الرئيسية / حوارات ناصرية / جمال عبد الناصر / حوار مع الأستاذ سامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق

حوار مع الأستاذ سامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق

2014-635256778292482425-248.jpg3

وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق لعبدالناصر وكاتم أسراره

سامي شرف:  الأمريكان حاولوا شراء ولاء مجلس قيادة الثورة

دخلت الطب يومين ثم التحقت بدفعة الكوليرا

التقيت مع مبادئ عبدالناصر ورسالته قبل أن ألتقية

عبدالناصر كان إعلامياً من الطراز الأول

عبد الناصر لم تكن مصادر معلوماته سكرتارية المعلومات وحدها

 

أحد صقور المخابرات العامة المصرية وأحد مؤسسيها، وأشهر من شغل منصب مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر، يمتلك مفاتيح خزانة أسراره حيث كان سكرتيره الشخصي للمعلومات لمدة ثمانية عشر عاما، ولا يزال يتذكر كل التفاصيل التى عاشها فى مكتب الرئيس كما لو كانت حدثت الأمس

 ومن أوائل مؤسسي تنظيم طليعة الاشتراكيين التي شُكِّلت من الرئيس جمال عبدالناصر، وأحد مؤسسي الحزب العربي الديمقراطي الناصري كما أسَّس نادي الشمس الرياضي في مصر الجديدة وحصل على درجة مدير عام ثم وكيل ثم نائب وزير فوزير، قبل وفاة جمال عبد الناصر تم تعيينه وزيرا للدولة ثم وزيرا لشؤون رئاسة الجمهورية .. إنه سامي شرف الذي اختص الأهرام ليفتح قلبه ويتحدث عن حياته لأول مرة هذا الحوار .

 

حاوره : أشرف سيد

نشرت في مجلة نصف الدنيا

 

  • معالى الوزير أين أنت الآن ولماذا الاختفاء؟

موجود و أواصل كتابة مقالاتي باستمرار بكل من جريدتى الأهرام والمصري اليوم بالإضافة إلى كتابة مولفاتى والتي تعدت السبعة أجزاء عن الرئيس جمال عبد الناصر فأنا موجود ولم اختف إطلاقا.

  • نريد أن نعرف القراء عن الرجل الذى عاش واقترب من الرئيس جمال عبد الناصر طوال 18 عاما… فمن هو الوزير سامي شرف كاتم أسرار جمال عبد الناصر؟

ولدت21 أبريل عام 1929وكان والدي في هذا الوقت مفتشاً لصحة بندر الجيزة وهو الدكتور عبدالعزيز محمد شرف الذي كان قد عاد قبل عامين من المملكة المتحدة حاملا الدكتوراه، وترجع أصول عائلتي والدي ووالدتي إلى قبائل عربية استقرت  بمركز شبراخيت وإيتاي البارود(محافظة البحيرة) فعائلة والدي تعود في أصولها إلى عائلة الشاعر المنتسبة للشاعر حسان بن ثابت شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام أما عائلة والدتي إلى قبيلة الصوالح التي هاجرت من الأراضي الحجازية إلى المغرب ومنها إلى مصر ولكن جدتي لوالدتي كانت من عائلة النواوي وجدها كان الإمام الأكبر الشيخ حسونة النواوي.

  • وماذا تمثل العائلة لسامى شرف؟

كان بيت د.عبدالعزيز شرف هو بيت العائلة الكبير فكل العائلة كانت تلجأ للوالدة في مشكلاتها العامة والخاصة، وحيث كانت والدتي رحمها الله من الأوائل اللاتى انضممن للتعليم في المدرسة السنية في العقد الأول من القرن العشرين، ، وأتقنت خلال هذه الفترة اللغة الفرنسية إلى جانب الإنجليزية التي كانت تجيدها أصلاً وبثت فينا روح الانتماء والترابط العائلي .

الوالدة كانت تؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وفي الوقت نفسه كانت تحترم قواعد وتقاليد الأسرة المصرية، وشاركت في مظاهرات 1919 وشجعتناً على المشاركة السياسية في أمور بلدنا. كما كانت اجتماعية بشوشة حتى في غضبها، كانت تشجعنا على القراءة ليس فقط باللغة العربية ولكن بالفرنسية والإنجليزية ومن هنا فقد كانت إجادتنا كلنا للغات منذ الصغر، بل إن شقيقيّ السفيرين أجادا لغات البلاد التي مثلا مصر فيها فرنسا، تركيا، السويد، الاتحاد السوفييتي، الصين، باكستان.

  • وماذا عن والدك؟

والدي انتقل بعد ذلك مفتشاً لصحة مديرية (محافظة) بني سويف، وانتقلت العائلة معه وفي العام الدراسي 34/ 1935 انتقل والدي للعمل مفتش صحة بالقليوبية واختار لنا السكن في مصر الجديدة وكان عليه أن يتوجه في الصباح الباكر إلى بنها ليعود في المساء. ،1936 وقد ختم حياته ككبير للمترجمين العرب في منظمة الأمم المتحدة في جنيف.

بدايتك مع السياسة ..متى بدأت؟

بعد أن حصلت على شهادة الثقافة العامة من مدرسة المنصورة الثانوية نُقل الوالد إلى القاهرة، والتحقت بمدرسة مصر الجديدة الثانوية ودخلت فصل المتميزين ولأول مرة أمارس النشاط السياسي أثناء الدراسة حيث شاركت في التظاهرات ولأول مرة أدخل قسم مصر الجديدة، حيث نبّه علي مأمور القسم بترك السياسة وعدم القيام بالتظاهرات وتجنب الالتقاء برؤساء الأحزاب في ذلك الوقت حيث  تقابلت مع علي ماهر باشا في مقر “حزب مصر” وتناقشنا معه في قضايا الوطن، كما نصحنا مأمور القسم أن التفت لدروسي وعندما تكرّر اشتراكي بالمظاهرات لم ينقذني من تحويلي إلى النيابة العامة سوى معاون قسم مصر الجديدة اليوزباشي حسن كامل الذي كان يدرب أخي عزالدين الطالب في كلية البوليس أثناء الإجازة الصيفية وكان معجباً بنشاطه.

وأذكر أنه وعد مأمور القسم أن يتولى إقناعي بترك السياسة، فأخذني إلى مكتبه حيث حثّني على عدم الاندفاع، وفي الوقت نفسه شجعني على ضرورة الاحتفاظ بالإحساس بالوطن وبقضاياه والتمسك بها، وبمضي الزمن توطدت العلاقة بين حسن كامل وبيني حتى استشهد عام1969 وهو محافظ للبحر الأحمر عندما أصرّ الحضور إلى القاهرة، وتصادف أن كانت عملية الهجوم “الإسرائيلي” على الزعفرانة في اليوم نفسه، وقصفت سيارته واستشهد وهو فيها.

  • هل قاومت الاحتلال الانجليزى فى صغرك بحكم أنهم كانوا قربيبن منك(ثكنات العباسية)؟

نعم وأذكر أنه كان يقيم في الدور الأول أحد الكونستبلات الإنجليز من الذين كانوا يعملون في البوليس المصري في ذلك الوقت، وكان بيننا عمر وعزالدين وأنا وبينه وكانت هناك مشاحنات بيننا لأننا كنا نلقي على موتوسيكله القاذورات، كما كنا نقوم بغرس المسامير في الإسفلت لتخرق عجلاته، كان يشتكي للوالد الذي كان يغمز لنا بعينيه بمعنى أن يقول لنا: استمروا في ما تقومون به ولا تسألوا فيه! وكان يشاركنا في هذه العملية محمد عبدالرحمن نصير زميلنا في المدرسة وأحد الضباط الأحرار فيما بعد وشقيقه سيد نصير.

لماذا لم تستكمل مشوار والدك الطبي رغم قبولك فى كلية الطب؟

بعد حصولي على شهادة إتمام الدراسة الثانوية من مصر الجديدة الثانوية القسم العلمي بنسبة تقارب من الـ 60% أبدى لي والدي رغبته في أن يلتحق أحد أبنائه بكلية الطب ليكمل مسيرته، ، فلم أرد أن أخالف أو أعارض رغبته وقبلت بالرغم من أنني كنت أميل إلى الناحية العسكرية حيث كنت من المتابعين لتطورات الحرب العالمية الثانية تفصيلاً. فأخذني من يدي فوراً إلى كلية الطب حيث كان العميد د.علي إبراهيم باشا وقال له: يا باشا أنا عايز ابني سامي يكمل مشواري، وطلب استثنائي من المجموع باعتباري ابن طبيب فوافق الباشا وقال له: “روح ادفع المصروفات يا عبدالعزيز.؟

  • وكيف وافق الوالد على عدم استكمالك لدراسة الطب؟

كانت المصروفات نحو خمسة وأربعين جنيهاً في السنة الدراسية غير ثمن الكتب، ولم يكن مع الوالد هذه المصروفات، وكان الوالد معتادا أن يستلف من أحد اليهود ولما طلب منه مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً قال له مسيو حنانيا: يا دكتور عبدالعزيز العشرين يتردوا أربعين يوم الخميس، ولما كنا يوم الاثنين فقد كانت نسبة الربا 100% في ثلاثة أيام! ثرت وفار دمي ، ولكني قلت له: يا والدي ما نجرب الكلية الأول وإذا عجبتني نبقى ندفع المصروفات. فوافق الوالد على مضض، ونزلنا وقد قررت الانخراط في السلك العسكري مهما كان الثمن.

وبالفعل دخلت كلية الطب لمدة يومين اثنين، وقلت للوالد: إنني آسف جداً لن أستطيع أن أكمل الدراسة. وقدمت أوراقي لكلية التجارة في جامعة القاهرة انتظاراً لموعد التقديم للكلية الحربية الذي عندما أعلن عنه تقدمت بأوراقي إليها. وتشاء الأقدار أن أصاب يوم الكشف الطبي بالتيفود فلم أستطع الالتحاق بهذه الدفعة، وأكملت العام الدراسي في كلية التجارة في جامعة القاهرة، وكانت من أمتع السنوات الدراسية في حياتي، حيث انتقلت من مرحلة حياتية وشبابية إلى مرحلة رجولة مبكرة واختلاط جديد في مجتمع جديد.

  • وكيف التحقت بالكلية الحربية؟

بعد انتهاء العام الدراسي قمت بالتقدم بأوراقي بعد سحبها من كلية التجارة إلى الكلية الحربية صيف 1946 وبعد الترتيبات اللازمة مالياً بخلاف المصروفات الرسمية التي كانت في حدود 60 جنيهاً سنوياً لأن دخول الكلية الحربية في ذلك الوقت كان يستلزم التقدم بما يُسمى “ورد”، وهو يعادل ما يثبت أن الطالب من ذوي الأملاك هو وعائلته فكان أن جمعنا كل ما يملكه كل فرد في العائلة ووضعناه في إقرار ذمة مالية.

وبعد ذلك أعددنا الوساطة وهي الأهم والركن الأساسي في قبول الطالب في الكلية الحربية في ذلك الوقت، وكان هو اللواء إبراهيم عطا الله باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش وذلك عن طريق أحد الأطباء في الخدمات الطبية للجيش الذي كان زميلاً للوالد وهو اللواء طبيب محمد المهتدي.

  • لماذا أطلق على دفعتكم “دفعة الكوليرا”؟

أطلق على دفعتنا اسم دفعة “الكوليرا” نظرا لانتشار مرض الكوليرا في تلك السنة، وتم عزلنا في عنبرين كبيرين في أحد أطراف مبنى الكلية الحربية القديم وهو المبنى الذي تشغله الآن الكلية الفنية العسكرية بكوبري القبة وكان عددنا 261 طالبا، وقد عاصرنا دفعة 48 دفعة شمس بدران الذي لم يكن من بين الطلبة البارزين فيها ولكنه برز بعد قيام الثورة لوضعه في تنظيم الضباط الأحرار.

  • ومن كان من الأسماء البارزة في دفعتك؟

كان من أبرز عناصر هذه الدفعة عبد المحسن فائق وهو الذي جند رفعت الجمال (رأفت الهجان). وفؤاد عزيز غالي قائد جيش في حرب ،1973 ومحمد زغلول كامل من الضباط الأحرار وهو الذي كشف انحراف المخابرات العامة في الستينيات واخرون.

  • وهل كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك من دفعتك؟

الرئيس الأسبق مبارك كان دفعة  48 التى تخرجت قبل اكتمال الدورات الثلاث وكذلك دفعتنا نظرا لقيام حرب فلسطين سنة 1948؛ فتخرجت الدفعة الأولى في أغسطس 1948 وتخرجت دفعتنا في فبراير 1949. وكان من أبرز خريجي هذه الدفعة الرئيس محمد حسني مبارك، و مختار هلودة رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء،  و محمد حلمي القاضي ومنير محمد المهدي من المخابرات العامة ، و منهم قادة عسكريون ممن بقوا في الخدمة العسكرية وشاركوا في حروب 48 و56 و67 و73 وهم: محمود شاكر عبدالمنعم قائد القوات الجوية والمشير محمد عبدالحليم أبو غزالة وزير الدفاع، وحسن علي أبو سعده الذي أصبح سفيرا.

  • ولماذا اخترت سلاح المدفعية ؟

لم أختاره ولكنى فوجئت يوم التخرج في الكلية الحربية ان يعلن كاتم الإسرار الحربية عن تعييني في سلاح المدفعية حيث كنت قد وعدت بناء على طلبي ان أعين في سلاح المشاة.

  • نريد أن نعرف لقاءك الأول مع الرئيس جمال عبد الناصر متى وأين وماذا جرى فيه؟

اللقاء الأول مع جمال عبدالناصر كان في أواخر سنة 1951 عندما التحقت بدورة عقدت في مدرسة الشؤون الإدارية تمهيدا لرتبة اليوزباشي (النقيب)، وكان يقوم بتدريس مادة التحركات والمخابرات في هذه الدورة، التي ألغيت بعد اسابيع ثلاثة بسبب حريق القاهرة في 26 يناير ،1952 وإعلان حالة الطوارئ في الجيش ضمن قرار بإلغاء كل فرق الدراسة والتدريب بالجيش، ولكن رغم ذلك فقد أتاحت لي هذه الدورة التدريبية فرصة لقاء مباشر مع الرئيس جمال عبدالناصر الذي طلب إن أمر عليه في مكتبه.. وعندما ذهبت إليه استقبلني بود، ودار حديث حول أدائي في الدورة، وإعجابه بالنوتة الخاصة بي، كما قال لي على وجه التحديد: “إذا استمررت بهذا الأسلوب فسيكون لك مستقبل يبشر بالخير وأنا متنبئ لك بمستقبل كويس”.

  • وهل يعنى هذا أنك كنت تتابع عبدالناصر قبل لقائك به؟

لقائي مع مبادئه ورسالته سبق تاريخ الدورة بحوالي عام تقريبا عندما أوفد لي الصاغ كمال الدين حسين من سلاح المدفعية عددا من أصدقائي الضباط هم أحمد كامل ومحمد المصري ومبارك الرفاعي واحمد شهيب، وطلب إن أزودهم بكميات من الوقود والذخيرة الفائضة وورق كتابة لا يتشرب.

ولما كان طلبهم خارج قواعد الجيش المعمول بها في سلاح المدفعية ، فقد رفضت الأمر خاصة نتيجة امتناعهم عن بيان أسباب طلبهم هذا، لكن جاءني محمد المصري ليبلغني إن هذه الأشياء مطلوبة لمساعدة الفدائيين في منطقة القناة ضد المحتل البريطاني.

  • وكيف تم اشتراكك فى تنظيم الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو؟

منذ لقائي مع كل من الصاغ كمال الدين حسين ثم مع البكباشي جمال عبدالناصر لم يفاتحني أحد في الالتحاق أو الانضمام لأي نشاط تنظيمي أو خلايا ثورية ، ولكن في ليلة 23 يوليو 1952 فوجئت باليوزباشي محمد المصري على باب بيتي بمصر الجديدة، وطلب مني على استعجال إن أرتدي ملابسي العسكرية واصطحبني دون أن يبدي أي أسباب، لكني استجبت هذه المرة دون تردد ونزلت معه حيث وجدت ثلاثة من زملائنا.

  • وما المهام التى كلفت للقيام بها فى أثناء الثورة؟

قبل إن نصل إلى منطقة ألماطة أبلغني محمد المصري أن الثورة قد قامت “وعليك إن تعتبر نفسك منذ هذه اللحظة مسئولا عن الآلاى الأول الذي تنتمي إليه باعتبارك أركان حربه ،وبالفعل قمت بتنفيذ عدد من التكليفات لتأمين الثورة وفي حدود ما رسم لي من القيادة المباشرة، وكان اتصالي منتظما مع البكباشي محمد فوزي قائد اللواء الأول المضاد للطائرات بالنيابة (الفريق أول محمد فوزي فيما بعد)، الذي كان يبلغني بهذه التكليفات، ويعاونني في تذليل ما قد يواجهني من صعوبات أو ينبهني للحذر من أوضاع أو أشخاص معينين.

  • وهل اقتصرت مهامك على تأمين الثورة؟

في يوم 26 يوليو صدر أمر بنقلي إلى مدرسة المدفعية كمدرس للرادار المضاد للطائرات وكانت مادة حديثة على الجيش المصري إلا أنه وردت إشارة عاجلة في اليوم نفسه بضرورة تقديم نفسي إلى إدارة المخابرات الحربية ، حيث كلفت بالتوجه إلى مبنى مصلحة التليفونات والتلغراف للإشراف ومراقبة البرقيات الصادرة والواردة من والى المراسلين الأجانب في مصر، باعتبار أنني أجيد الانجليزية والفرنسية.

بعد يومين استدعيت لمكتب البكباشي زكريا محيي الدين مدير المخابرات الحربية و ابلغني باختياري عضوا في هيئة جديدة تم تشكيلها باسم “هيئة مراقبة الأداة الحكومية” تابعة لرئيس مجلس قيادة الثورة وكانت هذه الهيئة بمثابة الرقابة الإدارية الآن، وكان الإشراف الفعلي عليها للبكباشي جمال عبدالناصر والبكباشي زكريا محيي الدين وبعد أيام قليلة استدعاني الأخير وطلب مني التوجه إلى مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة لمقابلة البكباشي جمال عبدالناصر وعند لقائه بادرني قائلا: “أزيك يا أستاذ؟ أنت هتشتغل في المخابرات ومش فيها.. إيه رأيك؟” فلما استفسرت عن المقصود من هذه العبارة؟ قال: “وحدتك مع زكريا في المخابرات وهيئة الرقابة، أما تكليفاتك هتكون مني مباشرة وتقاريرك تعرض علي أنا بس إلا إذا طلبت منك انك تقول لزكريا.. وأنا متفاهم معه على كده واضح؟

ومتى عملت مع الرئيس جمال عبد الناصر كسكرتير للمعلومات؟

فؤجئت يوم السبت 19 مارس1955 استدعاني زكريا محيي الدين إلى منزله في بمنشية البكري، الساعة التاسعة صباحاً بحضور الصاغ محيي الدين أبوالعز رئيس القسم الخاص وقال: مبروك يا سامي.. الرئيس جمال عبدالناصر اختارك للعمل معه سكرتيراً للمعلومات.. إيه رأيك؟!” أجبت: “يا افندم ده شرف ليّ كبير، وأرجو أن أكون عند حسن ظن الرئيس، وأن يوفقني الله في أداء الواجب وما أكلف به.” قال: “إنت يا سامي موضع ثقة، وإلا لما كان هذا الاختيار، وعلى فكرة إنت كنت موضع اختباره شخصياً طول العامين الماضيين ونجحت، وإن شاء الله يكون النجاح حليفك دائماً.. واعتبر أن إدارة المخابرات ستتعاون معك في مهمتك الجديدة، ولا تترد أن تطلب منّا ما تريد، آما انك لك الحق في الاتصال بأي قسم لتسهيل مهمتك فنياً وإدارياً. ميعادك مع الرئيس في بيته في منشية البكري العاشرة صباحاً، وبقدر سعادتي بهذا الاختيار، فقد شعرت بالتوتر يزداد داخلي عندما فكرت في حجم المسؤولية الجديدة التي آُلفت بها، ودعوت الله أن يلهمني الصواب وأن ينير بصري وبصيرتي في أداء الواجب.

وكيف كان لقائك مع الرئيس جمال عبد الناصر؟

لم يكن هذا اللقاء مع الرئيس جمال عبدالناصر في منشية البكري عادياً بالنسبة لي، فقد تعددت لقاءاتي معه بوصفه قيادة سياسية يستلزم واجبها اليومي والرسالة الوطنية والقومية التي يعمل من أجلها والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها قدرة على التحكم في التوازنات السياسية والاجتماعية، والإلمام بأكبر قدر من المعلومات في كل المجالات، أما هذه المرة فقد كان لقائي معه بوصفه رئيسي المباشر من الناحية الوظيفية، إلى جانب إيماني به كزعامة سياسية وقيادة وطنية مخلصة، وطالما انني أعمل تحت رئاسته المباشرة، فيجب أن أستوعب جيداً مهمتي الجديدة بكل ما تتطلبه من مسؤوليات، وما تفرضه من محاذير، بل وما قد تنطوي عليه من مخاطر.

استقبلني الرئيس في المكتب، وقال:

أنا عايزك تنشئ سكرتارية للمعلومات وكل ما أستطيع أن أقوله لك الآن:

لا توجد أي قيود عليك في تنفيذ المطلوب، وأنصحك بأن تبدأ على نطاق ضيق، ثم يتم التوسع بعد ذلك تدريجياً سواء في الأفراد أو الاختصاصات أو المكان، وفقاً لتطور سير العمل، وحسب التجربة والخطأ، وكذا معدلات الأداء.

يمكنك أن تستعين بمن تراه من الخبراء المصريين والأجهزة والوزارات في الدراسة ووضع الهيكل العام المصغر بدايةً.. وآلية العمل في السكرتارية.

*رابعاً: اعتبر أن الإمكانات المتاحة ستُوضع تحت تصرفك بلا قيود وبلا روتين من أجل تحقيق هذا الهدف، ويمكنك الاطلاع على ما لدى الجهات المعنية من معلومات أو دراسات أو أبحاث تساعد على تحقيق الهدف.. عليك أن تضع خطتك.”

وأضاف انه يعطيني مهلة أسبوعين سوف يسافر خلالها إلى باندونج، وعندما يعود أكون قد انتهيت من إعداد الدراسة الكاملة حول وضع الهيكل التنظيمي للسكرتارية ليقوم بمراجعتها معي،  كانت كلمات الرئيس واضحة محددة مختصرة وفي الوقت نفسه مطمئنة، فهو لا يطلب المستحيل أو ينشد المثاليات، بل يدرك مقدماً أن ثمّة أخطاء يمكن أن تقع وأن التجربة العملية هي المحك الوحيد لاكتشاف المنهج الأنسب.

كيف بدأت أول يوم عمل فى الرئاسة؟

 بدأت العمل في سكرتارية الرئيس للمعلومات في أواخر شهر مارس سنة1955 بثلاثة أفراد فقط وفي غرفتين اثنتين وجهاز تيكرز لوكالة الأنباء العربية)رويترز) وكانت تبث أنباءها باللغة الانجليزية فقط في ذلك الوقت- وتليفون واحد وموتوسيكل واحد، أي إننا كلنا نعتمد على إمكانات محدودة للغاية، وكنت أؤمن بأن الجهد البشري هو العنصر الأساسي والفيصل في التحصيل.

وبدأ العمل في سكرتارية بثلاثة أفراد هم: سامي شرف (سكرتير الرئيس للمعلومات( ، هاشم مصطفى نجيب (آلة كاتبة وأرشيف(، محمد عبدالحميد السعيد (سكرتير خاص ومسئول عن تجميع المصادر الصحافية العلنية).

 

وهل كان الرئيس جمال عبد الناصر يكتفى بسكرتارية المعلومات فى جمع المعلومات؟

لم يعتمد الرئيس جمال عبدالناصر على سكرتارية المعلومات وحدها في الحصول على ما يريد من معلومات أو تحصيل المعرفة بصفة عامة، بل كان دائم البحث عن كل ما يثري معرفته ويصقل قراره، حتى أكاد أقول إنه لم يصل إلى مصر زائر أجنبي ذو ثقل في تخصصه أو كان على صلة بصنّاع القرار في بلاده أو رشحه له أحد معاونيه، إلا واستقبله الرئيس عبدالناصر في جلسات حوار غير رسمية أو رسمية قد تطول أو تقصر حسب موضوع الحوار والمناقشة.

وأيضا فتح الرئيس جمال عبدالناصر بابه للسياسيين والمثقفين والمناضلين في العالم الثالث حيث كانت الجلسات الطويلة معهم تستهدف الاستماع إلى آرائهم الشخصية والتعرف إلى شعوبهم وإلى تجاربهم السياسية والنضالية ومكوّنها الثقافي، ولا يُستثنى من ذلك أبرز فلاسفة العصر مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وروجيه جارودي أو من كبار الأدباء والكتّاب والمثقفين. على سبيل المثال روبرت سان جون وكلود استييه وجان لاكوتير وديزموند ستيوارت وويلتون وين وجون بادو وأندريه مالرو وجون جونتر وغيرهم من أقطاب الفكر الاستراتيجي والقادة العسكريين. من أمثال الجنرال بوفر والماريشال البريطاني مونتجومري، وقد تم إيفاد أكثر من وفد مصري ما بين عسكريين وسياسيين لمقابلة الجنرال جياب، حاملين رسائل واستفسارات شخصية من الرئيس للتعرف إلى تجربته في مقاومة الاستعمار وأساليب القتال المتبعة للاستفادة منها في مقاومة العدو “الإسرائيلي” في معركة تحرير الأرض، وقد قدمت كل هذه البعثات تقاريرها التي أودعت كوثائق في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات، ثم كبار رجال الاقتصاد مثل شاخت وإيرهارد وكبار رجال الصناعة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد السوفييتي واليابان.

دائما نسمع عن عمل سكرتير الرئيس للمعلومات فما هو دوره وكيف يعمل؟

يومى يبدأ باستعراض التقارير والبرقيات الواردة من وزارات الخارجية والداخلية والمخابرات العامة والسفارات المصرية في الخارج، يضاف إلى ذلك إنتاج وكالة الأنباء العربية، فقد كنا نحصل عليها من الإذاعة المصرية، أما باقي الوكالات الأجنبية مثل “يونايتد برس” و”اسوشيتد برس” لم نكن قد اشتركنا فيها بعد باعتبار إن التوجيه العام في البداية ان نبدأ من أول السلم ثم نتطور ونكبر واحدة واحدة،

والصحافة الأجنبية التي كانت تمدنا بها مجموعة الصحافة في المخابرات العامة ثم بعد ذلك مصلحة الاستعلامات ووكالة أنباء الشرق الأوسط بعد إنشائها، وقد اقتضى ذلك الاستعانة بمترجمين سواء مقيمين في السكرتارية أو من مصلحة الاستعلامات. وفي الحقيقة فلقد كانت هذه فرصة لتوسيع مساحة العلاقات الشخصية مع هذه الجهات، مما كان له أثره في تيسير العمل وخلق نوع من التعامل بين هذه المؤسسات بروح الفريق على أسس علمية وإنسانية.

وهل كان للرئيس عبدالناصر سكرتارية صحفية للرئاسة؟

لم يكن له سكرتارية صحفية ولكن عام 1956تقرر إنشائها قبيل العدوان الثلاثي، وقد تولى رئاستها كمال الحناوي أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس رئاسة اتحاد الدول العربية وعضو مجلس الأمة السابق ولقد اتخذ الرئيس قرار إنشاء السكرتارية الصحافية كإجراء تنظيمي يكمل هياكل مؤسسة الرئاسة من ناحية، ومن ناحية أخرى لتكون مسئولة عن النواحي الإعلامية المكتوبة والمسموعة وتنسقها تمهيداً للعرض على رئيس الجمهورية وتلقي تعليماته لإبلاغها لوسائل الإعلام المختلفة، علاوة على تنسيق الاتصال بوكالات الأنباء والصحافة والحصول على جميع الصحف والمجلات الأجنبية وتبويبها وتلخيصها وعرضها على الرئيس في شكل تقرير يومي او لحظي للأنباء العاجلة أو المهمة.

وهل كان الرئيس جمال عبدالناصر يحب الاعلام والصحافة؟

الرئيس جمال عبدالناصر كان إعلامياً من الطراز الأول ويتابع بنفسه الإذاعات العالمية مثل الإذاعة البريطانية “بي بي سي ” B.B.C وصوت أمريكا وإذاعة “الشرق الأدنى” من قبرص التي كانت لسان حال الاستعمار البريطاني في المنطقة، وإذاعة”مصر الحرة” التي كان يتولى أمرها آل أبو الفتح بدعم من المخابرات الغربية وبعض الأنظمة العربية وكانت أساسا موجهة ضد مصر الثورة، وكذا إذاعة “اسرائيل” وصحافتها،  وإن لم يتمكن من الاستماع بنفسه لهذه الإذاعات لسبب أو لآخر، لقد كان يحرص على الاطلاع على تقرير استماع كامل وغير مختصر لهذه الإذاعات التي كانت تعطيه المؤشرات الحقيقية لاتجاهات وسياسات الدول التي تتبعها نحو مصر والمنطقة كلها. وفي الوقت نفسه كان الرئيس عبدالناصر يعتبر الصحف اللبنانية بمثابة مرآة ونافذة على العالم الخارجي عربيا وعالميا الغرب بالذات وكان يهتم بكل ما تنشره هذه الصحف، المعادي منها قبل المؤيد لسياسة الثورة، وإذا ما تأخر وصول هذه الصحف، التي كان يحب أن يقرأها آما هي صادرة دون تلخيص او عمل قصاصات منها، آما يبدي ضيقه ويظل منتظرا وصولها ليطلع عليها،  وكان أيضا يحب أن يقرأ صحف ومجلات أجنبية بالذات مثل “النيوز ويك” وال “التايم” و”النيويورك تايمز” و”الواشنطن بوست” من أمريكا، و”التايمز” و”الجارديان” و”الايكونوميست” البريطانية، علاوة على تلخيص باقي الصحف والمجلات العالمية الأخرى من فرنسا وايطاليا وألمانيا وغيرها، هذا بخلاف ملخصات النشرات والدوريات السياسية والاقتصادية والعسكرية ذات الأهمية.

  • ما هو موقف الرئيس عبد الناصر عندما عرض عليه الأمريكان أموالا اتضح فيما بعد أنها لشراء ولاء مجلس قيادة الثورة؟

أن الأموال التى تم بناء برج القاهرة بها وقدرها خمسة ملايين جنيه كانت قد أرسلتها الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس محمد نجيب بمعرفة المخابرات الأمريكية بهدف شراء ولاء مجلس قيادة الثورة، فى ذلك الوقت علم جمال عبدالناصر بالواقعة فذهب إلى مجلس قيادة الثورة وتحدث مع محمد نجيب فقال نجيب: إن الرئيس الأمريكى روزفلت هو الذى أرسلها حتى تكون مخصصات للقيادة المصرية الجديدة فى مواجهة الغزو الشيوعى، عندها ثار عبدالناصر، وقال: مجلس قيادة الثورة لا يشترى وتم تكليف ضابط المخابرات حسن التهامى بالذهاب إلى المعادى فى مبنى تابع للمخابرات والتقى المبعوث الأمريكى وتسلم منه المبلغ عدا ونقدا وسلم الأموال إلى السيد زكريا محيى الدين رئيس المخابرات العامة فى ذلك الوقت فكان الرئيس جمال سريع البديهة، حيث خصص هذه الأموال لبناء البرج حتى يبقى شاهدا على نزاهة قيادات الثورة المصرية ورسالة للأمريكان تبقى خالدة طوال الزمن.

 

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 8 إبريل 1955.. عبدالناصر يغادر القاهرة إلى «باندونج» لحضور مؤتمر«الحياد الإيجابى» بعد نجاحه فى منع إسرائيل من المشاركة

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 إبريل 1955.. عبدالناصر يغادر القاهرة إلى «باندونج» لحضور مؤتمر«الحياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *