الرئيسية / حوارات ناصرية / موسكو- القاهرة.. وثائق وأسرار

موسكو- القاهرة.. وثائق وأسرار

التطورات الأولى للعلاقات المصرية السوفيتية

قد يرى البعض أن العلاقات المصرية مع المعسكر الشرقي وعلى رأسه بالطبع الاتحاد السوفييتي السابق، كانت مجرد علاقة بين مسيطر وتابع، ويراها البعض الآخر الفرصة التي سنحت لدولة مثل مصر للحاق بركب الصناعة الثقيلة والتحديث. وبينما يؤكد كثيرون أنها كانت ضرورة طبقا للظروف الدولية في ذلك الوقت، التي كانت تفرض الاختيار بين قطبي العالم حينها، يرى فريق آخر أنها كانت اختيارا حرا للسلطة المصرية في ذلك الوقت.
لكن أغلب الآراء تتفق على أنها كانت علاقة سلسة لم تحمل الكثير من الشد والجذب خاصة في عصر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وحتى انقلابها التام في عصر السادات.

حجر في بحيرة العلاقات الغامضة

ويغلب على كل هذه الآراء أنها تستند إلى تحليل تلك العلاقات، في ضوء المعلن والمنشور على ألسنة المسئولين المصريين والسوفييت حينها، أو من خلال مذكراتهم ومن حولهم، والتي كشفت القليل من أسرار وخفايا هذه العلاقات وما مرت به من محطات ومنعطفات. لكن الدكتور سامي عمارة الكاتب والإعلامي والباحث المصري الذي يعيش في موسكو منذ عقود طويلة كان خلالها شاهدا على الكثير من التطورات والأحداث التي شهدتها العلاقات بين القاهرة وموسكو، ألقى بحجر كبير في تلك البحيرة الغامضة بكتابه الصادر حديثا عن دار الشروق تحت عنوان «القاهرة- موسكو.. وثائق وأسرار».

د. سامي عمارة وكتابه «القاهرة- موسكو.. وثائق وأسرار»

وأيا يكن موقفك أو رأيك، سواء في الاتحاد السوفييتي، أو في طريقة إدارته للعلاقات الدولية حينها، أو في أنظمة عبد الناصر والسادات ومبارك وعصورهم، بل ورأيك في مؤلف الكتاب، إلا أن ذلك المجهود المبذول فيه يستحق أن يجد مكانا في كل مكتبة لأي مهتم بالشأن السياسي المصري. فالكتاب يحمل بين ضفتيه وثائق من قلب الأرشيف السوفييتي، تتعلق بالفترة ما بين 1952 وحتى 1986، تتوزع كما يقول المؤلف.. ما بين تضاريس «سري» «سري للغاية»، وتحفظات «بدون حق النشر»، وإلى جانب تلك الوثائق هناك مقابلات شخصية أجراها المؤلف مع مسئولين سوفييت سابقين، ومذكرات بعضهم، في محاولة منه لرسم الصورة الكاملة بين المعلن و الخفي في هذه العلاقات.

المركز الثقافي الروسي بالقاهرة عقد ندوة قبل أيام لمناقشة كتاب الدكتور سامي عمارة، قدم خلالها المؤلف تلخيصا لأهم محاور الكتاب التي قسمها إلى أربعة محاور.. الأول يتناول بداية العلاقة المضطربة بين مصر والاتحاد السوفيتي في أعقاب ثورة يوليو، وثانيها هو صفقة الأسلحة التشيكية، والمحور الثالث حول رؤية الاتحاد السوفييتي لتأميم قناة السويس وبناء السد العالي ثم الخلاف الذي نشب بين ناصر وخروتشوف، وموقف السوفييت، أما المحور الرابع فكان عن موقف السوفييت من هزيمة يونيو 1967، والذي تناول فيه أيضا قضية طرد الخبراء الروس من مصر علي يد السادات وأخيرا عودة العلاقات السوفيتية المصرية في عام 1984.

وعلى هامش هذه الندوة وردا على سؤال لـ«أصوات أونلاين» حول العلاقات السوفيتية المصرية وما إذا كانت اختيارا أم اضطرارا، قال الدكتور سامي عمارة «إن العلاقة بين مصر والاتحاد السوفيتي، وبناء على الواقع كانت علاقة اضطرار في لحظات، ومن الجانب المصري بالدرجة الأولى». وحول تحور تلك العلاقة إلى علاقة تبعية قال عمارة «لم أتحدث عن تلك القضية في الكتاب، ولكن بالفعل بعد عام 67، تغيرت الظروف بعض الشيء وطُلب من عبد الناصر إنشاء قاعدة عسكرية سوفيتية في مصر، ورفض عبد الناصر القاعدة ولكنه قبل ببعض التنازلات غير المعلنة، مثل التسهيلات والامتيازات المقدمة للأسطول الروسي ولكن مع عدم توقيع أي اتفاقية بإنشاء قواعد عسكرية سوفيتية في مصر».

شكوك وعلاقة مضطربة

يبدأ الكتاب ذو الفصول العشرة، بالفصل المتعلق بكيفية تحول وجهة السياسية الخارجية المصرية من الغرب إلى الشرق بعد سنوات قليلة من ثورة يوليو، وذلك تحت عنوان «كيف اعتبر ستالين ثورة يوليو انقلابا عسكريا؟». فرغم أن مصر بدأت بإقامة علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي في عام 1943، إلا أن التحول الحقيقي في هذه العلاقات كان في عام 56 وبين هذين التاريخين هناك العديد من المحطات التي كشف الكتاب جزءا من أسرارها.

فمع النظرة السلبية التي اعتنقها النظام السوفييتي وعلى رأسه ستالين، الذي اعتبر أن ما حدث في مصر، ليس سوى انقلاب عسكري، نجد أن السلطة المصرية حينها هي الأخرى لم تكن تهتم في البداية بإيجاد علاقة أعمق مع الجانب السوفييتي ،وكان أبرز دليل على ذلك هو اختيار عزيز باشا المصري، رئيس أركان القوات المسلحة في أواخر الثلاثينيات، والمعروف بميوله النازية والتقارب مع تلك الأوساط، سفيرا لمصر لدى الاتحاد السوفييت. رؤية السوفييت لما حدث في مصر آنذاك تتجلى فيما ذكر على لسان خروتشوف في الكتاب والذي قال: «لم نكن نستطيع تحديد ماهية اتجاهات السياستين الداخلية والخارجية لحكومة عبد الناصر خلال الأيام الأولى لتوليها السلطة في مصر، وكنا أقرب إلى الميل إلى اعتبارها وعلى ما يبدو، نتاج واحد من الانقلابات العسكرية المشهورة التي طالما عرفناها وتعودنا عليها؛ ولذا فلم نكن ننتظر منها شيئا يذكر. وعموما فلم يكن أمامنا إلا أن ننتظر لنرى ما يمكن أن تتخذه القيادة المصرية الجديدة من قرارات».
وفي فقرة من أبرز فقرات الفصل الأول، والتي ترصد التعرجات والتباينات في طريق الخطوات الأولى للعلاقة بين السوفييت ومصر، نجد بين ملفات حملت عنوان رسائل سفير الاتحاد السوفييتي في القاهرة وقتها «دانييل سولود» رسالة حول لقائه بعزيز باشا المصري في الشهور الأولى من عام54 والتي اطلع عليها سامي عمارة ضمن أرشيف وزارة الخارجية الروسية. في هذه الرسالة يقول السفير السوفيتي: «إن المصري حاول وحسب التقاليد الشرقية،تصوير القيادة المصرية وكأنها نصيرة للتقارب مع الاتحاد السوفييتي، لكن الواقع يقول أن الطغمة العسكرية الحاكمة تستنسخ كل شيء من الفاشية الألمانية والإيطالية، وكان وزير الشئون الاجتماعية كمال الدين حسين قد قال منذ بضعة أيام، إنه يعتبر هتلر هو أعظم قيادات القرن العشرين».

جمال عبد الناصر في اجتماع مع نيكيتا خرتشوف في موسكو أوائل مايو 1958

وقد تكررت اللقاءات بين سولود وعزيز المصري الذي ألمح إلى رفض القيادة السياسة في ذلك الوقت لمقترحاته بالتقارب مع الجانب السوفييتي. واللافت هنا ما يقوله «سولود»:من «إن أكثر أعضاء مجلس قيادة الثورة عداء للسوفييت، هو البكباشي جمال عبد الناصر نائب رئيس الحكومة، الذي أعلن عن عدم موافقته على دعوة الحكومة المصرية للخبراء السوفييت لأنهم سيعملون على تجنيد كل من يتعامل معهم».

صفقة الأسلحة التشيكية

ومع ذلك فقد خطت العلاقة بين البلدين خطوة للأمام بتنفيذ صفقة الأسلحة التشيكية التي لم تكن سوى ستار لتزويد الجيش المصري بصفقة سلاح سوفييتي في أواخر عام 1955، وحسب رسالة سولود لبلاده التي جاء فيها: «بموجب تعليمات المركز، التقيت بصبري (علي صبري) في مقر السفارة وطلبت منه إبلاغ رئيس الحكومة (عبد الناصر) وأعضاء الحكومة المصرية، بأن حكومة السوفييت استجابت لطلب الجانب المصري بشأن مشتريات السلاح الروسي في إطار ما يلي، 1- يوافق الجانب السوفييتي على أن يتم سداد حسابات صادرات الأسلحة إلى مصر من خلال الصادرات السلعية مع تقديم قرض مالي بنسبة فائدة 2% سنويا، 2- يوافق الجانب السوفييتي على توريد الدبابات إلي مصر على أن يتم الاتفاق حول طراز هذه الدبابات في براغ مع الوفد المصري، 3- يوافق الجانب السوفيتي على توريد شحنات الأسلحة في أقرب وقت ممكن».

تقارب وخلاف

وفي الفصول الثلاثة التالية يركز سامي عمارة على الوثائق الخاصة بالتقارب الوليد بين البلدين، وبين عبد الناصر وخروتشوف على الأخص، دون إغفال لما نشب بينهما من خلاف ونشوء أزمة بينهما قبل انحسارها. وقد حاول عمارة في أحد تلك الفصول دحض الانتقادات التي وجهت لناصر حول قراره بتأميم قناة السويس في حين أن امتياز استغلالها كان سينتهي في عام 66، فيقول على لسان ديمتري شيبلبوف وزير خارجية الاتحاد السوفيتي في كلمة ألقاها في أغسطس 56، خلال مؤتمر لندن بشأن مسألة قناة السويس: «إن بعض الدول الغربية حاولت قبل إعلان الجمهورية المصرية، إقناع الحكومة المصرية «قبل يوليو 52»، بمد امتياز قناة السويس من عام 1966 إلى عام 2008، إلا أن مصر رفضت كل هذه الاقتراحات«، بالإضافة بالطبع لإنذار السوفيت حول العدوان الثلاثي والتهديد بفتح باب التطوع للمواطنين السوفييت للسفر والقتال في مصر وبعض الضغط الدبلوماسي المبطن بالتهديد بأن ذلك الهجوم قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة.

السوفييت وإسرائيل

ومن الملفت ما تقوله الوثائق عن طلب ديفيد بن جوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني في ذلك الوقت، توطيد العلاقات مع الاتحاد السوفييتي بعد شهور من زيارة ناصر الأولى لموسكو في 58، بل إن هذه الوثائق تكشف عن أن بن جوريون طلب وساطة الاتحاد السوفييتي للقاء ناصر. ففي برقية حملت ختم سري، وأرسلها فلاديمير فاسيليف النائب الأول لوزير الخارجية السوفيتي إلى أعضاء اللجنة المركزية، «أبلغنا سفير الاتحاد السوفييتي في تل أبيب بأن ديفيد بن جوريون رئيس الحكومة الاسرائيلية يطلب أن تطرح على الحكومة السوفيتية القضايا التالية، 1- هل يمكن للاتحاد السوفييتي أن يبيع لإسرائيل 23 مقاتلة من طراز ميج و32 قاذفة من طراز إيليوشن، و20 من الدبابات السوفيتية وغواصتين.. 2- هل يمكن للاتحاد السوفييتي أن يأخذ على عاتقه مبادرة إعداد لقاء بين عبد الناصر وبن جوريون لإجراء مباحثات حول تسوية الخلافات العربية الإسرائيلية في الوقت والمكان المناسبين؟.. ونحن نعتقد أن طلب بن جوريون يستهدف على ما يبدو إفساد العلاقة بين الاتحاد السوفييتي والبلدان العربية(..) وترى وزارة الخارجية السوفيتية أنه من الأفضل عدم الرد على طلبات بن جوريون».

موسكو والوحدة المصرية السورية

وفي فصل كامل من الكتاب يتطرق المؤلف إلى الأزمة التي اندلعت بعد شهور من إعلان الوحدة المصرية مع سورية والتي رأى السوفييت أنها كانت متعجلة ومندفعة، وبعد زيارة ناصر الأولى لموسكو ، والتي رافقت قيام حملة اعتقالات للشيوعيين المصريين في ذلك الوقت والتي بالطبع شهدت رفضا من خروتشوف الذي قال في بداية عام 1959، أمام المؤتمر العام للحزب الشيوعي: «إن بلادنا شأن البلدان الاشتراكية الأخرى دعمت وتدعم حركة التحرر الوطني. ولم يتدخل الاتحاد السوفيتي ولا يعتزم التدخل في الشئون الداخلية للبلدان الأخرى،. لكننا لا نستطيع التزام الصمت تجاه ما يحدث في بعض الدول وما يجرى من حملات ضد القوى التقدمية تحت شعارات زائفة معادية للشيوعية، ولما كانت صدرت في الجمهورية العربية المتحدة منذ زمن غير بعيد أفعال مضادة للأفكار الشيوعية، وجرى توجيه الاتهامات ضد الشيوعيين، فإنني وكشيوعي في مؤتمرنا للحزب الشيوعي أرى أنه من الضروري إعلان أنه من غير الصحيح توجيه الاتهام للشيوعيين بأنهم يعملون من أجل إضعاف أو فرقة الجهود الوطنية في النضال ضد الإمبريالية. وعلى العكس.. فليس هناك أناس أكثر ثباتا وصمودا من القوى الشيوعية في النضال ضد المستعمرين، كما أنه لا يوجد من هو أكثر ثباتا وصمودا في النضال ضد الامبريالية من القوى الشيوعية». وقد وظل هذا الخلاف والتلاسن بين ناصر وخروتشوف لفترة من الزمن، ألقى خلالها بظلاله على العلاقات بين القاهرة وموسكو.

وقائع المد والجزر فى علاقة عبد الناصر بالسوفييت

منذ الخمسينات شهدت العلاقات المصرية السوفيتية العديد من التطورات، ويعتقد الكثيرون أن هذه العلاقات مرت بثلاث مراحل يمكن ترتيبها على النحو التالى: علاقات قوية في عهد ناصر، ومتقلبة في عهد السادات، وعادية وباردة في عهد مبارك – كـ (سمة كل شىء فى عهده) – و هنا ربما يساعدنا كتاب الدكتور سامى عمارة الباحث والإعلامى والخبير فى الشأن السوفيتى (القاهرة – موسكو.. وثائق وأسرار) – الذى نعرض فى هذه السطور الحلقة الثانية من قراءته – على فهم واستيضاح كثير من الوقائع والأحداث التى مرت بها العلاقات المصرية السوفيتية وحيث يكشف خلاله الكثير من الوثائق ويركز بشكل أكبر على أحداث كثيرة جرت خاصة حينما كانت تلك العلاقات قوية وراسخة بين عبد الناصر والاتحاد السوفييتي.

 

رسائل خروشوف

فى نهاية الحلقة الأولى من عرضنا لكتاب الدكتور سامى عمارة عرجنا إلى بداية الخلافات والمشاحنات بين خروشوف وعبد الناصر خاصة بعد اعتقال الشيوعيين المصريين حينها وإعلان الوحدة مع سوريا، التي رفضها قادة السوفييت باعتبارها، متعجلة ومندفعة، وكان أبرز ما فيها ما ورد في الكتاب على لسان خروشوف حين قال في بداية عام 1959، أمام المؤتمر العام للحزب الشيوعي: «إن بلادنا شأن البلدان الاشتراكية الأخرى دعمت وتدعم حركة التحرر الوطني. ولم يتدخل الاتحاد السوفيتي ولا يعتزم التدخل في الشئون الداخلية للبلدان الأخرى،. لكننا لا نستطيع التزام الصمت تجاه ما يحدث في بعض الدول وما يجرى من حملات ضد القوى التقدمية تحت شعارات زائفة معادية للشيوعية، ولما كانت صدرت في الجمهورية العربية المتحدة منذ زمن غير بعيد أفعال مضادة للأفكار الشيوعية، وجرى توجيه الاتهامات ضد الشيوعيين، فإنني وكشيوعي في مؤتمرنا للحزب الشيوعي أرى أنه من الضروري إعلان أنه من غير الصحيح توجيه الاتهام للشيوعيين بأنهم يعملون من أجل إضعاف أو فرقة الجهود الوطنية في النضال ضد الإمبريالية. وعلى العكس.. فليس هناك أناس أكثر ثباتا وصمودا من القوى الشيوعية في النضال ضد المستعمرين، كما أنه لا يوجد من هو أكثر ثباتا وصمودا في النضال ضد الامبريالية من القوى الشيوعية». وقد ظل هذا الخلاف بين ناصر وخروشوف لفترة من الزمن، ألقى خلالها بظلاله على العلاقات بين القاهرة وموسكو.

وعقب ذلك ونحن لا نزال في الفصل الرابع من الكتاب تحت عنوان «الخلاف بين عبد الناصر وخروشوف» ساور القلق عبد الناصر لأنه كان يخشى أن يصبح عدوا للسوفييت – كما عدائه للغرب – خاصة أن شبكات الإذاعات الغربية الموجهة لمنطقة الشرق الأوسط، أبرزت الخلاف بين الصديقين وعزفت على أوتاره كثيرا، ويكشف الكتاب رسائل خاصة مرسلة من خروشوف إلى عبد الناصر جاءت بعد رسائل تهدئة من الجانبين، فيقول خروشوف في رسالته التي أرسلها في فبراير 1959، والمحفوظة في أرشيف الخارجية الروسي، «والتى أرسلها بعد حوالى شهر من رسالته المطولة التى عرضناها آنفا»: أود في هذه الرسالة المفعمة بالصراحة التي أبعث بها إليكم مشاطرتكم بعض التصورات حول الموضوعات التي جرى التطرق إليها منجانب رجال الدولة في الجمهورية العربية المتحدة في أحاديثهم مع المسئولين السوفيت.
من واقع حديثكم مع السفير السوفيتي قبيل سفره إلى موسكو وكذلك أحاديثكم وتصريحاتكم الأخيرة إلى الصحافة في «الجمهورية العربية المتحدة» يظهر لدينا انطباع حول أن الأحداث المعروفة خلال الفترة الأخيرة أثارت لدى حكومة «الجمهورية العربية المتحدة» ولديكم شخصيا القلق تجاه آفاق تطور العلاقات بين بلدينا. كما أن ما يصدر من شكوك عما إذا كان هناك تغير في مواقف الاتحاد السوفيتي نحو حركة التحرر الوطني العربية. واعتقد من وجهة نظرنا انه يجب أن يسود الوضوح الكامل تجاه مثل هذه القضايا المهمة.
انتم تعلمون سيادة الرئيس أن علاقات طيبة تجمع بين الدولتين وان ذلك لعب دورا مهما في الذود عن مصالح السلام والأمن لدول المشرق مثلما حدث إبان أزمة السويس أو خلال أيام الإعداد للهجوم ضد سوريا، حين عمل بَلَدانا سويا من أجل صد هجوم القوات المشتركة للمستعمرين ضد حرية الشعوب العربية التي كانت قد حصلت عليها من خلال الكثير من الصعوبات والتضحيات. كما أن تعاوننا المشترك ساعد كذلك على تقويض الاحتكارات القديمة لرؤوس الأموال الأجنبية الكبيرة في الحياة الاقتصادية لبلدان الشرق الأوسط، ونحن سعداء بصدق لما تحققه هذه الشعوب من نهضة في الاقتصاد الوطني.
لقد حدث مثل هذا التعاون المثمر رغما -وكما يعلم الجميع- عن اختلاف توجهاتنا الأيديولوجية. وحين نتحدث عموما عما يجمعنا في النضال من أجل السلام وضد قوى الامبريالية والاستعمار فإننا نسعى في الاتحاد السوفيتي – وبطبيعة الحال – نحو عدم تأكيد الخلافات الإيديولوجية القائمة. لكنكم آثرتم في بور سعيد ضرورة الإفصاح عن رأيكم تجاه هذه القضايا. ولذا فقد كنا مضطرين إزاء ذلك وفى مؤتمرنا الحزبي أن نقول رأينا. ومن الواضح أن كلا منا بقى عند رأيه. وليس في ذلك أى شيء مفاجئ.
ولما كنت أعرفكم كشخصية سياسية على مدى العديد من الأعوام فإنني أود أن أعرب عن أملى في ألا يستطيع الامبرياليون العثور على ثغرة بيننا يستطيعون من خلالها ضرب وحدة شعوب بلدينا في النضال ضد الاستعمار. وهل يوجد أساس لاعتبار انه لم تعد هناك أخطار تهدد الجمهورية العربية المتحدة والبلدان العربية الأخرى من جانب البلدان الامبريالية التي تسن سكاكينها اليوم مثلما كانت تفعل بالأمس، ضد حريات واستقلال البلدان العربية؟. وهل من الممكن اعتبار انه قد تحققت بالفعل المهمة الصعبة لنهوض اقتصاد هذه البلدان، وتصفية التبعات المريعة التي خلفها الاستعمار في السنوات الماضية؟ وهل من الممكن القول انه لم تعد هناك حاجة إلى توحيد الصف ضد القوى الامبريالية من أجل تقرير مهمة النضال ضد الاستعمار التي لا تقل اليوم أهمية عن الأمس، وبالدرجة الأولى توحيد جهود البلدان المستقلة في الشرق مع الاتحاد السوفيتي وكذلك البلدان الاشتراكية الأخرى؟

رد عبد الناصر

ورغم أن كل تلك الخلافات التى تجلت -أكثر ما تجلت – فى مساجلات لفظية بين عبد الناصر وخروشوف، صاحبت توقيع اتفاق السد العالي في يناير من العام نفسه إلا أنه بالطبع كان لعبد الناصر رد على ما هو معلن وغير معلن من قبل خروشوف، وكان أبرز رد هو ما قاله في خطاب دمشق 22 مارس 1959، «إننا حينما نعبر عن قوتنا فنحن نستمد هذه القوة من بلدنا لا من بلد أجنبي، وفى جميع أطوار كفاحنا كنا نعتمد على أنفسنا أولاً بعد الله.. كنا نعتمد على أنفسنا ولم نكن بأي حال نعتمد على قوة أجنبية.. وقد كافحتم في الماضي الطويل ضد السيطرة الأجنبية وضد الاستعمار، ولم نكن في هذا – أيها الإخوة – نعتمد على دولة تساندنا أو قوة تشد من أزرنا، ولكنا كنا نعتمد اعتماداً كلياً على الله وعلى أنفسنا وإننا – أيها الإخوة – لم نكن بهذا نعبر عن صغر السن أو الحماس أو الاندفاع – كما يقول خروشوف- لكننا نعبر عن إيماننا بوطننا، وإن خروشوف تكلم منذ أيام وعلق على غضبتنا من أجل حريتنا ومن أجل بلدنا، من أجل قوميتنا ومن أجل عروبتنا.. علق ببساطة، وقال: إن عبد الناصر رجل صغير السن متحمس ومندفع! وأنا أحب أن أقول اليوم – أيها الإخوة – إن عبد الناصر ليس وحده المتحمس المندفع، ولكن الشعب العربي كله متحمس ومندفع، ولولا هذا الاندفاع لما استطعنا – أيها الإخوة – أن نحقق هذه المعجزات الكبار».

خطاب التهدئة

وتكشف الوثائق أن خروشوف رد برسالة جديدة أقل حدة في الكلمات في أبريل تلاها محاولات دبلوماسية من الجانبين لتخفيف التوتر بين «الصديقين»، وأبرزها ما ذكر في رسالة فينوجرادوف القائم بأعمال السفارة السوفيتية بالقاهرة في أبريل أيضا إلى موسكو حول لقاء تم بينه وبين مجدي حسنين عضو مجلس قيادة الثورة، ويشير فينوجرادوف إلى أن حسنين قال «أنه انتقد بشدة في حديثه مع عبد الناصر نشاط الصحفي مصطفى وعلي أمين ومحمد حسنين هيكل وأنهم يبذلون كل ما يستطيعون من أجل تدمير العلاقات الودية بين مصر والاتحاد السوفييتي».

وفي تلك الرسالة قال حسنين: «إن عبد الناصر أصدر تعليماته بالتوقف اعتبارا من 27 مارس 1959 عن الحملات المعادية، وما تقوله حول عداء الاتحاد السوفييتي والشيوعية للإسلام، فيما أكد أن ناصر يعتزم التخفيف من حملاته المعادية للسوفييت وللشيوعية في مصر». وأخيرا أشار حسنين إلى أن عبد الناصر قام باستدعاء أنور السادات وكمال الدين حسين وقام بانتقادهما بسبب خطابهما المعادي للسوفييت «كما أكد انه وبوصفه صديقا حقيقيا للاتحاد السوفييتي يهمه إعادة الثقة بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفييتي».

وفي فصل بعنوان «رسالة عبد الناصر السرية وانحسارالأزمة» يشير سامى عمارة إلى أنه وبعد كل ذلك وبناء على رغبة ناصر في الحفاظ على علاقات أعمق مع الاتحاد السوفييتي قام بإرسال خطاب سري – لم ينشر- مكون من 63 صفحة، إلى خروشوف ومبرزا في نفس الفصل بعض اللقاءات التي كانت تتم بين مسئولين مصريين وسوفييت لإعادة التقارب بين البلدين، لنصل إلى مرحلة انتهاء الأزمة، في يناير 1960 بزيارة وزير المحطات الكهربائية في الاتحاد السوفييتي نوفيكوف إلى مصر، وطبقا للوثائق، فقد قدم عبد الناصر في ذلك اللقاء طلبا رسميا للإتحاد السوفييتي للمشاركة في المرحلة الثانية لبناء السد العالي، وهو الطلب الذي وافقت عليه الحكومة السوفيتية، وبالتالي انتهت تماما مرحلة الخلافات والمشاحنات بين البلدين.

 

أيام النكسة

يتعرض الكتاب بالطبع لتلك الفترة الخطيرة فى تاريخ مصر والثورة وعبد الناصر ويعرض –بالوثائق- لتلك الأيام التى سبقت نكسة يونيو ولأيام النكسة ولحدث إعلان عبد الناصر تنحيه وما أعقبه من وقائع وأحداث أخرى

ويقسم الكتاب وثائق التنحي إلى ثلاثة فصول، تبدأ بما يطلق عليه مقدمات 1967 ونتائجها مرورا بالإتصالات السرية بين عبد الناصر وموسكو في تلك الفترة وتنتهي بالهزيمة وإعلان التنحي وما تلاها من اتصالات تحث ناصر على البقاء.

يبدأ عمارة الفصل السادس بالإجابة على سؤال مدى مسئولية الاتحاد السوفييتي في التأثير على مصر بخصوص القرارات التي سبقت نكسة يونيو وخاصة سحب قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة من سيناء، مشيرا إلى أن وثائق هذه الفترة تؤكد أن وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية، أكدته جميع الرسائل المرسلة من الاتحاد السوفييتي بالإضافة إلى اللقاءات التي تمت مع العديد من مسئولي تلك الفترة في مصر.

ويؤكد الكاتب من خلال الوثائق التي اطلع عليها أن عبد الناصر لم يشر من قريب أو من بعيد إلى مسئولية موسكو عن تصعيد الأزمة بذكر معلومات غير حقيقية أو تضخيم وقائع تدفع فى اتجاه التصعيد ويبرز الكاتب التناقض بين رواية الوثائق ورواية محمد حسنين هيكل، الذي يقول أن ناصر أبلغ السفير السوفييتي في ذلك الوقت «أن الاتحاد السوفييتي مسئول عن تصعيد الأزمة بتأكيداته عن الحشود الاسرائيلية تجاه سوريا»،

أما وثائق المقابلة المهمة التي تمت في 22 مايو 1967، قبل أيام من النكسة والتي سجلها سفير الاتحاد السوفييتي ديميتري بوجيدايف فتقول «استقبلني ناصر وأعرب عن شكره للاتحاد السوفيتي لما قدمه من تصورات قيمة بخصوص التوتر القائم بالشرق الأوسط، وكذلك المعلومات التي أُبلغت في وقت سابق إلى وزير الحربية شمس بدران»،

على كل يعرض سامي عمارة في الفصل السابع، الاتصالات السرية التي تمت بين الجانبين السوفييتي والمصري بالإضافة إلى اللقاءات المتلاحقة التي بدأت منذ 22 مايو 1967.. وهو ما سنشير إليه في الجزء القادم من عرض كتاب «القاهرة- موسكو».. وثائق وأسرار، للدكتور سامي عمارة.

 

أيام النكسة والتنحى.. ورسائل السوفييت لعبد الناصر

ما فحوى الرسائل السرية بين ناصر والسوفييت وقت النكسة؟ وما هو موقف السوفييت من تنحي ناصر؟ وكيف كانت نظرة الاتحاد السوفييتي لوصول السادات للحكم في مصر؟ وما تلا ذلك من أحداث وحتى طرد الخبراء.

في الجزء الثالث والأخير من قراءتنا لكتاب «القاهرة موسكو.. أسرار ووثائق» للدكتور سامي عمارة، والصادر عن دار الشروق، نركز على الفصول التي تشير إلى الوثائق التي استطاع عمارة الاطلاع عليها من أرشيف الخارجية الروسية، والخاصة بفترة النكسة في 67، وما تلاها من أحداث مهمة لم يغب عنها الاتحاد السوفييتي، باعتباره الشريك الرئيسي للبلاد في ذلك الوقت، وحتى قرار طرد الخبراء، ومقتل السادات، وعودة العلاقات بشكل دبلوماسي في عهد مبارك.

 

ما قبل صدمة النكسة

في الفصل السابع وتحت عنوان «أسرار اتصالات موسكو وناصر قبل الخامس من يونيو»، يكشف الكاتب عن الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية السوفييتي أندريه جروميكو، في 25 مايو 1967إلى سفير بلاده في مصر، بوجيدايف، وطلب نقلها إلى عبد الناصر وكان مضمونها: أن الاتحاد السوفييتي كان متفهما لطلب الحكومة المصرية في ذلك الوقت بجلاء قوات الامم المتحدة من سيناء، وتتطرق الرسالة إلى رسالة خاصة من الرئيس الأمريكي جونسون إلى كوسيجين رئيس حكومة الاتحاد السوفييتي آنذاك بشأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: «وتود الحكومة السوفييتية إبلاغ حكومة الجمهورية العربية المتحدة على نحو يتسم بالسرية بأن الرئيس الأمريكي جونسون أرسل في 22 مايو، إلى رئيس الحكومة السوفيتية، ألكسي كوسيجين، رسالة تطرق فيها إلى جانب موضوعات أخرى»… «إلى الأوضاع في الشرق الأوسط، وقد حاول جونسون في رسالته تبرير سياسته العدوانية تجاه مختلف الموضوعات بما فيها الشرق الأوسط، وعلى الرغم من انه يدعو في رسالته إلى ضرورة ضبط النفس، فإن الجزء الأساسي من الرسالة يبدو أشبه بالمناورة التي تستهدف تبرير السياسة العدوانية لاسرائيل والقوى الامبريالية التي تقف وراءها والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ويجرى إعداد رد على رسالة جونسون».

«أندريه جروميكو» وزير الخارجية السوفييتي

الرسالة التي أوردنا مقتطفا منها ترافقت كما يشير الكتاب مع زيارة لوفد عسكري برئاسة وزير الحربية شمس بدران إلى الاتحاد السوفييتي في 22 مايو، ورافقها أيضا رسالة منشورة في الموقع الخاص بوثائق عبد الناصر على شبكة الإنترنت، من الرئيس الأمريكي جونسون إلى عبد الناصر قال فيها «عزيزى الرئيس ناصر، لقد أمضيت وقتا طويلا خلال الأيام الماضية وأنا أفكر فى الوضع فى الشرق الأوسط، وفى المشكلات التى تواجهونها، والمشكلات التى نواجهها نحن فى هذا الصدد.

الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ووزير الحربية الأسبق شمس بدران

وقد أخبرنى لفيف من أصدقائنا المشتركين – بمن فيهم السفير باتل – عن القلق الذى يساوركم إزاء ما يجوز أن تكون الولايات المتحدة قد أبدته من عدم الود أو الفتور تجاه الجمهورية العربية المتحدة، وما أود أن تعرفوه منى مباشرة هو أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. لقد راقبت عن بعد ما تبذلونه من جهود لتطوير وتحديث بلادكم. وأنا أفهم – على ما أعتقد – مشاعر الفخر والاعتزاز التى يحملها شعبكم وتطلعاته، فضلا عن إصراركم على ولوجه الى عالم الحداثة فى أقرب وقت ممكن، وتبوؤه مكانة رفيعة فيه، واضطلاعه بدوره الكامل فى هذا الصدد. وآمل أن نتمكن من التوصل الى سبل عامة وخاصة للعمل معا على نحو وثيق. إننى أتفهم أيضا طبيعة القوى السياسية الفاعلة فى منطقتكم، وطموحاتها والتوترات السائدة بينها، والذكريات والآمال التى تحملها كذلك. وبالطبع، لا تنحصر مهمتكم ولا مهمتى فى الوقت الراهن فى النظر الى الوراء، بل لابد أن نسعى لإنقاذ الشرق الأوسط والمجتمع البشرى بأكمله، من حرب أعتقد أن كافة الأطراف ترغب فى تجنبها. وأنا لست مطلعا على الخطوات التى سيقترحها الأمين العام يوثانت عليكم، ولكننى أحثكم على أن تضعوا نصب أعينكم الهدف الأسمى – وهو تجنب الأعمال العدائية – باعتباره واجبكم تجاه شعبكم ومنطقتكم والمجتمع الدولي بأسره».

وبالعودة للكتاب وتفاصيل زيارة الوفد العسكري المصري لموسكو بقيادة شمس بدران، تشير الوثائق إلى أن الاتحاد السوفييتي أكد خلال تلك الزيارة على القرارات السياسية التي اتخذت في ذلك الوقت من أجل تحقيق انتصار وتفوق عسكري وسياسي، لكنها أكدت أيضا على ضرورة التفاوض حول قرار إغلاق خليج العقبة وضرورة عدم نشوب نزاع عسكري.

ويبرز الكتاب التناقض بين ما تذكره الوثائق وما ذكره شمس بدران نفسه في مذكرة منفصلة قال فيها إن جريتشكو وزير الدفاع السوفييتي تنحى به جانبا قبل الصعود للطائرة العائدة لمصر وقال رسالة واضحة حول استعداد الاتحاد السوفييتي الدخول في الحرب «أريد أن أوضح لك أنه إذا دخلت أمريكا الحرب فسوف ندخلها بجانبكم.. هل فهمت ما أعنيه؟».

وزير الدفاع السوفيتي «جريتشكو»

الحرب والتنحي

وفي الخامس من يونيو 67 اندلعت شرارة الحرب، ليستدعى عبد الناصر السفير السوفيتى بوجيدايف، الذي سجل تفاصيل اللقاء في رسالة إلى بلاده: «استدعاني الرئيس ناصر على وجه السرعة في الساعة 11 صباحا، وأبلغني أن الطائرات الإسرائيلية هاجمت فجأة كل المطارات المصرية الموجودة فى سيناء وفى غزة وفى منطقة قناة السويس، وهناك عدد من الطائرات الإسرائيلية حلقت في سماء القاهرة وقصفت المطار العسكري غرب القاهرة.. وتقول بيانات القيادة المصرية إنه جرى إسقاط 42 طائرة إسرائيلية وجرى أسر بعض الطيارين الإسرائيليين. وبسبب انتزاع الإسرائيليين عامل المبادرة فقد لحقت بالقوات المصرية خسائر في الطائرات لم نتحقق بعد من عددها»

وحسب قول الرئيس فإن «القيادة العربية في الأردن أبلغت بأن حاملتي طائرات أمريكية وبريطانية، تقفان على مسافة 20 كم غربي تل أبيب، ومنهما أقلعت 16 طائرة فى اتجاه المطار الإسرائيلي في منطقة «ديفيت». وقد استطاعت نقاط المراقبة المصرية في منطقة عجلونة رصد مشاركة طائرات أمريكية وإنجليزية في المعارك الجوية فى سماء سيناء. وقال الرئيس إن القيادة في «الجمهورية العربية المتحدة» لن تعلن عن ذلك وحتى إسقاط أو أسر طيار الطائرة الأمريكية».

وتشير الوثائق الأخرى إلى أن ناصر والقيادة العسكرية في مصر ألحت على طلب أسلحة وطائرات منذ الساعات الأولى من قيام الحرب.

في الثامن من يونيو يعلن ناصر تنحيه عن الحكم على إثر الهزيمة، وعقب القرار كان الاتحاد السوفييتي، أول المطالبين بعدول ناصر عن قراره، وهو ما سجله بوجيدايف سفير الاتحاد السوفيتي في القاهرة في ذلك التوقيت بعد أن طلب لقاء ناصر لايصال رسالة من قيادات بلاده يدعون فيها ناصر بالبقاء في منصبه للحفاظ على مكتسبات الثورة المصرية.

وتوضح وثائق تلك الفترة أن عبد الناصر قد أعاد النظر في أفكاره حول سياسة عدم الانحياز عقب نكسة يونيو، ففي لقاء للسفير السوفييتي وناصر في 15 يونيو 1967 قال ناصر «إن إحدى القضايا المركزية الرئيسية ستكون خلال المباحثات مع نيكولاى بودجورني،-( الرئيس السوفييتى آنذاك)- مسألة ما يسمى بحياد وعدم انحياز الجمهورية العربية المتحدة والتحول الجذري في اتجاه التقارب الشديد والتعاون مع الاتحاد السوفيتي».. وأشار بوجيدايف في رسالته «الرئيس أعاد فكرته حول أن الحياد وعدم الانحياز وحسب اعتقاده لم يعد لهما أهمية بالنسبة إلى «الجمهورية العربية المتحدة»، وأن ذلك صار في عداد «التعبيرات الجوفاء». وأكد ناصر أن نكون مع الاتحاد السوفيتي وإلا فإن «الجمهورية العربية المتحدة» ستسقط حتما بين يدي الإمبريالية والولايات المتحدة».

«نيكولاى بودجورني» الرئيس السوفييتي الأسبق

أما أبرز وثائق تلك الفترة فهى تلك التي تكشف شعور ناصر بالخيانة والدلائل التي ذكرها في لقاءات ورسائل له مع الاتحاد السوفييتي، إلى أن نصل إلى الفصل الثامن لتكشف الوثائق أيضا طلبا قُدم من الاتحاد السوفييتي لناصر لإنشاء قواعد عسكرية في مصر، لكنه قوبل بالرفض الهادئ من عبد الناصر

طرد الخبراء الروس.. ومقتل السادات

في الفصلين الأخيرين من الكتاب يركز الكاتب على الوقائع التي تمت في الفترة بين وفاة ناصر وصعود السادات للحكم مرورا بطرد الخبراء الروس في عام 72، وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي في 81، ثم مقتل السادات وصعود مبارك وأخيرا عودة العلاقات بين البلدين في 1984.
ويغيب عن فصول الكتاب التي تناولت تلك الفترة، الوثائق التي استند اليها الكاتب في الفصول السابقة من كتابه، حيث يعتمد هنا فقط على قراءته لمذكرات فاديم كيربيتشنكو، الجنرال الأسبق في «الكي جي بي»، بالإضافة إلى مذكرات يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الأسبق، وما كتبه محمد حسنين هيكل ومذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. ويبرر الكاتب ذلك بصعوبة الوصول لمذكرات الفترة بين حرب أكتوبر وعودة العلاقات بين القاهرة وموسكو في 84، لكن الفترة التي لم يتم تدعيمها بوثائق من الأرشيف السوفييتي شملت فترة أكبر من ذلك. ورغم أن المذكرات واللقاءات التي اعتمد عليها الكاتب كانت واضحة في انحيازها وفي تفاصيل ما عاشته، إلا أنه بالتأكيد الوثائق عن تلك الفترة المهمة، كان من الممكن أن تكشف لنا العديد من أسرار هذه الفترة، وخاصة قرار السادات بطرد الخبراء السوفييت الذي وصفه عمارة خلال حديثه عن الكتاب بأنه «القرار الذي لن ينساه الروس ويعتبرونه جرحاً لن يندمل».

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 30 إبريل 1958.. أزمة بين عبدالناصر وخرشوف بسبب المترجم والزعيم الروسى يهدد بتحويله إلى قطعة صابون

سعيد الشحات يكتب: الثلاثاء، 30 أبريل 2019 10:00 ص عبد الناصر و خروتشوف جلس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *