عبد الناصر.. الرجل والإنسان
سامى شرف

فى عام 1957 ظهرت بالقرب من «بنى مر» جزيرة مساحتها 140 فداناً من أراضى طرح النهر، فقام الأهالى ومن بينهم بعض أقارب الرئيس جمال عبد الناصر بزراعتها، وحدث خلاف بينهم وبين باقى أهالى القرية الذين سارعوا بتقديم شكاوى ضدهم، وتدخلت الشرطة للتوفيق بينهم لفضّ النزاع. لكن الأهالى اتهموا الشرطة بالانحياز إلى صف أقارب الرئيس، وقاموا بإرسال شكاوى وتلغرافات إلى الرئيس، كما توجه بعض منهم إلى القاهرة حيث تقدموا بشكاواهم إلى سكرتارية الرئيس. وما إن علم الرئيس بالأمر حتى أصدر قراراً جمهورياً بسحب كل أراضى هذه الجزيرة وما فيها من محاصيل زراعية وتوزيعها على المعدمين من أهالى القرية والمسرّحين من الخدمة العسكرية فى «بنى مر» والقرى المجاورة، وقام بتنفيذ هذا القرار المهندس كمال سرى الدين مدير الإصلاح الزراعى فى محافظة أسيوط فى ذلك الوقت.

فى نهاية المكالمة التلفونية الصباحية فى أحد أيام شهر سبتمبر 1970 لعرض أهم وآخر صورة للموقف على جبهة القناة والصورة العامة لأهم المعلومات، قال لى الرئيس جمال عبد الناصر: «يا سامى حصّلنى على الجنينة فى طابور الصباح». فدخلت من بوابة منشية البكرى لاستمع إلى صوت المصحف المرتل ومشيت بجوار سور المكتبة حتى مدخل الحديقة، والذى كان قد وصل إليه من قبلى فقال لى باسماً: «صباح الخير يا استاذ». فقلت «صباح الخير يا افندم»، ثم سكتّ انتظاراً لما سيبادرنى به هو، كانت تلك عادته عندما يطلب منى مصاحبته فى طابور الصباح، ان يبدأ هو بالحديث. فسألنى الرئيس: «ما بتتكلّمش ليه»؟ قلت: «مش عايز أقطع تفكير سيادتك انتظاراً لما ستأمر به». فقال بعد ان وقف ناظراً إليّ ليرى رد فعل سؤاله عليّ: «إيه رأيك فى خالد؟.. حا نعمل فيه إيه بالنسبة للتجنيد»؟ فقلت دون تفكير: «طبعاً سيجند يا افندم». فقال: «ما أنا عارف انه حا يتجند.. إنما سؤالى لك هو: حا يتجند فين؟»، وأكمل كلامه بقوله: «إنت عارف طبعاً لما حايتجند فى أى وحدة ستتم مجاملات له أو لنا.. وده شىء أنا مش عايزه يحصل لسببين: الأول يخص خالد.. ليعرف ويعتاد على حياة جديدة خشنة تؤهله لمدخل حياته بالشكل الصحيح، والثانى لازم الكل يعرف إن خالد مثله كمثل كل شباب البلد مجند عادى وغير مميّز». فقلت: «الحقيقة أنا فكرت فى هذا الموضوع منذ أن أنهى خالد الامتحانات، ورأيى أن يجند فى سلاح المشاة ويلحق بالحرس الجمهوري.. فنكون بذلك حققنا هدفين: الأول ان يصبح خالد جنديا عاديا مثله كالآخرين، والثانى ان نتفادى المجاملات حيث سيكون تحت قيادة الليثى ناصف مع إشرافى عليه من ناحية أخرى، وننبه الليثى ان تكون المعاملة له معاملة عادية وطبيعية مثله كمثل باقى جنود الحرس الجمهورى، ومن خلال علاقتى بالحرس سأتأكد من تحقيق هذين الهدفين أى لا مجاملة ومعاملته كجندى عادى». وافق الرئيس جمال عبدالناصر على هذا الرأى وقال لي: «ابق نسّق مع الفريق فوزى والليثى ناصف».

لا حول ولا قوة إلا بالله.

سنة 1953 شعر جمال عبدالناصر بآلام الزائدة الدودية واستدعى الدكتور مظهر عاشور كان كبير الجراحين فى المستشفى العسكرى العام بكوبرى القبة وذلك للكشف عليه فى منزله بمنشية البكري، وبينما كان الدكتور مظهر عاشور يقوم بإجراء الكشف عليه قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»! فسأله الرئيس : «هى الحالة خطيرة للدرجة دى؟». فقال الدكتور: «أبداً.. دى العلة البدنية هنا بسيطة ولا تحتاج إلا لعملية جراحية بسيطة لاستئصال الأعور، ولكننى استغفر الله لعلة أخرى وهى أننى سمحت لأذنى أن تسمع عنك فرية دنيئة..». فسأله الرئيس: «وإيه اللى سمعته يا دكتور مظهر؟».فقال: «كنت منذ أيام أزور بعض الأصدقاء فى لقاء اجتماعى فقال واحد من الحاضرين انه زارك وشاف بيتك مفروش من قصر الملك.. من عابدين.. وأنا داخل لك النهارده شفت حجرة الجلوس وحجرة النوم اللى إحنا فيها دلوقت، ولكنى لم أجد شيئاً مما زعموه وافتروه عليك.. فسبحان الله»! وابتسم جمال عبدالناصر رغم آلامه وقال: إننى أتوقع الكثير من هذا الكلام.. وان مثل هذه الفريات وغيرها موش حاتعقدنا ولا تقعدنا عن تحقيق أهدافنا.. يا دكتور مظهر أشهد بأن كل شيء حايكون لغيرى ولو على حسابي..”.

عبد الناصر والصحافة

كانت رؤية عبدالناصر عن الصحافة هى نقل ملكيتها الى الشعب لكى تكون معبرة عن مصالح الشعب، ومن هنا نراه فى خطاب لة ينتقد الصحافة التى تهتم بمشكلات الطبقة الراقية وتهمل مشاكل الكادحين فيقول أنا عاوز الأهتمام بمشكلات سكان كفر البطيخ وليس بمشكلة تاتا زكى وكانت تاتا زكى عارضة أزياء جميلة تناولت الصحف مشكلاتها العاطفية بصورة واسعة وفى ظل عهد ناصر أصبح الصحفى فى أمان من الطرد من قبل المالك، كان قبل الثورة شراء الصحف لصالح الإقطاعيين كما كان يفعل عبود باشا ليضمن إسكات الناقدين له من الصحفيين، وقد أسس ناصر جريدة الجمهورية وترخيصها باسمه كما طور أستاذ الصحافة العربية محمد حسنين هيكل جريدة «الأهرام» لتصبح صحيفة عالمية لها أكبر مبنى صحفى فى مصر وادخل أقسام جديدة بها مثل الدراسات الفلسطينية والدراسات السياسية وقسم الكمبيوتر وغير هذا، كما أصبح هناك عدد الجمعة الممتاز، كما اختفت صحافة التشهير التى عادت مرة أخرى فى عهد الانفتاح كجريدة صوت الأمة الغارقة فى الجنس وكانت صحافة التشهير والجنس قد اختفت مع عهد الثورة، وقد استضاف هيكل كبار المفكرين فى الأهرام مثل توفيق الحكيم وطة حسين ويوسف ادريس وكتب بعضهم ناقدا الثورة فى حرية كاملة.