أخبار عاجلة
الرئيسية / حوارات ناصرية / أزمة العمل التنظيمي الناصري – د. صفوت حاتم

أزمة العمل التنظيمي الناصري – د. صفوت حاتم

FB_IMG_1517765161623

– يعترف كاتب هذه الشهادة أنه لا يملك إجابة واضحة عن أسباب أزمة العمل الناصري .
فلم يكن كاتب هذه السطور معايشا لنشأة وتأسيس الحزب الناصري . كما أنه لم يكن مشاركا في تجاربه التنظيمية ما يسمح له بتشخيص الأزمة وطرق الخروج منها . كما أن صاحب هذه الورقة لايملك في الوقت ذاته الحكم على أداء التجربة الممتدة للعمل الناصري . فذلك فوق طاقة الفرد وأكبر من حجم كاتب هذه الورقة ودوره في العمل السياسي الناصري .
لذلك إسمحوا لي أن أبدأ بداية مجردة وبعيدة عن جوهر السؤال وهو : ماهي أزمة العمل الناصري وما هي طرق الخروج من الأزمة ؟

– يعترف كاتب هذه الشهادة أنه لا يملك إجابة واضحة عن أسباب أزمة العمل الناصري .
فلم يكن كاتب هذه السطور معايشا لنشأة وتأسيس الحزب الناصري . كما أنه لم يكن مشاركا في تجاربه التنظيمية ما يسمح له بتشخيص الأزمة وطرق الخروج منها . كما أن صاحب هذه الورقة لايملك في الوقت ذاته الحكم على أداء التجربة الممتدة للعمل الناصري . فذلك فوق طاقة الفرد وأكبر من حجم كاتب هذه الورقة ودوره في العمل السياسي الناصري .
لذلك إسمحوا لي أن أبدأ بداية مجردة وبعيدة عن جوهر السؤال وهو : ماهي أزمة العمل الناصري وما هي طرق الخروج من الأزمة ؟
الأجابة عن هذا السؤال – في رأيي – ليست منقطعة الصلة بأزمة ا لعمل السياسي العام وتراثه الفكري و التنظيمي .
.

ويكاد يكون من المتفق عليه في المفاهيم الحزبية , أن النشأة التي ينشأ بها حزب ما تظل تدمغ حياته وموافقه وتؤثر على مساره .
فطبيعة النشأة التنظميمة ( نشأة سرية .. نشأة علنية مفتوحة وواسعة .. نشأة نخبوية .. ظروف نضال وطني مسلح .. ظروف نضال إجتماعي .. ألى آخره ) . ثم تركيبة القيادة الأولى التي يعهد اليها بتكوين الحزب ( التحلق حول زعيم فكري .. التحلق حول زعيم أو مناضل سياسي .. التحلق حول شلة قيادية .. الى آخره ) . وفي النهاية التركيبة الإجتماعية للقيادة ( قيادة نخبوية التكوين .. تواجد مؤثر للعناصر النوعية : عمال.. فلاحين .. طلاب .. الى آخره )

العفوية التجريبية

2 – من هنا يمكن القول دون مبالغة , أن تكوين كثير من الأحزاب السياسية العربية قد جاء تكوينا ” عفويا ” , إن جاز التعبير . إذ كانت الأحزاب والمنظمات السياسية تولد – وأحيانا تموت – دون أن يخطر لها أن الشكل التنظيمي لولادتها سيلعب دورا حاسما في طبيعة إتجاهها السياسي وتركيبها الطبقي . بغض النظر عن نواياها الذاتية .
ان المناقشات الواسعة التي دارت في داخل بعض التيارات السياسية حول مفهوم الحزب والنظرية التنظيمية والعلاقة بين الحزب والجماهير والطبقات المرشحة للتغيير ونظرية العمل التنظيمي ( هل هي المركزية الديمقرطية أو الديمقراطية الموسعة لمنظمات القاعدة ودور العمل النقابي بالعمل الحزبي وأولية النقابي على السياسي ) . كل هذه المناقشات والأدبيات تكاد تكون مجهولة في الحركة القومية وبشكل خاص الحركة الناصرية . فلم يتح – للتيار الناصري – على حد علمي – الفرصة المناسبة لإدارة نقاشات موسعة حول هذه الأمور أو بعضها بغرض الوصول الى تأسيس فكر تنظيمي خاص بالناصرية على ضوء خبرتها التاريخية في السلطة وخارجها .
3 – من جهة أخرى لم يتح للقائمين أو المشاركين في هذه التجارب المختلفة أن يضعوا تجاربهم وخبراتهم مكتوبة وموثقة عن المراحل المختلفة للممارسة التنظيمية الناصرية .
من هنا يبرز الجانب الأول من أزمة العمل الحزبي الناصري وهو ما يمكن أن نطلق عليه أسم ” العفوية التجريبية ” . أي إفتقاد وغياب نظرية في التنظيم . ان معظم الأحزاب العربية لم تطرح مسألة شكلها التنظيمي إلا بعد ان تكون قد تطورت وتقدمت في السن . وهكذا تأتي الممارسة التنظيمية مجرد عملية تكريس وتأطير لممارسة تنظيمية ” عفوية ” منذ البداية .
وحتى عندما تتوصل هذه الأحزاب – بعد طول ممارسة – الى ضرورة نبذ ” العفوية التجريبية ” والإلتزام بنظرية تنظيمية مقننة , فإن هذا لايعني دوما أنها تحولت الى أحزاب منظمة فعليا و فمثل هذا الشكل التنظيمي يصبح ثوبا خارجيا يتلبس الحزب الذي تبقى ممارساته صدى للعفوية التي دمغت نشأته وبدايته الأولى .
4 – وهكذا يمكن أن نجد أن الشكل الجديد لهذه الأحزاب يصبح شكلا متحجرا وجامدا غير قادر على تحسس التطورات والأحداث المتجددة . إذ يظل الشكل التنظيمي ثابتا سواء كانت المرحلة مرحلة نضال برلماني أو حكم عسكري وسواء كانت مرحلة تطور سلمي بطيئ أو صراع حاد ومكشوف وسواء كان الحزب في السلطة أو خارجها .
ولابد من الإعتراف الآن أن التجربة التنظيمية الناصرية عانت – ولازالت – من تأثير هذه السمة ” العفوية التجريبية ” منذ بداية الثورة وحتى وفاة الزعيم الراحل ” جمال عبد الناصر ” .
ان محاضر إجتماعات مجلس الوزراء بعد نكسة يونيو 1967 , تكشف بوضوح عن إحساس الرئيس الراحل بهذا العيب الخطير . ولم يتحرج لحظة واحدة في الإعتراف به والمطالبة بالخروج من أسره .
هل يمكن إعتبار تجربة الحزب العربي الناصري إمتدادا لهذه النزعة ” العفوية ” ؟
سؤالا لا أملك الإجابة عايه !!

الإنتقائية

5 – في مقابل ظاهرة ” العفوية التجريبية ” و سادت هناك أيضا ظاهرة ” الإنتقائية ” في العمل التنظيمي . وهي تعني تبني الحركة السياسية مفاهيم في التنظيم تنتمي الى نظريات تنظيمية مختلفة دون تمحيص لصلاحيتها الأيديولوجية . لذلك لم يكن مستغربا أن تتبني بعض الأحزاب العربية ” غير الماركسية ” مفاهيم تنظيمية تنتمي ” للفكر الماركسي ” !!!
ان نظرية المركزية الديمقراطية – مثلا – هي نظرية تنتمي تاريخيا للماركسية وللممارسة الماركسية بتلاوينها المختلفة .
وحتى هذه اللحظة لم يدر نقاش جدي حول هذه النظرية وعيوبها وإمكانياتها , وبالأحرى بدائلها . إذا كان هناك بدائل لها بالفعل .
لذلك يبدو لي ان الممارسة التنظيمية جاءت إمتدادا لنزعة إنتقائية ” عفوية ” لتجارب الإتحاد الإشتراكي العربي ومنظمة الشباب وطليعة الإشتراكيين . ثم الحلقات والمنتديات الفكرية الجامعية .
واسارع بالقول , ان هذا التراث ” الإنتقائي ” ليس مذموما في ذاته فيما لو كان قد خضع لدراسة إرادية موثقة وليس مجرد إمتداد ” عفوي ” وتلقائي لخبرات الأفراد ومواهبهم وكفاءاتهم غير المختبرة بطريقة موضوعية مقننة .
فهل خضعت نشأة الحزب الناصري لهذه الظاهرة ؟
سؤال لا أملك الإجابة عليه !!!!

النزعة التكنيكية

6 – ان الصفة التي تجمع بين ” العفوية التجريبية ” وبين ” الإنتقائية ” في مسائل التنظيم هي تغلب ما يسمى ” النزعة التكنيكية ” .
والمقصود بهذا تغلب مفهوم عن التنظيم ينظر للمشكلة التنظيمية بإعتبارها مسألة ” تكنيكية ” محضة . اي القدرة على حصر العضوية وتنظيمها وتصنيفها ومتابعة المستويات التنظيمية والإجتماعات والإيرادات وتنظيم الإنتخابات وتوثسق محاضر إجتماعات .. الى آخره .
ان هذه النزعة ” التكنيكية ” تقترب في فهمها للتنظيم من مفاهيم عالم الإدارة في المؤسسات والشركات الإقتصادية والصناعية .
ان التنظيم مسألة سياسية وفكرية بالدرجة الأولى وليست مسألة إدارية محضة مهما بلغ من إتقانها الإداري وإنضباطيتها . فالبنية التظيمية لحزب ليبرالي تختلف عن البنية التنظيمية لحزب سري .
إذا ما تغلب هذا المفهوم ” التكنيكي ” في العمل السياسي تحول الحزب الى مؤسسة بيروقراطية بليدة غير قابلة للتطور وإستيعاب المتغيرات وسادت العناصر الإدارية والبيروقراطية في مستويات القيادة وصارت عائقا أمام تطور الحزب ونفرت العناصر المبادرة وإنزوت تحت ضغط وثقل العناصر البيروقراطية .
فهل عانى الحزب الناصري من ظاهرة ” النزعة التكنيكية ” ؟
سؤال لا أملك الأجابة عليه !!!!

الديمقراطية الحزبية

7 – يمكن الإستنتاج مما تقدم أن هذه الظواهر الثلاث ستلقي بظلها على الممارسة الديمقراطية داخل الحزب السياسي وآفاق تطورها .
ويهمنا هنا أن نشير الى أن مشكلة الديمقراطية الحزبية هي رد فعل مباشر لمجموعة من الأمور التكنيكية أو الفنية التي تصاحب عملية مولد الحزب السياسي . فمن الأهداف التي لم تستطع الأحزاب العربية أن تحققها حتى هذه اللحظة , هدف إقامة علاقات ديمقراطية بين القيادات والقواعد . فقد كان الغالب أن تحتكر القيادات كل شيئ في التنظيم و فهي تضع له أفكاره وتصوغ له فلسفته وتفرض عليه إجتهاداتها السياسية الشخصية وتلزمه – في أحيان غير قليلة – بالمواقف المتعارضة وتزج به في معارك غير مفهومة . وكل هذا بسبب غياب الديمقراطية .
والديمقراطية ليست مفهوما نظريا أو شعارا عاما . بل هي قبل كل شيئ وبعده مسألة محكومة بالنشأة التي ينشأ بها الحزب السياسي .
ومن هذه الأمور التي لم ينتبه لها بشكل كاف مسألة النشأة الأولى وتأثيرها على حياة الحزب الديمقراطية . ويمكن تلخيص هذه النشأة في ظواهر ثلاث :1 – النشأة حول قيادة سياسية أو فكرية ” كاريزمية ” .2 – ثنائية الزعامة في التنظيم . 3 – النشأة حول ” شلة قيادية ” أو مجموعة من ” الشلل التنظيمية ” .
وما يهمنا في هذه الظاهر الثلاث , الظاهرة الأخيرة , أي نشأة التنظيم حول الشلة القيادية أو تجمع ” الشلل القيادية ” .
ان الخبرة التاريخية أكدت , في كل مرة , أن انشاء التنظيمات الجماهيرية عن طريق دعوة شلة قيادية لهذا التنظيم يسلب التنظيمات الجماهيرية منذ البداية أحد الشروط الأساسية للديمقراطية .
فعندما تتولى القيادة إنشاء التنظيم يحدث الآتي :
أ – تكتسب القيادة صفتها كقيادة قبل نشأة التنظيم .
ب – تدعو الى التجمع حولها في التنظيم .
ج – تختار الكوادر القيادية التي تليها في هذا التنظيم .
ان تولي القيادة إختيار الكوادر التالية لها بعيدا عن الديمقراطية التنظيمية ( لأن التنظيم لم يكن موجودا أصلا قبل إختيار الكوادر ) يحصر التنظيم منذ البداية في مضايق التقدير الشخصي والتجارب المحدودة والولاءات الشخصية .
فعندما تستند الرابطة الحقوقية في التنظيم الى العلاقات الشخصية المجردة من اي روابط موضوعية أيديولوجية او نضالية , يتحول التنظيم الى مؤسسة مكونة من أشخاص تربطهم روابط خاصة لا علاقة لها بالتميز الفكري أو التنظيمي او النضالي .
ولا يلبث هؤلاء في أستغلال التنظيم لتحقيق مصالح شخصية وعزل القيادة عن القواعد ومطاردة من يتوقعون منهم أن يكونوا منافسين لهم في مراكزهم القيادية . وينتج عن هذا الجو صراعات سلبية مدمرة تدمر التنظيم .
وينتج عن هذا وغيره أن ترفض عناصر كثيرة ووممتازة الزج بنفسها في هذا الجو التنظيمي وما تلبث أن تنأى بنفسها عن العمل الحزبي وتهجره .
والسؤال الآن : هل عانى الحزب الناصري من ظاهرة ” الشلة القيادية ”
سؤال لا أملك الأجابة عليه !!!

تعدد التكتلات التنظيمية

8 – لا يكاد يخلو حزب – أي كانت أيديولوجيته – من وجود التيارات الفكرية و التي ا تلبث أن تعبر عن نفسها في ميول تنظيمية متابينة .
وظاهرة الشلل أو الإتجاهات التنظيمية , ليست ظاهرة خطيرة فيما لو تم التعامل معها بإعتبارها طبيعية وليست خروجا على الطبيعة الحزبية .
ان عدم الإعتراف بها لا يعني عدم وجودها ولكن يعني إمتدادها في الواقع الحزبي بشكل سلبي ومخرب .
قطعا أن المرحلة التاريخية التي يمر بها حزب ما تفرض قيودا – تضيق أو تتسع بحسب ضرورات النضال السياسي – على التعددية الفكرية والتنظيمية .
ولقد أثبتت الخبرة التاريخية للأحزاب العربية أن إنكار التعددية وإستنكارها لم يولد – في المقابل – سوى التمرد التنظيمي و التشرزم والإنشقاقات والهروب من المنظمة الأم وهجر العمل الحزبي .. الى آخره .
ان تجربة الأحزاب اليسارية الجديدة في اوروبا تقوم على اسس القبول بالتعددية الداخلية , فكريا وتنظيميا , وعلى اساس التمثيل النسبي للإتجاهات الفكرية والتنظمية مع القبول بوحدة الحزب .
ان أوضح مثال على هذه الخبرة , تجربة الحزب الإشتراكي الفرنسي الجديد الذي أعاد تأسيسه ” فرانسوا ميتران ” عام 1971 من تجمع كتل وإتجاهات إشتراكية مختلفة ومتابينة في أفكارها وإتجاهاتها .
ولقد ظلت سياسة الحزب الإشتراكي الفرنسي تراوح من اليمين الى اليسار بحسب الوزن النسبي الذي تلعبه التيارات المختلفة داخل الحزب وتغير المزاج الشعبي وإختلاف مراحل العمل السياسي خارج السلطة وداخلها .
ان تجربة التأميمات التي حدثت مع استلام الحزب الحكم في 1981 كانت تعبيرا عن صعود التيار الأكثر يسارية في داخل الحزب . ولكن إخفاق هذا التيار وفشل برنامجه السياسي وتغير المزاج الشعبي بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي , أفسح المجال للتيار الإصلاحي الأقل يسارية داخل الحزب الإشتراكي الفرنسي .
وكان السر في هذا هو القبول بمبدأ التعددية والتكتل الداخلي مع الحفاظ على وحدة الحزب .

9 – أن الناصريين لم يقبلوا – بحسن نية – الإعتراف بوجود الإتجاهات والتكتلات الفكرية والتنظيمية في التعامل الحزبي . ربما كان هذا بدافع الحماسة للتجربة الناشئة . ولكن هذا الإنكار لم يمنع واقعيا من أن هذه التكتلات لم تجد لها مكانا في الداخل , فكان من الطبيعي أن تبحث لنفسها عن مكان في الخارج .
لا يمكن هنا ان نلقي باللوم على أي طرف , بقدر ما أن ننبه أن اللوم كله يقع على الذين لم ينتبهوا – منذ البداية – لوجود هذه الظاهرة عند المولد ولم يقدروا – آنذاك – أن منع خطرها لا يتحقق بالأماني والنيات الحسنة , بقدر ما هو فكر تنظيمي يفتش ويحلل ويقارن ويستبق الظاهرة .
ان كاتب هذه الورقة يعتقد أن مصلحة التيار الناصري في مصر الآن ربما تكون في التعدد الحزبي أكثر مما تكون في الوحدة الحزبية ؟!!
والسؤال الآن : هل تنبه الناصريون لهذه الظاهرة منذ البداية ؟
سؤال لا أملك الإجابة عليه !!

غياب النقد الذاتي

10 – لقد أوجدت الحركات الثورية تقاليد داخلية لممارسة النقد والنقد الذاتي . ولكن ممارسة هذه الفاعلية تتطلب أن يكون الحزب قد بلغ نضجا معينا من الناحية الفكرية والتربية الصحيحة لدى أفراده و وموضوعية صادقة في علاقاته الداخلية بحيث يمكن للحزب استخدام النقد والنقد الذاتي في تصحيح مساره وعزل المقصرين وإبراز قيادات جديدة .
هذا يكاد يكون أمرا متفق عليه في الأدبيات الحزبية .
ولكن ممارسة هذا ” النقد الذاتي ” دليل قوي على إخلاص القيادات وقدرتها على التغيير بضرب نموذج في النقد والنقد الذاتي دون تعالي وغرور .
من ناحية أخرى فإن ممارسة هذا ” النقد الذاتي ط لا يجب أن تتخذ كآداة للتشهير بهذه القيادات أو تصفية الحسابات الشخصية الناتجة عن صراع الأحقاد والمناورات والتنافر والصراع على المراكز القيادية .
إنها مهمة فوق طاقة البشر أن تتم بموضوعية وتجرد . ولكن حتى هذه اللحظة لم ينكر أحد ضرورتها في العمل الحزبي أو التقليل من شأنها.
ان وجود أدبيات موثقة داخل العمل الحزبي تمارس هذا النوع من النقد والنقد الذاتي لا يقلل أبدا من صورة القيادة أو يبخسها حقها .
ويكفي أن نتذكر ان أعظم مواهب الرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” هي تلك القدرة المذهلة على نقد الذات وتحمل المسئولية عن الخطأ وضرب القدوة دوما على الإعتراف بالخطأ وتحمل العواقب .
والسؤال الآن : هل مارس التيار الناصري عملية النقد و” النقد الذاتي ” ؟
سؤال لا أملك الإجابة عليه !!

غياب مدرسة الكادر

11 – لقد تنبهت الأحزاب ” الشمولية ” الة أهمية التربية الحزبية وتخريج الكوادر . ولقد ظل هذا التقليد معمولا به في الأحزاب الشيوعية الرسمية وغير الرسمية . فالبنية الفكرية والنفسية التي يتم على اساسها إختيار الكوادر وتنمية مهاراتهم هي مجالات خصبة مازال الفكر السياسي يتجاهلها ويعرض عنها عن غير دراية بأهمية دورها الخطير في العمل الحزبي .
ان غياب برامج علمية لإختيار الأفراد وفرزهم فرزا موضوعيا زفق شروط نضالية ونفسية مدروسة ومقننة و كان له أعمق الأثر في أن تفرز الحركات السياسية نماذج شاذة ومنحرفة وإنتهازية تدمر العمل السياسي .
ولكن مدرسة الكادر هي الفرن الذ يصهر الكوادر ويشكلهم من جديد ويعدهم للمهام الحزبية والسياسية وفق المراحل النضالية المختلفة ( خارج السلطة السياسية أو داخلها ) .
لهذا لم يكن غريبا أن تبرز ظواهر سلبية من الدسيسة والوقيعة والتنابز ومواقف التشكيك وتبادل التهم وسيادة منهجة المناورة كأفضل علاقة ذكاء بين الشباب العاملين في الحقل السياسي الحزبي .
12 – لنأخذ على سبيل المثال ظاهرة الشلل التنظيمية . إنها ظاهرة تنبع من وجود طبقة من القياديين الذين يملكون قدرا من المعرفة النظرية والحركية أكبر من القواعد التي تنمتمي لهم . وبالقدر الذي يحافظ هؤلاء القادة على هذا التفوق و, يحافظون في الوقت ذاته على مراكزهم القيادية ويأمنوا تبعية أفرادهم لهم و الذين يشعرون بلذة سلبية كلما تفننوا في إظهار الإخلاص للقيادة .
ان مهمة مدرسة الكادر هي إذابة هذه التفاوتات المختلقة وتمكين الأفراد من الحكم الصحيح على المواقف وتأهيله للقيادة .
لقد أدركت الأحزاب السياسية في البلدان الأوروبية ضرورة الإهتمام بخلق أجيال شابة لقيادة الحزب والدولة عبر برامج خاصة للتدريب على فنون العمل السياسي وإدارة السلطة السياسية وصنع القرار السياسي وتوجيه الجماهير والتفاوض .. الى آخره .
والسؤال الآن : هل نجح التيار الناصري في خلق مدرسة كادر دائمة وكفؤة لمواجهة مثل هذه التحديات ؟
سؤال لا أملك الإجابة عليه !!

وأخيرا : الإقليمية

ان الإقليميةليست فقط مجرد توجهات عقائدية ونظرية , بل هي قبل كل شيئ أسلوب في التفكير ومنهج في العمل السياسي .
وعلى الرغم من إدراك الوحدويين الناصريين لأهمية اقامة التنظيم القومي كأداة لتجاوز التجزئة وإقامة الوحدة . إلا أن هؤلاء الوحدويين لا زالوا بعيدين جدا عن إقامة هذا الحزب الوحدوي الذي هو مشروع الدولة الواحدة التي يناضلوا من أجلها .
ولسنا هنا في مجال إقناع أحد بضرورة هذا الحزب الوحدوي او أولويته . فليست هذه الورقة مجال هذا الحديث .
ولكن ما نحاول قوله أن غياب هذا الحزب الوحدوي يفسر – الى حد كبير – شيوع كل السلبيات التي تحدثنا عنها وإخفاق التيار الناصري عن تحقيق المهام التي ذكرناها سابقا والتي تتخطى قدرات الأحزاب الناصرية القطرية .
ليس هذا مهما الآن .
المهم الآن أنه في غياب مرجعية قومية عليا ( أو بالأحرى شرعية قومية ) سوف يصبح من المحتم أن تسير الحياة الحزبية في الأقطار وفق آلية قطرية ضيقة لاتجد من يردعها ويقلل من تأثيراتها السلبية .
ان خلق ” شرعية قومية ” مؤسساتية يمكن أن تحد من نوازع الصراع والتنافر وتحكم في المسائل القطرية بتجرد يتجاوز المصالح الشخصية والقطرية مثار النزاع والصراع بين الأفراد والكتل والإتجاهات الفكرية والتنظيمية .
ان أي مهمة لحل النزاعات والصراعات بشكل قطري ستظل محكومة بالميول والأهواء الشخصية والمصالح الذاتية .
هل يمكن النجاح في ضبط العمل الناصري قطريا ومحاصرة الإنحرافات داخله في ظل غياب هذه الشرعية القومية العليا ؟
هذا سؤال لا أملك الإجابة عليه !!

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *