الرئيسية / كتاب الوعي العربي / مئوية ميلاد السادات وعقدها النفسية والسياسية! - بقلم : محمد عبد الحكم دياب

مئوية ميلاد السادات وعقدها النفسية والسياسية! - بقلم : محمد عبد الحكم دياب

 

يبدو أن مقال الأسبوع الماضي لم يشبع فضول من اتصلوا يطلبون مزيدا من التفاصيل عن شخصية السادات، وأبدأ بالقول كان السادات الوحيد من أعضاء «مجلس الثورة» صاحب ملف معروف في العمل السري المسلح، وبسببه تم فصله من القوات المسلحة، وهو برتبة يوزباشي (نقيب)، ولم يكن غريبا عمله مع المخابرات الأمريكية، وقد سبق وانخرط مع اثنين من جواسيس ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وهذا موثق في السجلات المصرية والأجنبية..
وهرب السادات هو والطيار حسن عزت من السجن، وحملا اسمين مستعارين، وفي وقت استهدفت الجماعات المسلحة جنود الاحتلال البريطاني اتجه السادات إلى اغتيال ساسة مصريين؛ اتهموا بالتعاون مع سلطات الاحتلال، وشارك في اغتيال الوزير الوفدي أمين عثمان، وظل رهن المحاكمة لثلاث سنوات، وبعد مغادرة السجن عمل بشركة نقل بحري، ثم عاد للجيش وسُوِيت حالته، ورُقِّي لرتبة القائممقام (العقيد)، وهو آخر من انضم إلى اللجنة التأسيسة لـ«الضباط الأحرار».
ومن مفارقات بداياته الأولى؛ بعد وصول «الضباط الأحرار» للسلطة؛ طلب منه صديقه الطيار حسن عزت، وقد عاد للقوات المسلحة التعيين قائداً لسلاح الطيران، حسب ما ذكر الكاتب الراحل صلاح عيسى، في «الوجه الآخر للسادات»، ووافق مجلس قيادة الثورة بالإجماع على الطلب؛ ماعدا السادات» الذي أفاض في شرح عيوب عزت أمام المجلس، واعتبره غير مؤهل لحمل مسؤولية كهذه.. وعليه تغير رأي المجلس ورفض الطلب.
ولما علم عزت بموقف السادات، ذهب ليسأله: ألم تقل إنني صاحب تاريخ وطني.. وإن الثورة في حاجة لأمثالي؟ فرد السادات ببرود: نعم قلت.. فسأله: لماذا قلت عكس ذلك أمام مجلس قيادة الثورة؟! فرد بالطريقة نفسها: «إنت عارف يا أبو علي (أبو علي كنية ينادي بها من يحمل اسم حسن في مصر) يا حبيبي إن الحياة تمثيل.. في تمثيل»!، واستمر السادات يمثل؛ حتى وهو يتلقى رصاصات الاغتيال بملابس المارشال؛ ذات الألوان النازية الزرقاء المزركشة عام 1981. وفى مقال للسادات نشرته صحيفة «الجمهورية» القاهرية (28/ 11/ 1955) كتب: «منذ فجر شبابي وانأ أميل بشدة للفن والفنانين؛ خاصة التمثيل، وروى قصه انضمامه لفريق التمثيل في المدرسة الثانوية، وحين طالع إعلان الفنانة امينه محمد عن وجوه شابة لفيلمها الجديد تقدم للاختبار ضمن عشرين شابا انتقت منهم اثنين، ورسب الباقون فى الاختبار، وقد مثل السادات أدوارا واقعية حين عمل سائق نقل (لوري)؛ باسم محمد نور الدين، وذكر في كتابه «البحث عن الذات» قيامه بتمثيل أدوار اتاتورك وغاندى وموسوليني، وأجاد تقليد الشيالين والفلاحين؛ وأصدرت مجلة «المصور» سجلا مصورا بأزياء مختلفة بلغت 163 صورة!!.
وحين التقيت حسن عزت (رحمه الله) في تسعينيات القرن الماضي؛ طرقت معه قضايا كثيرة لها علاقة بالسادات، ومنها الاعتراض على تعيينه قائدا للطيران.. وجدته يحمل في حلقه غصة ما زالت باقية، وحكى روايات لا يتسع المجال لذكرها، وكان وقتها بصدد إعادة نشر كتابه «قصتي مع العمالقة والأقزام السبعة وثامنهم هيكل»، وطلب المشورة.. وتذكر معلومات وأفكارا جديدة للإضافة.. وبدأنا بمسودة المقدمة، وقرأها وأعجب بها.. ومع ذلك لم ير مشروعه النور حتى وافته المنية.

لا مجال للمقارنة بين المغامرة والمقامرة.. فالمغامرة عند الثوار محسوبة.. والمقامرة خبط عشواء قد تنتهي بالانتحار المادي والمعنوي، وإشعال فتن وحروب.. وفرق كبير بين ثائر وطني وعروبي، ومقامر انعزالي متقلب

وتعرف السادات على السيدة جيهان في منزل ابن عمتها حسن عزت بالسويس، أثناء عطلة صيف 1948، وكانت جيهان تلميذة في المدرسة الثانوية. وظل السادات مستظلا بثورة يوليو، وبقي الوحيد من أعضاء «مجلس قيادة الثورة» الذي لم يُسند إليه عمل تنفيذي مؤثر، مع ادعائه بتأسيس «الضباط الأحرار».
وفند بلال فضل فيما كتب عن «السادات وما أدراك ما السادات»؛ فند ادعاءه بتَسَلُّم عبد الناصر قيادة التنظيم، وإزاحته لعبد المنعم عبد الرءوف؛ الرجل الثاني ليتولى القيادة مكانه، وهو ما نفته شهادات جمعها بلال فضل «من كل من شاركوا في إنشاء تنظيم الضباط الأحرار، على اختلاف توجهاتهم، بما فيهم من اختلفوا بحدة مع عبد الناصر»؛ كلهم أجمعوا على عدم وجود علاقة للسادات بإنشاء التنظيم، ولم يكن في الخلية الأولى له، وبلال فضل ليس ناصريا، وهو ناقد للعمل القومي العربي في عمومه؛ أي أن شهادته غير مجروحة!!
روى حسن عزت عن ضابط قابل عبد الناصر وأبلغه انضمام السادات لـ«الحرس الحديدى»، ورد عليه بأنه يعلم ذلك، وقد خالجه الشك، ولم يكن يعلم كل تلك التفاصيل، وتنهد: «انا مش عارف ابن….ده جنس ملته ايه.. على اي حال انا وراه والزمن طويل».
و«الحرس الحديدي»؛ تنظيم مسلح أسسه الملك فاروق لمراقبة واغتيال الضباط المعارضين له، ونَفَّذ بالفعل عدة اغتيالات؛ ابرزها اغتيال الشهيد عبدالقادر طه، وبعد الثورة تمت محاكمة عضو «الحرس الحديدي» الذى اطلق عليه الرصاص، وبدوره قدم بلاغا يتساءل فيه عن سبب محاكمته؛ بينما زميله انور السادات أصبح عضوا بمجلس قياده الثورة، وحققت نيابه جنوب القاهرة في البلاغ.. ومن الثابت ان السادات كان على علاقة قوية بالقصر الملكي؛ من خلال القائممقام (العقيد) يوسف رشاد؛ طبيب الملك الخاص، ورئيس جهاز المعلومات، وقائد «الحرس الحديدى»، وهو من غطى تكاليف الدفاع عن السادات في قضية امين عثمان.
وذكر حسن عزت في مذكراته قيام السادات بالتجسس لحساب «الحرس الحديدي» والقصر الملكى ويوسف رشاد و«الضباط الاحرار»، في وقت واحد، ويقول: «كان اليوزباشي (النقيب) السيد جاد يعرف الكثير عن «الضباط الاحرار» ونشاطهم؛ وهو ضمن ضباط «الحرس الحديدي»، ولم يُبلغ عنهم، وفي أحد الأيام ذهب جاد وقابل عضو «الضباط الاحرار» قائلا: انت تعرف انني عضو بـ«الحرس الحديدي» واعلم الكثير عن «الضباط الاحرار» ولكننى لن ابوح بشيء، وما أطلبه هو «اذا وقعت تشيلوني واذا وقعتم اشيلكم».
وبعد شهور أبلغ جاد عضو «الضباط الاحرار» بتعليمات القصر الى «البوليس السياسي» بمراقبة الضباط ذوي الميول الوطنية والمتعاونين مع الاخوان المسلمين، وخشي ان تؤدي المراقبة الى كشف «الضباط الاحرار»، فيتعرضون لخطر كيير، وتم إبلِاغ عبد الناصر بذلك، فدعا لاجتماع عاجل لخليته، وحضر خالد محي الدين، وعبدالحكيم عامر، وكمال الدين حسين، وزكريا محي الدين، وأنور السادات وأبلغهم بالخبر، وطلب التوقف لحين صدور تعليمات اخرى، وبعد يومين جاء جاد متوترا، وذكر بان يوسف رشاد استدعى اعضاء «الحرس الحديدي» وتحدث إليهم بغضب، وتساءل من الذي نقل الخبر ليوسف رشاد، وكيف عرف الضباط بمراقبة القصر لهم، وباجتماعهم لوقف الاجتماعات والنشاط.
ولا مجال هنا للمقارنة بين المغامرة والمقامرة.. فالمغامرة عند الثوار محسوبة.. والمقامرة خبط عشواء قد تنتهي بالانتحار المادي والمعنوي، وإشعال فتن وحروب.. وفرق كبير بين ثائر وطني وعروبي، ومقامر انعزالي متقلب، والمقامرة والانعزالية صفتان لازمتا السادات منذ نشأته.. والمطلوب التدقيق؛ على سبيل المثال، في كيف كانت لدى الشعب قدرة على رفض هزيمة 1967، وكيف تغير الحال، وأضحى قابلا بإجهاض انتصار 1973 العسكري، فهل يتم استيعاب الدروس، من أن ندخل زمن الإفاقة وتعويض كل ما فات!!.

عن admin

شاهد أيضاً

رئيس الوزراء البريطاني الجديد والرهان المستحيل - بقلم : محمد عبد الحكم دياب

26 - يوليو - 2019 فاز بوريس جونسون برئاسة وزراء بريطانيا لفترة قادمة؛ …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *