مقالات مشابهة
د. جمال شقرة
ويكاد ينعقد الإجماع على غيبة الأيديولوجية، وافتقاد قادة الثورة، وفى مقدمتهم عبدالناصر «لنظرية اقتصادية معينة» أو لوجهات نظر محددة، بشأن الكيفية التى يمكن بها تحقيق «التنمية الاقتصادية»، كما يكاد ينعقد الإجماع أيضاً على اقتحام الضباط لعملية التنمية الاقتصادية، بمنهج تجريبى متصاعد، ولعل هذا الإجماع يعود إلى ما ذكره عبدالناصر، فى خطبه وتصريحاته، فى أكثر من مناسبة، وكذا إلى ما ورد فى فلسفة الثورة والميثاق، من أنه لم يتحرك ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، مسلحاً بنظرية معدة سلفاً، وأن الثورة لم تكن تملك من دليل للعمل الثورى، غير المبادئ الستة، التى راحت تحركها بالتجربة والخطأ.. ولقد أشار إلى هذه الملاحظة أيضاً جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدد من ضباط الصف الثانى من تنظيم الضباط الأحرار.
ويبدو هذا بوضوح أيضاً من إشارة أول وزير للمالية فى عهد الثورة «عبدالجليل العمرى» إلى أن المؤتمر المشترك، ناقش فى بداية الثورة- بطريقة عارضة: هوية النظام الاقتصادى المفترض اتباعه، لكنه لم يتخذ قراراً حاسماً فى هذا الشأن! ورد ذلك إلى اختلاف الانتماءات الفكرية والاجتماعية، وعدم التجانس بين أفكار أعضاء المؤتمر المشترك، سواء من الضباط أو من الوزراء المدنيين كما ذكر وزير الزراعة وقتئذ «سيد مرعى» أنه حتى سنة ١٩٥٦ لم يكن هناك تفكير فى خطة شاملة لتحقيق تنمية اقتصادية.
ومع ذلك- تبلورت- فى السنوات الأولى من تاريخ الثورة- فكرة حول التنمية الاقتصادية مؤداها ضرورة تحقيق تنمية سريعة فى «القطاع الصناعى»، لزيادة القدرة الإنتاجية للبلاد، عن طريق الحد من عمليات الاستثمار بشراء الأراضى الزراعية، وتشجيع رأس المال المصرى والأجنبى على الاستثمار فى المشروعات الصناعية «فالتنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تحولت مصر إلى بلد زراعى صناعى فى آن واحد..» وهذا التحول سيؤدى إلى زيادة الدخل المتولد من قطاع الصناعة إلى جملة الدخل الفردى، وتخفيف الآثار الناجمة عن اعتماد مصر على تصدير مادة خام واحدة، أى «القطن».
ويمكن الإشارة إلى ثلاثة مبادئ أو محاور أساسية شكلت سياسة الثورة لتحقيق هذه الفكرة، أى تنمية «القطاع الصناعى»، أول هذه المحاور، هو تشجيع وحفز رأس المال الفردى المصرى والأجنبى، وذلك بتقديم التسهيلات اللازمة له، حتى يشارك فى المشروعات الصناعية، أما المحور الثانى فتمثل فى تحمل الدولة عبدء المشروعات الاستراتيجية، ومشروعات البنية الأساسية التى- غالباً - ما يعزف عنها «المشروع الخاص»، ويشير المبدأ الثالث إلى اتجاه الدولة إلى عدم ممارسة أى «رقابة» على الاقتصاد القومى فى مجموعه، إلا بالقدر اللازم لمواجهة أضرار الحرية الاقتصادية.
فى ضوء هذا، يمكن فهم صدور قانون الإصلاح الزراعى الأول فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢، الذى استهدف من هذه الزاوية دفع «كبار الملاك» إلى الكف عن المضاربات فى الأراضى واستثمار أموالهم فى مشروعات التنمية الصناعية، التى كانت تتطلب استثمارات كثيفة، كما يمكن فهم لماذا سعت الثورة فى نفس الوقت إلى إزالة مخاوف رأس المال المصرى والأجنبى من آثار هذا القانون، وذلك عن طريق إصدار مجموعة كبيرة ومهمة من التشريعات التى استهدفت تشجيع النمو الرأسمالى، كما اتجهت خطب وتصريحات وأحاديث قادة الثورة والوزراء، بل جميع «أجهزة الدولة الأيديولوجية» إلى دعم هذا الاتجاه.
ويعتبر المرسوم بقانون رقم ١٢٠ لسنة ١٩٥٢ فى مقدمة تلك القوانين، إذ أقر بزيادة أسهم الشركات المساهمة للأجانب عند التأسيس أو عند زيادة رأس المال، بنسبة ٥١٪ بدلاً من ٤٩٪ بهدف حفز رأس المال الأجنبى، ومما تجدر ملاحظته أن هذا المرسوم صدر فى ٣٠ يوليو ١٩٥٢ أى قبل صدور قانون الإصلاح الزراعى الأول، ثم أعقبه عدد آخر من التشريعات التى استهدفت حفز وتشجيع رأس المال المصرى والأجنبى ليوظف أمواله فى مشروعات التنمية الصناعية.
على أية حال، أعلن قادة الثورة بصراحة ووضوح فى السنوات الأولى من عمرها ١٩٥٢- ١٩٥٦ إصرارهم على صيانة حقوق الملكية الخاصة، وتمسكهم بالمشروع الفردى أو الخاص، وانتهاج الطريق الرأسمالى فى التنمية وبعبارة أخرى، لم يتجاوز الضباط فى هذه المرحلة، التى تعرف بمرحلة المشروعات الخاصة نمط الإنتاج القائم، أى الذى كان سائداً قبل ١٩٥٢.
ففى أكتوبر ١٩٥٣، أنشأت الثورة المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى و«المجلس الدائم للخدمات»، مستهدفة أساساً من وراء ذلك، زيادة فاعلية النظام الرأسمالى وتحقيق نوع من التعاون أو «التعايش السلمى» على حد تعبير «الجريتلى» بين الدولة والقطاع الخاص، إذ أنيط بمجلس الإنتاج دراسة أهم مشروعات التنمية والتأكد من جدواها ووضعها موضع التنفيذ، من خلال طرحها للمساهمة، وتقديم جميع أنواع المساعدات، بما فى ذلك ضمان حد أدنى من الأرباح للمستثمرين ولقد أصدر المجلس بالفعل خطة للاستثمارات العامة فى برنامج موسع لمدة أربع سنوات، وشرع على الفور فى تنفيذها، ووجهت هذه الخطة أساساً إلى المشروعات الاستراتيجية والصناعات الثقيلة، حتى يمهد الطريق للمشروعات الخاصة.
ومما له دلالة أن بعض كبار الرأسماليين المصريين تعاونوا مع هذا المجلس، وقدموا له عدداً من الدراسات لبعض المشروعات، تعبيراً عن عدم تخوفهم من «توجيه» الدولة للاقتصاد المصرى، فى هذه المرحلة، واعتقاداً منهم بأن الدولة لن تتجاوز فى تدخلها وتوجيهها «الحدود» التى اعتادت عليها قبل ١٩٥٢.
أما مجلس الخدمات، فقد حولت إليه الأموال المصادرة من ثروة الملك فاروق، ومن أملاك الخاصة الملكية، والتى بلغت قيمتها سبعين مليون جنيه، ونفذت بها مشروعات إقامة وحدات مجمعة للصحة والتعليم، وإعادة التدريب، والإرشاد الزراعى، وعدد كبير من المستشفيات المركزية التى أنشأتها الثورة فى هذه المرحلة المبكرة، وهى خدمات ذات أهمية كبيرة فى دفع عجلة التنمية.
على أية حال، إن كانت الثورة قد التزمت بتحقيق المبدأين الأول والثانى، أى تشجيع رأس المال المصرى والأجنبى، وحمل عبء مشروعات البنية الأساسية، فإنه توجد مؤشرات عديدة تشير إلى أنها لم تلتزم بالمبدأ الثالث، وتجاوزت ما يعرف بـ«النطاق التقليدى لدور الدولة فى المجتمعات الرأسمالية»، إذ قام «المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى» بتأسيس شركات مملوكة للدولة، كالشركة العامة للثروة المعدنية، والشركة المصرية لتكرير البترول، كما اشتركت الدولة فى رأس المال الفردى لبعض الشركات القائمة، كشركة مصر للطيران، وبنك القاهرة، وشركة السكر، وكذلك عن طريق المساهمة مع رأس المال الفردى فى تأسيس شركات جديدة كشركة الحديد والصلب، ومصنع الجوت، بالإضافة إلى التوسع فى المصانع الحربية المملوكة بالكامل للدولة.
ولم يقف «تدخل الدولة» عند حد تأسيس الشركات المختلطة بل تعداه إلى فرض الحراسة على شركة حديد الدلتا الضيقة سنة ١٩٥٤ وإخضاع شركات المرافق العامة لرقابة ديوان المحاسبة، وفرض الحراسة أيضاً على شركة السكر والتكرير عام ١٩٥٥ فى مقابل الضرائب المتراكمة عليهما، فضلاً عما أشيع عن قيام أجهزة المخابرات بكتابة تقارير عما يدور داخل المصانع.
ويمكن رصد بعض الأشكال الأخرى لتدخل الدولة فى هذه المرحلة المبكرة منها:
١- استخدام الوسيلة التقليدية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وذلك بتوزيع بعض السلع النادرة عن طريق التراخيص حسب أولويات محددة بدلاً من رفع أسعارها.
٢- بيع العملات الأجنبية للشركات الصناعية بسعر الصرف الرسمى المنخفض.
٣- حظر تصدير بعض المواد الأولية وحظر الاستيراد إلا بموافقة وزارة التجارة والصناعة.
٤- تحريم إنشاء مصانع جديدة.
٥- تدخل الدولة فى ميدان التجارة الداخلية والخارجية بإنشاء شركة التجارة الخارجية والشركة العامة للتجارة الداخلية بالمشاركة مع بنك مصر- بعد تبديل مجلس إدارته- وبعض الهيئات الحكومية الأخرى.
٦- يضاف إلى ذلك إصدار الثورة لعدد من القوانين التى حققت بعض المطالب العمالية، ورغم أن هذه التشريعات من وجهة نظر الحركة العمالية لم تكن كافية، وعلى الرغم من إعدام خميس والبقرى، فإن قراءة الرأسماليين المصريين لها جاءت مختلفة إذ اعتبرتها انحيازاً تشريعياً للطبقة العاملة.
٧- إزاحة عدد من القيادات الرأسمالية المسيطرة، عن طريق تعديل قوانين الشركات، بحيث حظرت الجمع بين عضوية مجلس إدارة مصرفين أو منصب العضو المنتدب فى أكثر من شركة واحدة، وتحديد سن التقاعد فى الشركات المساهمة بستين عاماً فقط، ما أدى إلى إبعاد عدد كبير من القيادات العالمية فى مجال البنوك والشركات الصناعية.
٨- تعيين عناصر تمثل العهد الجديد، كأعضاء فى مجالس إدارة الشركات المساهمة، فضلاً عن تعيين عدد كبير من «الضباط السابقين» بالعديد من الشركات ذات الصلة بالمجهود الحربى.
٩- إلزام البنك الأهلى بأن يضع تحت تصرف الحكومة ما فى حوزته من عملات أجنبية.
■ ■ ■
هكذا وقفت الثورة «حائرة» فى هذه المرحلة بين رغبتها فى استلهام النموذج الغربى فى التنمية، وانتهاجها الطريق الرأسمالى، وبين خشيتها من مخاطر الحرية الاقتصادية، وترك عملية التنمية برمتها لتلقائية المستثمر الفرد، ما أوقعها فى تناقض خطير بين تشجيعها لرأس المال وتجاوزها حدود النطاق التقليدى للتدخل، وهو تناقض مردود أساساً لغيبة الأيديولوجية واستغراق القيادة السياسية فى متاهات التجريب.
ولقد استقبل رأس المال المصرى والأجنبى هذه الحيرة وذلك التذبذب بحذر شديد، إذ عزف عن مشاركة الثورة فى حمل هموم التنمية الاقتصادية، وضاعت كل محاولات الثورة لجذب رأس المال الأجنبى وحفز رأس المال المصرى سدى، فالتشريعات والخطب والنيات الطيبة لم تكن تكفى لكى يتدفق رأس المال صوب المشروعات الطموحة التى أعدها المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى.
فعلى الرغم من الإعفاءات الضريبية وما سمته الدولة بالحماية الجمركية.. وعلى الرغم من دعم الثورة لاتحاد الصناعات.. وعلى الرغم من أن الثورة فى- مرحلة المشروعات الحرة هذه- كانت تطبق ما أشارت به بيوت الخبرة الغربية، خاصة الأمريكية، على الرغم من كل ما سبق عزف الرأسماليون المصريون عن المشاركة فى التنمية الاقتصادية، فريق حبس أمواله وفريق قام بتهريبها إلى دول الكتلة الغربية، وفريق ثالث اندفع ليستثمرها فى الأنشطة الطفيلية بهدف الإثراء المضمون والسريع.
ولم يختلف موقف رأس المال الأجنبى عن موقف رأس المال المصرى، إذ أحجم هو الآخر عن المشاركة فى مشروعات التنمية، وهو أمر يسهل تفسيره، فبالإضافة إلى أن الرأسمالية الغربية أحجمت دوماً عن استثمار أموالها فى الدول الخاضعة لنظم عسكرية، وإلى الغموض الذى أحاط بتوجهات الثورة قبل عقد اتفاقية الجلاء، وإلى عدم الاستقرار السياسى الذى ميز السنوات الأولى للثورة، فإن رفض الثورة الانضمام إلى حلف بغداد ومحاربته، والإعلان صراحة عن أن الثورة ستناضل بهدف تحقيق الاستقلال السياسى والاقتصادى لمصر، وستدعم الدول العربية التى لم تحصل بعد على استقلالها، فضلاً عن عقد صفقة الأسلحة التشيكية، ومشاركة ناصر فى مؤتمر باندونج، وتأييده لثورة الجزائر، واعترافه بالصين الشعبية، كل هذا كان وراء امتناع رأس المال الأجنبى عن المشاركة فى تنمية مصر وتحديثها.
ولم يقف الأمر عند حد إحجام رأس المال الأجنبى، بل تعداه إلى «تعليق» المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر ثم حرمانها وحصارها اقتصادياً.
ولقد بدأت معركة الحصار الاقتصادى مبكراً، ووصلت ذروتها بعد تأميم عبدالناصر لقناة السويس، إذ طلب «أنتونى إيدن»- أثناء مفاوضات الجلاء- من الولايات المتحدة الأمريكية «إغراء» مجلس قيادة الثورة بقبول الشروط البريطانية كما طلب منها استخدام ورقة المعونة الاقتصادية للضغط على عبدالناصر الذى استقر على «صهوة جواده» بعد انتصاره فى أزمة مارس ١٩٥٤. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أدركت جيداً- من خلال تقارير سفيرها فى مصر- مدى تصميم مجلس قيادة الثورة على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وشاملة، كما أدركت أن العقبة الرئيسية أمام تحقيق ذلك تكمن فى افتقاد الضباط رؤوس أموال كثيفة يمولون بها مشروعاتهم الطموحة، ومن هنا استخدمت الإدارة الأمريكية ورقة المعونة الاقتصادية، ورؤوس الأموال المفترض تدفقها إلى مصر، للضغط على الثورة حتى تقبل بالمشاركة فى ترتيبات الدفاع عن المنطقة والعالم الحر ضد الخطر الشيوعى «فالإدارة الأمريكية على استعداد لإمداد مصر بالمعونة الاقتصادية فوراً بمجرد التوقيع بالأحرف الأولى للاتفاقية «الجلاء» وربما تطير المعونة إلى مصر قبل التفاوض على التفاصيل…».
وبعد توقيع اتفاقية الجلاء أبلغ الضباط بأن تدفق رؤوس الأموال الأمريكية إلى مصر مرهون باحترام الثورة لنصوصها، ومع أن القيادة السياسية تعهدت بذلك، بل تعهدت أيضاً بإعطاء جميع التسهيلات للشركات الأمريكية، فلم يفد إلى مصر سوى رؤوس الأموال الطفيلية ليس فقط، بل سحبت الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا- كما سنرى- عرضهما لتمويل مشروع السد العالى، كما سحب البنك الدولى، تحت ضغطهما، عرضه لتمويل هذا المشروع الذى كان يمثل ركناً مهماً من أركان خطط التنمية الطموحة للثورة وقتئذ.
على أية حال، سرعان ما اتضح التناقض بين السلطة الجديدة، وبين كبار الرأسماليين الأجانب والمتمصرين والمصريين، إذ جوبهت مشروعات التنمية بامتناع البنوك وشركات التأمين عن تمويلها، ورفض البنك الأهلى- الذى استمر يمارس وظيفة البنك المركزى- إقراض الحكومة، كما أعلن اتحاد الصناعات دون مواربة اعتراضه على أى تدخل للحكومة فى النشاط الصناعى وفى نفس الوقت ظل تراجع رأس المال الأجنبى، وبدأت ملامح سياسة الحصار الاقتصادى الغربى تزداد حدة، عقاباً لعبدالناصر على سياسته الخارجية.
ومع أن الثورة استخدمت التشريع للضغط على كبار الرأسماليين المصريين- كما سبق، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، إذ ظلت استثماراتهم تنتقل من المضاربات فى الأراضى الزراعية إلى المضاربات فى أراضى البناء وقطاع الإسكان.
■ ■ ■
ولقد أدى استمرار هذا الوضع إلى انكماش السوق الداخلية، وعرقلة مشروعات التنمية ونكوص حركة الاستثمار الصناعى، ما دفع الثورة إلى تبنى سياسة جديدة، اصطلح الاقتصاديون على تسميتها بـ«مرحلة الاقتصاد الموجه ١٩٥٦-١٩٦٠» تمييزاً لها عن سابقتها التى عرفت بمرحلة المشروعات الحرة ١٩٥٢-١٩٥٦ وعن المرحلة اللاحقة لها والتى عرفت رسمياً بـ«مرحلة التحول الاشتراكى» والتى بدأت بصدور قرارات يوليو الشهيرة ١٩٦١.
لقد اكتشفت الثورة- من واقع التجربة- أن «تدخل الدولة» لتحقيق سيطرة على الفائض الاقتصادى بات أمراً محتماً ناتجا عن تصادم الأهداف المعلنة للتنمية، مع ظروف وطبيعة الواقع الاجتماعى- الاقتصادى، الذى تمخض عن اندماج مصر وتبعيتها للنظام الرأسمالى العالمى، وما ارتبط به من عدم تجانس البناء الاجتماعى، وعدم اكتمال نمو طبقة تقود المجتمع وتفرض نمط إنتاجها على بقية الأنماط الموجودة.
لذا اندفعت الثورة مستغلة سلطة الدولة- وهى سلطة قاهرة- لتنجز قدراً مناسباً من «التراكم الأولى» حتى يمكنها تطوير قوى الإنتاج، وإطلاق طاقات القطاعات المتوسطة والصغيرة من الرأسمالية الصناعية المصرية.
مجلة الوعي العربي