
رانية عبد الرحيم المدهون
في الوقت الذي اتَّبع فيه العالم “الاشتراكي” نظريات ماركس، ولينين، وإنجليز؛ وطغت النظريَّة على التطبيق؛ وكبَّلتها بقيود اللا ممكن؛ أو الاستاتيكي إلى حد كبير؛ في ذلك الوقت استوعب الزعيم جمال عبد الناصر أسس، وقواعد، وماهيَّة اشتراكيَّتنا المناسبة لكل معطياتنا، ووضعيَّتنا، وواقعنا.
لقد تبنَّت الاشتراكيَّة الغربيَّة مبدأ الحرية الإجتماعيَّة، إلى جانب مفهوم التنظيم الاشتراكي؛ أي “من كل حسب عمله لكل حسب حاجته”.
لقد أعلى المفهوم الاشتراكي من دور الدولة في قيادة الأمور، لا سيما الجوانب الإقتصاديَّة، من خلال الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وعليه تحدد طبيعة السلع، والخدمات المُنتَجَة، والمعايير المحدَّدة.
لقد اختلف الزعيم، جمال عبد الناصر مع الماركسيَّة وتطبيقاتها، وتناقض مع ماديَّتها الجدليَّة، عن طريق تمسُّكه بالدين ، إلى جانب أهميَّة الدور الإنساني في التطوُّر، إلى جانب الماديَّة التاريخيَّة، حيث أعلى قيمة التميُّز القومي الحضاري.
ولم يقنع ناصر بالتقسيم الخماسي الأوروبي لتطوُّر التاريخ البشري، والتي تصل إلى”يوتوبيا المجتمع الشيوعي”، وأن المآل بعد الاشتراكية إلى الشيوعيَّة؛ وإنما قصد بلوغ الاشتراكيَّة بالاشتراكيَّة؛ والتي تقود إلى الاشتراكيَّة، وليس إلى الشيوعيَّة.
وتناقض عبد الناصر مع رَفْضْ النظام الاشتراكي لديكتاتورية الطبقة العاملة، داعمًا لوجود مفهوم “الشعب العامل”، ووجود ملكيّات خاصة، لا سيما فيما يخص الزراعة.
لقد فكَّك الزعيم الاشتراكيَّة الغربيَّة، وأعاد تركيبها؛ فاستفاد من وِحدة الخصائص الرئيسيَّة للاشتراكيَّة كنظام اقتصادي حديث، إلى جانب الملكيَّة الاجتماعيَّة لأدواتِ الإنتاج وريعِهِ، والتخطيط المركزي الشامل، وأعلى من منع استغلال الإنسان للإنسان، والقضاء على الفوارق بين الطبقات، كسمات إنسانيَّة مُشترَكة.
كما دعم الزعيم قيادة القطاع العام، المملوك للشعب لعملية التنمية المستقلَّة عن التبعيَّة للغرب وللرأسماليَّة العالميَّة؛ ودعم وجود رأسماليَّة وطنيَّة يحكمها أُسس وقواعد، تقود إلى تطبيقات خاصة بظروفنا الذاتيَّة الخاصة؛ إلى جانب التوجُّه لخلق آليّات تناسبنا، لا سيما العمل التعاوني الذي تدعمه الدولة لقواه الشعبيَّة العاملة.
كما أقر التخطيط استراتيجيَّة حتميَّة، في شتى المجالات، بعد سيطرة الشعب على كل أدوات الإنتاج، وتكريس فائضها طبقا لخطة موضوعة مُسبقًا.
لقد بنى الزعيم اشتراكيَّته على مفرقين أساسيَّين؛ الاشتراكيَّة، تدعمها الديمقراطيَّة؛ ليصِح القول بأن “الاشتراكية تعني ديمقراطيَّة الاقتصاد، والديمقراطيَّة تعني اشتراكيَّة السياسة”.
فيما رفض عبد الناصر القضاء على دور الدولة، بعد الوصول للاشتراكيَّة، وصولاً للشيوعيَّة، لأن هذا يعني أننا اتجهنا مجدَّدا إلى الرأسماليَّة!
بعرض أكثر تبسيطًا؛ لقد حلَّل الزعيم الاشتراكيَّة الغربيَّة، وصنع بفن وحِكمة ووطنيَّة، اشتراكيَّتنا الجغرافية العربيَّة المناسبة.
مجلة الوعي العربي