الرئيسية / تقارير وملفات / ثورة يوليو والطبقة الوسطي .. بقلم : سامي شرف

ثورة يوليو والطبقة الوسطي .. بقلم : سامي شرف

 23rd_of_July_1952_revolution_stamp

سامى شرف

الثورة فعل إنسانى حر وواع ومنظم، يسعى لإحداث تغيير جذرى شامل للبناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى للدولة، وربما لما هو أبعد من الدولة؛ من خلال أيديولوجية متكاملة تعبر عن آمال ومطالب شعب فى التغيير والتخلص من وضع قائم إلى وضع جديد. ولا جدال أن يوم 23 يوليو من عام 1952م كان يوما فارقا فى التاريخ المصرى الحديث والمعاصر، نؤرخ به لما كان قبله، وما صار بعده.. وهذا اليوم ذاته إلا أن معطياته وتداعياته على مصر والمنطقة والإقليم بل والعالم تؤكد أنه يوميا ثورى بامتياز أحدث تغييرا جذريا حقيقيا فى منظومة بناء الدولة المصرية، وعبر عن آمال وطموحات الأغلبية العظمى من الشعب المصرى فى الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية.

واليوم وبعد مرور (66) عاما على ذلك اليوم، ورغم ما جرى فى نهر الدولة المصرية والإقليم والعالم من مياه تغيير عميقة، مازال الجدل حوله قائماً، وهذا شأن الأحداث الكبرى فى تاريخ الأمم والشعوب.

ومع حلول الذكرى الـ (66) لثورة 23 يوليو المجيدة، أقف لأتأمل ما آلت إليه مبادئها وأهدافها، انجازاتها، ومشروعها الوطني، وبعيدا عن الدخول فى ذلك الجدل النمطى المتكرر سنويا بين مؤيدى ومعارضى ثورة يوليو بشأن سلبياتها وايجابياتها، انجازاتها وأخطائها، سأركز على قضية رئيسية كانت على قمة أولويات المشروع الوطنى للثورة، وأحد أبرز انجازاتها التى عززت نجاح الثورة، وجعلتها خالدة فى قلوب أجيال متعاقبة من المصريين، ومن كل أحرار العالم، تلك القضية التى خرجت من أجلها الجماهير فى 25 يناير 2011، ونادت بها فى 30 يونيو 2013، ومازالت هى العنصر الحاكم فى نجاح المشروع الوطنى المصري، ألا وهى قضية العدالة الاجتماعية، وبناء طبقة وسطى قوية.

وضع قادة ثورة يوليو 1952 وفى مقدمتهم قائد الثورة الرئيس جمال عبد الناصر مشروع العدالة الاجتماعية، ومن رحمه خلق طبقة وسطى قوية على قمة أولويات الثورة؛ إيمانا بأن الطبقة الوسطى رمانة الميزان الاجتماعي؛ فإذا اتسعت مساحة هذه الطبقة كان ذلك دلالة على صحة المجتمع وعافيته، أما إذا تقلصت مساحتها فمعنى ذلك أننا نعيش فى ظل حالة استقطاب طبقي، وعلى أبواب صدام أو عنف اجتماعي؛ وبالتالى فإن تحسين أوضاع هذه الطبقة واتساع مساحتها هو هدف الثورة الأهم والأعظم، لأنه يضمن إزالة أسباب الثورة وإقامة واقع ثورى تستند إليه جماهير الشعب فى أدائها لأعمالها على النحو الذى يضمن الاستقرار، ومن بين شروط الاستقرار تحقق المساواة فى أكثر أشكالها عدالة، وبدون هذا الاستقرار الذى تكفله عدالة اجتماعية يبقى الوطن فى حالة الغليان التى تسبق الثورة وتجعلها حتمية مع مرور الوقت.

ومن هذا المنطلق، صدر بعد شهرين فقط من الثورة ذ سبتمبر 1952- قانون الإصلاح الزراعي، وبموجبه تم توزيع الأراضى على الفلاحين، فى محاولة لتصفية الإقطاع، بالإضافة إلى سياسات هدفت إلى توفير الخدمات الأساسية لأبناء المصريين جميعا دون استثناء أو تمييز؛ كخدمات الصحة، والتعليم، والإسكان، وتوسيع مظلة التأمينات الاجتماعية، وتشغيل الخريجين، وهى كلها إجراءات ساهمت فى تطوير أوضاع الطبقة الوسطي، واتساع مساحتها.

وعلى أكتاف هذه الطبقة حققت ثورة يوليو كثيرا من أهدافها، وتدعمت قوة مصر الناعمة داخليا وخارجيا، وزرعت فى وجدان الأجيال المتعاقبة من المصريين والعرب المبادئ التى قامت عليها الثورة، ومكانة مصر؛ فالمجتمعات تقوم بما لديها من طبقة وسطى قوية، ذات قيم وبنية اقتصادية واجتماعية قوية، فهذه الطبقة هى رأس المال الاجتماعى الحقيقى لأى مجتمع. ومع تراجع مشروع ثورة يوليو بفعل سياسات السادات، وفى مقدمتها سياسة الانفتاح الاقتصادي، بدأت أولى مراحل انهيار الطبقة الوسطي، خاصة مع بداية رفع الدعم عن السلع فى نهاية السبعينيات، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، ومع تولى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وهيمنة المنظومة الرأسمالية العالمية، وسيطرة القطاع الخاص على مفاصل الدولة، تعرضت الطبقة الوسطى المصرية لتدمير ممنهج، وتقلصت مساحتها على حساب زيادة الطبقة الفقيرة، وزادت الفجوة ما بين الطبقة العليا والطبقات الفقيرة، بصورة تكاد تعيدنا لمجتمع الـنصف فى المائة الذى كان قبل ثورة يوليو 1952م.

ولأن الطبقة الوسطى هى ضمير هذه الأمة، ومكمن الوطنية فيها، كان طبيعيا أن يتصدر أبناء الطبقة المتوسطة المشهد فى ثورة 25 يناير2011، احتجاجا على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التى تعانى منها مصر، وتدنى سقف الحريات بصورة غير مسبوقة فى السنوات القليلة التى سبقت اندلاع الثورة.

كما قادت تلك الطبقة بفكر وفعل واع حراكا سياسيا مستمرا، تكلل بثورة 30 يونيو 2013 التى قضت على نظام حكم جماعة الإخوان الفاشية، وحافظت على هوية مصر، وحمت الدولة من السقوط، ويستمر الدور الوطنى للطبقة الوسطي؛ حيث تقف حائلا دون كل المحاولات التى تهدف إلى استغلال الآثار السلبية المدمرة لعملية الإصلاح الاقتصادى عليها لزعزعة أمن واستقرار مصر.

ورغم التضحيات الكبيرة التى قدمتها هذه الطبقة، فما زالت تعانى وتتألم بشدة، وتتقلص مساحتها، ويحاول من تبقى منها الصمود، ويتنازل عن مستوى معيشى تتمتع بها الطبقات الوسطى فى المجتمعات الأخري.

وأرى أن استمرار هذا الوضع تحت أى مسمى كان أمرا بالغ الخطورة على السلم الاجتماعي، وأمن واستقرار الوطن، ولابد من سرعة البحث عن إجراءات حقيقية جدية لإنقاذ هذه الطبقة من مزيد من التآكل، عبر حزمة من التشريعات التى تعيد لهذه الطبقة مكانتها وكرامتها المسلوبة، حتى تعود من جديد إلى المشهد المصري؛ فتجربة ثورة 23يوليو تؤكد أنه لن يكتب لأى مشروع نهضة أو برنامج إصلاح أى نجاح دون طبقة وسطى قوية واسعة؛ فهى بمثابة الرافعة الأساسية لقيام النهضة فى المجتمع، والمعين الأساسى لكل التيارات الفكرية والسياسية التى شكّلت الجماعة الوطنية المصرية، فهى حاملة مشاعل النهضة، وموطن الاعتدال والإبداع، وصمام أمان الاستقرار، وتتسم بالقدرات المادية المتوسطة التى تحفِّزها على الإبداع والترقي.

عن admin

شاهد أيضاً

خط «الغاز العربي»: مخاوف مشروعة من تطبيع غير مباشر مع العدوّ

فراس الشوفي  11 تشرين الأول 2021 استفاق ضمير الملك الأردني عبد الله الثاني بعد سنوات كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *