عبدالناصر كان بطلا تاريخيا بلا شك وفى أعلى مقام ، ولكنه كان فى طليعة موكب مجيد حافل من أبطال القرن منهم غاندى ونهرو وسوكارنو وماوتسى تونج وشوإين لاى وهوشى منة وديجول وسيكتورى ونكروما . . وكان الزهد والتواضع أول فضائله .
وأعدى أعداء عبدالناصر لا يستطيعون إنكار مقوماته الشخصية كزعيم قوى ومؤثر لم يكن يستطيع أحد أن يقوم بهذه الثورة إلا هو حيث جنود الإحتلال يقبعون على بعد مائة كيلومتر ويستطيعون التدخل بعد ساعات قليلة ، وحيث الفساد تم تكريسه ويسد المنافذ ويستطيع أن يفشل أى حركة مناهضة ، ولكن شجاعة عبدالناصر أصابت القوى المعادية بالصدمة والشلل التام مما أتاح للثورة أن تنجح وفى هذا يختلف عبدالناصر عن الزعامات التى سبقته ولم توفق فى إحداث تغيير حقيقى .
لم يمت عبدالناصر برصاصة من الداخل لأن الحب الجارف للشعب كان أقوى سياج ، وحتى الذين عاداهم لمواقفهم المناوئة من الثورة كانوا يعانون صراع الحب والكراهية فى آن واحد حيال عبدالناصر وكانوا يخفون فى داخلهم مشاعر الرهبة الممزوجة بالإعجاب لأنهم كانوا على يقين من إخلاص عبدالناصر وشدته فى الحق .
وكما قال العالم النفسى الكبير الأستاذ الدكتور عادل فاضل فإنه فى يوم 28 سبتمبر1970 ومع توقف دقات قلب عبدالناصر دقت أجراس فى أنحاء متفرقة من العالم بعضها تحية لرحيل زعيم عظيم وبعضها إعلانا عن الفرحة العارمة والشماتة وربما فى هذه الليلة بالذات نام الإسرائيليون لأول مرة بعمق شديد . إن فلسفة عبدالناصر فى نضاله ضد إسرائيل تفرض نفسها على الشارع الفلسطينى مفاهيم وروحا وشجاعة ولا يستطيع أى إنسان فى العالم إلا أن ينحنى أمام هذه الشجاعة الأسطورية لطفل يمسك بحجر أمام جندى مدجج بالسلاح لتحقيق إستراتيجية عبدالناصر فى أن الإنتصار على إسرائيل أو حتى تحجيمها لا يتحدد من خلال معركة وإنما بتصدير شىء واحد لها وهو أنها إذا لم تعط الفلسطينيين حقوقهم بالكامل فإن أى إسرائيلى لن يستطيع أن ينعم بنوم حقيقى وأن الكراهية تحيط بها من كل جانب ويكفى محاصرتها بالحجارة حتى تستسلم أو ترحل .
وما يسرى على فلسطين العربية الحبيبة ينطبق على العراق العربى الحر فالتاريخ القديم والتاريخ الحديث يتفقان حول ان الاستعمار لم ولن يحق أهدافه من حتلال ارض الرافدين حتى ولو جاء المحتل ومعه عملاؤه على دبابة او مخترقا ارضا من الشرق أو الجنوب سمحت انظمتها بتواجد القواعد والسيطرة على بترولها الذى هو بترول العرب وليس بترول العائلة او القبيلة الحاكمة .
وما رايكم أيها الاخوة فى التعرض لقضية يحلو للبعض الآن أن ينالوا من تجربة عبد الناصر الإنسانية فى محاولة لإلقاء الظلال على جانب هام هو الديموقراطية التى سأسمح لنفسى أن أستعير كلمات عبد الناصر العظيم بشأنها فى السطور التالية .
ففى العيد التاسع للثورة وفى الثالث والعشرين من يوليو 1961 قال الرجل :
" إن المجتمع منقسم إلى قسمين أومنقسم إلى طبقتين : طبقة الملاك والمستغلين وطبقة الأجراء ، والملاك المستغلون الذين أقصدهم هنا ليسوا كل الملاك ، ولكن المالك الذى يستغل ملكيته حتى يحقق أكبر قدر من الانتاج على حساب الشعب . . وكان فيه طبقة الأجراء التى هى تمثل العامل وتمثل الفلاح وتمثل الموظف وتمثل كل واحد يأخذ أجرا ليعيش . . كل واحد يعمل من أجل أن يعيش . . والإقطاع والطبقة الرأسمالية جعلت من الحكم دائما أداة فى يدها لتحقيق أغراضها لحماية مصالحها ولاستغلال الأجراء ومنعهم من المطالبة بحقوقهم . .
وفى اجتماع اللجنة التحضيرية فى 3يناير1961 قال :
إذا كان المجتمع إقطاعيا يكون حتما الحكم إقطاعيا ، إذا كان الحكم رأسماليا يكون الحكم راسماليا ، وإن الطبقة الاقطاعية والرأسمالية هى التى تتحكم يكون حتما الحكم هو التحالف بين الإقطاع ورأس المال . . من اجل هذا هناك علاقات وثيقة بين السياسة والاقتصاد .
وفى عيد الوحدة 22فبراير1964 قال :
الديموقراطية التى كانت موجودة قبل الثورة لما كانت الرجعية تسيطر على اقتصاد البلاد وثروات البلاد ، كانت هى صاحبة النفوذ وكانت الرجعية هى صاحبة الامتيازات كانت الديموقراطية مزيفة . . وكانوا يقولون إن فيه حرية سياسية أو فيه ديموقراطية سياسية ، ولكن الاسنغلال والاقطاع ورأس المال المستغل قضى على كلمة الديموقراطية التى قالوها ، وعلشان كدة إحنا بنقول لا يمكن بأى حال أن يقال إن هناك حرية إلا إّذا توافرت الديموقراطية السياسية الاجتماعية .
كانت الأمة تواجه مرحلتين من مراحل كفاحها . . مرحلة التحرر السياسى ومرحلة التحرر الاجتماعى ، وكانت مطالب كل مرحلة تختلف عن مطالب المرحلة الأخرى ، وربما كانت المشكلة التى واجهتنا هى تداخل المرحلتين وتشابكهما . . مرحلة التحرر السياسى ومرحلة التحرر الاجتماعى والثورة الاجتماعية لقد تخلفنا طويلا عن العالم ، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تفصل الثورة الاجتماعية عن الثورة السياسية ، فبدون الثورة الاجتماعية تصبح الرجعية ويصبح الاقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال يصبحون جميعا دكتاتورية تتحكم فى الشعب وفى رقاب أبناء الشعب جميعا .
الطبقات اللى اتولدنا ووجدناها اللى هى الطبقة العاملة والراسمالية المستغلة كانوا يمثلون طبقة الحكام فيه الطبقة المتوسطة العمال والفلاحين موش دى الثلاث طبقات اللى كنا موجودين فيها . . اتولدن وعشنا فيها . . ولكن البلد كانت بتشتغل لحساب مين ؟ !
وفى العيد التاسع للثورة 23يوليو1961 قال :
الطبقة المظلومة من الطبقة الظالمة ، الديموقراطية أساسا هى ألا يكون الحكم احتكارا للإقطاع ولرأس المال المستغل ، بل أن يكون الحكم لصالح الأمة كلها . . أن يكون الحكم منصفا للمظلوم من الظالم
الديموقراطية لا توجد بمجرد إصدار دستور أو قيام برلمان . . الديموقراطية لا يحددها الدستور ولا يحددها البرلمان .
الدستور يهب الحرية ، والدستور يعطى الديموقراطية ، ولكن الإقطاع يسلب الحرية والديموقراطية . . والاستغلال يسلب الحرية والديموقراطية . . ديكتاتورية رأس المال تسلب الحرية والديموقراطية ، فلا حرية حقيقية . . ولا ديموقراطية حقيقية إلا بالقضاء على الإقطاع والاحتكار والاستغلال وسيطرة رأس المال .
وفى اجتماعات المؤتمر الوطنى يوم 19نوفمبر1961 قال :
هل المقصود بالديموقراطية الديموقراطية الغربية ؟
هل المقصود بالديموقراطية ، الديموقراطية المجردة ؟
وهل المقصود بالديموقراطية أننا نعمل أحزابا ؟
عندما وضعت هذه الأسئلة وضحتها لحضراتكم ، وقلت فى كلامى أننى فى يوم من الأيام فكرت فى إقامة حزبين . . حزب يحكم وحزب يعارض ولكن فى أى إطار ؟ وفى أى نظام اجتماعى ؟
إننى أعتبر أننا فى ثورة . . ثورة اجتماعية
الدولة لرأس المال . . الدولة التى يسمونها دولة ديموقراطية سواء تبادلها هذا الحزب أو ذاك فهى عبارة عن دكتاتورية رأس المال .
وفى عيد الوحدة يوم 22فبراير1966 قال
الديموقراطية معناها تأكيد سيادة الشعب ووضع السلطة فى يد الشعب وتكريسها لخدمة أهداف الشعب .
الديموقراطية هى الحرية السياسية .
إحنا بنقول لا يمكن بأى حال أن يقال إن هناك حرية إلّا إذا توافرت الديموقراطية السياسية مع الديموقراطية الاجتماعية .
إن الد=يموقراطية السياسية لا يمكن أن تتحقق فى ظل طبقة من الطبقات مع تسليمنا بوجود الصراع الطبقى ، وقلنا إن إحنا تجربتنا من أجل حياة ديموقراطية سايمة لابد أن نحقق الديموقراطية السياسية فى إطار الوحدة الوطنية وفى إطار تذويب الفوارق بين الطبقات ، وفى العمل على تصفية الرجعية .
وفى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية قال :
. . وفى عام 1919 قامت فى مصر ثورة ، وكانت هذه الثورة تهدف إلى حياة ديموقراطية سليمة ، وكانت الثورة تنادى بالاستقلال التام ، واستشهد من استشهد . . وقتل من قتل . . ومات من مات من أبناء الشعب المكافحين الأحرار الذين خرجوا وليس لهم من مطمع أو أهداف إلا أن يموتوا ويستشهدوا فى سبيل تحقيق هذه الأهداف الكبرى التى كانت تنادى بها البلاد من الشمال إلى الجنوب . كان كل بلد ينادى بها ، وكل فرد من أبناء هذا الجيل بنادى بها . . أسلمت البلد قيادتها إلى زعمائها الذين اعتبرتهم أمناء على هذه الأهداف وهذه الآمال .
وبعد ذلك . . ماذا حدث ؟ !
هل تحققت الديموقراطية ؟
هل تحققت الحرية التى مات من اجلها أبناء هذا الوطن ؟
تطورت الأمور ، وانتهت ثورة 1919 بنص دستورى ، وحصلت البلد على على دستور 1923 . . هل طبّق الدستور حسب مواده ؟ وحسب أبوابه وبنوده ؟
هل طبقت الديموقراطية بحيث تكون الحرية حرية شاملة ؟
ما الذى حدث ؟
بدأت العوامل تتدخل . . العوامل الرجعية والعوامل الاستعمارية . . وبدأ أعوان الاستعمار يتآمرون مع الاستعمار على هذا الشعب .
بدأوا يعطون الشعب كلاما جميلا . . كلاما براقا . . وعودا خلابة . . ولكن ماذا كانت نتيجة هذه الوعود الخلابة ، وماذا كانت نتيجة هذا الكلام الجميل ؟
انتكست ثورة 1919 وأصبحت الحرية هى حرية التحكم وحرية السيطرة وحرية الاستبداد وحرية الاستغلال . . وبدأت فئة قليلة من أبناء هذا الشعب تعتبر أن هذه فرصة لتكسب . . لتغتنى وتجمع أكبر كمية ممكنة من المال من هذا الشعب الذى قام وثار وقتل وقاسى وجابه الاستعمار ، وبدأت هذه الفئة القليلة تتآمر . . تتآمر من أجل مصلحة خاصة . . وجدت هذه الفئة القليلة أنها لن تستطيع أن تقاوم الشعب ، وأنها لن تستطيع أن تقاوم الاستعمار فى الوقت نفسه . . وأيقنت أن الشعب لن يسلم ولن يستسلم ولكنه سيحاول مرة اخرى . . إنه يطالب بحقه فى الحياة . . سيحاول أن يطالب بحريته . . سيحاول أن يطالب بعدالة اجتماعية . . سيطالب بحرية الرزق وحرية العيش
ماذا كانت النتيجة ؟
اتجهت هذه الفئة المستغلة إلى الاستعمار لتتعاون معه .
وفى المؤتمر الإفريقى الآسيوى 15فبراير1962 قال :
ولقد واجهنا منذ أول أيام هذه الثورة متناقضات كبيرة ، وكنا نشعر أن عدم التكافوء الاجتماعى وعدم التكافوء للاقتصادى لابد أن ينتج عنه عدم التكافوء السياسى ، وكنا نشعر أن من يملك الأرض والاقطاع يملك معهما حرية الناس ومن يملك رأس المال وادوات الانتاج يملك معهما حريات الناس . وعلى هذا آمنا أن الحرية لابد أن تكون حرية سياسية وحرية اجتماعية ، ولابد أن يتحرر الفرد من الاستغلال بكل معانيه . . الاقتصادى والاجتماعى حتى يستطيع أن يباشر حريته السياسية .
وفى الاحتفال بعيد السد العالى 9يناير1963 قال :
إن الديموقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تحققت الديموقراطية الاجتماعية . . والديموقراطية الاجتماعية معناها تأمين الرزق للعامل وتأكيد الرزق للفلاح . ونحن نسير فى سبيل تأكيد الرزق للجميع ، كما نسير فى سبيل القضاء على الاستغلال بكل معانيه أو السيطرة الداخلية بكل مقوماتها .
وإذا تحققت الديموقراطية الاجتماعية واصبح كل فرد آمنا على غده ، وآمنا على رزقه ، فلابد أن تتحقق الديموقراطية السياسية ، وان الشخص الذى يأمن على يومه وغده لا يخاف أن يقول رأيه بوضوح وصراحة . . ولا يمكن من الأحوال أن يبيع نفسه أو صوته أو يبيع إرادته .
لا يمكن بأى حال إن إحنا نقول عندنا ديموقراطية وعندنا برلمان ونبص نلاقى الإقطاعى هو اللى بيروح البرلمان وصاحب رأس المال هو اللى بيروح البرلمان .
طيب إزاى الإقطاعى بيروح البرلمان ؟ هل الفلاحين راضيين ؟ لا . . الفلاحين مش راضيين ، لكن لو الفلاحين ما ادوش الإقطاعى أصواتهم بيحصل إيه ؟
الإقطاعى يهددهم . . أو كانوا يقتلونهم . . كانوا بيتسلبطوا عليهم أو بيطردهم من البلد هو وعيلته . . ما كانش الفرد سيد نفسه ، فكان الفرد بيشعر أنه ائما مهدد فى يومه ومهدد فى غده .
وكان الإقطاعى من دول بيقدر ويقول أنا بأطلب وزير الداخلية . . ويقضى على أى فرد أو أى عائلة تطالب بحقها ، بل كان أكثر من كدة . . الإقطاعى اللى عنده آلاف الفدادين بيشترى أرض اللى عنده قيراط أو قيراطين وفدان وفدانين وخمس فدادين . . وإذا ما كانش يرضى يبيعها له بالسعر اللى هو عايزه كان يستخدم الحكم .
محاولة واجتهاد شخصى أردت أن أضعه تحت انظار شباب امتنا العربية حول جانب هام يلعب فيه وبه الكثيرين سواء بنوايا حسنة أو نتيجة انبهار غبى بردة العولمة المستوردة من عالم لا يزيد عمره عن مائتى عام قام على مجتمع من القتلة ومجرموا اوربا سفكوا دماء أصحاب الأرض الأصليين من الهنود الحمر واقامو البيت الأبيض على جماجم وجثث أكبر قبيلة من أصحاب الأرض الأصليين .
فلنرجع لأصولنا وحضاراتنا الأصيلة ولنتمسك بالصحيح ونطوّر ونتعلم من الدروس المستفادة ولننقد انفسنا ذاتيا حتى نستفيد لنتقدم متحدين متوحدين فأرضنا واحدة وتاريخنا واحد مرتبط ولغتنا واحدة والأديان السماوية نزلت على أرضنا نحن ومواردنا الطبيعية والبشرية لا تحتاج لتأكيدها
عايزين إيه أكثر من كدة من عناصر الوحدة والقوة وتقدم .
آسف للإطالة
ولكم منى كل حب بمناسبة ذكرى ميلاد القائد والمعلم العظيم جمال عبد الناصر .
سامى شرف
15يناير2006
........."