الرئيسية / الوحدة العربية / نجيب محفوظ و التطبيع الثقافي… وأحلام ساسون سوميخ

نجيب محفوظ و التطبيع الثقافي… وأحلام ساسون سوميخ

نجيب محفوظ مع ساسون سوميخ - الأسكندرية - 1990

محمد سامي البوهي
عندما تسمع أو تقرأ عن كارثة ثقافية طفت على الساحة اسمها التطبيع مع إسرائيل، سترى هذا الرجل يلوح لك من بعيد؛ هو البروفيسور الإسرائيلي ساسون سوميخ باحث إسرائيلي عراقي الأصل في الآداب العربية المعاصرة ويعتبر من أبرز الباحثين في هذا المجال. ولد ساسون سوميخ في العاصمة العراقية بغداد لعائلة يهودية علمانية عام 1933 تلقى سوميخ تعليمه الثانوي في مدرسة «شماش» التابعة للطائفة اليهودية البغدادية حيث تعلم اللغات الأجنبية والأدبيات وتخرج فيها عام 1950. هاجر إلى إسرائيل عام 1951في ظل مغادرة أغلبية يهود العراق البلاد إثر النزاع العربي - الإسرائيلي، وهناك أخذ سوميخ يتعلم اللغة العبرية وسريعا ما أصبح خبيرا في اللغة. في 1954 نشرت ترجماته لعدد من المؤلفات العربية في مجلة جمعية «بريت شالوم» التي سعت إلى تشجيع التعايش بين اليهود والعرب، وكذلك في صحيفة «قُول هَعام»… «صوت الشعب» الشيوعية الإسرائيلية. ومن هنا بدأ حلمه بخلق كيان ثقافي إسرائيلي - عربي لخدمة الكيان الأكبر المتمثل في دولة إسرائيل، وحقيقة الأمر أن الإسرائيليين اهتموا بترجمة الأدب العربي حتى من قبل نشأة دولة إسرائيل، وهم لا ينتظرون موافقتنا على هذه الترجمة، وذلك لأسباب تتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي, وليس- بالتأكيد- من ضمنها الرغبة في التعرف على ثقافات الحضارات المغايرة. تستعين دولة إسرائيل في تعاملها مع المجتمعات العربية وقضايا الصراع معها، بأشكالها المختلفة بمجموعة من المؤسسات والمراكز المتخصصة في مجال الأبحاث والدراسات العربية والشرق أوسطية على المستوى العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بل وحتى الثقافي، منها على سبيل المثال لا الحصر: مركز «هشيلوح» في جامعة تل أبيب, ومركز «ترومان» و«فان لير» في القدس وغير ذلك. ولا يأتي اهتمام هذه المؤسسات والمراكز البحثية باللغة العربيـة وآدابها على المستوى الثقافي بمنأى عن مفردات الصراع العربي - الإسرائيلي. وحول هذا يقول ساسون سوميخ «إن مطالعة الأدب العربي الحديث ضرورة حياتية لكل مثقف إسرائيلي ولكل قارئ إسرائيلي نبيه،
إذ من دون إطلاعه على التيارات الأدبية فإن معلوماته عن الإنسان العربي وعن عالمه ستكون مشوهة، ومرتكزة على المعلومات الصحافية اليومية غير العميقة، ويتعلم القارئ الإسرائيلي عن طريق مطالعة الأعمال الأدبية العربية في مجال الرواية والمسرح والشعر كثيرا من المفاهيم النفسية للإنسان في القاهرة وفي دمشق وفي بيروت وبغداد، وحتى في الريف المصري واللبناني والسوري وهلم جرا، ويتعرف بهذه الوسيلة على مشاكل ومتاعب الأديب العربي والإنسان العادي في نفس الوقت»، ولهذا لم يقم ساسون بترجمة أعمال نجيب محفوظ من أجل عيون نجيب محفوظ والمصريين، بل لأن أعماله هي مادة بحثية خصبة لدراسة الطبقات الاجتماعية المصرية، وزاد الاهتمام بتلك الترجمة خصوصاً بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإسرائيل دولة ترتكز في المقام الأول على دعائم أمنية وكل ما هو ثقافي أو اقتصادي أو علمي لابد وأن يصب في أمن إسرائيل، وإلا فهو عديم الفائدة.قامت علاقة صداقة وطيدة بين ساسون سيومخ ونجيب محفوظ بعد ترجمته للثلاثية، وأهم أعماله الروائية أبرزها «أولاد حارتنا»، التي اعتبرها اليهود محاولة فلسفية للدفاع عن الطائفة اليهودية أمام بطش عبد الناصر عام 1959، بعد أن تسللت المخابرات الإسرائيلية إلى عناصر هذه الطائفة فى القاهرة فوظفتها للقيام بحملة تفجيرات لإفساد العلاقات الخارجية المصرية وذلك نقلاً عن مقال لأسامة فوزي نشر في مجلة سوراقيا عام 1988. وقد زار ساسون سوميخ محفوظ في بيته عشرات المرات، التقى فيها بالكثير من المثقفين المصريين، وقدم الدعوة لهم لزيارة إسرائيل خصوصاً بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وبالفعل كان الكاتب المسرحي المصري علي سالم هو أول من قبل تلك الدعوة برحلة بسيارته الخاصة من أجل السلام إلى إسرائيل عام 1994 واستضافه خلالها سوميخ وزوجته في تل أبيب، وذلك نقلاً عن كتاب علي سالم «رحلة إلى إسرائيل»، وقد اعتبرت تلك الرحلة تحديا صارخا لحظر التطبيع الثقافي مع التطبيع إسرائيل، وقد أثارت ضجة عارمة في الوسط الثقافي المصري بين ما من هو مؤيد، ومن هو معارض.في أواخر العام الماضي عاد اسم ساسون سوميخ للظهور من الجديد بعد ترجمته لديوان «جغرافيا بديلة» للشاعرة إيمان مرسال، وقد أثارت موافقة الشاعرة على تلك الترجمة وطبعها في دار نشر صهيونية تحمل أفكارا استيطانية أزمة جديدة في الوسط الثقافي وأعرب سوميخ عن حزنه الشديد تجاه رفض المصريين التطبيع مع إسرائيل، حيث قال نقلاً عن إذاعة صوت إسرائيل آنذاك: قال البروفسور سوميخ الذي ترأس من قبل المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة إن قصائد مرسال، التي تعيش في كندا لا تتضمن أي مواقف سياسية، مشيرا إلى أنه يعكف على ترجمة قصائدها منذ 10 سنوات، وأَسِفَ سوميخ بسبب عدم تقبل المصريين للتطبيع الثقافي مع إسرائيل إلى الآن»، في عام 1966 سافر سوميخ إلى بريطانيا لمواصلة دراساته في جامعة أوكسفورد، وفي عام 1968 حصل على مرتبة دكتور بعد أن قدم أطروحته عن مؤلفات نجيب محفوظ شملت نتائج البحث الذي أجراه بإرشاد الأستاذ المصري محمد مصطفى بدوي. في 1973 صدر البحث ككتاب وكان آنذاك من أول المنشورات النقدية العلمية باللغة الإنكليزية عن مؤلفات نجيب محفوظ. عند رجوعه إلى إسرائيل طلبت جامعة تل أبيب منه المشاركة في تأسيس قسم اللغة والآداب العربية في كلية الأدبيات التابعة للجامعة. ولم يأت اختياره بعد ذلك لشغل منصب رئيس المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة عام 2007 من فراغ، بل هو اختيار للرجل المناسب في المكان المناسب، فقد أنشئ المركز عام 1982 وهو فرع للموساد الإسرائيلي بالقاهرة- كما يحلو للبعض أن يطلق عليه- هو بؤرة إشعاع فكري ومخابراتي تسعى لتدمير الثقافة المصرية والتأكيد على حق اليهود في مصر «تلك الحقيقة أوردها الدكتور رفعت سيد أحمد- مدير مركز يافا بالوثائق والمستندات في كتاب له تحت عنوان «وكر الجواسيس في مصر المحروسة»، وقد ترأس المركز أبرز الشخصيات الاستخباراتية الإسرائيلية من ذوي الاهتمام العلمي لجمع المعلومات من الصحف والإعلام والشارع المصري، أولهم مؤسس المركز «شيمون شامير»، الذي تولى منصب سفير إسرائيل في القاهرة بعد ذلك. كما شارك سوميخ في تأسيس مجمع اللغة العربية الإسرائيلي الذي أقيم بموجب قرار الكنيست الإسرائيلي كمؤسسة نظيرة لأكاديمية اللغة العبرية، ثم توج في 2005 بجائزة إسرائيل وهي أرفع جائزة تعطيها الدولة لأدباء وعلماء إسرائيليين، تقديراً لخدماتهم المضنية للكيان الصهيوني.

عن admin

شاهد أيضاً

مطارق الحنين الي فلسطين

مطارق الحنين!! د.شكري الهزَّيل لم يكن يدور بخلدي يوما ان تضرب الاسوار اطنابها حول قلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *