الرئيسية / كتب و دراسات / أثر الأوضاع النفسية والاجتماعية في ظاهرة الاحتجاج ثورة مصر وتونس نموذجا – رؤية آنثروبولوجية

أثر الأوضاع النفسية والاجتماعية في ظاهرة الاحتجاج ثورة مصر وتونس نموذجا – رؤية آنثروبولوجية

الوسوم

قضايا عربية قضايا مصرية

تناقش هذه الورقة البحثية الأوضاع الاجتماعية والنفسية للشباب بما تتضمنه من عناصر متشابكة، وكيف أثرت تلك الأوضاع في خلق حالة تمرد، وقابلية للثورة.

وترتكز هذه الورقة  في التحليل على المنهج الأنثروبولوجي الذي يناقش الثورة من منظور التشابك بين مختلف العوامل، بوصف أن الآنثروبولوجيا علم شمولي، يدرس الظواهر  الإنسانية في إطار من تكاملها وتشابكها .

استنادا الى ذلك، فإنه لا يمكن فهم أسباب الثورة دون الارتكاز لمجمل العوامل التي خلقتها، وتصبح دراسة تشابك تلك العوامل ضرورة، ومغادرة منطق المسلمات التي تفصل عمليا بين علاقات التأثر والتأثير بين مختلف العوامل التي أنتجت الثورة ، أو الاتجاهات الفكرية التي تستبعد  بعض العوامل وتهمشها لصالح عامل واحد، لأن الثورات بوصف أنها حدث استثنائي وتراكمي، وإنساني، ظاهرة معقدة، لا يمكن ردها إلى عامل أو فاعل واحد، أو  الإحاطة بكل ما فيها من خلال الاتكاء على عامل واحد، لذا فأن بحث مجمل العوامل المؤثرة في حدوث الثورة، وتوضيح علاقات التشابك بينها ضرورة منهجية للوصول إلى معرفة تتصف بالموضوعية على قدر الممكن،  دون تشنج  أيديولوجي أو وهم امتلاك الحقيقة المطلقة التي ينتجها العقل الديني، أو المنطق الشكلي، او التشنج الأيدلوجي .

لا يمكن الأخذ بسبب واحد للثورة، فكل العوامل والأسباب متداخلة، ومترابطة، فما هو اقتصادي يؤثر على ما هو اجتماعي، ويخلق العاملان الاقتصادي والاجتماعي بيئة  مؤثرة في الحالة النفسية، بوصفها عامل مؤثر في نشأة ظاهرة الاحتجاج والتمرد،  وتؤثر المصالح الاقتصادية في تشكل البناء السياسي، وطبيعة الفاعلين فيه، وتحدد مواقف الأفراد والجماعات داخل المجتمع، وبناء على هذا التصور فان مشاعر الغضب والتمرد والقلق، والتماهي، والانسحاق، والرفض، والتأييد، ترتبط كلها وتتأثر بظروف الأفراد الاجتماعية والاقتصادية، وتمثل إطارا حاكما للحالة النفسية، ويؤثر موقع الفرد اجتماعيا وثقافيا، واقتصاديا في تشكيل مواقفه، وتحديد اتجاهاته النفسية التي هي أحد مرتكزات ثنائية التمرد، والخروج على النظام، أو التماهي معه وتأييده.

وتنظر الأنثروبولوجيا النفسية للشخصية في اطار تكاملها كنتاج اجتماعي وهى تعبر حسب رالف لينتون عن “المجموعة المتكاملة من صفات الفرد العقلية والنفسية”، أي المجموع الإجمالي لقدرات الفرد العقلية وإحساسه ومعتقداته وعاداته، واستجاباته العاطفية المشروطة .”

غالبا ما يخلق الفقر، وبؤس العيش، مشاعر الرفض والغضب تجاه السلطة، حتى وإن لم تظهر تلك المشاعر بشكل سياسي مباشر تجاه السلطة،  فإنها تبقى بشكل  باطني، وتتجلى في أفعال أو اتجاهات سلوكية تعبر عن الرفض للسلطة، والمجتمع.

أولا- الأوضاع النفسية كمدخل لتفسير الاحتجاج:

يعتبر المدخل النفسي في تفسير الثورات من المداخل الشائع استخدمها،  والاستناد عليها بغرض التفسير والفهم والتحليل للسلوك السياسي، ويستخدم  علم الأنثروبولوجيا التحليل النفسي الاجتماعي كأداة للتحليل، وتفسير الفعل الجماهيري، وتتنوع  كذلك الاتجاهات النفسية في التحليل، حسب موقفها من الثورة، والحراك، نجد دراسات تستند على تفسيرات لسيكولوجيا الجماهير ذات طابع مساند للثورة، كعلماء النفس والأنثروبولوجيا الذين اقتربوا من التيار التقدمي، وتأثروا بالماركسية وبنظريات الصراع الاجتماعي، بينما نجد الاتجاه التشاؤمي الذي  لا يرى في الثورات سوى انفعال جماهيري له طبيعة بربرية ووحشية عنيفة، وهو اتجاه محافظ، ضد التغيير، وغالبا ما يبرر سطوة النظم وبقائها لصالح بقاء المجتمع وحمايته من الفوضى التي قد تخلقها الثورات والانتفاضات  !!

يري أنصار المدرسة  النفسية الماركسية، خاصة مدرسة فرانكفورت أن هناك عوامل نفسية تهيئ الأذهان للثورة، كتأثير الأوضاع  الاقتصادية الظالمة في المجتمع، التي تؤدي إلى إحساس الأفراد بالظلم الاجتماعي الناتج عن استئثار قلة بالثروات، وعوائد الإنتاج، وتري مدرسة الصراع الاجتماعي أن علاقات العمل والإنتاج الرأسمالي تؤدي إلى  شعور المنتجين، وأفراد المجتمع  عموما بالاستلاب والاغتراب أمام هيمنة بنى السلطة .

على جانب آخر تعتبر مشاعر القلق والغضب والتمرد والاغتراب من الخصائص  النفسية الغالبة في فترة الشباب، وتبرز هذه الخصائص في فترات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعمق تلك المشاعر، وأبرزها وأخطرها الاغتراب Alliienatiion الذي يشير إلى “مشاعر العزلة والغربة وانعدام القوة بين الأفراد ما تظهر آثاره في السلوك  والصراعات السياسية في المجتمعات المحلية والثورات والحركات الاجتماعية.

اهتم علم  النفس الاجتماعي  بدراسة الصراع الناشئ بين الفرد والمجتمع كمرحلة أولى، أي مدى انسجام الفرد اجتماعياً، واهتم علم النفس الاجتماعي بدراسة سلوك المجموعات في المجتمع، وجاء الاهتمام بدراسة المجتمع  نفسيا بوصف أنه ليس هناك فصلا بين دراسة الإنسان والجماعات.

ويساعدنا علم النفس الاجتماعي، والأنثروبولوجيا النفسيّة Psychology كأحد أفرع الأنثروبولوجيا الثقافية في فهم جدلية حركة الأفراد والمجتمع،  خاصة أن  هناك تكاملاً وليس تناقضاً، فمن الصعب عزل السلوك الفردي من الوسط الاجتماعي والثقافي المحيط به، كما أنه من غير الدقيق أن نحرم الذات الفردية من نواياها الخاصة ومشاعرها الذاتية، فكلا الجانبين في حالة تداخل وتفاعل.

كما ظهرت العديد من المداخل المفسرة للحراك الشبابي والثورة، منها المدخل النفسي الذي يبحث عن العوامل النفسية التي تدفع بالشخص لكي يشارك في الحركات الثورية، ويتزعم هذا المدخل جوستاف لوبون الذي يعرف الثورة على أنها  مجموعة من التحولات الفجائية في المعتقدات والأفكار والمذاهب، ويرى جوستاف أن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية والرئيسية، وهناك من علماء النفس من يرى الثورة تعبير عن سيكولوجية الحشد ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي.

اهتم  العالم الأنثروبولوجي جوستاف لوبان بمسألة الأبعاد النفسية للمجتمع، والفرد المنخرط في حراك جماهيري، وناقش في أكثر من كتاب هذه الاطروحات، ففي كتابه سيكولوجيا الجماهير يري أن الانفعالات التحريضية المختلفة التي تخضع لها الجماهير يمكنها أن تكون كريمة أو مجرمة، بطولية أو جبانة بحسب نوعية هذه المحرضات، لكنها ستكون دائماً قوية ومهيمنة على نفوس الجماهير إلى درجة أن غريزة حب البقاء نفسها تزول أمامها  بمعنى أنها مستعدة للموت من أجلها.

ووصف لوبان قادة الجماهير وخصائصهم النفسية  بأنهم مستعدون للتضحية بمصالحهم الشخصية وبعائلاتهم وبكل شيء إذا لزم الأمر، وحتى غريزة حب البقاء تمحى لديهم إلى درجة أن المكافأة الوحيدة التي يرجونها غالباً هي الاستشهاد، وكثافة الإيمان تعطى لكلامهم قوة تحريضية كبيرة، فالكثرة تصغي دائماً للإنسان المزوّد بإرادة قوية.

ويرجع البعض اتساع دائرة الحراك إلى ما يسمى “العدوى الاجتماعية”  وهنا تلعب العاطفة دورا مؤثر في اتساع دوائر الفعل حين يتوفر استعداد مشترك للتأثّر بالعاطفة أكثر من التأثر بالعقل والمنطق، وكلما كانت القضية التي تتبنّاها الجماعات المشاركة في الحراك أكثر إنسانية ولها أبعاد عاطفية، كلما تأجّجت مشاعر الأفراد وحدّة انفعالاتهم الفردية وبتنا أمام ما يُعرَف بالعدوى الاجتماعية .

إضافة إلى أن البعض يرجع تبلور الحراك واتساعه إلى القبول بفكرة الإيحاء، فيكون الفرد في حالة تهيّؤ ذهني وسلوكي لرفض أو تأييد فكرة مطروحة في الحراك، وتأييده يجعله قابلاً لكل ما يقوله الشخص القائد (leader)  في الحراك، فيصفّق له ويتبعه، ما يزيد القائد قدرةً على الإيحاء والتأثير بالناس الذين لا يحتاجون إلى دليل منطقي ليؤيّدوا شخصًا ما بل يتأثّرون بالإيحاء العاطفي الذي يمثّله.

• التكرار والوعي والأبعاد النفسية :

تعطى مساحة الحرية وإن كانت مقيدة الفرصة لوسائل الأعلام المستقلة في إبراز كوارث نظام حكم، خاصة إذا تكررت وبالتالي تأخذ ردود أفعال غاضبة في التنامي، وأثبتت عدة  مقابلات أجرها الباحث  مع عدد من النشطاء في الحراك السياسي في مصر وتونس، أن جزء من الغضب الشبابي الذي تبلور قبل الثورة تكون عبر البث المستمر لكوارث النظام، وهذه الأخبار التي كانت تبث قبل الثورة، شكلت دافعا للاستجابة للتمرد، وتكوين حراك مضاد للسلطة، كانت أحد دوافع التمرد الرفض النفسي للنظام بتوحشه وهيمنته، ومع كل إخفاق للسلطة كانت تعلن الحركات الشبابية التونسية والمصرية برغم ضعفها  رؤيتها لنظام جديد ورغبتها في إزاحة النظام، وكما يقول جوستاف لوبان “الإعلان لا يكتسب تأثيراً فعلياً إلا بشرط تكراره باستمرار،  وبنفس الكلمات والصياغات ما أمكن ذلك، كان نابليون يقول بأنه لا يوجد إلا شكل واحد جاد من أشكال البلاغة هو :التكرار،  فالشيء المؤكد يتوصل عن طريق التكرار إلى الرسوخ في النفوس إلى درجة أنه يُقبل كحقيقة برهانية.

وهكذا نري الترابط بين المكون النفسي والاجتماعي والاقتصادي،  فالإنسان حسب تعبير أوجست كونت “له جوهر بيولوجي والإنسان موضوعا للفسيولوجيا، وثانيا جوهر اجتماعي أو موضوعا لعلم الاجتماع، ومن ثم فهو مقيد بهذا المكون”.

وذهب عالم النفس الفرنسي “هنري والون” إلى إن علم النفس علم بيولوجي واجتماعي في آن واحد  وأنه يعنى بدراسة الإنسان كوحدة مندمجة في البيئة المحيطة به، وكذلك دراسة التفاعل المستمر بين الإنسان وبيئته والصراع الاجتماعي الذي يحدد شخصية الإنسان”  وانطلاق من رؤية  “والون” يمكن التعاطي مع رؤية “الصراع  الاجتماعي”  كمحرك للتاريخ، وضعت  الماركسية أسبابا عدة للتغيير، وربطت بين  الاغتراب والاستلاب كشعور نفسي ناتج من الأسباب الاقتصادية، ونمط الانتاج،  فعلاقة  أفراد المجتمع بملكية وسائل الإنتاج، ومدى حصولهم على عوائد إنتاجهم  تؤثر في اتجاهاتهم النفسية، من حيث القبول أو الرفض، وحتى الإحساس بالانتماء، أضافت الماركسية اللينينية أهمية قصوي لمسألة العمل الجماعي وتنظيم  العمال لأنفسهم في سبيل انتزاع حقوقهم، وهذا يتطلب قدرة على العمل الجماعي المنظم،  حسب تعبير لينين “لا تغير ثوري دون نظرية ثورية” والأيمان بنظرية ثورية لتغير الواقع تحتاج إلى استعداد نفسي ووعي بمسألة الظلم والاغتراب، وكذلك تحتاج بعد أخلاقي لتبنى تلك النظرية، لتحرير الانسان والمجتمع، أو كما يقول ماركس “تحرير الفرد شرط تحرير المجتمع”،  وإذا نظرنا إلى الخصائص النفسية الغالبة للشباب سنجد أن معظمهم لديهم طموح ورغبة في التغيير، وتجاوز الواقع وبناء مستقبل مغاير ينطلق من روح مفعمة بالأمل والشجاعة والجسارة والرغبة في المغامرة في سبيل تجاوز الواقع، وبناء مستقبل مغاير يكونوا جزء منه، متحررة إرادتهم .

جعل ماركس “الصراع الطبقي” ومظاهره وتجلياته هو المعبرعن حالة التمرد والثورة، فالطبقة العاملة تنظم حركتها وتقودها طليعة واعية وثورية ليس فقط لتنتزع حقوقها في الأجر العادل وظروف عمل كريمة وتوفير الخدمات بل وأيضا لتحرير المجتمع كله من الاستغلال، عبر تحويل النمط الاقتصادي من نمط يسعى وفقط للربح في النظام الرأسمالي الى نمط يسعى لتلبية حاجات المجتمع، ويحقق التنمية مستقبلا عبر الإنتاج والتوسع في التشغيل، ويتحول شعار المجتمع من كلا على حسب عمله إلى كلا حسب حاجته، وهنا يتم الحد من مستوى  الاغتراب والاستلاب الذي يشعر به العمال والمنتجون الذين لا يحصلون على عوائد انتاجهم، ويعملون فقط للاستكمال حياتهم ليوم أخر، ينتجون فيه الثروة لمالكي وسائل الإنتاج، ليس الشباب هنا بديلا للطبقة العاملة في احتجاجاتهم بالوطن العربي، لكنهم يشبهون أحوال العمال وخصائصهم فيما يتعلق بالاغتراب، والفقر، بل أنهم وبحكم ارتفاع معدلات البطالة ظروفهم الاجتماعية والنفسية قد تكون أشد قسوة، ونسبة من الشباب، هم أبناء عمال .

حسب الماركسية يتخلص الإنسان من اغترابه وحرمانه وشعوره بالاستلاب، حين يتحرر من عبودية  الرأسمال وفظائع النظام الرأسمالي الذى يحرم العمال من عوائد عملهم، ولا يوفر لهم احتياجاتهم فيزيد احساسهم بالبؤس ومشاعر الغضب، والتفسخ النفسي، وعدم الانتماء للمجتمع والاغتراب عنه .

التغير الثوري لا يحدث إلا بمعارك ثورية يومية أو حسب تعبير لينين “العمل اليومي المنظم”، وقد تجلى ذلك في العديد من الثورات التي سبقها سنوات من الاحتجاج والحراك السياسي للطبقات الاجتماعية، وهذا يتطلب نفسيا حالة من المقاومة والقوة والشجاعة والثقة بالنفس والقدرة على الحلم وهى خصائص تسود بين أوساط الشباب .

كما تؤهل مشاعر الكبت والقهر، في نشأة  الانفجار  الاجتماعي، وحركة الاحتجاج إذا توافرت الفرصة السياسية، من وجود مجموعات توظف هذه المشاعر في حراك جماعي .

ويري جوستاف لوبان فى كتابه “روح الثورات” أن المجتمعات تضم  فئات ونفوس أكثر استعدادا للتمرد ضد أوضاعها وأوضاع المجتمع “تشتمل المجتمعات في كل زمن على عدد من النفوس المضطربة المتقلبة الساخطة المتأهبة للتمرد”، ويرى أن هذا التمرد ينشا في الغالب من “عدم الامتزاج بالبيئة”، ويري ان للتمرد درجات “تبدأ مُن الاستياء الطفيف الذي ينحصر في كلام المرء عن الناس والأشياء وتنتهي إلى التخريب، وقد يصوِّب المرءُ صولته الثورية أحيانًا نحو نفسه عند عجزه عن التصرف بها على طريقة أخرى”.

بينما رأى بليخانوف، أن جميع الأيديولوجيات تنبثق من سيكولوجية مشتركة تضرب بجذورها في العصر الذي تظهر فيه، وقد أصبحت أفكار العدالة الاجتماعية والتحرر من السلطوية، والإيمان بحقوق الإنسان عموما تشكل أفكار محل اهتمام شبابي ليس عربيا فحسب بل عالميا،  ما اتضح في فترات تاريخية متعددة وفي عدة بلدان، أبرزها الحراك الشبابي عام 1968، ويمكن رؤية الحراك الشبابي العربي منذ ثورة تونس في هذا الإطار كتجربة شبيه بحركة التمرد التي شهدتها كثيرا من دول العالم في نهاية الستينات، وكذلك ثورات التغيير السياسي في شرق أوروبا، وحركات التغيير السياسي في أفريقيا خلال التسعينات .

يرى الدكتور عبد الجواد بوسليمي أستاذ علم النفس بجامعة السوربون أن الشباب التونسي مثل كل شباب العالم، يتطور عبر مراحل نفسية متتالية لكنه أجبر على القيام بثورته لأنه لم ير في ماضيه كطفل ولا في مستقبله ككهل أي أمل في سلوك بنى جلدته لتطوير وضعه النفسي والمادي، ويرجع  الرفض الدائم من الشباب للسلطة إلى فقدان الثقة في السلطة، ويعتبر أهم خصائص الشباب  نفسيا “الشجاعة والانطلاقة والمغامرة “.

يري الدكتور عزت حجازي أن أبرز مشكلات الشباب العربي تتمثل في الاغتراب  الناتج من أن شبكة العلاقات والتنظيمات الاجتماعية التي يرتبطون بها لا تقوم على أساس تقدير موضوعي سليم لظروفهم، واهتماماتهم وإمكانياتهم،  ولا يسير العمل فيها بحيث يحقق مصالحهم، ويرضي طموحاتهم، ويتفق الباحث مع هذا الرأي ويرى أن السلطة في مصر وتونس لم  تستأثر وحسب بالثروة والسلطة بل وأيضا بكافة الأنشطة في المجال العام، حيث أممتها على زبائنها،  وأن دائرة توزيع المصالح لم تقتصر على المال، وتولى الوظائف العليا للمقربين من السلطة،  بل تم توزيعها على فئة عمرية عجوزة، لم تسمح حتى للصفوف التالية المؤيدة للسلطة بالنفاذ لتك المناصب مواقع اتخاذ القرار، فوجدت إشكالية الجيل “العجوز” الذي يتولى المناصب ويحصل على المغانم والنفوذ والتحقق، ويحكم السيطرة، والجيل الشاب الغاضب من هذا الوضع، وبقى الشباب مستبعدين اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا، ما خلق وكرث إحساسهم بالاستبعاد النفسي، نتاج سيطرة “دولة العواجيز” على حد تعبير الشاعر عبد الرحمن الأبنودي حين قال “وحان الأوان ترحلي يا دولة العواجيز”.

ثانيا- الخصائص الاجتماعية:

تمثل الخصائص الاجتماعية والاقتصادية إطار لفهم سلوك أفراد المجتمع، فالظروف المتشابهة غالبا ما تخلق أطر  للاستجابة للإحداث والواقع المعاش، وحالة الإنسان الاجتماعية والطبقية ونمط معيشته تحدد جزء كبير من سماته ومواقفة، بل تساهم في تشكيل  وعيه السياسي، ويتخذ علم الاجتماع السياسي أهمية قصوي لفهم حركة المجتمع إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية بوصفها دافعا للحراك، وحسب ماركس “التكنولوجيا تبرز أسلوب عمل الإنسان تجاه الطبيعة أي العملية المباشرة لإنتاج حياته وبالتالي الظروف الاجتماعية لحياته والأفكار أو المفاهيم الفكرية التي تنجم عن هذه الظروف” (“رأس المال” المجلد الأول)، وهنا يتأثر وعي الإنسان بعلاقات الإنتاج وموقعه الاجتماعي الذي تحدده تلك العلاقات من حيث طبيعة العمل والملكية، وما تشكله من علاقات اجتماعية، وحسب لينين “مجموع علاقات الإنتاج يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي وتطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي”، إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري بصورة عامة، فليس إدراك الناس هو الذي يحدد معيشتهم بل على العكس من ذلك معيشتهم الاجتماعية هي التي تحدد إدراكهم.

كما أن الأفراد يولدون بانتماءات طبقية متمايزة، تميل عضويتها إلى الالتصاق بهم طوال حياتهم، آما أنها ذات تبعات واضحة بالنسبة لفرص الحياة، والقيم، والمعايير، وأساليب الحياة وأنماط الارتباطات الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق فإن التعرف على أوضاع الشباب الاقتصادية والاجتماعية، مفيدة لفهم الحراك السياسي الذي سبق الثورة بوصف أن هذه الظروف جزء من دوافع الحراك .

• المعرفة والوعي الاجتماعي أرضية لتشكيل حراك سياسي:

تهتم  النظرية الاجتماعية بالتمثيل الاجتماعي والاندماج والتهميش، وكلها تتم ضمن سياقات اجتماعية وسياسية تحدد اتجاه الفرد نحو المجتمع، والسلطة السياسية، وتؤثر في الحراك الشبابي بالطبع، وتعتبر علاقة الأفراد والجماعات بالمجتمع، ومكونات السلطة مؤثرة في خلق، وتبلور حراك قد يقود إلى الثورة، فتهميش جماعات ما  وعدم حصولها على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، يجعلها تتجه نحو التمرد، وتنظيم أنفسها في حركات ترفع مطالبها، ولو استطاعت المجتمعات دمج فئاتها خاصة الشباب، سيكون حراكهم  إصلاحيا، فالاندماج بوصفه العملية التي تندمج بمقتضاها الجماعات الاجتماعية، والطبقات، والأفراد داخل كيان اجتماعي أوسع، من خلال توسيع الحقوق، وما يترتب عليها من التزامات، في مجتمعات المواطنة” تخلق شعورا بالرضا والتضامن والتعاون ضمن آلية الدمج السياسي الاجتماعي.

الحراك الشبابي في جانب منه هو نتاج تفكير واتصال اجتماعي، أي أن الحراك له صفه اجتماعية مرتبطة بأدوار الشباب وموقعهم الاجتماعي وأدوارهم وظروفهم،  والناس يفكرون إبان سجالاتهم مع آخرين أو مع أنفسهم،  كما أن التفكير الاجتماعي جهد مشترك يجري فيه إخضاع قضايا الساعة والعلاقات الاجتماعية والمعرفة الاجتماعية  لرصد دقيق.

تتكون المعرفة الاجتماعية من “شبكة من العلاقات الاجتماعية والممارسات، والمؤسسات والجماعات المتشابكة وتقوم عليها، وركزت نظرية التمثيلات الاجتماعية على العلاقة بين الإدراك الفردي والإدراك الاجتماعي، أي المشترك  على المستوي الاجتماعي من معرفة وأيديولوجيا ومعتقدات .

في هذا الصدد يشير د. محمد الجوهري في كتاب “الشباب ومستقبل مصر”  إلى أهمية تناول الإطار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي حين نخوض النقاش، أو البحث حول قضايا الشباب، والشباب ليس فئة تصنيفية اجتماعية، ليست بيولوجية فقط، ولا نفسية فحسب، ولكنها كل ذلك إلى جانب أبعاد اجتماعية ثقافية حاكمة، تجعل النظر إلى الشباب في أي مجتمع بعيدًا عن الإطار الاجتماعي الاقتصادي لذلك المجتمع نوعًا من الضلال، الذي لن يقود إلا إلى الخطأ، وقد يقود في أفضل الأحوال إلى بعض النصائح والوصايا والشعارات والأحكام العامة الجوفاء التي لا تنفع أحدًا، ويري الجوهري أن دراسة الشباب كقطعة من الجسد الاجتماعي المصري، يتعين تحديدها وملاحظتها في ارتباطها العضوي بذلك الجسد، تلك قضية تتصل بالمنهج وبسلامة النظر قبل أن تتعلق بأي اعتبارات عملية.

يمكن هنا تناول بعض جوانب الخصائص الاجتماعية للشباب في عدة عناصر هي: الوزن الديمغرافي للشباب، والحالة التعليمية والتنشئة الاجتماعية، وعلاقة تلك العناصر بالأبعاد الاقتصادية المتمثلة في قوة العمل، ومؤشرات الثروة، ومدي التمتع بعوائد التنمية .

أولا- الوزن الديمغرافي :

يعد الوزن الديمغرافي أداة لإحداث تغيرات سياسية، ونشؤ حراك سياسي، إذ لم توفر السلطة للجماعات التي يتسع عددها احتياجاتها، وقد تعاظم عدد سكان العالم عموما،  والشباب خصوصا منذ الأربعينات، وأشار التقرير العالمي “رصد السكان في العالم 2014” الذي أعدته شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمانة العامة للأمم المتحدة إلى إن معدلات زيادة أعداد الشباب في أفريقيا حققت نمو أعلى بكثير مقارنة مع المناطق الأخرى في العالم .

بينما كان عدد سكان العالم يُقدَّر بحوالي 5.7 بلايين شخص عام  1995، بلغ 7.2 بلايين عام 2014، كما   سجّل عدد الشباب نمواً سريعاً خلال العقود الأخيرة ومن المتوقع أن يظل معدّله مستقراً نسبياً خلال السنوات الخمس والثلاثين المقبلة.

مثلت فئة الشباب خلال 2014 سدس العالم، تتضمن 1.2 بليون نسمة، وما فتئ عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً يتزايد بسرعة في أفريقيا، من المتوقع أن ترتفع نسبة المراهقين والشباب في أفريقيا من 18% خلال 2014 إلى 30% في عام 2050 .

وفقا لبحث مسح النشء والشباب في مصر الذي أجراه  مجلس السكان بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، يتضمن سكان مصر عدداً كبيراً من النشء والشباب بالنسبة إلى الفئات العمرية الأخرى، واستنادا إلى البيانات التي تم جمعها من جميع الأسر التي جرت مقابلتهم، فإن ٦٢٪  يبلغ عمرهم 29 عاما أو أقل.

وتتصف مصر بأنها دولة شابه نظرا لارتفاع نسب الشباب، كما تشهد مصر، مثلها في ذلك مثل الكثير من الدول العربية، ما يعرف بظاهرة “الانتفاخ الشبابي”، الذي يقصد به الفترة الزمنية التي تكون فيها نسبة الشباب إلى مجموع السكان في تزايد كبير، بالمقارنة مع الفئات العمرية الأخرى؛ فوفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن 28% من مجموع سكان مصر في عام 2007، تراوحت أعمارهم بين 15- 29 عاما، أي أنهم شكلوا قرابة ثلث إجمالي السكان في مصر، ومع ذلك، فقد تعرض الشباب المصري لشتى أشكال الإقصاء.

وحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2010 ، برزت ظاهرة تضخم فئة الشباب في مصر لأول مرة عام 1995 ، ومن المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة خلال الثلاثين سنة القادمة حتى عام  2044، وهذا الجيل تقدر نسبته بنحو 23.5% من إجمالي السكان في عام 2010 ، أو بما يوازي 19.8 مليون شاب وشابة في الفئة العمرية (29-18 سنة)، وهذا هو الوقت الذي ينتقل فيه الشباب من المدرسة إلى التعليم العالي ثم إلى العمل، والمواطنة، والزواج، وتكوين أسرة مستقلة.

بينما يمثل الشباب الأغلبية الساحقة في المجتمع التونسي حيث تحتل الشريحة العمرية المتراوحة بين 10 و34 سنة ما يقارب 60% من المجتمع، يمثل هذا الزخم الشبابي خاصية فريدة من نوعها حيث أن البرامج التنموية الموجهة للشباب تفتقر منذ عقود الى استراتيجية تونسية بحتة.

النمو في أعداد الشباب، مفهوم صاغه علماء السياسة الثلاثة غونار هاينسوهن G. HEINSOHN وغاري فولر G. FULLER   وجاك غولدستون (J. Goldstone). وهو مفهوم يدلّ على ارتفاع نسبة من هم في الفئة العمرية 15- 24 عامًا قياسًا بإجمالي عدد السكان، وتنخفض الوفيات وتبقى الخصوبة على مستواها، وتساهم كلّها في إعادة تشكيل البنية العمرية بشكل جذري، ففي مرحلة أولى يزيد حجم التحوّل الديموغرافي، وحصة الفئة الأكثر شغباً في المجتمع فيه، ألا وهي الشباب، وفقاً لأدبيات المفهوم الجديد هذا، فإن طفرة أعداد الشباب الذكور في المجتمع تؤدي إلى اضطرابات اجتماعي.

وقد تجلت ظاهرة تمدد واتساع المناطق الحضرية على حساب مناطق الريف بالعالم والمنطقة العربية، وكان هذا الوضع منطبق على مصر وتونس، ولعل تراجع الأنشطة الزراعية ساهم في الهجرة إلى المدن ومعها ذادت التحديات التي تواجه سكان المدن من عدم كفاية الخدمات لعدد السكان، ما ظهر في السنوات العشر السابقة على الثورة احتجاجات ارتبطت بخدمات مياه الشرب على سبيل المثال كما حدث في منطقة البرلس والسويس بمصر وكذلك الاحتجاجات التي اندلعت ضد مشروع أجرويم  بدمياط، وغيرها من الاحتجاجات المعروفة باحتجاجات العطش ناهيك عن الاحتجاجات المرتبطة بالحق في السكن.

يطرح النمو الحضري السريع تحدّيات أمام التخطيط الحضري المستدام والإدارة السليمة، خاصة عندما تكون المناطق غير مجهزة على النحو المناسب للتعامل مع تلك التحدّيات.

وهنا يتضح أكثر فأكثر تأثير “العامل الديموغرافي الذي يشير في جانب منه إلى الارتباط بين عدد السكان ومستوى المعيشة، ما يؤدي إلى انعكاسات على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والارتباط بين حجم   السكان والعمالة والبطالة ومستوى الأجور والمعيشة واستعمال الآلات بما يؤثر في الأفراد، والتركيبة الاجتماعية للمجتمعات.

رصد أصحاب المدخل الديمغرافي في تحليل التغيرات الاجتماعية وأبرزهم دور كايم، أن الزيادة في عدد السكان تؤدي إلى  تقسيم العمل الاجتماعي، ومن ثم يكو ن هناك تقسيم أو انتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي الذي يرجع إلى العامل السكاني، ما يصنع أسرة متغيرة في كثير من وظائفه، وهذا يحدث نتيجة التغير الحاصل في البناء الاجتماعي.

ويري الباحث أن الحراك والهجرة من الريف إلى المدن خاصة في أوساط النخب المشاركة في الحراك سمح للعاصمتين القاهرة وتونس، بأن تكون ملتقى لجيل شبابي يشكل بورة للتغيير، وأثبت المقابلات التي أجريت بالعاصمتين أن ما يقارب نصف النشطاء في الحراك السياسي، إما ينتمون إلى مناطق ريفية أو أسرهم انتقلت من مدن ريفية إلى المدينة، فحاولت أن تخلق عبر انخراطها في المجال العام إثبات لذاتها، ومحاولة للفكاك من واقع اجتماعي قاسي، أولا عبر الهجرة من مناطق الريف والأطراف، وثانيا عبر الانخراط في حراك سياسي يسعى للتغير، وهنا تجاورت مسالة الهجرة الداخلية في دعم الحراك مع تطلعات جيل ناشئ يسعى لواقع مغاير وحياة ممكنة .

ربط الانثروبولوجين أمثال رد كليف برون وفيرث بين البناء الاجتماعي وعملية التغير، بوصف أن الناس حين ينظمون أنفسهم فهم يسعون للعيش المشترك بشكل أمن،  ويتعاونون فيما بينهم لتلبية احتياجاتهم وينتج بينهم علاقات ترابط .

راد كليف بروان يرى البناء الاجتماعي بوصفه العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، إذ أن البناء الاجتماعي للقبيلة في أي مجتمع يتكون من تلك العلاقات الديناميكية، كعلاقة الأب مع الأبن، أما “ايفانز يرتشار” فيرى أن البناء الاجتماعي  عبارة عن مجموعة العلاقات التي تقوم بين الجماعات التي تتمتع بدرجة عالية من القدرة على البقاء والاستمرار في الزمن ومواكبة التغيرات لمدة طويلة، أما  عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية “فيرث”  يرى أن أحد مكونات البناء الاجتماعي، هي الجماعات التي يشكلها  الناس من أجل العمل المشترك، التي تؤدي إلى نوع من التنسيق القائم على العلاقات وهذا ما يمكن أن نسميه بناء اجتماعياً حتى لو حصلت تغيرات في مكونات بنائه.

ويتضح من العرض السابق أن الوزن الديمغرافي يؤثر في عملية التغير، فيدفع الكتل الاجتماعية والشباب نحو الحراك إذ لم تتحقق مطالبهم، والحراك هنا ضرورة ونتاج لتوسع الكتل الشبابية، ورغبتها في خلق واقع مغاير، كما تؤثر حركة الهجرة، والحراك السكاني من الريف إلى المدن في الضغط على الخدمات، والتنازع والتنافس على فرص العمل، التي تؤدي الى حالة تمرد وضيق بالمعيشة، وبالتالي مواجهة السلطة المنتجة لهذه الحالة، وعلى جانب أخر فإن المجموعات السياسية النشطة من الشباب  ينضم اليهم نخب شبابية جديدة من الأطراف،  لتصبح العواصم كمراكز سياسية قوية في مواجهة السلطات الحاكمة، وبرزت هذه الحالة  في ثورتي مصر وتونس، حيث كانت القاهرة وتونس عاصمتي للحراك السياسي الذى أسقط مبارك وبن على .

ويري د. حسنين توفيق أن هناك علاقة بين الديمغرافيا والأدوار السياسية للشباب، وإعادة تشكيل خرائط القوى والتكوينات الاجتماعية والطبقية  ” إن موضوع العلاقة بين الأوضاع والتغيرات الديموغرافية والتطور السياسي الداخلي لم يحظ بالاهتمام في أدبيات دراسة النظم السياسية العربية”  ودفعت حسب وجهة نظرة  الثورات والانتفاضات العربية  بهذه العلاقة إلى بورة الاهتمام مرة أخري حين قامت فئات من الشباب المتعلم بإشعال فتيل الكثير من هذه الثورات والانتفاضات، والمشاركة فيها، وهؤلاء الشباب هم في معظمهم غير منتمين إلى تيارات أيديولوجية أو تنظيمات سياسية تقليدية، بل إنهم نجحوا في تحقيق ما فشلت هذه التنظيمات في تحقيقه على مدى عقود، ليس بسبب القمع الذي تعرضت له فحسب، ولكن أيضًا بسبب مشكلاتها الداخلية من ناحية، ونجاح النظم الحاكمة في بعض الدول في توظيف بعض قوى وأحزاب المعارضة من أجل تعزيز قدرتها على الاستمرار في السلطة من ناحية أخرى.

ثانيا- عملية التنشئة الاجتماعية والتعليم:

تشير الحالة التعليمية إلى معدلات الالتحاق بالمراحل العلمية المختلفة، ونسبة الأمية، وكذلك نوعية التعليم، ويرتبط موضوع التعليم أيضا بعدة مفاهيم مركزية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، فهو جزء من آليات الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية المرتبطة بدور ومؤسسات التعليم، ويؤدي التعليم أيضا إلى المساهمة في صياغة شخصية الإنسان، وقد شهد العالم بحكم التطور التقني والمعرفي والتكنولوجي إلى توفير آليات تعلم مفتوحة المصدر وعن بعد، وسائل تعلم وتعليم غير تقليدية، مثل الشبكة العنكبوتية “الإنترنت” أتاحت فرص لتبادل ونشر المعارف وكسرت احتكار بعض المؤسسات  كمصدر  وحيد للتعليم، ونشر المعرفة، أضف إلى ذلك ارتباط التعليم بالأيديولوجيا، والتوجهات السياسية للنظام السياسي، كما يؤثر نمط الإنتاج في تحديد عدد ونوعية المتعلمين، ومدى الحاجة إليهم في سوق العمل.

وشهدت أنظمة دولة الاستقلال في مصر وتونس اهتماما بنشر التعليم على أرضية إحداث تغير اجتماعي واقتصادي بمجتمعاتها، ومن ضمن تلك الأنظمة نظام يوليو في مصر بعد ثورة 1952، وكذلك نظام بورقيبة بعد تحرر تونس من الاحتلال الفرنسي، استند النظامان إلى التعليم كأداة لإحداث التنمية الاقتصادية التي طرحها النظام التونسي والمصري، لكن تاريخ التعليم بالطبع أسبق من نظام ودولة الاستقلال.

“كان أول مشروع فكري ظهر في مصر هو مشروع علي مبارك عام 1867 ، والمسمى بلائحة رجب 1285 ، ثم أنشأ مدرسة المعلمين (دار العلوم) عام 1880؛ لتزويد المدارس بصفوة معلمي اللغة العربية، وفي عام 1908 افتتحت الجامعة الأهلية، ثم جاء دستور 1923، الذي نص على أن التعليم الأولي إلزامي للمصريين بنين وبنات، وقد صدر مرسوم قانون بإنشاء الجامعة الحكومية باسم الجامعة المصرية عام 1925 مكونة من أربع كليات.

“ارتبطت استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر بالتعليم، وجاء دستور 1971 في مادته (18) مؤكدً على أن التعليم هو حق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتشرف الدولة على التعليم كله، وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي ، وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج.

وكذلك تشابهت التجربة التونسية في التعليم  “واعتمد الهيكل التربوي التونسي في بداية الستينات الطريقة العلمية في التعامل مع تربية الناشئين، فمحمود المسعدي و الوزراء الذين جاؤوا بعده أعطوا انطلاقة صحيحة لمنهجية تربوية تونسية بحتة، ومع الأسف تلاشت جهودهم في أواخر السبعينات خاصة مع الفوضى المذهبية بين المعربين والرافضين للتعريب، فأول خاصية للشاب التونسي تتمثل في قدرته الطبيعية على التأقلم مع المحيط أكثر من غيره.

كما يعتبر التعليم  ومؤسساته ضمن أجهزة الدولة الأيديولوجية Ideological State Apparatus ” طور هذا المصطلح المفكر الماركسي لوى ألتوسير للإشارة إلى تلك المؤسسات (مثل مؤسسات التعليم، والمؤسسات الدينية والأسرة، ووسائل الاتصال، والنقابات المهنية، والقانون) التي توجد – من الناحية الشكلية- خارج سيطرة الدولة، لكنها تعمل على نشر قيم وأفكار هذه الدولة بهدف التأثير على هوية الأفراد الذين ينتمون إلى هذه المؤسسات أو يتعاملون معها، والمحافظة على النظام في المجتمع، و تهدف إلى إعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية، ومن الملاحظ أن تلك المؤسسات أيضا تشارك في عمليتي الضبط والتنشئة الاجتماعية .

ويري التوسير أن التعليم، داخل المجتمعات الرأسمالية الحديثة، حل محل المؤسسة الدينية، لكن تلك النظرية تعرضت لانتقادات نظراً لفهمها التبسيطي للعلاقة بين هذه المؤسسات (أي الأجهزة الأيديولوجية) والدولة، وفهمها الذي يقلل من استقلالية هذه الأجهزة أو قدرتها على الحفاظ على استقلالها، حيث يمكن لهذه الأجهزة أن تمثل تحدياً للسلطة داخل المؤسسة التعليمية عند ضعف المجتمع الرأسمالي.

ورغم ارتفاع نسب التعليم في تونس عن مصر وانخفاض نسبة الأمية فيها إلا أن هناك مشكلات تعليمية متقاربة أبرزها يتركز في ارتفاع كثافة الفصول، مع قلة أعداد المدارس، وتعدد الفترات الدراسية، والاعتماد على طرق التدريس التقليدية، وغياب التنمية المهنية، وانعدام الربط بين البرامج التدريبية والاحتياجات التنموية، وارتفاع نسبة العاملين بالجهاز الإداري مقارنة بالمعلمين، وضعف قدرة الإدارة المدرسية على إحداث الإصلاح المدرسي في جودة العملية التعليمية، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في نسب النجاح والمجاميع المرتفعة التي لا تعكس المستوي الحقيقي للطلاب، ما لا يتناسب مع سوق العمل، بالإضافة إلى قصور التمويل الحكومي للوفاء باحتياجات عملية الإصلاح التعليمي، كما أن ميزانية التعليم يتجه معظمها للأجور، غير تخلى الدولة عن دعم برامج التعليم في ظل توجهاتها الاقتصادية التي تعتمد على أن التنمية ينفذها القطاع الخاص وأن العملية التعليمية جزء من سوق استثماري يشارك فيه القطاع الخاص .

ثالثا- التعليم والمعرفة كمحفز للحراك وأداة للتنظيم الاجتماعي :

حسب رؤية  العالم الأنثروبولوجي فيرث، فإن كل تطور تكنولوجي يحمل أفق للتغير، وهذه المقولة تنطبق تماما على التوظيف المعرفي ومهارات التعلم وانتقال الخبرات والمعلومات والمعارف عن طريق شبكة الإنترنت التي شكلت إطار معرفي جامع مهد لحراك ارتبط بموضوعات المعرفة المشتركة، كما حدث في حوادث ووقائع الاحتجاج ما قبل الثورة وما بعدها، مثلا وقائع التضامن العمالي بين عمال الغزل والنسيج في مصر واشتعال إضراباتهم في توقيتات واحدة، كذلك بناء شبكة من المتضامنين مع أهالي وسكان الدويقة، وقلعة الكبش في مطالبهم المتعلقة بالسكن، ومن تلك الأمثال في مصر أيضا مواجهة مشروع “أجريوم” في دمياط لأسباب تتعلق بسلامة البيئة وتأثير المشروع على صحة المواطنين وقد وظفت فيه كل الوسائل المعرفية ومنها شبكة الإنترنت وكذلك حركة 6 ابريل في مصر التي بدأت عبر حراك شبابي على الفيس بوك، وأيضا في تونس شكل المجال المعرفي في الإنترنت مجالا للحشد والتجمع، فمثلا تشكلت جماعة “سيب صالح” التي ناهضت القيود التي فرضها نظام بن على حين حجب بعض مواقع إلكترونية معارضة  ومواقع إخبارية، وحسب مقابلات أجرها الباحث مع نشطاء تونسيين استفادت مجموعات” الألتراس” التونسية من الإنترنت في نشر أغانيهم وشعاراتهم وأفكارهم، واستطاعت وسائل الإعلام نقل أحداث الحوض المنجمى  نقلا عن مدونين ونشطاء نشروا الفيديوهات والصور للصحف والقنوات الفضائية ومنها تم إعادة وتوزيع الأخبار ثم التفاعل مع الأحداث والتضامن مع المحتجين سواء احتجاجات الحوض المنجم أو بن قردان.

” تستند بنية الاحتجاجات الاجتماعية في الواقع الافتراضي في الأساس على بنية معرفية، فمرجعية التفاعل في المجتمع الافتراضي هي مرجعية معرفية بالأساس؛ لأن الذي يحرك الاحتجاج عبر الإنترنت هم النشطاء الجدد أو النخب المعلوماتية، كما تستند لمرونة التفاعل، حيث تُتاح الفرصة أمام تشكل تفاعلات إيجابية تتسم بسهولة التواصل عبر الإنترنت، حيث المرونة في القدرة على توحيد الأهداف العامة للاحتجاج على ساحة الإنترنت.

استخدمت النظم، التعليم والمؤسسات التعليمية كأدوات للضبط الاجتماعي وكمؤسسات أيديولوجية، وتوسعت في عملية التعليم وإدخال تكنولوجيا الاتصال جاءت بنتيجة عكسية على استقرار تلك النظم واستدامة حكمها، ذهب بن على الرئيس التونسي في الفترة الأخيرة من حكمه في التوسع في إدخال تكنولوجيا الاتصال وتباهي بكون تونس عاصمة للتكنولوجيا وأدى ذلك إلى إتاحة استخدام تكنولوجيا الاتصال فأنتج عمومية للمعارف وانتشار للمعلومات وقدرة أعلى على التواصل ما أثر على البنية السياسية وأضاف اليها جيل من المتعلمين القادرين على امتلاك المعارف والمعرفة بالأخبار والأحداث ومن ثم التفاعل معها، واعتبر بن على نفسه رئيسا عربيا رائدا في إدخال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات إلى بلاده وتأثر بدول الغرب وفرنسا في هذا الإطار، وحاول تقديم بلاده تونس على أنها دولة متقدمة وعصرية تهتم بكل تقدم تقني ومعلوماتي، وأنها عاصمة رقمية، فعقد في تونس عدة مؤتمرات تحت رعاية الحكومة التونسية منها مؤتمر القمة  العالمية لمجتمع المعلومات نوفمبر 2005 ووصل عدد مستخدمي الإنترنت في هذه الفترة إلى ما يقارب 800 ألف مستخدم حسب بيانات حكومية تونسية .

وحسب  الوكالة التونسية للإنترنت “في عام 1991 كانت تونس أول بلد عربي وأفريقي يرتبط بشبكة الإنترنت العالمية، ولكن دخول الشبكة على المستوى الواسع بدأ منذ عام 1996 مع إنشاء “الوكالة التونسية للإنترنت” التي أوكلت إليها مهمة التصرف في خدمات الإنترنت وتكنولوجيا الشبكات وحسن استغلالها وتسويقها، ومع طرح النظامين المصري والتونسي منذ دولة الاستقلال فكرة أن التعليم أداة وسلم للترقي والحراك الاجتماعي أصبحت الفكرة سائدة في أذهان الناس، واستطاعت الدولتان عبر التوظيف والتشغيل لخريج الجامعات والمدارس الثانوية أن يكون بالفعل التعليم أداة لكسب الرزق والحصول على عمل وتأمين دخل مستمر ودائم إلا أنه ومنذ منتصف الثمانيات ومع زيادة عدد الخريجين خاصة خريجي الجامعة وعجز الدولتين عن التوظيف أصبحت هذه القاعدة غير قائمة وأصيبت أجيال من الشباب وأبائهم وأمهاتهم بالإحباط فأبنائهم معطلون، ما أبرز حالة تململ سرعان ما تحولت الى تمرد شبابي ضد السلطة في كلا البلدين.

وحسب بحث  ميداني أجراه د. شحاته صيام حول الاحتجاج، سجل صيام أن نسبة كبيرة من الشباب شاركوا في الاحتجاج، فإنه لا يتفارق مع إحساسهم ببعد الدولة عنهم، فضلاً عن رؤية للعالم تعكس رؤية ضبابية أو تشاؤمية تجاه اشباع احتياجاتهم أو للمستقبل.

وتربط كثير من الأبحاث بين الاحتجاج وعنصري الوعي والتعليم كدراسة د. شحاته صيام التي أوضحت خصائص عينة الدراسة هذه العلاقة “وبالنظر إلى طبيعة الحالة التعليمية لعينة الدراسة، التي تنعكس بالطبع على طبيعة فهم ومعنى الاحتجاج، ودلالته وارتباطه بالمصالح الاجتماعية، و نضج الوعى الاجتماعي، نجد نحو  24.4% من عينة الدراسة يدخلون في زمرة الحاصلين على المؤهلات المتوسطة، بينما نسبة الحاصلين على مؤهلات عليا قد بلغت نسبتهم نحو 28.8%، ثم يسجل الحاصلين على مؤهلات ما فوق العليا (ماجستير – دكتوراه) حوالى 12.6%.

وهذا يوضح أثر التعليم في الاحتجاج وإن كان التعليم والوعي ليس شرطا وحيدا للاحتجاج فالوضع الاجتماعي والطبقي وطبيعة المطالب من حيث أهميتها وإلحاحها يشكل دورا في الاحتجاج، لذا هناك  فئات اجتماعية تعليمة بسيط وأحيانا لم تكمل تعليمها لكن شاركت في الحراك ما قبل الثورة في مصر وتونس خاصة في أوساط العمال والفلاحين فالوضع الطبقي يخلق أفكار ووعي مرتبط بالحالة الاجتماعية وطبيعة المعيشة وإحساس الفرد بالتهميش والفقر وعدم المساواة وهذا الوعي نتاج التفاوت الطبقي والاجتماعي الذي يراه أفراد المجتمع متجسد أمامهم في كل مظاهر الحياة .

ويربط الدكتور على ليله بين البعد الديمغرافي والتعليم والاحتجاج في كتابه الشباب العربي وظواهر الأحياء والعنف”، فلأول مرة في التاريخ نجد أن حوالي نصف البشر في العالم يقعون في الفئة لعمرية بين 16-13 سنة، وهم يوجدون كأعضاء عاملين في قوة العمل وأن هناك نسبة عالية مازالت في التعليم، بينما توجد نسبة لها اعتبارها تعاني من البطالة الدائمة، أو البطالة المؤقتة، وهناك 25% من الشباب الذي يقع بين 21- 25 سنة، ما زالوا في التعليم وهو رقم لم يسبق له مثيل في التاريخ، ويعتبر ذلك من أكثر التطورات الاجتماعية وضوحاً في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإذا اتفقنا على وجود الشباب في كل فترات التاريخ، فإنه يمكن القول إنه لم يحدث أن كانت نسبة عالية من السكان صغاراً السن شباباً على هذا النحو.

ويري د. على ليله أن توسع التعليم العالي وتوفره بشكل جماهيري يعتبر من أهم التغيرات داخل نظامنا العالمي المعاصر، وساعد هذا المستوى التعليمي على خلق المجتمع الشبابي عن طريق تجميع واسع المد لكل من هم بين سني 17- 21 سنة.

رابعا- الاستبعاد الاجتماعي أزمات متشابكة.. البطالة والسكن والزواج:

تمثل المشكلات الاجتماعية للشباب إطارا دافعا للتمرد، فارتفاع معدلات البطالة، وصعوبة الحصول على عمل، أو هشاشة عقود العمل، تعنى عمليا عدم قدرة الشباب على تكوين أسرة، وهذا يعنى أن الشباب سيفتقد جزء من مستقبله، وسيفقد حاضن اجتماعي مأمول وهو الأسرة، وسيكون منفصلا عمريا عن أسرته، وارتفاع معدلات البطالة أيضا يعنى صعوبة الحصول على سكن، والتنقل من مكان إلى آخر في ظل علاقات سكن تخضع لقانون العرض والطلب، والسوق، ويتحكم فيها القطاع الخاص، في ظل تراجع الدولة عن توفير خدمة السكن، الذي يصب في صالح قطاعات الاستثمار العقاري، التي تعتبر أعلى قطاعات من حيث الربح، وتدوير رأس المال، وحجم الاستثمارات.

ويترك التنقل من سكن إلى آخر شعورا اجتماعيا ونفسيا قاسيا الا وهو الاغتراب، وفقدان جزء من الشبكات الاجتماعية والصدقات التي سرعان ما تهدم بعد أن تكونت في منطقة جغرافية ما، يتركها الساكن إلى حي آخر في ظل علاقات سكن مؤقته يحكمها قانون السوق.

يتشابك الوضع الاقتصادي مع الوضع الاجتماعي، بل يعتبر منشأ له، على جانب آخر تشكل دراسة الاقتصاد فرع أساسيا من أفرع الأنثروبولوجيا، يعرف بالأنثروبولوجيا الاقتصادية، ويحرص الانثربولوجين أن تكون دراستهم للنظام الاقتصادي ذات صبغة اجتماعية  رغم أنهم قد يستخدمون مفهومات الاقتصاديين في توضيح الظروف المادية للوجود الإنساني، إلا أنه يركز على الإطار الاجتماعي للسلوك الاقتصادي، ويصفون النظم الاقتصادية من خلال  منظور النسق الثقافي الكلى أو من خلال المجتمع ككل ويكون اهتمامهم  بالعلاقات الاجتماعية التي ترتبط بالنشاط الإنتاج والتبادل.

ينشئ الاقتصاد تدرج طبقي واجتماعي، ويخلق تفاوتا طبقيا، وبما أن أغلبية المجتمع فقراء، فإن الشباب نصيبهم من الفقر أعلى بحكم ارتفاع معدلات البطالة بينهم.

وتتصل أوضاع الشباب الاجتماعية بمدي عدالة الاقتصاد، أو عدالة التوزيع للنمو الذي يخلقه الاقتصاد، هل تتوفر فرص العمل، وما شكل  توزيع الثروة في المجتمع، فالاقتصاد حين يخلق عدالة ومساواة يتحقق استقرار ورضا بين فئات المجتمع بعكس ما قد يخلقه من مظالم وعلاقات اقتصادية واجتماعية تتصف بالاستغلال،  الأمر الذى يدفع للثورة وتبلور حراك اجتماعي مناوئ للنظام الذى تمثله السلطة الحاكمة.

• نمط اقتصادي ونظام اجتماعي يهمش الشباب:

أدي  نمط الاقتصاد في تونس ومصر قبل الثورة بعشر سنوات إلى تراكمات من الغضب لفئات اجتماعية عديدة، ومنهم الشباب، فقد حققت البطالة معدلات واسعة تتجاوز الثلث في بعض التقديرات بينما كانت التقديرات الرسمية تشير إلى بطالة تتجاوز 12% في مصر وتونس .

تتركز البطالة في الدول العربية أولاً وقبل كل شيء على مستوى الشباب، وتُعدّ من أعلى معدلات البطالة في العالم، إذ تمثّل 50% من مجمل معدلات البطالة، وتكون أعلى بين الإناث، وسجّلت البطالة عند الشباب في العالم العربي في الآونة الأخيرة أعلى المستويات .

كما تزداد البطالة ففي أوساط  خريجي الجامعات “لعجز الاقتصادات العربية في خلق وظائف كافية تتماش مع  الزيادة السنوية في القوة العاملة، هذا يشير إلى الفجوة بين النظام التعليمي واحتياجات ومتطلبات سوق العمل من حيث المهارات، غياب والخدمات والبرامج الداعمة لربط الباحثين عن العمل مع سوق العمل .

يعرف الخبير الاقتصادي إبراهيم العيسوي، العدالة الاجتماعية بوصفها “الحالة التي ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو من كليهما، التي يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي وتنعدم فيها الفروق غير المقبولة اجتماعياً بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة، التي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة ولا تجور فيها الأجيال الحاضرة على حقوق الأجيال المقبلة، التي يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، التي يتاح فيها لأفراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم ولإطلاق طاقاتهم من مكامنها ولحسن توظيف هذه القدرات والطاقات بما يوفر لهؤلاء الأفراد فرص الحراك الاجتماعي الصاعد، وإذا تأملنا هذا التعريف وتطبيق عناصره وشروط تحقق العدالة من زاوية الشباب، سوف تكون النتيجة ان الشباب أكثر الذين يعانون من واقع يفتقد العدالة، فهم في مقدمة المحرومين العمل بحكم اتساع معدلات البطالة، وما يترتب على ذلك من ارتفاع نسبة الفقر في الأوساط الشبابية، وبحكم تهميشهم من المشاركة في المجال العام قبل الثورة فإنهم يشعرون بإقصاء اجتماعي، ويفتقدون الشعور بالإنصاف والعدل، خاصة بعد أن قضى أغلبهم سنوات طويلة من التعليم لينضم الى طوابير العاطلين عن العمل، وهم أيضا لا تتوفر لهم فرص توظيف إمكانياتهم واختبارها ولا تنميتها بطبيعة الحال .

إجمالا يمكن القول إن العوامل الاجتماعية والنفسية للشباب في حالة ترابط، وتؤثر كلا منها في الأخرى، كما يحتل الوضع الاقتصادي دورا مركزيا في التأثير على كلليهما، والعناصر الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية مثلت اطارا ودافعا للحراك الشبابي إقليميا، بداية من ثورات وانتفاضات المنطقة، التي بدأت بثورة تونس، كما أن تأثير علاقات الاقتصاد، والظروف الاقتصادية الصعبة للشباب، أوسع من المؤشرات الاقتصاد الرقمية كمعدلات البطالة والتشغيل والفقر، حيث يخلق النمط الاقتصادي والاجتماعي البائس، لدي الشباب تمردا ونفورا من بقاء السلطة، ويساهم استبعاد  الشباب اجتماعيا وسياسيا ونفسيا في التحضير للثورة، التي مثلت خيارا جماعيا، أخلاقيا، مسئولا، وطريق لتغير المجتمع وحل مشكلاته، ليشارك الجمهور المستبعد من صنع القرارات، وجنى ثمار التنمية .

المصدر

إسماعيل عبد الكافي،الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير ، دار الساقى، بيروت 2016 ، الطبعة السابعة قادري سمية،شنين محمد المهدي، سيسيولوجيا الثورة قراءات نظرية: الثورات السياسية ـ المفهوم والأبعاد يورشنيف – علم النفس الاجتماعي والتاريخ، ترجمة سعد رحمي، دار الثقافة الجديدة، 1986 ، القاهرة، جوستاف لوبان – روح الثورات- ترجمة عادل زعتر- كلمات عربية للترجمة والنشر 2012 د.عبد الجواد بوسليمى، الشباب التونسى و الثورة الدائمة، باريس 2012 عزت حجازي ـ الشباب العربي ومشكلاته ـ عالم المعرفة ـ الطبعة الأولى ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص74لينين،سيرة مختصرة وعرض للماركسية، دار التقدم، موسكو سكوت، موسوعة علم الاجتماع، المجلس الاعلى للترجمة، القاهرة، 2007 كريستان تيليغا ، علم النفس السياسي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، مايو 2016 مجموعة من المؤلفين، مسح النشء والشباب في مصر، التقرير النهائي يناير ٢٠١١، إصدار مجلس السكان الدولي – المكتب الاقليمي لغرب آسيا و شمال افريقيا يوسف عناد زامل، سوسيولوجيا التغير قراءة مفاهيمه في ماهية التغير، كلية الآداب، جامعة واسط، العراق فاروق جعفر عبد الحكيم مرزوق، ثورة 25 يناير ومستقبل التعليم في مصر تحديات الواقع وآليات المستقبل، معهد الدارسات التربوية – جامعة القاهرة، القاهرة شحاتة صيام ، ثقافة الاحتجاج من الصمت الى العصيان، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009م على ليله ، الشباب العربي وظواهر العنف والاحياء، دار المعارف، القاهرة، 1993 محمد حسن الغامري، مقدمة فى الانربولوجيا، جامعة قسطنطينية، الجزائر، 1987 ندين البلعة خيرالله، سيكولوجية التظاهرات والتحركات الشعبية، مجلة الجيش اللبناني العدد 365 رصد السكان في العالم 2014 – أعدّت هذا التقرير شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمانة العامة للأمم المتحدةتقرير التنمية البشرية في مصر عام 2010، معهد التخطيط القومي بمصر، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 2010يوسف كرباج، هل تؤدي الثورة الديموغرافية إلى ثورة ديمقراطية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموذجا، دراسة بمجلة عمران عدد 3: مارس2013حسنين توفيق، الثورات والانتفاضات وتحولات الواقع السياسي العربي، المجلد 225 من كراسات إستراتيجية،مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، 2011دينا شحاتة الحركات الشبابية وثورة 25 يناير المصدر العدد 218 سلسلة كراسات استراتيجية إصدار مركز الأهرام للدراسات السياسية، 2011مذهب ماركس الحكم في أفريقيا‏:‏ من الانقلابات العسكرية إلي التداول السلمي، الديمقراطية، مركز الاهرام للدراسات، القاهرة، مدرسة فرانكفورت والتحليل النفسي… فروم بين ماركس وفرويد الأنثروبولوجيا النفسيّة Psychology Anthropology

عن admin

شاهد أيضاً

كتاب الدكتور عبدالخالق فاروق (حقيقة الدعم و أزمة الاقتصاد المصري)

  الدكتور عبدالخالق فاروق من أهم الباحثين الاقتصاديين في مصر وقدم العديد من الأبحاث والكتب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *