Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

'عبدالناصر: ثورة 52 كانت سياسية وثورة 61 اجتماعية

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 5 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة الخامسة


منذ يوليو 1961 بدأت مرحلة جديدة كان محورها الرئيسي هو احداث التحول الاشتراكي في مصر، ومن ثم اتجه البحث بعد وقوع الانفصال وتخفف مصر من كثير من أعباء الوحدة مع سوريا الى صيغة جديدة من صيغ التنظيم السياسي. وهنا تحول مجلس الوزراء الى ورشة عمل مكثقة للتوصل الى هذه الصيغة المنشودة، وفي احدى هذه الجلسات شرح الرئيس جمال عبدالناصر التطور السياسي الذي مرت به الثورة منذ قيامها وما واجهته من صعاب وبخاصة في مجال تحقيق الثورة الاجتماعية، فقال (1):

“عندما نرجع لسنة ،1952 كانت توجد ثورة ،1952 وكانت توجد اهداف ومبادئ لهذه الثورة التي اعلنت وفي عام 1961 هل طبقت هذه الأهداف تطبيقا كاملا؟ لم تطبق، اقول إنه سنة 1952 كانت ثورة سياسية، ولو انها اعلنت اهدافا اجتماعية لم توضع موضع التنفيذ.. الأهداف السياسية كنا نعرفها، فهي الجلاء وخروج الانجليز، والى آخر هذه المشاكل والنواحي التي تعقبناها من أجل التحرر.

الثورة السياسية كان غرضها القضاء على الاستعمار وأعوانه في الداخل والخارج، وقد قلت في خطاب لي في أول الثورة: اننا نقابل ثورتين، ثورة سياسية وثورة اجتماعية، أما الثورة السياسية فتحتاج الى توحيد.. وحدة الناس، والثورة الاجتماعية تفرق الناس لأنها تدخل في موضوع الطبقات والثروات. مشروع الإصلاح الزراعي الذي اقر في 1952 لم يكن يمثل بالمعنى الحقيقي الثورة الاجتماعية، وأعتبر اننا اعطينا فرصة للاقطاع لتحويل جزء كبير من أرضه الى أموال يستغلها في ميادين أخرى. والظروف اضطرتنا الى هذا أول الأمر، ولقد شعرنا بعيب هذه الظروف؛ كان الاقطاعي يبيع بالخمسة افدنة، فبعض الناس باعت الأراضي واشترت عمارات، ثورة 1952 لم تكن ثورة اجتماعية بالمعنى الذي يجول في النفس، ماذا حدث بعد عام 1952؟ في معاركنا مع الاستعمار من أجل الجلاء، ثم في معاركنا ضد العدوان الثلاثي ،1956 أراد الاقطاع والرأسمالية أو البورجوازية ان يستغلوا هذه الثورة لمصلحتهم، واعتبروا في ثورة 1952 ثورة لمصلحة البورجوازية حتى عام 1961؛ فلم تكن أبدا ثورة اجتماعية لسبب، فالصراع الذي كان موجودا من أجل التحرير.. البورجوازية قبلت الوضع الذي حدث في سنة ،1952 بالنسبة للاقطاع، تحديد الملكية، ولكن هل قبلت الوضع نهائيا؟ لا، وإنما أرادت ان تجد الفرصة والتسلل وتسترت حتى تطوي هذه الثورة، وحدث هذا في التاريخ. وهذه الثورة كانت بورجوازية أو وطنية أو نصف وطنية، ولكنها لم تكن ثورة اجتماعية.. مثل في هذا ان الاقطاع والانتهازية وهذه الفئات التي كانت تمثل الطبقات الحاكمة أو الطبقات المستفيدة قبل الثورة هذه الطبقات اعلنت أنها ترحب بالثورة.. من رؤساء الاحزاب ومجالس ادارات الاحزاب، الاقطاعيين الخ فقد حضروا وقالوا: نحن مستعدون لتطهير أنفسنا.. فقلنا لهم: نريد تحديد الملكية الزراعية، فرفضوا جميعا.. جلست مع فؤاد سراج الدين وقلت له: نحن لن نحكم ومستعدين نرجع برلمان الغالبية.. وكنت اكثر الناس اصرارا على عودة البرلمان الوفدي الموجود قبل الثورة، ويومها تركت مجلس قيادة الثورة لأنه لم يوافق على رأيي وقلت:

“إقامة حياة ديمقراطية سليمة تنحصر في عودة البرلمان”.

واتفقنا على هذا وقلت لفؤاد سراج الدين: اتفضلوا خدوا الحكومة ويعود البرلمان، لكني لي مطلب واحد هو تحديد الملكية الزراعية”، وكان معي بعض اخواني، فقال فؤاد سراج الدين: “تحديد الملكية لا يفيد، والأفضل فرض ضريبة تصاعدية”.

وتناقشنا مناقشة طويلة.. كان الفهم مختلفا، كل واحد بيتكلم لغاية مختلفة، وقال فؤاد سراج الدين: ان فرض الضريبة التصاعدية يزيد حصيلة الخزانة العامة.

فقلت له: ليس هدفي زيادة حصيلة الخزانة العامة، إنما الهدف هو تحرير الفلاح.

فقال: ارجع في هذا الى مجلس ادارة الحزب.

رجع الى مجلس ادارة الحزب مرة ثانية، ورفض اخذ الحكومة تحت هذه الشروط لأنهم كانوا أصحاب الأرض، وكذلك رفض بهي الدين بركات وجميع الاقطاعيين وكان علي ماهر رئيسا للحكومة في هذا الوقت جميعهم رفضوا تحديد الملكية حتى بخمسمائة فدان. لم تكن الاحزاب وحدها هي التي رفضت تحديد الملكية.. بل الحكومة التي أتت بعد الثورة رفضت، والوصي على العرش رفض ايضا، ورشاد مهنا سار في هذا الموضوع، وصارت العملية التي كنا متصورينها سهلة.. وكنت اسبح في الخيال، وكنت أريد تحقيق اهداف الثورة الستة، ولكني وجدت أنني بهذا سأضيع اهداف الثورة. ووجدت أخيرا الحل، وهو اخراج علي ماهر، واعتقال زعماء الاحزاب، وجاء محمد نجيب، وصدر قانون الإصلاح الزراعي رغم أنف الاحزاب التي رفضت الثورة الاجتماعية. هل بهذا قضينا فعلا على الرجعية والاقطاع والطبقة البرجوازية التي كانت تحكم هذا البلد وتعتبر نفسها أسيادا؟ لا، لقد استكانوا.. وبدأوا بطالبون بالافراج، وكنت دائما في هذه الناحية أميل الى الرحمة. ولكن يجب الا نسير معهم، فخرجوا.

قلنا: نسير في التعايش السلمي ووحدة وطنية، وجاء عام 1953.. هل هدأوا؟ هل سكتوا؟ هل يئسوا؟ لا! كانت البلاد في عام 1953 مليئة بالاشاعات اكثر مما حدث في سوريا.. قررنا فيها اقالة محمد نجيب، وحصلت المحاكمات المعروفة. وصدرت ضدهم احكام، فمن صدر حكم باعدامه لم ينفذ فيه الحكم، ومن حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة خرج من السجن بعد عام.

وللمرة الثانية كانت الثورة في منتهى الرحمة، وقلنا نسير في اطار من الوحدة الوطنية والمحبة من الذي كان يقول ثورة اجتماعية؟ جمال عبدالناصر.

وجاء عام 1954.. موضوع محمد نجيب.. ماذا حصل في موضوع محمد نجيب؟ اجتمع الحابل بالنابل والأعداء جميعا، ولكن جمعتهم فكرة واحدة؛ مقاومة لأي إصلاح اجتماعي وثورة اجتماعية، وأيدوا محمد نجيب.. كان حوالي مليون مواطن يقولون: يسقط الرئيس جمال عبدالناصر وكان هذا في يوم 27 فبراير/شباط من يقول نحن في حاجة الى جميعة تأسيسية أو جمعية وطنية، وانساق محمد نجيب في هذا الموضوع. وكان يومها زكريا محيي الدين وزيرا للداخلية، طلبته تليفونيا، وقلت له: تسحب جميع قوات البوليس من القاهرة لأننا لا نريد مصادمات.

وطلبت محمد نجيب تليفونيا، وهو فاهم الموقف خطأ.. ولقت له: ان الكلام الذي يقال ليس حبا فيك، ولا كراهية للرئيس جمال عبدالناصر.. فأنا اترك لك العلمية، واذا لم تنته الساعة الواحدة، فسوف اعلن استقالة الحكومة وأحملك مسؤولية البلد؛ لأن جميع هؤلاء سينقلبون عليك، لأنهم حققوا هدفهم، وان لهم مآرب وأهداف لم تفهمها بعد.

جاء محمد نجيب، واجتمع مجلس قيادة الثورة، وانفض مولد عابدين، وسرنا.. هل سكتوا؟ ذهبوا لمحمد نجيب، واتصلوا به، حتى جاء يوم 28 مارس/آذار وانتهت العملية. هل سكتوا؟ لا.. يوجد صراع طبقي، والطبقة البورجوازية ضد ما تحققه الطبقة العاملة من مكاسب.. وسارت الأمور، وتنحى محمد نجيب.. قلنا: نحاول مرة أخرى في اطار من الوحدة الوطنية ان نجتمع.. وافرجنا عن المسجونين، ولم يتبق منهم أحد في السجن.. هذا شعورنا نحوهم.

في عام 1956 بعد تأميم قناة السويس قالوا: وقع! واجتمعوا، وقالوا.. فقدموا عريضة، وتحت اسم “انقاذ ما يمكن انقاذه”: التفاوض مع الانجليز. عندما عرفت هذا الكلام، قلت: الذي يقدم لي هذه العريضة سأنفذ فيه حكم الاعدام في مجلس الوزراء. اتفقوا على كل شيء، ولم يتفقوا على من يقدم العريضة! وانتهت عملية السويس.. ولم نرض ان نقيم محاكمات حتى لا نظهر في هذا الوقت بأننا غير مترابطين ومتكاتفين، كان هناك رأيان: عمل محاكمات، ورأي آخر.. معركة كسبناها وليس هناك داعي للمحاكمات.. حتى التاريخ يقول: فيه مجموعة من الناس تتعرض بلدهم للغزو! كانت تبحث في التعاون مع المستعمر.. الانقاذ أو التسليم.. تحت اسم مستعار.. انقاذ ما يمكن انقاذه! غطينا هذا الموضوع وتركناه.

بعد 23 ديسمبر/كانون الأول وبعد الجلاء سرنا في عملية تعبئة، ونعبئ ثقة الناس.. بعد هذا سارت هذه الطبقة على أساس أنها قد “لا تستطيع ان تطوي الهزيمة”، واستطاعت ان تتسلل، وتتستر بوسائل كثيرة جدا، ورفعت شعارات الاشتراكية مادام هذا بالاسم سوريا اليوم رفعت شعار الاشتراكية طالما ليس فيها تنفيذ، وبدأت محاولات التسلل والتسرب والاندماج، وكان يمثل اكبر خطر لهذه الثورة لأنها ثورة سياسية فقط، لا يمكن ان نجد شيئا من الثورة الاجتماعية.

هنا سؤال؟ هل نحن فعلا مستعدون أن نأخذ الاشتراكية كشعار، ثم نمارس الرأسمالية كالاشتراكية الفرنسية أو مثل بعض الاحزاب التي تكون اكثر رجعية من المحافظة؟! الاشتراكية معناها اشتراكية؛ ثورة اجتماعية.. اقامة عدالة اجتماعية تحت اسم الاشتراكية. عن طريق الاستيراد والتصدير مجموعة من الناس حققت أرباحا طائلة، وتذهب الفائدة لفئة قليلة من الناس، أما الذي نعمل من أجلهم فالاشتراكية لم تعمل لهم شيئا! الموضوع هو رأسمالية أو اشتراكية. الرأسمالية لا يمكن ان تعود لهذا البلد طالما كنت موجودا، بل نسير في الاتجاه الاشتراكي الحقيقي.

الرأسمالية والبورجوازية لهما الوسائل التي تكفل لهما ان تحققا اهدافهما.. لا يمكن نوقفها؛ الرشوة أول وسيلة.. تدفع الرأسمالية والبورجوازية الرشاوى بالآلاف حتي يكون هناك احتكار.. الرشاوى التي دفعت لوكيل وزارة الإصلاح الزراعي من جورج فهوم، هل أعمل نفسي بوليس سري وأراقب الناس؟ ان الرأسمالية والبرجوازية تقدم اغراء لا أول له ولا آخر، افتح مكتب تصدير واستيراد وتسهل له الأمر في وزارة الاقتصاد تأخذ نصيبك.. هذا كلام معروف.. كيف تحل؟ مستحيل.. النيابة الادارية التي قيل عنها انها جهاز ارهابي.. وجدت حاجات كثيرة جدا بجوار الارهاب وحوادث رشوة من الصغار والكبار. لقد تعرضت النيابة الادارية لهجوم عنيف مني شخصيا، وليس من الناس التي تخشاها فقط! في سنة 1960 و1961 وصلنا الى حالة من الخطورة، توصلنا الى انهيار كامل.. ليس انهيار 1960 في ان البورجوازية استطاعت ان تنفذ اغراضها. كنت أرى كل هذه الصورة بالتفصيل، كان ممكن ان نحل هذا بالبوليس عندما تكون عندي حالات عدة. وكل حالة تحتاج الى عمل.. وهذه تحتاج شهرا، فكأنما نحتاج الى 500 شهر!

رأيي من الواجب تحديد موقفنا.. أين نتجه؟

هل نسير في الطريق الصحيح؟

هل الاشتراكية “يافطة”؟!

من نحن؟ نحن اقرب الى البورجوازية منا الى الاشتراكية، لماذا؟ لأننا نعيش في مستوى احسن وأعلى.. مع من نجلس ونسهر؟ مع هذه الطبقة البورجوازية.

ان هذه الطبقة البورجوازية تتسلل متسترة تحت ستار الديمقراطية التعاونية الاشتراكية، فهي تنفذ لتحقق اغراضها لتسيطر على الحكم. والبورجوازية بدأت تسيطر على الحكم، لا على الرئيس جمال عبدالناصر، لأنها تعودت أنها لا تستطيع ان تسيطر على الرئيس جمال عبدالناصر، ولكن بالكلمة الطيبة والتزلف والتقرب والانحناءات تتسلط وتخلق نوعا من العاطفة أو الشعور الخاطئ عند الحكام من الوزراء. وأنا شخصيا بالنسبة لبعض الناس اقول: هذا والله راجل طيب.. وهذا يعطي نوعا من النفوذ للرجعية، وكان كل شخص يشعر بهذا الشعور لأنها الرجعية هي التي تستطيع ان تصل الى الوزير أو وكيل الوزارة. ليس معنى سيطرة رأس المال على الحكم ان احضر احمد عبود ليجلس في هذه القاعة ويرأس الجلسة، ان احمد عبود لم يحضر أبدا اجتماعات مجلس الوزراء، بل كلن يقضي طلباته خارج مجلس الوزراء مع الوزير أو وكيل الوزارة أو غيره، اذاً فقد نفذت الرجعية وكانت الثورة الاجتماعية تحتضر، وكان العلاج الوحيد لهذا هو ان توضع هذه الثورة الاجتماعية موضع التنفيذ. وهذا ليس عملا سهلا أبدا لأننا سنصطدم طبقيا مع هذه الفئات التي استكانت قبل ذلك لأنها وجدت ان الثورة تحقق مصالحها، وعن طريق الثورة حققت هذه الفئات ارباحا ما كانت لتستطيع تحقيقها قبل الثورة، فمثلا الشوربجي حقق أرباحا اكثر مما كان يحققه قبل الثورة، فرانسوا تاجر أخذ منا ثلاثة ملايين من الجنيهات كقرض دون فائدة يقسط على اربع سنوات.. وبذلك أنقذناه من الافلاس..فلماذا اذن يغضب منا؟ فقد خدمناه ولم يكن يجد بنكا يقرضه، وهناك مئات الأمثلة من هذا النوع.. فأي خدمة للبورجوازية احسن من هذه الخدمات؟

ان أي بورجوازي أو رأسمالي يعتبر هذه الحكومة حكومة بورجوازية لأنها تخدم مصالحه وتحقق له ارباحا لم تكن تخطر على باله ولم يستطع تحقيقها قبل الثورة، وهذا البورجوازي لا يقلقه الا شيء واحد هو المستقبل.. هو اليوم سعيد بهذه الحكومة التي تحقق له كل ما يطلبه، ولكنه يريد ان يطمئن على المستقبل، فهو يجلس في اجتماعاته الخاصة ويقول: فلان هذا كذا.. وفلان كذا.. والله جمال عبدالناصر اشتراكي، وبغدادي غير اشتراكي وزكريا غير اشتراكي.. وقد سمعنا كلنا هذا الكلام.

إذن البورجوازية والرجعية لم تكن بأي حال من الاحوال لتأمن او تطمئن الا اذا كانت قد وجدت الفرصة لتسيطر على الحكم الذي هو اساس ضمان لمصالحها المستقبلية.

واذا نظرنا الى القرارات الاشتراكية. لنرى كيف قابلها الشعب وكيف قابلوها هم في سنة 1961 التي تمثل الثورة الاجتماعية؟! وانا اريد ان اقول: ان هناك ثورتين: ثورة 1952 وقد كانت ثورة سياسية استفادت منها البورجوازية، وثورة 1961 وهي ثورة اجتماعية ستقضي على البورجوازية قضاء مبرما، ولا بد ان يفهم كل بورجوازي هذا، لأن اعطاء العامل حقا في الربح معناه ثورة اجتماعية على أساس عميق لم يكن يتصوره أي بورجوازي او رأسمالي.. لم يكن يتصور ابدا ان يصبح للعامل نصيب في ربح المؤسسة نتيجة عمله وليس نتيحة رأس المال، فالمعروف ان الربح في المؤسسة كان يعتبر نتيجة رأس المال ولم يكن ابدا نتيجة العمل.

من الطبيعي ان الخطر الداهم يقابل برد فعل عنيف من البورجوازية الرأسمالية والاقطاع، لقد اتخذنا القرارات الاشتراكية، ولكنا سرنا ايضا على السياسة التي كنا نتبعها معهم وهي الا نتخذ معهم أية اجراءات اخرى! وكنت اعرف ما يقال من كل شخص، واعرف حملات السباب التي يشنونها، وكنت أقول: ان من حقهم ان يشتموا، فهم أناس اخذنا اموالهم، طالما انه ليس في مقدورهم ان يعملوا شيئا اكثر من هذا، وانا على ثقة من ذلك.

وفي رأيي ان الشعب قابل هذه الاجراءات برد فعل عنيف قوي، وقد استطعنا ان نرى هذا ونقارنه حتى في الاسكندرية.. حيث كانت احتفالات اكثر من يوم تأميم قناة السويس، وقد كان الشعب يوم تأميم القناة في ذروة انفعاله؟

ان هذا يخرج بنا الى النقطة الثانية، هل هي اشتراكية ام رأسمالية؟ كلنا بنتكلم عن الشعب.. فمن هو الشعب؟ هل الشعب هو فرانسوا تاجر؟ هل الاقطاع هو الشعب؟ هذه هي النقطة الثانية التي يجب ان نعرفها. ما هو مفهومنا لكلمة الشعب؟

أنا بأعتبر ان مفهومنا لهذه الكلمة لا توجد فيه وحدة فكرية، ويجب علينا ان نحدد من هو الشعب؟ لأننا اذا حددنا من هو الشعب نكون قد بدأنا بنقطة البداية التي لم نصل اليها في الكلام.. انا اعتبر ان الشعب هو جميع الجماهير غير الفئات المناهضة للثورة او غير الفئات المناهضة للاشتراكية. والسبب في ذلك ان الشعب قد يختلف في تكوينه، فمثلا في الثورة من اجل التحرر او الثورة من اجل القضاء على الاستعمار تكون كلمة الشعب أوسع مدلولا وتدخل فيها البورجوازية الوطنية والعناصر البورجوازية، فيشمل الشعب عناصر اكبر ويكون اعداء الشعب هم المستعمرون والخونة.. اما في الثورة الاجتماعية.. فمن هو الشعب؟ ومن اهم اعداء الشعب؟ هذا مطلوب له تعريف.

أعداء الشعب في الثورة الاجتماعية هم الاستعمار والرجعية والبورجوازية والمناهضون للثورة. اما لأنهم كانوا يمثلون عناصر انتهازية او عناصر تستفيد من الرجعية. كل هؤلاء عدا البورجوازية الصغيرة التي اعتبرها وطنية في هذه المرحلة.

إننا في هذه المرحلة عندنا تعارض. او عندنا عنصران متضادان هما: الشعب.. واعداء الشعب.

واذا وضعنا هذا الخط الفاصل فإننا نستطيع ان نعمل.. وهذا اول تناقض نقره.. فكيف نحل هذا التناقض بين الشعب واعداء الشعب؟

ان هذا التناقض لا يمكن حله بأي وسيلة من الوسائل التي مارسناها في السنوات العشر الماضية، والحل الوحيد بالنسبة لهذا التناقض الموجود بين الشعب واعداء الشعب هو القضاء قضاء كاملا على اعداء الثورة والمناهضين للثورة، فإذا حددناهم فإننا نستطيع ان نحل هذا التناقض. وفي رأيي ان الحل يكون بالاعتقال ومحاكمات الثورة وبمصادرة الاموال والعزل وارسالهم الى الوادي الجديد، فيجب الا تأخذنا رحمة بأعداء الشعب، لأن الرحمة معناها اننا سنظل نتخبط في جميع القضايا. نقول: رأس المال خائف.. رأس المال مطمئن.. اني اعتبر ان هذه التغييرات قد نمت وترعرعت في احضان الرجعية. اذا اردنا ان نحول المجتمع الى مجتمع اشتراكي. فإن ذلك عمل كبير لأن التركة مثقلة. اما ان يأتي الرأسمالي فيقول: ان ما نفعله يسبب قلقا، وان رأس المال الخاص ينفر او يكش.. انا رامي طوبة رأس المال الخاص كلية. وانا داخل معركة مع رأس المال الخاص، فكيف أقول انه كاشش او مطمئن انا اريد ان اخلص عليه، لأنه قد يخلص على هذه الثورة!

انا اقول ماذا حصل نتيجة الانقلاب في سوريا؟

لقد جوبهنا بحملة من الاشاعات، جميع الناس هنا - وبالذات الفئات الرجعية - واذاعات دمشق وعمان و”اسرائيل” قالوا: بأنه اعتقل 200 ضابط.. وعلي عامر اعطى انذاراً لجمال عبدالناصر.. وجمال عبدالناصر ألقى القبض على 150 ضابطا.. حصل تمرد.. حصل انقسام في الجيش!! هذا الكلام يذاع يوميا من هذه الاذاعات. اللي حدث في سوريا.. ما هو رد الفعل بالنسبة للطبقة الرجعية والبورجوازية؟ مزيد من الفرصة والامل.. ما حدث في سوريا كان من الممكن ان يحدث هنا.. واندفعوا وكشفوا نواياهم، اجتمع البدراوي وسراج الدين وحامد زكي وعبدالمتعال، وقرروا المناصب.. فؤاد سراج الدين، ماذا حدث له: اتصل به شخص تليفونيا، وهنأه بأنه سيتولى الحكم، ماذا قال سراج الدين له: يخرب بيتك..! إزاى تكلمني كده في التليفون؟!

ويظهر في المجتمع انه رجل المستقبل.. التهريج السياسي معروف، وانا اعرف ما يجري، هذا اول ما حدث نتيجة انقلاب سوريا، ونتيجة ما أذيع بعد هذا.. او الصورة الخاطئة.. طبعا هذا ثاني درس يمكن أخذه من سوريا..

في يدنا الطريقة التي مارسنا بها الثورة في العشر سنوات الماضية.. ولا يمكن ان نصل الى الثورة الاجتماعية.

الدرس الثالث.. ان الشعب صلب. رغم الاشاعات ورغم ما قيل وهو في موجة فلسفة التي تدل على الصلابة، كنت أتكلم عن اللامبالاة.. الناس تظهر على حقيقتها والشعب لم يتكلم شيئا.. الرجعية شيء آخر.. الجيش صلب.. لم يعتقل أي ضابط او جندي او أي شيء من هذا القبيل. اصبحت هذه الاذاعات تهاجمنا.. كانت الاذاعات الاجنبية توجه ضرباتها الى دمشق، ولكن الهدف الاصلي كان القاهرة.. كان هناك امل في ان تحدث قلاقل. ومن الممكن ان تكون بعض السفارات الاجنبية قد حصلت من بعض العناصر الرجعية على معلومات تعطيهم الامل في حدوث قلاقل.

وهذا يذكرني بعام 1956.. يوم الاعتداء علينا. خرج المستشار الشرقي للسفارة البريطانية يوم ضرب القاهرة وسأل عن وجود مظاهرات في البلد.. لم تحدث مظاهرات بل حصل العكس. قصدي أقول، الذي حدث في سوريا لابد ان يكون له رد فعل، ولكن كنت منتظرا رد فعل اكثر مما رأيته، بدليل ان الذي حدث في المجر عمل رد فعل في الدول الشيوعية، والنظام فيها معروف، حصل رد فعل في المانيا الشرقية والصين وبولندا، ورغم النظام الشيوعي اصيبوا بالتردد.

كنت أقول: إن ما حدث في سوريا يسبب لنا رد فعل مثل ما حدث مرات.. رد الفعل. الفلاحون في حالة جوع.. التركي كان يقول الفلاحين “ميتين” من الجوع، رغم انه يعرف اللغة العربية مكسرة طبعا يدخلون في هذا عملاء الاستعمار، وأي عملاء يعملون للاجنبي، يجب ان نكون على بينة وعلى وضوح انه لا سبيل لنا الا هذا السبيل اذا اردنا ان نسير في الثورة الاشتراكية.

الكلام الذي يقال: ما هي مراحل الثورة الاشتراكية؟ لم تحدد..ما هو عيبنا.. غير واضحين.. كل واحد لم يقرر موقفه بالنسبة لهؤلاء الناس، قد يكون لنا صداقات او علاقات او صلة نسب الى آخره، كل هذا يؤثر في الثورة الاشتراكية. شيء آخر بالنسبة لأعداء الشعب، لا بد ان تنتهي الصداقات والعلاقات، واما ان نكون موالين للبورجوازية او اعداء الشعب او موالين للشعب.. نحن نعمل من اجل الشعب.. وهذه نقطة الابتداء.

اتخذت قرارات في هذا الموضوع، وضعت أموال 450 شخصاً تحت الحراسة و27 اعتقلوا و4 أعيدوا الى السجن مرة اخرى.

هذا طريقنا، وليس لنا الخيار.. اننا في معركة، كوننا نقول: ان الشعب ينفر من الاشتراكية.. لا أقر هذا. أعلق على كلام الاخ فتحي الشرقاوي.. اذا كان الشعب ينفر من الاشتراكية لا داعي لأن نكون في الحكم. سأقول لهم، ييجي لكم احمد عبود او البدراوي او فؤاد سراج الدين!! كل يوم نتكلم عن الاشتراكية.. قد يفهم ان الشعب ينفر من الاشتراكية.. ما هو تعريفنا للرجعية؟

اذا كان يحدث خلاف بيننا وبين هذا فلا بد من معرفة الرجعيين ونناقش ونبحث.

أثرت هذه النقطة تعليقا على كلام الاخ فتحي الشرقاوي.. الكلام عن مجلس الامة او الدستور كلام واجب، لكن الشعب ينفر من الاشتراكية.. هذا ما أعلق عليه.

السيد فتحي الشرقاوي (وزير العدل): ارجو من سيادة الرئيس ان يمكنني من الدفاع عن نفسي، لأنني لم أقل ان الشعب ينفر من الاشتراكية، وارجو ان يكون في نفس جلسة اليوم.

السيد رئيس الجمهورية: لا مانع، وستتاح لك الفرصة بعد ان أنتهى من كلمتي.

لكن النقطة التي اردت ان اعلق عليها هي ان الشعب ينفر من الاشتراكية.. كل الكلام اخذ وعطاء فيما عدا الكلام الذي يتعرض للناحية المبدئية. وفتحي الشرقاوي يعلم اننا نتكلم عن الاشتراكية. وقد اخذت من كلامي الجملة الختامية التي تقول: اننا لسنا في حاجة الى قوانين اشتراكية ولكننا في حاجة الى عمل ثوري. وكونك تركت ما قبل هذا الكلام وهو اننا سنهادن الاستعمار في قصور الرجعية.. وهذا معناه انك غير راض، وكان لابد لي ان آخذ عليك هذا لانه نقطة مبدئية، ولا بد ان نكون على بينة كاملة من النقاط المبدئية اما النقاط الفرعية فلا يمكن ان تكون واحدة عندنا جميعا، ففي شأنها لا يمكن ان يكون فكري كفكر الاخ بغدادي كفكر الاخ عبدالحكيم.



ننتقل الآن الى الموضوع الآخر وهو: ماذا سنفعل بعد ان نحدد من هو الشعب؟ ومن هم أعداء الشعب؟

بعد ذلك.. كيف نتعامل نحن مع الشعب؟ هذا هو الموضوع الأساسي، وهذا هو الموضوع الذي لمسته أكثر الكلمات التي قيلت. والمفروض ان هذه الحكومة تعمل من أجل الشعب، فيجب اذن ألا ننظر الى الشعب بتعال أو نسيره بالأوامر العسكرية. لا حرية لأعداء الشعب، والحرية الكاملة والديمقراطية الكاملة للشعب؛ معنى ذلك ان يكون هناك برلمان من الشعب وليس برلمانا رجعيا.. برلمان من الشعب هو الذي يصحح لي ويطالب بمزيد من الاشتراكية ومزيد من الثورة الاجتماعية.

فمن الموضوعات الأساسية أننا خلطنا بين الشعب، وهذا هو خطأنا الأساسي. لقد خدعنا بالكلمات البراقة والتمسح بالاذيال والتزلف وارتماء اعداء الشعب تحت أقدامنا، خدعنا في ذلك الخدعة الكبرى، اعتبرناهم هم الشعب.. فحصل الخطأ في تنظيمنا الشعبي وكانت لهم الصدارة في كل شيء! كيف يرضى الاقطاعي الذي اخذنا منه 500 فدان أو 300 فدان أو 100 فدان أو حتى 10 أفدنة.. كيف يرضى ان يفقد سلطانه؟ اذا ذهب حسين الشافعي مثلا الى مكان، ينحر الاقطاعيون الذبائح ابتهاجا بمقدمه فيقول: والله هذا رجل طيب ومع الثورة.. اذهب أنا الى هناك فأجد هذا الاقطاعي يزاحم الناس ويجري مرحبا! لقد خدعونا.. خدعونا بالتزلف والتمسح في الاذيال فوصلوا الى مركز الصدارة.



الهوامش



(1) جلسة مجلس الوزراء يوم السبت 28 اكتوبر 1961 والتي بدأت في الساعة السابعة والدقيقة العشرين وانتهت في الساعة الثانية عشرة والنصف من صباح اليوم التالي). وهي موجودة بدار الوثائق المصرية.

عبدالناصر: أعداء الشعب خدعونا بالتزلف وكانت لهم الصدارة

“يجب أن يمارس الشعب الديمقراطية كاملة والحرية الكاملة ويجب أن يوضع ذلك موضع التنفيذ”

“علينا أن نمارس النقد الذاتي ونتكلم بصراحة ونحدد ما هو الخطأ والصواب”

“يجب أن نحمي الشعب حتى لا تكسب البرجوازية المعركة فتمارس دكتاتورية رأس المال”






الخليج الإماراتية
1.10.2003

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US