Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

عبدالناصر الرجل والإنسان.. رؤية من قريب

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 8 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة الثامنة


لو أنك اقتربت من شخص جمال عبدالناصر ساعة لا سنين طويلة حافلة لأصابتك الدهشة وأنت ترى السهام تلقى على ذكرى الرجل تحاول ان تنسب إليه ما هو بريء منه. وتزول دهشتك عندما تفكر ان جمال عبدالناصر ما زال يمثل خطراً على البعض، لذلك يحاولون حربه حتى بعد ان استجاب لنداء ربه.

ورغم ادراكي لهذا، ورغم ان كل هجوم على جمال عبدالناصر اليوم يجعلني أحس أنه في رحاب الله أقوى من أعدائه أحياء!

وهنا أحاول أن أقترب من جمال عبدالناصر، إذ أريد من الناس أن يعرفوا من هو جمال عبدالناصر الانسان.

بعد رحيل جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر/ أيلول 1970 قفلت الدائرة، ولكن ماذا تحوي داخلها؟ ثورة 23 يوليو/ تموز، باندونج، ملحمة السويس، دمشق والوحدة العربية، ثورة الجزائر، رجوع اليمن إلى القرن العشرين، تحرير لإفريقيا، قوانين يوليو/ تموز 1961.. ملكية فثورة فجمهورية.. عروبة، حرية، اشتراكية، وحدة.

ما هو باق: صورة جمال عبدالناصر وما أصبحت ترمز إليه من الاحساس بالكرامة والحرية وروح التحديث والشعور بالمكانة الدولية.

استطاع عبدالناصر ان يمثل أغلبية الشعب تمثيلاً صادقاً، وان يدافع عن الأماني القومية دفاعاً حقيقياً؛ واستطاع بذلك ان يتحول إلى رمز للحركة الوطنية المعاصرة فتبايعه عبر هذه الحركة شعوب الأمة العربية بزعامة لم يحصل عليها من قبل أي انسان آخر، لا من حيث اتساع أفقها وشمولها من العراق إلى المغرب ولا من حيث نوعيتها.. عامة تنبثق من الشعب، من مجموع طبقاته وفئاته وأفكاره، وهي تنبثق من أماني الشعب، من مطالبه، الذي نادى بها منذ أكثر من قرن، ومن أحلامه التي أخذت تتراءى له منذ ان لفته كوابيس التخلف والاستعمار والتفرقة والفقر، ومن تراثه وكيانه القومي ومصالحه العامة.

كان لعبدالناصر صورته الجماهيرية الطبيعية وغير المصطنعة وقد نفدت إلى قلوب الجماهير العربية العريضة ووجدانها، في أقطار لم يكن لعبدالناصر سلطان عليها بل كانت بعض حكوماتها تسعى للقضاء على صورته في وجدان الناس لماذا؟

لقد كان يريد ان يجعل من مصر نموذجاً على الأرض العربية يجسد معنى الاستقلال السياسي والاقتصادي، نموذجاً تتحقق فيه حرية الوطن والمواطن عن طريق بناء مجتمع الكفاية والعدل، أي التنمية والقضاء على التخلف والاستغلال وتحقيق عدالة توزيع ناتج هذه التنمية على الجماهير التي سنعتها بنفسها.

كان يريد نموذجاً لمجتمع عصري متطور، ينتشر فيه التعليم والتصنيع، ويبني قوته الذاتية المستقلة. ولم يكن ينطلق في بناء مصر من منطلق قطري، ولا كان يرى أن دور مصر في أمتها محصور في مجال مصري، بل كانت كل معاركه من أجل تقريب يوم الوحدة العربية التي كان يراها كلا يتجزأ سواء من ناحية الأمن أو التنمية.. وجهي عملة واحدة هي الاستقلال. وهذا المفهوم هو أكثر إلحاحاً الآن في ظل عالم أحادي القطبية؛ فالوحدة هي الخيار الحتمي، وليس لنا ولن يكون لنا طريق غيره إذا أردنا البقاء والحياة على ظهر هذه الأرض.

صورة جمال عبدالناصر الجماهيرية كانت نابعة من ارتباطه بتراب الوطن الذي جسده في شخصه حتى أصبح هو ذاته مادة مثالية لدراسة حالة نادرة من تحليق صورة الزعيم السياسي في آفاق لم يسبق أن وصل إليها أحد حتى الآن.. فثوابت برنامج عبدالناصر هي أهداف تاريخية لن تسقط إلا بتحقيقها. أليس صحيحاً أن شعارات مثل “نفط العرب للعرب” و”ثروة العرب للعرب” هي شعارات صحيحة ومنطقية، وأن العمل بعكسها غير مقبول كأن تسخر ثروة العرب ونفطهم لزيادة ثراء الأجنبي الأمريكي وبناء تقدم أوروبا؟! ألسنا نحن أولى بهذا المجد وتلك الرفاهية والثراء؟ إن تراث عبدالناصر يعتبر تجربة إنسانية حية وثرية نأخذ منها الجوهر الأساسي ونجتهد في التفاصيل وفق ما يستجد من ظروف ومتغيرات.

قوة منطق عبدالناصر مستمدة من قوة منطق التاريخ.. إن ارتباطه بتراب الوطن وتاريخه كان هو الذي صاغ لجمال عبدالناصر صورته الجماهيرية، أما التزامه بقضايا الوطن ومسارعته للدفاع عنها فقد كانت وسيلته في توصيل هذه الصورة إلى الشعوب العربية في كل مكان.

جمال عبدالناصر، أول رئيس يهتم فعلا وعملياً بالفقراء، انحاز لهم وعادى الاقطاع والرأسمالية الكبيرة والمستغلة.. قد يكون حدثت تجاوزات.. وهذا جائز لكنه لا ينفي اطلاقاً أنه وقف إلى جانب العمال والفلاحين وصغار الموظفين.

كانت الشقة ذات الغرف الأربع إيجارها دون الجنيهات العشرة، وكان كيلو اللحم بأقل من خمسين قرشاً، وكان سعر متر الأرض لا يزيد بأي حال على الخمسة جنيهات وقد كان في بداية الخمسينات بما لا يزيد عن الستين قرشاً في مناطق مصر الجديدة والمهندسين وبالذات المنطقة المحيطة بنادي الصيد المصري.

كانت الحياة هادئة بالرغم من المعارك والتحديات التي خاضتها ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 بقيادة عبدالناصر، كانت هناك طبقة متوسطة وهي عصب الأمم وعصب الشعوب والمجتمعات ومنها يخرج كل ما هو عظيم في حياة الشعوب من ثقافة وفن وأدب وإبداع.. أين هذه الطبقة الوسطى الآن وأين الفقراء؟!

وبمناسبة الفقراء تحضرني واقعة حدثت أثناء احدى زيارات جمال عبدالناصر لصعيد مصر عندما توقف القطار في احدى المحطات، فوجئنا برجل بسيط يلقي “ببؤجة أو صرة” وقعت بين أرجلنا؛ وتملك الحضور شيء من الارتباك والمفاجأة، وسارع أحد ضباط الحراسة الخاصة بالتقاط هذه الصرة بحذر وبدأ يفتحها داخل احدى كبائن القطار، وكانت المفاجأة ان الصرة لا تحوي إلا “رغيف بتاو وبصلة” في منديل محلاوي! ولم يفهم أحد من الحضور رغم نمو حاسة حب الاستطلاع، لماذا رمى الرجل الطيب بهذه الصرة؟ إلا ان جمال عبدالناصر الصعيدي كان الوحيد الذي فهم ماذا تعني هذه الرسالة، وأطل برأسه بسرعة من القطار وأخذ يرفع صوته في اتجاه الرجل الذي ألقى بالصرة قائلاً له: “الرسالة وصلت يا أبويا، الرسالة وصلت..”.

لم يكد الركب يصل إلى اسوان حتى طلب الرئيس عبدالناصر تقريراً عاجلاً عن عمال التراحيل وعن أحوالهم المعيشية.

وفي خطابه مساء ذلك اليوم في جماهير أسوان قال: “يا عم جابر.. أحب أقول لك إن الرسالة وصلت واننا قررنا زيادة أجر عامل التراحيل إلى 25 قرشاً في اليوم بدلاً من 12 قرشاً فقط، كما تقرر تطبيق نظام التأمين الاجتماعي والصحي على عمال التراحيل للمرة الأولى في مصر”.

لقد فهم جمال عبدالناصر الرسالة التي لم يستطع أحد غيره ان يكسر شفرتها، فالمنديل المحلاوي هو رمز عمال التراحيل، وهم العمال الموسميون الذين يتغربون في البلاد بحثاً عن لقمة العيش ولا يجدون ما يأكلونه سوى عيش البتاو.. وهو نوع من الخبز يعرفه أبناء الصعيد يصنع من الذرة مع مسحوق الحلبة.

كان جمال عبدالناصر مرحا حتى وهو يصارع أعداء الأمة، كان مرحاً وهو يصارع المرض، كان يعرف أسماء العاملين معه.. الصغير قبل الكبير، كما كان يعرف أسماء أبنائنا وبناتنا ويتابع أخبارهم في الدراسة وفي حياتنا الأسرية والاجتماعية، يسأل من نجح ومن سقط أو عن بنت فلان التي تمت خطبتها أو زواجها.. يجاملنا في جميع المناسبات والأحوال؛ تجد باقة ورد وعليها الكارت باسمه تصل إلى منزلك أو إلى غرفة في المستشفى التي تعالج فيه سواء أنت أم زوجتك أو أحد الأبناء أو الأمهات والآباء، أو مساعدة مالية أو هدية تتماشى مع المناسبة.

كان جمال عبدالناصر ملاحقاً للجميع طوال الوقت وفي كل مكان، وكانت حياته محصورة في اماكن ثلاثة كما كان دائماً يقول لنا: إما هنا في المكتب في منشية البكري، أو في القلعة (السجن)، أو في التربة (القبر).

رب أسرة بسيطة.. متواضع.. غير متكلف.. لم يحيا في بذخ.. ملبس بسيط.. طعام بسيط.. لم يخرج عن حدود معينة في ساعات ضيقه.. لا يرى أحداً وهو في حالة غضب.. تهدأ الأمور ثم يتفاهم.. لم يشعر بأي راحة لا في صحيانه ولا في نومه ولا في أكله ولا في مشاهدة عائلته الصغيرة وأولاده ولا حتى في سفره للخارج، وفي زيارته لأمريكا سنة 1960 لم يرها، فمن مقر السكن الذي كان خارج مدينة نيويورك إلى مبنى الأمم المتحدة وبالعكس.. وكل الذي شاهده هو الطريق الاسفلت..!

كان يستطيع ان يعين نائباً لرئيس الجمهورية لكنه لم يستطع ان يعين شخصاً في الجامعة العربية! عندما سعينا لدى عبدالخالق حسونة لتعيين كل من عبدالرحيم عبدالله الثائر اليمني الكبير وكذلك العقيد محمود أحمد طنطاوي السكرتير السابق للمشير عبدالحكيم عامر في احدى وظائف الجامعة العربية، واعتذر عبدالخالق حسونة قائلاً لي انه يأسف لأنه لا يستطيع تلبية هذه الرغبة بالرغم من أنني قلت له ان أمرهما يهم جمال عبدالناصر!! لم يكن يأمر فيطاع.. ولم يكن يملك أزراراً يدوس عليها يرزق بها الناس أو يمنع عنها الرزق أو يحل لهم مشكلاتهم كما يريد أو يريدون هم.

فمثلاً حكاية لمياء مفرج.. تلك السيدة اللبنانية الفاضلة التي شاءت الاقدار نتيجة ظروف لا دخل لها بها ان تقع تحت إجراءات جمال عبدالناصر للحراسة، ونتيجة للقرارات التي أصدرها الرئيس جمال عبدالناصر فيما بعد بتصفية الحراسات وقعت الأخت لمياء مفرج في براثن أخطبوط الروتين الذي تفنن أصحابه في المماطلة في حصولها على حقها بالرغم من التأشيرة الواضحة الصريحة للرئيس جمال على أوراقها برفع الحراسة! وما زلت لا أعرف إن كانت قد استردت حقوقها أم لا حتى الآن.

ولا ننسى موقف جمال عبدالناصر من المرأة، فقد كان الرجل في سعيه إلى التحديث يعمل على تحرر نصف المجتمع ليمنح المرأة جميع حقوقها الطبيعية باعتبارها كانت تمثل جانباً كبيراً من المجتمع مهضوم الحقوق، مما جعل جمال عبدالناصر يصر على ان يصدر في الميثاق ما نصه: “ان المرأة لا بد ان تتساوى بالرجل، ولا بد ان تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع ان تشارك بعمق وايجابية في صنع الحياة”.

ولقد واجه جمال عبدالناصر موقفاً صعباً في أول زيارة صاحبته فيها قرينته إلى اليونان، فقد كان هناك حفل استقبال معد للرئيس وحرمه، وتقضي قواعد البروتوكول في مثل هذه الرسميات بأن يدخل الملك بول ملك اليونان إلى قاعة الاحتفال متأبطاً ذراع زوجة الضيف احتفاء بها، بينما يدخل الضيف وقد تأبط ذراع الملكة فريدريكا. ورفض الرئيس جمال عبدالناصر هذا الوضع الذي يتنافى مع تقاليد البلاد دون ان يجرح أيضاً شعور مضيفه بأن تأبط هو ذراع الملك بول بالطريقة التي اعتاد عليها الأصدقاء في مجتمعنا الشرقي ان يتأبطوا ذراع بعضهما البعض بينما ترك الزوجتين تدخلان سوياً.

كان جواهر لال نهرو الزعيم الهندي الكبير يقول: “ان ما أحبه في ناصر أنه يتعلم دائماً”. وتميز الرئيس جمال عبدالناصر بصدقه المطلق، ونهمه المتصل للمعرفة، وشجاعته وهذا ما جعله رجل الفكر والفعل المؤهل لقيادة أمة في حقبة حاسمة.

كانت الطالبتان هدى ومنى جمال عبدالناصر مدعوتان لحضور حفل عيد ميلاد لصديقة لهما، وطلبت الأختان شراء فساتين جديدة حتى لا تذهبا إلى الحفلة بالفساتين نفسها التي ذهبتا بها إلى حفلات سابقة كانت تضم الصديقات أنفسهن، لكن عبدالناصر الأب قال لهما إن عائلتهما ليست عائلة غنية بحيث تلبسان في كل حفلة فستاناً جديداً وإن والدهما إنسان فقير.

وفي اليوم التالي كلّف عبدالناصر الأخ محمد أحمد أن يصطحب بناته وأبنائه جميعاً إلى أحد الأحياء الشعبية في القاهرة، ولم يعرفوا السبب من تلك الرحلة إلا بعد أن وصلوا إلى أحد البيوت القديمة فأشار إليه محمد أحمد قائلاً: ده البيت اللي عاش فيه الرئيس وهو تلميذ صغير.

لحظة تحول تصدي وتحدي

صلاة الجمعة في الجامع الأزهر اليوم الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني ،1956 خطب الرئيس جمال عبدالناصر في جماهير المصلين واستمع له شعب مصر في القاهرة الكبرى من إذاعة خاصة أقيمت على عجل في سكرتارية الرئيس للمعلومات في مبنى مجلس الوزراء بعد قصف مرسلات الإذاعة المصرية في أبي زعبل وقال الرئيس: “حانحارب.. حانحارب..”.

عبدالناصر والبروتوكول الغربي

منذ قيام ثورة يوليو/ تموز 1952 ظلّ جمال عبدالناصر يرتدي الزيّ العسكري المعروف وقتها لضباط الجيش المصري، وهو زيّ كان يستمد خطوطه من الزيّ العسكري البريطاني الكاكي والحذاء البني. وظل عبدالناصر لسنوات مفضلاً الظهور بهذا الزي الخشن حتى في المناسبات الرسمية وفي الحفلات التي كانت تلزم ارتداء ملابس أخرى لها مواصفات معروفة وبالذات في المجتمعات الغربية.

وعندما زار “أنتوني إيدن” رئيس وزراء بريطانيا القاهرة يوم 20 فبراير/ شباط 1955 أقيم حفل عشاء في السفارة البريطانية دُعي عبدالناصر لحضوره، وكان المفروض أن يكون الحضور بالملابس الرسمية، أي “الإسموكينج”، ولم يكن عبدالناصر يملك هذه البدلة “الإسموكينج” ولا ارتداها من قبل، ولذا فقد قرّر أن يتوجه إلى الغداء بالملابس العسكرية التي تعوّد الظهور بها، كما طلب إلى أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين دعوا للحفل أن يرتدوا كذلك هذه الملابس العسكرية، وقد حضر مع عبدالناصر عباللطيف البغدادي وعبدالحكيم عامر وزكريا محيي الدين والدكتور محمود فوزي الذي ارتدى بدلة رمادية غامقة اللون.

صام الرئيس وهو على سفر

أثناء انعقاد مؤتمر باندونج سنة 1956 كان الجو حاراً جداً والمجهود الذي يُبذل ليس بالبسيط كما كان في شهر رمضان، وقد نادى البعض من الحضور بجواز الإفطار باعتبار أنهم على سفر مما يبيح استخدام الرخصة الشرعية، وعندما طلبوا إلى الرئيس جمال عبدالناصر أن يفطر رفض، واستدعى الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف وعضو الوفد المصري وسأله الرئيس رأيه، فأفتى بجواز الإفطار وقال ما معناه إن الله يحب العبد الذي يستخدم رخصه، إلا أن الرئيس قال للحضور وأعضاء الوفد إنه لن يفطر بل سيستمر في صيامه مهما كانت المتاعب.

ولما سأله الشيخ الباقوري: لماذا يا ريس؟

قال عبدالناصر: يا شيخ أحمد كيف يفطر رئيس مصر بلد الأزهر الشريف وهناك عشرات من الرؤساء الأفارقة والآسيويين معنا ليل نهار ويزوروننا طوال الوقت.. ماذا يقولون عنا إذا شافونا مفطرين في شهر الصيام، ثم ماذا سيقولون لشعوبهم عندما يعودوا إلى بلادهم؟ هل تقبلون أن يقولون إننا تركنا عبدالناصر رئيس مصر بلد الأزهر ورجاله مفطرين في شهر رمضان في إندونيسيا؟!

زيارة خروشوف

عندما زار خروشوف القاهرة أضاف جمال عبدالناصر بخطّ يده على برنامج الزيارة ضرورة زيارته للمتحف الإسلامي.

غير قابل للاستقطاب

بعد الثورة عرض المليونير المعروف عبداللطيف أبورجيلة على والد جمال عبدالناصر أن يعينه بمرتب كبير عضواً في مجلس إدارة إحدى شركاته للأوتوبيس، ولما علم عبدالناصر بهذا العرض قال لوالده: يا والدي دول عايزينك عضو مجلس إدارة.. إزاي وإنت راجل بتاع بوستة وتلجراف؟! دول عايزين يشتروني من خلالك.. ورفض الرئيس هذا العرض كما رفضه الحاج عبدالناصر حسين.

أحاديث ومواقف شخصية مع العائلة

قال جمال عبدالناصر لشقيقه شوقي: “أنا ما عنديش مانع أن مستواكم المادي ينمو ويتحسّن، بس مع نمو المستوى الاقتصادي للبلد كلها، وبشرط أن تعتمدوا على أنفسكم.. يعني الناس كلها مستواها ينمو وإنتم كمان مستواكم يتحسن علشان إنتم مش مميزين عن بقية الناس.. وبصراحة شديدة لو حد منكم فكر إنه يستغل اسمي أنا مش حاأرحمه”.

وفي حضور الحاج عبدالناصر وجميع الاخوة وحديث عن المصاهرة والزواج للعائلة قال لهم عبدالناصر: “أنا ما عنديش مانع تناسبوا أي شخص بس بشرط ما يكونش إقطاعي ولا مفروض عليه الحراسة ولا من الأسماء الرنانة.. دي محظورات ثلاثة أرجوكم أن تفهموها كويس”.

في العام 1968 قررت العائلة إتمام زواج الأخت غير الشقيقة لجمال عبدالناصر، وقد حضروا إلى منشية البكري لإبلاغه بالموعد المقترح ودعوته للمشاركة في هذه المناسبة، فكان رد الرئيس: “مبروك على هذه الزيجة.. بس أنا مش حأقدر أحضر الحفل في الوقت اللي فيه شهيد في كل بيت مصري”، وطلب منهم ان يكون الفرح على أضيق نطاق، وأذكر ان الفرح أقيم في القناطر الخيرية بعيداً عن القاهرة نسبياً.

الحاج عبدالناصر حسين، والد جمال عبدالناصر كان يستخدم المواصلات العادية في تنقلاته حتى العام 1958 حيث اشترى له الرئيس سيارة نصر 1300 صغيرة بالتقسيط.

العم سلطان.. العم الأكبر للرئيس جمال عبدالناصر لم يتقاض معاشاً إلا سنة 1972 وكان قدره 16،673 جنيه (ستة عشر جنيهاً وستمائة وثلاثة وسبعون مليماً).

“حانعمل إيه في خالد”؟

في نهاية المكالمة التلفونية الصباحية في أحد أيام شهر سبتمبر/أيلول ،1970 لعرض أهم وآخر صورة للموقف على جبهة القناة والصورة العامة لأهم المعلومات، قال لي الرئيس جمال عبدالناصر: “يا سامي حصّلني على الجنينة في طابور الصباح”.

فقلت: “حاضر يافندم”.

دخلت من بوابة منشية البكري لاستمع إلى صوت المصحف المرتل ومشيت بجوار سور المكتبة حتى مدخل الحديقة، والذي كان قد وصل إليه من قبلي فقال لي باسماً: “صباح الخير يا استاذ”.

فقلت: “صباح الخير يا فندم”، ثم سكتّ انتظاراً لما سيبادرني به هو، كانت تلك عادته عندما يطلب مني مصاحبته في طابور الصباح، ان يبدأ هو بالحديث.

فسألني: “ما بتتكلّمش ليه”؟

قلت: “مش عايز أقطع تفكير سيادتك انتظاراً لما ستأمر به”.

فقال بعد ان وقف ناظراً إليّ ليرى رد فعل سؤاله عليّ: “إيه رأيك في خالد؟.. حا نعمل فيه إيه بالنسبة للتجنيد”؟

فقلت دون تفكير: “طبعاً سيجند يا فندم”.

فقال: “ما أنا عارف انه حا يتجند.. إنما سؤالي لك هو: حا يتجند فين؟”، وأكمل كلامه بقوله: “إنت عارف طبعاً لما حايتجند في أي وحدة ستتم مجاملات له أو لنا.. وده شيء أنا مش عايزه يحصل لسببين: الأول يخص خالد.. ليعرف ويعتاد على حياة جديدة خشنة تؤهله لمدخل حياته بالشكل الصحيح، والثاني لازم الكل يعرف إن خالد مثله كمثل كل شباب البلد مجند عادي وغير مميّز.

فقلت: “الحقيقة أنا فكرت في هذا الموضوع منذ أن أنهى خالد الامتحانات، ورأيي ان يجند في سلاح المشاة ويلحق بالحرس الجمهوري.. فنكون بذلك حققنا هدفين: الأول ان يصبح خالد جندي عادي مثله كالآخرين، والثاني ان نتفادى المجاملات حيث سيكون تحت قيادة الليثي ناصف مع إشرافي عليه من ناحية أخرى، وننبه الليثي ان تكون المعاملة له معاملة عادية وطبيعية مثله كمثل باقي جنود الحرس الجمهوري ومن خلال علاقتي بالحرس سأتأكد من تحقيق هذين الهدفين أي لا مجاملة ومعاملته كجندي عادي”.

وافق الرئيس جمال عبدالناصر على هذا الرأي وقال لي: “ابق نسّق مع الفريق فوزي والليثي ناصف”.

تكافؤ الفرص

سكرتيري يبلغني بأن أحد طلبة الجامعة يريد مقابلتي.. ولم يشأ ان يبين أسباب المقابلة للعاملين بالمكتب.. استدعيته وقبل ان يجلس طلب مني بإلحاح ان يتمكن من مقابلة الرئيس، فقلت له: اعتقد ان من حقي ان أعرف اسباب المقابلة لأيسر لك المقابلة، فقال: “أنا والدي بائع بسيط في ميدان الحسين، وأنا لي سبعة إخوة واخوات ووالدي اهتم بتعليمنا جميعاً إلى ان تخرجت في كلية الزراعة هذا العام بتفوق، ولكن لم يحن دوري في التعيين من قبل القوى العاملة، واعتقد ان حالتنا تستدعي ان يرعاني الرئيس بالطريقة والأسلوب الذي يراه هو”، وقال: “ان وضعنا المادي لا نحسد عليه”!!

وقبل ان يكمل حديثه بدأ رنين الخط الساخن فقلت: “أفندم”.

قال الرئيس وكانت هذه عادته قبل ان يتكلم أن يسألني سؤالاً محدداً : عندك حد؟

عندك حد يا أستاذ؟

فرويت حكاية الطالب الذي كان يجلس أمامي وطبعاً الطالب لا يدري ان المتحدث هو الرئيس شخصياً فقال الرئيس: “إنت تقدر تعينه في نادي الشمس إلى ان يحين دوره في القوى العاملة”؟ فأجبت نعم..

التفت إلى الطالب وقلت له: “الرئيس حل مشكلتك.. ما رأيك”؟ فلم يصدق إلا بعد ان طلبت اللواء جمال هدايت مدير نادي الشمس، وكان النادي في تلك المرحلة تحت التأسيس وأبلغته بالأوامر بتعيين الطالب اعتباراً من هذه اللحظة بمرتب خريج الجامعة في ذلك الوقت، واستلم عمله وكان مثالاً للشاب الملتزم، وأصبح فيما بعد أحد كبار رجال وزارة الزراعة.



لا حول ولا قوة إلا بالله



سنة 1953 شعر جمال عبدالناصر بآلام الزائدة الدودية واستدعى الدكتور مظهر عاشور كان كبير الجراحين في المستشفى العسكري العام بكوبري القبة وذلك للكشف عليه في منزله بمنشية البكري، وبينما كان الدكتور مظهر عاشور يقوم بإجراء الكشف عليه قال: “لا حول ولا قوة إلا بالله”!

فسأله الرئيس: “هي الحالة خطيرة للدرجة

دي؟”.

فقال الدكتور: “أبداً.. دي العلة البدنية هنا بسيطة ولا تحتاج إلا لعملية جراحية بسيطة لاستئصال الأعور، ولكنني استغفر الله لعلة أخرى وهي أنني سمحت لأذني أن تسمع عنك فرية دنيئة..”.

فسأله الرئيس: “وإيه اللي سمعته يا دكتور مظهر؟”.

فقال: “كنت منذ أيام أزور بعض الأصدقاء في لقاء اجتماعي فقال واحد من الحاضرين انه زارك وشاف بيتك مفروش من قصر الملك.. من عابدين.. وأنا داخل لك النهار ده شفت حجرة الجلوس وحجرة النوم اللي إحنا فيها دلوقت، ولكني لم أجد شيئاً مما زعموه وافتروه عليك.. فسبحان الله”!

وابتسم جمال عبدالناصر رغم آلامه وقال: إنني أتوقع الكثير من هذا الكلام.. وان مثل هذه الفريات وغيرها موش حاتعقدنا ولا تقعدنا عن تحقيق أهدافنا.. يا دكتور مظهر أشهد بأن كل شيء حايكون لغيري ولو على حسابي..”.




الخليج الإماراتية
4.10.2003"

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US