
يناير 18, 2018
كتب: سامي شرف
كان للرئيس الراحل جمال عبدالناصر رؤية مختلفة لمفهوم الدولة ودور الجهاز الحكومي، رؤية راكمها عبر القراءات والخبرات لتأتي منحازة بلا قيد أو شرط لبسطاء المصريين، أصحاب الحق الشرعي والوحيد في ثروات بلادهم، والقادرين علي صناعة التغيير.
الوثيقة التالية تكشف جزءا لا يستهان به من هذه الرؤية ، و الخطة التي قدمها من أجل «هز» الآلة الحكومية، كي تكون أكثر كفاءة في أداء المهمة المنوطة بها
من محضر جلسة مجلس الوزراء ٢٩/١٠/١٩٦١
الرئيس جمال عبد الناصر:
لكى نهز جهاز الدولة لابد من الأمرين الآتيين :
أولا : بحث مفهوم الدولة ، وإلغاء كل ما كان فى الماضى فى هذا الشأن ، وعمل شىء جديد يحقق الهدف الذى نعمل من أجله .
ثانيا : بالنسبة للفرد نعطيه الفرصة الكاملة ليكون على قدم المساواة مع الباقين .
عملية الفرد . . فالفرد هو الموجود فى المجتمع ، لن نستطيع أن نستورد أفرادا من الخارج للتطعيم، لأن هذا مجتمعنا ولا يصح أن نيأس منه ، لكن نحاول تطويره وهذه مسئوليتنا الأساسية باعتبارنا قيادة لهذا المجتمع . . لن يمكن تطوير هذا المجتمع إلا إذا آمنا بالفرد . . أبو مخ قافل . . رأيته فى الجيش ، بعد ستين يومًا من دخوله الجيش كان مثل « اللهلوبة ، كان هذا الفرد يحضر من القرية إلى الوحدة ، وكان متلبش لا يعرف كيف يسير ، وبعد ثلاثة أشهر صار مثل الجن ويكون نبيهًا . . كان هذا الفرد لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه يعمل فى أى سلاح . . ليس هذا الفرد «عبيط» زى ما بيقولوا ، لكنه خبيث وعنده ملكة قوية ، طول النهار فى الغيط لم يجد الفرصة وعلينا أن نوجد له الفرصة . . كان هذا الفرد فى الجيش يحفظ كتاب ضرب النار وكان غيره من المتعلمين والمثقفين لا يستطيع ذلك . . هو ده الفلاح والمواطن المصرى ! الذى لم نكتشفه حتى الآن . . لماذا ؟ ! لسبب بسيط هى الدولة . . ما هى الدولة ؟
الدولة هى عبارة عن سلطة أقامتها الفئة المتحكمة لتحمى مصالحها . .
الدولة هى السبب فى أن المواطن «متلبش» . .
الدولة منذ القدم تعمل لصالح فئة قليلة ، وتعامل هؤلاء الناس على أنهم عبيد !
عندما نقول محتاجين لحل جذرى فى هذه العملية . . حقيقى يجب هز الجهاز الحكومى هزا . . ما هو معنى الهز ؟ ليست لوائح أو قوانين أو علاوات للموظفين.
الدولة منذ القدم كيف كانت تسير ؟ . . فى عهد المماليك . . كانت تخدم من يجمع الضرائب للسلطان . . إذن الدولة من الخديو حتى الجندى خلقت لتحمى ملكية أصحاب الأملاك، وتحمى ثروات أصحاب الثروات ومصالح أصحاب المصالح . . تحمى الفئة القليلة التى ملكت هذا البلد .
عندما نقول نهز هذا الجهاز هزا . . يجب تغيير المفاهيم كلية . . اليوم البوليس يحمى أصحاب البيوت والأراضى . . « شيل « البوليس وقول لن أحمى هؤلاء . . سوف تنقض فئة على المنازل وسيقوم الفلاح وأولاده ويستولون على قطعة أرض بالقوة ويقيم العدالة التى يراها .
إن الدولة منذ القدم تحمى الملاك من الذين لا يملكون ، وتحمى أصحاب المصانع من العمال ، وتحمى أصحاب الأرض من الفلاحين ، وما زلنا نطبق مفهوم الدولة الذى ورثناه مهما غيرنا اللوائح والقوانين . . لا فائدة فمثلا القوانين والمحامين.. الشخص الذى يستطيع أن يقيم محاميا وارتكب جريمة قتل ، ممكن أن يدافع عنه أحسن المحامين ، وتكون عنده الفرصة للبراءة . لكن الشخص الذى لا نقود عنده وارتكب جريمة قتل . . ضاع فى هذا البلد . . لأن الدولة خلقت لتحمى أصحاب الأموال .
إذا نظرنا للدولة كلها ، ولأجل أن نعيد بناء هذا المجتمع ، يجب أن نبدأ بالدولة . .
لمن تعمل الدولة ؟
هل تعمل على سيادة طبقة لطبقة ؟
أو لإقامة العدالة والمساواة ؟
الدولة حتى الآن تعمل لصالح طبقة . نحن حتى الآن نعمل بقوانين إسماعيل صدقى وتوفيق نسيم وغيرهما. هذه القوانين وضعت لصالح الطبقات التى كانت سائدة . وإذا قلنا نريد هز جهاز الدولة هزا . . ليس بتغيير اللوائح والقوانين ، بل ما هو مفهوم الدولة ؟
يلزم إلغاء الماضى ، ونعمل شيئًا جديداً ونحقق الهدف الذى نعمل من أجله ، ويعطى كل فرد فرصة كاملة ليكون على قدم المساواة مع الباقين . . ويعطى الفرصة المعنوية فى القرية ويكون له صوت وكلمة كأى فرد ، وتكون له السلطة العليا ، لأنه إذا رأى هذا الفلاح ضابط النقطة أو عمدة القرية فإنه لا يستطيع مقابلته ويغيّر طريقه .
وإذا قلنا إصلاح الجهاز الحكومى . . من يصلحه ؟
الموظفون ؟ . . إذا لم يأخذوا التوجيه الواضح الصريح منا ، فستكون الدولة تخدم الفئة التى تكلمت عنها ويجب أن يكون التغيير جذريا لإقامة مجتمع جديد ، ولكن إذا عملنا على أنقاض وتعديل لما هو موجود فكأننا لم نعمل شيئا ، ولم نستطع أن نعمل شيئا .
ماذا فعل سيكوتورى ؟
قال إن الدفاع عن الفرد حق . . لماذا هذا يقيم محاميا وذاك لا يستطيع ؟ . . جمع المحامين فى غينيا وجعلهم تابعين للدولة ويتقاضون مرتبات من الدولة . . ونحن مسئولون كحكومة عن الدفاع عن هذا البلد . . وليس الغنى الذى يجد الفرصة للدفاع عن نفسه ، ولا يجدها الفقير . .
الرئيس جمال عبد الناصر:
لى تعليق . . المفهوم الجديد للاتحاد القومى اليوم غير مفهومه من سنة ، قد يمثل الاتحاد القومى بعد عام حزبا . . هو حزب المؤمنين بالاشتراكية ، أو حزب من عملت الاشتراكية من أجلهم لأننا بدأنا نعزل . مفهوم اليوم غير هذا ، وتكلمت فيه بوضوح وبدأت حديث الوحدة الوطنية . . مفهومى تغير عن الكلام الذى قلته منذ عام . . قلت الاتحاد القومى لا يمكن أن يكون حزبا . . نجمع الطبقات داخل الاتحاد القومى لتحل المتناقضات بالطرق السلمية ، فى الاتحاد القومى حيث لا مجال لصراع الطبقات ، وإنما تحل مشاكله بالطرق السلمية ، ولكن يوجد مجال لحل المتناقضات بين الشعب . . بين الفلاحين . . بين العمال . . بين المثقفين .
مفهوم الاتحاد القومى الآن يختلف عن مفهومى له فى السنة الماضية ، لأنى كنت أقول إن كل مواطن عضو فى الاتحاد القومى . . الاتحاد القومى فى مفهومه الجديد هو حزب اشتراكى ، بمعنى أنه لم يعد لجميع الطبقات ، بل للفئات التى تحدد على أنها هى الشعب وهذا تغيير جذرى بالنسبة لفكرة الاتحاد القومى .
مجلة الوعي العربي