الرئيسية / حوارات ناصرية / شائعات ودور ثورة يوليو في الاقتصاد

شائعات ودور ثورة يوليو في الاقتصاد

2-9-2018 | 01:58

د. حاتم عبدالمنعم أحمد

صناع وهم حرية السوق والرأسمالية العالمية والمحلية والمستفيدون منهم يروجون لفكرة تخلي الدولة عن التدخل في الاقتصاد بغرض خدمة مصالح الدول الكبرى، واستمرار التبعية الاقتصادية والسياسية من خلال استغلال موارد الدول النامية، وفتح أسواقها لمنتجاتهم.

وهنا شهادة للعالم د.جلال أمين بالأهرام، بأن الاقتصاد في عصر ناصر كان أفضل فترات الاقتصاد المصري في العصر الحديث؛ نتيجة لتدخل الدولة وتوجيهها للاقتصاد، ويضيف أمين أن الشركات المتعددة الجنسيات تسيطر على الإعلام في العالم، وتنشر وهم فشل تدخل الدولة في الاقتصاد، وهذا عكس واقع التجربة المصرية.

وننتقل إلى شهادة أمريكية من أهل حرية السوق؛ يقول جون بادو، السفير الأمريكي في القاهرة في الستينيات، في كتابه عن “يوليو”، إنه بعد صدور قوانين التأميم، شكل الرئيس الأمريكي فريق عمل من السفارة لدراستها وأرسل بروفسير إدوارد ماسون، أستاذ الاقتصاد الشهير، لدراسة التجربة الناصرية، وانتهت كل هذه الدراسات إلى الآتي:

أن ناصر سعى في بداية حكمه لحفز رأس المال الأجنبي للمشاركة في التنمية عبر قانون الاستثمار عام 1953، الذي أتاح المشاركة بنسبة 51%، من رأس المال، ومع ذلك كان الإقبال ضعيفا، وخاصة على المشروعات الصناعية، (ملحوظة هذه المشكلة مازات قائمة)، ولذلك بادر ناصر بإنشاء وزارة الصناعة وتبني برنامج السنوات الخمس للتصنيع، وكان ناجحا بالمعايير الاقتصادية والاجتماعية.

وهكذا اعتمدت الخطة القومية الأولى على اقتصاد مختلط، وكان للقطاع الخاص حرية كبيرة لم يستغلها؛ بل إنه تقاعس عن أداء دوره في هذه الخطة، ولذلك لم يكن أمام ناصر طريقا آخر للتنمية سوى الاعتماد على الدولة، ومن ثم لجأ إلى التأميم، وأنه حتى بعد التأميمات مازال القطاع العام في مصر أقل من مثيله في أمريكا وإسرائيل وفرنسا وإنجلترا، وأن وجوده في مصر لا يصادر القطاع الخاص أو يغلق الطريق أمامه؛ بل على العكس يحفزه للمنافسة في ظل اقتصاد مختلط، وبالتالي فلا يمكن وصفه بالاقتصاد الشيوعي أو المغلق؛ لأن قرارات التأميم عام 1961 شملت 17 بنكا، ونحو 132 شركة معظمها أجنبية تعمل في النقل العام والملاحة البحرية للسيطرة على العناصر الحاكمة للاستثمار، ونجحت الخطة نجاحا كبيرا، ويعد نموذجا لدول العالم الثالث - الكلام مازال للسفير الأمريكي - وفي نهاية الخطة تعدى الناتج المحلي المصري 5 مليارات دولار، وأصبح متوسط نصيب الفرد 173 دولارا، في حين بلغ في كوريا 3 مليارات، ومتوسط نصيب الفرد 105، كما كان قانون الإصلاح الزراعي ضرورة لمواجهة الفقر الشديد؛ لدرجة أن الحكومة الأمريكية والإنجليزية طالبت به الملك حتى لا تنتشرالشيوعية.

وكان الاختلاف حول الحد الأقصى للملكية ويعترف التقرير بأن أطرافا أجنبية عمدت إلى إعاقة الشركات المصرية بمساعدة بعض رموز الرأسمالية المصرية، من خلال عدم تقديم الضرائب المستحقة وتهريب رؤوس أموالهم للخارج وبأساليب أخرى، ما إدى إلى التوسع في التأميم وفرض الحراسات والتوسع في القطاع العام.

هذه كانت شهادة الأمريكان، ثم ننتقل لشهادة بعض رجال الدين فنجد الشيخ محمد الغزالي في كتابه (الإسلام والأوضاع الاقتصادية)، الذي نشر عام 1948، وأعاد نشره قبل وفاته، يطالب تحديدا لتحقيق العدالة الاجتماعية، بالتالي تأميم المرافق العامة، وجعل الأمة هي المالكة الأولى لمواردها، وإقصاء الشركات المحتكرة لخيرات الأمة سواء أجنبية أو محلية.. تحديد الملكيات الزراعية الكبرى وتكوين طبقة من صغار الزراع.. تحديد الملكيات غير الزراعية الكبرى وفرض ضرائب على رؤوس الأموال الكبرى والتركات.. استرداد كل الأملاك التي أخذها الأجانب وإعادتها لأبناء البلاد.. تحريم تملك الأراضي المصرية على الأجانب تحريما مؤبدا، هذه مطالب الغزالي.

وأي منصف لا ينكر نجاح ناصر بامتياز في تطبيقها على أرض الواقع، وهي مضمون الشريعة التي تطلب حاكم قوي يعمل بمقولة أبي بكر الصديق، حينما قال، “الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه”.

وناصر وقف أمام الأقوياء في الداخل والخارج من أجل حقوق الضعفاء، ونجح قدر جهده وظروفه وبشكل لم يحققه أي حاكم إسلامي آخر في العصر الحديث، وهذا أيضا سر الحملات الشرسة ضده إلى الآن، حتى لا يتكرر هذا النموذج مرة أخرى برغم وفاته، منذ 48 عاما، ويدعون أنه أفسد الاقتصاد وديمقراطية الملكية والتساؤل لقد تبنت مصر منذ السبعينيات الاقتصاد الحر لماذا لم نصلح ما أفسده، لقد ضربت اليابان بالقنابل النووية في الأربعينيات وفي أقل من ثلاثين عاما عادت قوة عظمى في الاقتصاد والتكنولوجيا وغيره.

ويكفي الاقتصاد المصري في الستينيات أن البيت المصري كان يعتمد على منتج مصري غالبا من ثلاجة إلى بوتجاز إلى سخان إلى ملابس قطنية فاخرة، إلى سيارة، ولماذا لم نر أحزابا قوية تحقق الديمقراطية للأسف الشائعات قلبت الحقائق، وتم إفشال القطاع العام عن عمد لبيعه في أكبر عملية نهب لثروات مصر لمصلحة أسياد وأتباع الرأسمالية في الخارج والداخل، وكنت أتمنى استمرار الإنتاج المصري حتى بعد الخصصة مثل البوتجاز المصري أو الثلاجة، ولمصلحة من هذا!

ونختتم في النهاية بمرثية الشيخ الشعراوي، بعد وفاة ناصر، حيث يقول: “مات جمال وليس غريبا أن يموت، فالناس كلهم يموتون، ولكن العجب وهو ميت أن يعيش معنا جمال، وقليل من الأحياء يعيشون، لقد كان جمال فلتة زعامة، وأمة وقيادة؛ هذا هو ناصر الذي يدعي البعض أنه شيوعي، وهو في الواقع أقرب حاكم للإسلام في العصر الحديث وبلا منافس”.

عن admin

شاهد أيضاً

عندما طلب الأمير الخطابي من الزعيم جمال عبد الناصر دعم انتفاضة الريف سنة 1958

اندلعت انتفاضة الريف يوم 07 أكتوبر 1958 وانتهت يوم 13 مارس 1959، حيث استمرت ما …

تعليق واحد

  1. خدعوك فقالوا إن فوبيا التأميم تسيطر على أصحاب الثروات فيُحجموا عن الاستثمار

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *