لقد وعدت الشعب بأننا سنسير في طريق الحياد الايجابي وبأني لن اقحمه في تحالفات، انني لا اضمر عداء للغرب. ولكني لا استطيع ان أجده يفرض الحصار الاقتصادي على بلادي ثم ينتظر مني ان اقف مكتوف اليدين لا اواجه هذا للحصار الاقتصادي على بلادي بكل الوسائل وانما يطلب مني ان استسلم له، وأن اساهم في تحقيق اهدافه.
هكذا كان ناصر، لم يساوم قط في حق الشعب المصري والعربي، صريحا في اقواله وأفعاله، وختام حديثنا مسك، ما انفرد بذكره نجل الزعيم الخالد، عبدالحكيم جمال عبدالناصر، حيث قال في يوم 9 يونيو 1967 الذي اعلن الرئيس عبدالناصر فيه قرار التنحي قبل اعلان البيان كانت هناك حالة حزن شديدة وأجواء مشحونة في البيت بسبب الهزيمة وعلمنا ان الوالد سيلقي بيانا على الامة، جلسنا كأفراد اسرته نستمع إلى البيان كغيرنا من المصريين كان عمري آنذاك 12 عاماً وأول ما قال في البيان كلمة التنحي اندهشت شقيقتي هدى وقالت كيف؟
والوالدة لم تبد اي تعليق فقط قالت لنا ان والدي اعطى الكثير ويريد ان يرتاح. ولم تمض دقائق وجاء والدي واستقبلته والدتي على السلالم وبدأنا نلملم في متعلقاتنا تمهيدا لترك المنزل وسرعان ما تحول البيت إلى سرادق كبير حوى زملاء والدي في الحكم وأول واحد شفته شعراوي جمعه قال لوالدي ما ينفعش ياريس اللي بتعمله (البلد هتولع) وأحاطت جماهير غفيرة المنزل تطالب الوالد بالعدول عن التنحي وأتذكر هتافا لتلك الجماهير حتى الآن (عبدالناصر يا حبيبنا مش هيهون عليك تسيبنا، وجاء بعد شعراوي جمعة السيد محمد فايق وملابسه كانت ممزقة عرفت عندها ان الجماهير حاولت الاعتداء عليه وكانت تعتقد انه زكريا محيي الدين وذلك لأوجه الشبه بينهما، وبعد قليل اتصل الملك حسين به على التليفون فقال له الرئيس: أنا الآن تنحيت عن الحكم.
وأضاف حكيم يقول: للعلم مر علينا عام 1967 بصعوبة شديدة إلى ان اعادت عمليات حرب الاستنزاف الحياة والبسمة مرة اخرى في البيت واستطرد نجل الرئيس قائلاً: في صيف سنة 1970 حيث ظهر موتوسيكل مع محرك صغير وقد طلبت من والدي ان يشتري لي واحداً فقال اعدك بشرائه عندما تحصل على معدل عال في نهاية العام الدراسي.
وبالفعل حصلت على معدل عال وحملت الشهادة اليه فقال اذهب إلى السكرتير ليأخذك إلى أحد المحال لشراء الموتوسيكل قلت له انني غيرت رأيي وصرفت النظر عنه، وأريد بدلا منه ان ازور لندن مدة أسبوع مع اصدقائي، نظر إلي لوهلة ثم قال مينفعش يا حكيم قلت: لماذا؟ قال احنا في حرب استنزاف والشباب اللي في سنك واقفين في الحر على جبهة القناة وأنت عايز تتفسح في لندن؟
.. هكذا كان عبدالناصر حتى مع اقرب الناس اليه.

جريدة اخبار الخليج

عن admin

شاهد أيضاً

رؤية ” جمال عبد الناصر” للحكم بنص كلماته

١٣ مارس ٢٠١٧ · لماذا يكره سماسرة بيع الوطن “جمال عبد الناصر”؟ رؤية ” جمال …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *