الرئيسية / حوارات ناصرية / تعليق على اختفاء مراجعات ما بعد نكسة1967 - بقلم : محمد عبد الحكم دياب

تعليق على اختفاء مراجعات ما بعد نكسة1967 - بقلم : محمد عبد الحكم دياب

Sat, 09 Feb

2011-634608366251434092-143-150x150.jpg

 

على متن الطائرة المتجهة من لندن إلى القاهرة بعد ظهر الأحد الماضي (03/02/2019)؛ قرأنا في زاوية عنوانها: (قناعات «عبد الناصر» الأخيرة) في صحيفة «الأهرام»، شبه الرسمية، كتبها الصحافي محمد حسين؛ جاء فيها: «بعد قراءة بعض مراجعات الزعيم جمال عبد الناصر عقب هزيمة 1967 لمعرفة أسبابها؛ لم أجد بدا من أن أسأل لماذا أخفيت هذه المراجعات، ولم تخرج إلى النور، وماذا سيحدث إذا ما اطلعت عليها النخبة والجماهير في وقتها؟». وأضاف بأن «وجه مصر كان سيتغير، وكانت قد وضعت أقدامها على طريق الديمقراطية، وتلك المراجعات مثلت ذروة الصدق لبطل وقائد مهزوم، وضع يده على مواطن القصور، وعزم على أن يقضي عليها. وأدرك أنه لا مفر من تغيير جذري، لا يقل فى ثوريته عن التغيير الاجتماعى؛ يعيد به بناء الدولة على أسس تضع قطيعة نهائية مع أوضاع وسياسات قادت إلى الانكسار، لذا فمن الضرورة أن يتخلص المجتمع من خوفه، وأن تكون هناك معارضة حقيقية وأن تتمتع الصحافة بالحرية».

كانت هذه الفكرة التي عبر عنها كاتب الزاوية. والمشكلة في أن إخفاء وتجاهل هذه المراجعات تم عمدا؛ حتى حلت لحظة وفاة عبد الناصر، وبدت كأنها «ساعة صفر»؛ لبداية عصر مضاد معد له سلفا تحركت بعدها جحافل متربصة قادها من جاء بعده، فشق طريقا مغايرا. بدأ بالتخلص من رجال الزعيم الراحل، وتوالت الخطوات الممنهجة لتصفية ثورة 1952 وشطبها من سجل التاريخ الوطني والإنساني. وكان ضيق الأفق واضحا، والتعصب حادا، والعصبية طافحة، وفي سنوات قليلة تغيرت نظم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والروحية، وتناسى الخَلَف أن عبد الناصر كان في زمنه مبادرا وممارسا للمراجعة والنقد الجاد لنفسه ولمساعديه ولنظامه. ولم يتوان عن محاسبة كبار مسؤولي الدولة، وأمام انكشاف الانحراف في جهاز المخابرات حوكم المنحرفون ونالوا جزاءهم، وحوسب من أهمل وتقاعس وتسبب في نكسة 1967. ولو استقر ذلك النهج بعده لكان الوضع مختلفا.

وأغلب فترة وجود عبد الناصر في الحكم أمسك بمقاليد المراجعة والتقويم والتصحيح والحساب، وحتى في مسيرة الثورة استعاض في السنوات العشر الأولى من عمرها عن غياب النظرية بالتجريب مهتديا بأهدافها الستة التي كانت: 1) القضاء على الاستعمار. 2) القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم. 3) القضاء على الإقطاع. 4) إقامة جيش وطني قوي. 5) إقامة عدالة اجتماعية. 6) إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

وعلى هدي هذه المبادئ أنجز وحقق مشروعات عملاقة وخاض معارك كبرى. وواجه تحديات ومؤامرات بحلوها ومرها. واستمر محتفظا ببوصلته في اتجاهها الصحيح، والتزم بالعمل على تحرير البلاد من الاحتلال الأجنبي، وعمل بإخلاص من أجل فلسطين، وأعلى من شأن الحرية الاجتماعية، بكل ما تطلبته من مساواة في التنمية والتصنيع واستصلاح الأراضي والخدمات في كل المجالات، واستطاع البناء والتطوير والتقدم، وتطلع لتحقيق الوحدة العربية في ظروف بالغة التعقيد.

ومنذ بدايات ثورة 1952، وكان الاحتلال ما زال جاثما على ضفاف قناة السويس، بدأت التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الأسابيع الأولى من وصول الضباط الأحرار إلى السلطة، وفي 9 أيلول/سبتمبر 1952 صدر قانون الإصلاح الزراعي، وإعيد توزيع الأراضي على الفلاحين، وحُددت الملكية الزراعية؛ بحد أقصى 200 فدان للفرد و300 فدان للأسرة. وكانت سلطة الاحتلال تمثل أهم وأقوى أضلاع المثلث القابض على الحكم.

ومثل القصر الملكي الضلع الثاني المشارك، وقد اختفى من الصورة مع إعلان الجمهورية في 1953، ولم يكن الملك يقوى على مواجهة المندوب السامي البريطاني، وقد اهتزت مصر كلها في مثل هذا الشهر من عام 1942 ففي 4 شباط/ فبراير طلب المندوب السامي من الملك تعيين زعيم «الوفد» مصطفى النحاس رئيسا للوزارة؛ لضبط الأوضاع الداخلية أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت جيوش «الحلفاء» قد وصلت حدود مصر الغربية، قرب «مدينة العلمين» على البحر المتوسط، ولما حدث التباطؤ في تلبية الطلب تحركت الدبابات البريطانية صوب القصر الملكي في «عابدين»، وحضر المندوب السامي حاملا إنذارا، وضع به الملك أمام خيارين؛ إما تعيين مصطفى النحاس رئيسا للوزارة أو التوقيع على وثيقة التنازل عن العرش. وتحت ذلك التهديد أصدر الملك مرسوما بتكليف النحاس تشكيل وزارة جديدة. أما تحالف كبار الملاك والإقطاعيين والرأسماليين فمثل الضلع الثالث في مثلث الحكم، وقد أبعد عن السلطة والقرار من البداية.

ولما لم تستجب الأحزاب لتطهير نفسها أنشئت «هيئة التحرير» لحماية الثورة والدفاع عنها، وتجييش المتطوعين وتدريبهم على حمل السلاح؛ استعدادا للعمل الفدائي والمقاومة، وتحسبا لفشل مفاوضات الجلاء، وبعد خروج الاحتلال وقع العدوان الثلاثي، وانتهى دور «هيئة التحرير»، وظهر «الاتحاد القومي»، الذي استهدف تشجيع الرأسمالية المحلية على المشاركة في التنمية وتنفيذ المشروعات الكبرى والاستراتيجية، وفضلت المشروعات الاستهلاكية الصغيرة، فأعيد النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية بكاملها واتخذت طريقا مغايرا.

وبعد انفصال سوريا عن مصر، وانفصام عرى «الجمهورية العربية المتحدة» تم انتخاب «المؤتمر الوطني للقوي الشعبية»؛ بالانتخاب الحر المباشر، وانعقد في 21 أيار/مايو 1962 لمناقشة مشروع «الميثاق الوطني» المقدم من عبد الناصر، وتضمن عشرة أبواب؛ بدأت بنظرة عامة على جذور النضال الوطني، والظروف التي حتمت قيام ثورة يوليو/تموز، ودروس النكسات التي عصفت بمحاولات التغيير والثورة، وتحديد مفاهيم الديمقراطية السليمة بشقيها الاجتماعي والسياسي، وانتهى في البابين التاسع والعاشر بوضع تصور للوحدة العربية، ومرتكزات السياسة الخارجية. وبعد حوارات مستفيضة أُقِر «الميثاق» في 30 حزيران/يونيو، وتأثر به عدد من دول العالم الثالث، وتحديدا في أمريكا اللاتينية، وهذا من أهم أسباب التدخل الأمريكي الراهن في فنزويلا.

وأنهى صدور «الميثاق الوطني» مرحلة «التجربة والخطأ»، وبدأت معه مرحلة جديدة مضبوطة بـ«دليل عمل» واضح، كان من المقرر أن يُعاد النظر فيه عام 1970.. وتأسس «الاتحاد الاشتراكي العربي» كتنظيم جديد لتطبيق ما جاء في «الميثاق».

وشهدت الأوضاع الداخلية فيما بين 1962 و1970 مواجهة بين تنظيم سيد قطب والثورة في 1965، وبعدها بسنتين حلت النكسة، وكشفت الوثائق الغربية المفرج عنها تواطئا ودعما سعوديا كبيرا لقوى ذلك العدوان الغاشم على مصر؛ لم يُكشَف عنه في حينه. وبدا تاريخ 28 أيلول/سبتمبر عام 1970 «ساعة صفر» للانقلاب على كل ما أنجزت ثورة يوليو/تموز بالدم والجهد والعرق والمال.

ومع ذلك نقول إن التجارب الإنسانية والأفكار البناءة التي وقفت وراء التحولات الكبرى لا تموت، ومع كل عمليات التصفية والشيطنة خلال عقود خمسة مضت وحجب ذلك التراث الثوري والوطني المؤثر، فذلك لا يقلل من قيمته، ولا من قيمة الوثائق التي سجلته وصدرت عنه بدءا من «فلسفة الثورة»، ثم «الميثاق»، وانتهاء بـ«بيان 30 مارس»، الذي تحددت من خلاله مهام ما بعد النكسة، ووسائل العمل على «إزالة آثار العدوان»، هذا بالإضافة إلى محاضر وسجلات تلك الحقبة.

في هذه العجالة عرضنا لخطوط تراث من الممكن أن يكون أساسا لاستئناف النهوض؛ بشرط قراءته بعيون وطنية وثورية ونقدية، تراعي مقتضيات العصر ومتغيرات الزمن؛ على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وذلك من أجل تجاوز منطق البدء من الصفر في كل محاولة من محاولات النهوض، والتعامل السليم مع ذلك التراث الوطني والقومي والإنساني والروحي، قد يكون مدخلا لحل عقدة اختفاء مراجعات عبد الناصر واستيعاب قناعاته الأخيرة والاستفادة منها

عن admin

شاهد أيضاً

حكاوي عصر العلم والايمان .

‎د.أحمد دبيان فى العملية الطبية يجب أن تحدد التشخيص جيداً إذا ما أردت انتهاج استراتيجية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *