Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

قوات سوفييتية تولت تأمين سماء وعمق مصر

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 31 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة 31


وينبغي ألاّ ننسى نجاح قوات الدفاع الجوي في الزحف بحائط الصواريخ حتى حافة القناة الشيء الذي مكّن القوات المسلحة من اقتحام القناة واجتياح حصون بارليف والاستيلاء على رؤوس الكباري وتأمينها تحت سماء لا تملك “إسرائيل” ولأول مرة السيادة الجوية عليها.

كما أن المكانة المحلية والإقليمية والدولية الرفيعة التي كان يتمتع بها الرئيس عبد الناصر كانت الدافع للاتحاد السوفييتي إلى الاستجابة لطلباته المتتالية التي بلغت حد قبوله ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية أن يبعث بقوات سوفييتية مقاتلة لتأمين سماء وعمق مصر، وتوفير وسائل الاستطلاع الفضائي والاستراتيجي، علاوة على وسائل الحرب الإلكترونية فائقة التطور، وغير ذلك من المساعدات.

وعلاوة على ما سبق فقد تميزت فترة رئاسة عبد الناصر في المجال السياسي بجمع كلمة العرب على مقررات قمة الخرطوم، والاحتفاظ بالمبادأة السياسية التي رفضت من المقترحات والمبادرات ما يعتبر أفضل مما أمكن الوصول إليه بعد نصر ،1973 سواء بالنسبة لمصر أو لدول لطوق العربي وشعب فلسطين.

وفي آخر اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في شهر أغسطس/ آب 1970 أعاد الرئيس جمال عبد الناصر التأكيد بكل وضوح على أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى قبول مبادرة روجرز كان إتمام دفع حائط الصواريخ إلى حافة القناة لتهيئة أرض المعركة للعملية الهجومية التي سوف يأمر بها فور انتهاء الفترة المتفق عليها لوقف النيران. أما الزعم بأنه قبل مبادرة روجرز بسبب تزايد خسائره على خسائر “إسرائيل” فهو مجرد مبرر اضطر إلى أن يسوقه في العلن، حيث لم يكن في حل ليفصح عن السبب الحقيقي سالف الذكر.

وتؤكد تلك الحقائق على وجود خطة هجومية كان الرأي قد استقر في المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفي مجلس الدفاع الوطني على تنفيذها خلال فترة زمنية أقصاها ثلاثة شهور من بدء وقف النيران في 8 أغسطس 1970.

أما الزعم بأن مثل هذه الخطة كانت ستصيب مصر بكارثة فيما لو دخلت قواتنا المسلحة في حرب تحرير في أواخر حياة عبد الناصر، أو في أعقاب رحيله فليس له ما يبرره، إذا ما عرفت طريقة تخطيط أية عملية حربية هجومية كانت أم دفاعية.

والواقع أن تصورات كل من الفريق أول محمد فوزي والفريق أول محمد أحمد صادق وكذا المشير أحمد إسماعيل تتقارب في شكلها العام، وإن كانت تختلف في مراحل التنفيذ وتوقيتاتها ومداها.

فالدارس المتخصص لتلك الخطط الثلاث وخرائطها ومرفقاتها يلاحظ أن هدفها النهائي هو تحرير كل أرض سيناء وقطاع غزة، أما وجه الاختلاف بينها فيبرز في أن هدف المرحلة الأولى من خطة محمد صادق هو الاستيلاء على شرق المضايق، في حين أن خطة محمد فوزي كانت الوصول إلى المضايق والقبض عليها في المرحلة الأولى، أما خطة أحمد إسماعيل فتكتفي بتأمين رأس كوبري على الضفة الشرقية للقناة وبعمق 12 15 كيلومترا.

كما تختلف تلك الخطط أيضا في عدد وعمق المراحل التالية، ومدى الفواصل الزمنية بينها.

ويتضح مما سبق أن الزعم بحدوث كارثة فيما لو دخلت قواتنا المسلحة في حرب تحرير في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أو بعد رحيله مباشرة غير ذي موضوع، وذلك لأن تصرف القائد حيال أي موقف قتالي معاكس قد يطرأ أثناء تنفيذ خطته لا يدع مجالا لوقوع مثل تلك الكوارث وهو الأمر الذي تحرص كل خطة حربية على مناقشته في مؤتمر تنظيم التعاون الذي يعد لكل احتمال مساعد أو معاكس عدته، ويرتب له الحل السليم والقوات الكافية والمناورات المناسبة، فإذا ما صادفته فرصة مواتية أسرع باستغلالها، أما إذا كانت معاكسة فإنه يبادر بتجنبها.

ولقد كان من الطبيعي بعد رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر/ ايلول 1970 وتولى أنور السادات مسؤولية الحكم مكانه أن يقبل مد فترة إيقاف النيران إلى أن يمسك بزمام السلطة ويطلع على دخائلها وتستتب له الأمور، فلما طالت تلك المدة بدأ الرأي العام المصري والعربي يتململ ويجنح الرأي الدولي إلى أن السادات لا يقدر على إشعال حرب وسرعان ما تحول الجدل الداخلي إلى مناقشة مدى جدية نظام الحكم في العزم على خوض المعركة، بينما راحت أبواق الدعاية الصهيونية تؤكد أن جيش مصر أصبح جثة هامدة، الأمر الذي زاد من ضغط الجماهير في مصر والدول العربية مطالبة بتحديد موعد للمعركة التي لم يعد يقبل عذرا لتسويفه.

وفي اجتماع مجلس الدفاع الوطني بالقيادة العامة للقوات المسلحة يوم الخميس 2 فبراير/ شباط 1971 الذي ترأسه السادات وحضره كل من حسين الشافعي وعلي صبري وعبد المحسن أبو النور ومحمود رياض وشعراوي جمعة والفريق أول محمد فوزي وسامي شرف وأحمد كامل والفريق محمد أحمد صادق وقام بأعمال السكرتارية اللواء محرز مصطفى عبد الرحمن مدير المخابرات الحربية، وأقر الجميع في هذا الاجتماع بعد أخذ الأصوات، قرارا بدخول الحرب ضد “إسرائيل”، إلا أن الرئيس السادات أرجأ اعتماد هذا القرار لحين عرض الأمر على مجلس الأمة يوم السبت 4 فبراير ،1971 إلا أنه بدلا من أن يعرض الأمر على مجلس الأمة إذا به يعلن عن مبادرة جديدة للسلام لم يستشر أي مسؤول أو مؤسسة في الدولة بخصوصها بل لقد فوجئت أنا شخصيا بها عندما وصلتني مسودة الخطاب الذي سيلقيه السادات في المجلس.

وقد حدد السادات في هذه المبادرة معالمها بانسحاب “إسرائيل” جزئيا من سيناء مقابل قيام مصر بتطهير القناة فورا وفتحها للملاحة أمام جميع السفن دون استثناء مع صرف النظر عن ربط فتح القناة لسفن “اسرائيل” بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها عامي 1948 و1967 على نحو ما كانت تعتمده قرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الشأن.

وعلى الرغم من أن الرئيس عبدالناصركان قد تلقى عروضا أقل إهدارا للحقوق العربية عما تنازلت عنه هذه المبادرة الجديدة فإن “اسرائيل” رفضت مبادرة السادات على لسان وزير دفاعها، ثم أكدت رئيسة الوزراء هذا الرفض وأصرت على الفصل التام بين مشكلة قناة السويس وبين مهمة السفير جونار يارنج أو مباحثات الدول الكبرى.

وبفشل تلك المبادرة أعلن السادات في شهر مارس/ آذار 1971 باستراحة القناطر الخيرية بحضور علي صبري وبعض الوزراء هم وزراء الحربية والخارجية والداخلية وشؤون رئاسة الجمهورية أنه قرر دخول الحرب ضد “اسرائيل” وحدد لها توقيتين كان أولهما خلال شهر أبريل والثاني خلال شهر مايو/ أيار 1971.

ثم أصدر السادات صباح يوم 9 مايو 1971 قرار الاستعداد للحرب لوزير الحربية وكان ذلك بمنزله في الجيزة وقبيل اجتماعه بالمستر جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية مباشرة، وقد أوضح السادات لوزير الحربية وقتئذ ضرورة استعداد القوات المسلحة لشن الهجوم قبل أول يونيو/ حزيران 1971.

وعندما أخطر الفريق محمد فوزي مساعديه بهذا القرار لبدء العمل على تنفيذه اقترح اللواء محمد صادق الالتزام بدواعي السرية وعدم تحديد اليوم اكتفاء بذكر أنه سوف يكون خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو 1971 وذلك في الوثيقة التي سوف يوقعها السادات، الذي رفض أن يضع عليها توقيعه يوم 12 مايو 1971 مما دفع وزير الحربية إلى أن يحرر استقالته.

وأحب أن اقرر هنا ولأول مرة أنه دار حديث بين الرئيس السادات وكل من السادة: عبد المحسن عبد النور وشعراوي جمعة وأنا في استراحة القناطر الخيرية، وتناولنا فيه مناقشة الاستعدادات للقتال فقال الرئيس السادات مبررا عدم رغبته في التقيد بتحديد موعد للمعركة بشكل قاطع “هو انتم عايزني أدخل الحرب ولما نكسب يقوم علي صبري وحسن الشافعي يقولوا احنا اللي كسبنا الحرب، ولو خسرنا يقولوا دا انت السبب ويحملوني أسباب الهزيمة”.

وكان هناك الكثيرون من الأحياء من الوزراء وقادة القوات المسلحة من أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطني على علم تام بهذه الحقائق.

أما الزعم بوجود “فارق هائل” بين القوات المسلحة المصرية التي خاضت حرب أكتوبر وبين القوات التي كان يعدها عبد الناصر ومعاونوه لحرب التحرير فإن أحدا من كبار قادة تلك القوات خلال هذين العهدين لن يقر هذا الرأي الذي يجافي الحقيقة.

فلا مقدار الزيادة في الكفاءة القتالية، ولا مقدار الزيادة في الحجم ولا مقدار الفاصل الزمني بين رحيل عبد الناصر ويوم 6 أكتوبر1973 الذي لا يتعدى السنوات الثلاث فقط يسمح بحدوث فارق هائل في القوات المسلحة.

كما أن العلم العسكري المزعوم بأنه طبق في عهد السادات على أرفع مستوياته هو نفس العلم الذي طبق في عهد عبد الناصر لأن من طبقه في الحالتين كانوا هم نفس الأشخاص العسكريين عدا نفر قليل جدا ممن أزاحهم السادات عن مراكزهم، ومن المعروف أنه لا يترتب على تغيير بضع أشخاص في مؤسسة ما حدوث تغيير جذري في أدائها أو كفاءتها بما يبيح وصفه “بالفارق الهائل” بين العهدين أو الزعم بأن مستوى العلم العسكري كان في أرفع مستويات في عهد السادات عنه في عهد عبد الناصر. بل إن أبطال حرب أكتوبر الذين استشهد بهم للتدليل على صحة هذه المزاعم هم أنفسهم الذين أكدوا في مضابط جلسات تسجيل التاريخ العسكري لحروب 1967 والاستنزاف و،1973 أن فترة رئاسة عبد الناصر لا تقل إن لم تزد على فترة رئاسة السادات فيما بذل من جهود وفي مدى الالتزام بتطبيق العلم العسكري في التخطيط والأداء كما أكدوا أيضا أن حرب الاستنزاف كانت من ألمع الفترات التي مرت على قواتنا المسلحة في الزمن المعاصر وأكثرها فائدة في اكتساب الخبرة وغرس روح القتال كما أن الزيادة التي طرأت على أسلحة ومعدات ومستوى كفاءة جنود القوات المسلحة خلال ولاية عبد الناصر تزيد على ما طرأ عليها خلال ولاية السادات خاصة وأن دخول الجنود المثقفين للخدمة العسكرية بدأ في عهد عبد الناصر، ولم يستثن أحد من التجنيد الإجباري كما حدث في عهد السادات وفي نفس الوقت فقد نزح عن مصر في عهد السادات وقبل حرب أكتوبر عدة تشكيلات مقاتلة صديقة من قوات الدفاع الجوي والقوات الجوية والاستطلاع الاستراتيجي والحرب الإلكترونية مما أحدث فراغا استراتيجيا وتعبويا تعذر ملء أكثره، وظلت قواتنا المسلحة تفتقر إلى بعضه حتى نهاية حرب أكتوبر مما ترك الساحة خالصة ل “إسرائيل” المدعومة بقدرات الولايات المتحدة الأمريكية وكان أحد أسباب ثغرة الدفرسوار وما حدث بعدها.

وقد يلفت النظر أن ما أصاب السلاح البحري “الإسرائيلي” من خسائر على امتداد عمره وقعت كلها خلال حرب الاستنزاف فقط بدء بإغراق المدمرة إيلات ومرورا بتدمير الحفار “كيتينج” وتحطيم السفينتين المسلحتين “داليا” و “هيدروما” ثم ناقلة الجنود “بيت شيفع” فالغواصة “داكار” ثم السفينة التجارية “بات يام” وسفينة أبحاث بحرية”، وانتهاء بقصف ميناء إيلات ثلاث مرات متتالية، فلولا حرب الاستنزاف لظلت البحرية “الإسرائيلية” تتباهى بأنها السلاح الذي لم يتعرض لخسارة قط، وغني عن البيان أن كل ذلك حدث خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر.



أحاديث المعمورة

12 - 13 أغسطس 1970



كانت الأيام مشحونة بالأحداث وكانت عجلة الزمن تجري بسرعة كما كانت هناك حالة عصبية تنتاب الأحداث نفسها لماذا؟ الحقيقة لا أجد لهذه الظاهرة تفسيرا حتى الآن!!

كانت حرب الاستنزاف قد بلغت أقصى مدى لها في شدتها أو قل نهايتها، وكان هذا بالتالي يقتضي الانتقال لمرحلة تسخين أخرى حتى لا تهدأ روح القتال للجنود على جبهة القناة، لماذا؟ لأن الجندي إذا تخندق وطالت مدة الخندقة والاستظلال والبعد عن سماع صوت الطلقات أو المشاركة في عمليات متصاعدة عسكريا لن تستطيع أبدا أن تخرج رأسه إلى فوق وتجعله يندفع لخوض معركة يواجه فيها العدو إلا بعد فترة تسخين أخرى قد تطول وقد تقصر، لا يستطيع أحد أن يعرف لأن الظروف والمتغيرات هي التي تتحكم في كل مرحلة. وكانت الفكرة بعد الدراسات الموسعة المستفيضة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وبعد قياس الرأي العام الدقيق، وبعد نجاح خدعة قبول مبادرة روجرز وبعد توحد العرب حول القضية توحد يصعب أن تتكرر، كانت الفكرة في خوض المعركة الفاصلة قد قاربت أن تصل إلى بدء اتخاذ خطوات عملية للتنفيذ في خلال شهر أكتوبر أو نوفمبر 1970.

هذه واحدة، أما الثانية فقد كانت هناك أحداث داخلية متلاحقة منها دوران عجلة التحضير للمعركة كما أسلفت.

مثلا لجنة متابعة إنشاء مواقع الصواريخ المضادة للطائرات على مستوى الجمهورية، وكنا نجتمع صباح كل يوم في مكتب الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، وكانت هذه اللجنة مشكلة من كل من الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية، المهندس علي زين العابدين وزير المواصلات، سامي شرف مدير مكتب الرئيس للمعلومات ووزير الدولة فيما بعد، المهندس علي السيد، اللواء عبد الفتاح عبد الله مساعد وزير الحربية، اللواء جمال علي مدير سلاح المهندسين.

وكانت هذه اللجنة تراجع تفاصيل ما تم إنجازه من المواقع وتوفير الاحتياجات لما يتطلبه الموقف من باقي الوزارات والمؤسسات التنفيذية وشركات القطاع العام (مقاولات، مواد أولية، مستلزمات إنتاج ومواد بناء، اعتمادات مالية، عمالة، استعواض عمالة نتيجة الخسائر في الأرواح،.. الخ.

ومن ناحية أخرى كانت هناك مؤامرة في طور الحياكة حيث كان حزب البعث في العراق قد أصدر تعميما سريا لقياداته الرئيسية تمكن أحد الشباب العراقيين، (ف. ر.) الذي كان يدرس من قبل في القاهرة حيث أتم فيها مرحلتي الدراسة الثانوية ثم الجامعية، وتوطدت الصلة بيني وبينه واستمرت إلى ما بعد عودته إلى دمشق حيث انضم إلى حزب البعث وأصبح أحد قياداته الهامة واستمرت العلاقة بالرغم من ذلك بيني وبينه دون انقطاع حيث كان يعتبرني في مرتبة ولي أمره أو الأب الروحي له ويمكن أن نقول انه كان بعثيا ناصريا، المهم أنه بعث لي بنسخة من هذا التعميم الذي كان يدور أساسا حول التشكيك في دور مصر ونظام ثورة 23يوليو1952 وأن هذا النظام قد شاخ، هكذا، على حد تعبيرهم وأن البديل هو قيام نظام بعثي في مصر ليملأ الفراغ الذي حدث بعد نكسة يونيو1967.

وقد دفعنا هذا التعميم إلى تكثيف نشاط المؤسسات الأمنية لجس النبض والبحث فيما وراء هذا التعميم وماذا يدور من نشاط بعثي أو مرتبط بالبعث على الساحة المصرية وفي كل قطاعات العمل السياسي وغيره من الأصعدة الأخرى وكان التكليف ينص على ضرورة الإجابة على السؤال الآتي: هل هناك تنظيم أو تنظيمات مصرية ترتبط بالبعث من عدمه، فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فإلى أي مدى وما هي القطاعات التي ترتبط بهذا النشاط وما هي التكليفات التي وصلت لهم.. الحقيقة كانت عملية معقدة للغاية كي نصل إلى حقيقة الأمر ومدى جدية هذه التعميمات وشكلت غرفة عمليات شارك فيها عناصر من مختلف المؤسسات الأمنية للتنسيق وعدم الازدواجية في البحث ووزعت الواجبات عليهم للربط.

أثناء انشغالنا بهذا الموضوع الشائك المعقد الهام أبلغني أحد الضباط (ع.أ.س)، وكان من تلاميذي في الكلية الحربية، ولم أره من سنة 1949 وكان قد وصل إلى رتبة العقيد في القوات المسلحة وكان يشغل منصبا حساسا في الدفاع الجوي كما أبلغني في نفس اليوم أحد ضباط الصاعقة (ع.س)، أبلغني الاثنان بأن هناك نشاطاً على نطاق ضيق ومحدود وبشكل مريب بين عدد محدود جدا من الضباط في القوات المسلحة، فلما استفسرت منهما، كل على حدة، عما يدور من نشاط أو أحاديث انطبقت أقوالهما على ما جاء في تعميم حزب البعث من آراء وأفكار واستنتاجات وصل إليها كاتبو هذا التعميم وجاءت عباراته مطابقة لما جاء في التعميم. وقد تابعنا هذه المعلومات على وجه السرعة وبدقة كما وضع الأفراد الذين ذكرت أسماؤهم تحت الملاحظة والمتابعة وكانت تشمل بعض عناصر من القوات المسلحة والمخابرات العامة وبعض العناصر المدنية، كانت هذه هي النقطة الثانية. ومجموعة العناصر المدنية كانت قد وصلت معلومات عن نشاطهم في الوقت نفسه للسيد فتحي الديب وأبلغنا بها.

والقضية الثالثة كانت البوادر التي بدأت من جانب الملك حسين ملك الأردن للاصطدام والتخلص من المقاومة الفلسطينية في الأردن.



كل هذه أمثلة وليس حصرا لما حواه أو احتواه شهر أغسطس سنة 1970 من أحداث

وقتها قرر جمال عبد الناصر السفر للإسكندرية لعدة أسباب:



الأول أنه كان يريد أن يبحث ويفكر تفكيرا هادئا مع أقرب مستشاريه ومعاونيه بعيداً عن (دوشة) القاهرة ومشاغلها اليومية التي لا تنتهي ولا تهدأ.

والثاني أنه كان يريد أن يفكر في المستقبل لسنوات خمس قادمة في كل الأوضاع الداخلية من عدة نواحٍ:

التنظيم السياسي أو الحزب.

القوات المسلحة، وعلاقة المؤسسة العسكرية بالنظام ومؤسسات الدولة.

الوضع الاقتصادي وما يرتبط به من تركيبات اجتماعية كانت قد بدأت تحتاج إلى إعادة دراسة وإعادة ترتيب وصياغة إعمالا لإرادة التغيير التي كان الرجل يؤمن بها إيمانا صادقا ليضع ويصيغ الأوضاع وفق المتغيرات والبعد عن الجمود أو القولبة للأوضاع.

والثالث أنه كان يريد أن يعقد لقاءات مطولة خاصة بعيدة عن الرسميات مع كل من السفير سامي الدروبي سفير سوريا في القاهرة، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يثق به ويحترم آراءه ويحب أن يتناقش ويبحث معه أدق المسائل السياسية وبصفة خاصة العربية منها.

كما كان يريد أن يعقد عدة لقاءات مع دياللو تيللي سكرتير عام منظمة الوحدة الأفريقية الذي كان أيضا موضع ثقة وتقدير الرئيس جمال عبد الناصر.

كان الهدف من هذه اللقاءات خارج نطاق الرسميات وفي إطار شخصي محض ليتحدث معهما كل على انفراد في المسائل التالية كما ذكر لي الرئيس:

تاريخ ثورة 23 يوليو1952 ما سبقها وما تبع قيامها..

تقييمه لعناصر هذه الثورة..

تقييمه للمراحل التي مرت بها الثورة..

رأيه في أعضاء مجلس قيادة الثورة فردا فردا سواء الذين تركوا أم الباقين (لم يكن باقيا سوى أنور السادات وحسين الشافعي).

عملية التوازنات التي كان يستخدمها في تنفيذ سياساته وتعاملاته مع الأشخاص أو الأحداث خصوصا الفترة ما بعد 1956 حتى 1970.

رأيه في المستقبل.. والصورة التي يمكن أن ترسم بالنسبة للمجتمع المصري في إطار قومي عربي وإفريقي..

رأيه في تجربة الوحدة..

الحقيقة حسبما فهمت من كلام الرئيس جمال عبد الناصر معي تمهيدا لهذه اللقاءات أنه كان يريد التحدث مع الرجلين حديثاً من القلب إلى القلب ليقينه أنهما سيكونان شاهدا حق وصدق لثقته في أمانتهما وإخلاصهما ويقظة ضميرهما عند التأريخ أو سرد ما كان يدور في خلد القائد العظيم في المستقبل، وكأنه كان يعلم ما يخبئه القدر بعد شهر ونصف من هذه اللقاءات التي سأتعرض لها في موضع آخر من هذه المذكرات..

لقد استغرقت هذه اللقاءات بين الزعيم والرجلين عدة جلسات على مدار حوالي الأسبوع

أعود لأصل الموضوع..

في يوم 12 أغسطس 1970 أمرني جمال عبد الناصر أن أدعو لعقد اجتماع في استراحة المعمورة بالإسكندرية يحضره كل من:

شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم.

سامي شرف وزير الدولة.

محمد حسنين هيكل وزير الإعلام.

محمد حافظ إسماعيل مدير المخابرات العامة.

محمد فتحي الديب الوزير برئاسة الجمهورية ومسؤول الشؤون العربية.





من بدأ الإعداد للحرب؟



الزعم بأن الإعداد لحرب أكتوبر 1973 لم يبدأ إلا بعد وفاة عبد الناصر فإن الكتاب الرسمي الذي صدر عن تلك الحرب للأسواق المدنية، والذي يحمل في صفحته الأولى كلمة الرئيس السادات قد ذكر في الفقرة الأولى من الباب الثاني أن الإعداد للحرب بدأ منذ انتهاء جولة صيف 1967.

وهناك الكثيرون من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكبار القادة الباقين على قيد الحياة على استعداد للشهادة بذلك وخاصة هؤلاء الذين ظل عبد الناصر يجتمع بهم الساعات الطويلة حتى الفجر في عشرات المؤتمرات الدورية لمناقشة أدق تفاصيل استكمال القدرة القتالية ورسم الخطط الحربية حتى الأيام الأخيرة من عمره. ويضم الملحق الوثائقي صوراً بخط اليد لما كان يسطره اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني في أحد هذه الاجتماعات.

ولا يفوتنا في هذا المجال أن نؤكد على أن عملية دفع حائط الصواريخ إلى حافة القناة كانت تتم بإشراف ومتابعة عبد الناصر لحظة بلحظة وأنها استلزمت جهدا سياسيا وعسكريا وعصبيا مضنيا بينما كانت تلك العملية تجري وعبد الناصر يعاني من آلام المرض الذي كان يلحظه كل الجالسين حوله في مؤتمراته المتتالية.

إن القيادتين السياسية والعسكرية لم تتردد في تحمل الجهود الشاقة والخسائر الشديدة لدفع هذا الحائط حتى حافة القناة وهو الإنجاز العظيم الذي تم في عهد عبد الناصر والذي شكل حجر الزاوية في نجاح العبور إلى الضفة الشرقية للقناة بعيدا عن تدخل طائرات “اسرائيل” التي أبعدتها تلك الصواريخ ولأول مرة عن سماء المعركة.

أما الزعم بأن “اسرائيل” عمدت إلى تغيير خططها للمعركة بعد بناء حائط الصواريخ فيدحضه الجنرال أبراهام أدان الذي وضع الخطة “سيلا” في مطلع عام 1969 والتي ظلت القوات “الإسرائيلية” تلتزم بها حتى نهاية حرب أكتوبر 1973 وهو ما ذكره واضع تلك الخطة في كتابه On The” “Banks Of The Suez في الصفحات 42 45 بالطبعة الإنجليزي

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US