Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

قال عبدالناصر للقادة السوفييت:

إذا استسلمت مصر فإنكم ستخرجون من المنطقة

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 30 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة 30



ومع رؤية الرئيس جمال عبدالناصر ومع تساقط الطائرات “الإسرائيلية” المتزايد خلال هذه الفترة قرر أن يزور الاتحاد السوفييتي لسببين رئيسيين:

* الأول: أن الاتحاد السوفييتي طبعا له حساباته وعلى الجمهورية العربية المتحدة أن تراعي ذلك.

* الثاني: لابد أن يكون هناك تلاق بين الرؤى المصرية / السوفييتية.

(من واقع ما نقلته في النوتة الخاصة بي بعد قراءة محاضر هذه الاجتماعات المحفوظة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات في منشية البكري أورد هذه المقتطفات المهمة).

في اللقاء مع القادة السوفييت شرح الرئيس عبدالناصر الموقف كالآتي:

إن العدوان “الإسرائيلي” لم يحقق أهدافه السياسية بسبب التأييد العربي والسوفييتي، هذا بالرغم من أنهم (أمريكا و”إسرائيل”) قد حققوا الهدف العسكري.

في نفس الوقت فإن قوى العدو تباشر علينا ضغوطا سياسية وعسكرية واقتصادية لفرض سلامهم.

وشرح عبدالناصر مطولا المواقف الأمريكية الداعمة ل “اسرائيل” في كافة المجالات وكذا ضغوط واشنطن وتأثيرها على جهود الأمم المتحدة بقصد تمييعها، وقد تفاقمت الأوضاع بعد ثورة ليبيا التي غيرت موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة وفي حوض البحر الأبيض المتوسط مما اضطر بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية للجلاء عن قواعدهما هناك، وقال:

“لقد حاولوا أن يحتووا الثورة الليبية، لكن قادتها تنبهوا لذلك ودعمنا لهم ابطل هذه المحاولات، ونحن لدينا قوات برية وبحرية وجوية في ليبيا لأننا لن نسمح بسقوطها في أيديهم وهذا يزيد من الحرب ضدنا”.

وتولى بعد ذلك شرح الأوضاع تفصيلا في ليبيا وبين الأهمية العسكرية والاقتصادية والسياسية والمعنوية لها وقال:

“إن ثورة ليبيا معناها الآن شيء آخر إلى جانب ما شرحت، معناها أن التيار القومي العربي مستمر في اندفاعه بقوة وأنه برغم النكسة قادر على تحريك الشعوب العربية. وباختصار كان إسقاط النظام في مصر قبل الثورة الليبية هدفا، والآن أصبح إسقاط النظام المصري بعد الثورة الليبية ضرورة، وهذا ما يجعل المعركة ساخنة جدا.

وإن تصريحات زعماء “إسرائيل” الأخيرة لتؤكد هذا التحليل، فقد كانوا يقولون من قبل أن النظام في مصر هو النظام الوحيد الذي نستطيع الاتفاق معه ونضمن تنفيذ الاتفاق معه ولكنهم الآن يقولون إن أي اتفاق مستحيل ما دام هذا النظام موجود في مصر “.

وقال جمال عبدالناصر:

“أرجوكم أن تضعوا في حساباتكم جانبا آخر من الصراع وهو أن كل محاولات إظهار عجز العرب عن الصمود هو في نفس الوقت بداية لمحاولة واسعة تستهدف ضرب الاتحاد السوفييتي وإخراجه من البحر الأبيض ومن الشرق الأوسط كله.

إن أبا إيبان يقول في حديث لجريدة “الهيرالد تريبيون” الأمريكية:

“إن الروس لأول مرة سواء في عهد القياصرة أو في عهد الدولة السوفييتية وصلوا إلى الشرق الأوسط وإلى البحر الأبيض، وإذا فتحت لهم قناة السويس فإنهم واصلون إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.

ولذا فإن المعركة الآن ليست معركة تحرير أرضنا فقط، ولكنها أيضا معركة تصفية الوجود السوفييتي في الشرق الأوسط وفي البحر الأحمر وفي إفريقيا، وإذا لم تستطع مصر لاسمح الله أن تصفي آثار العدوان عليها وعلى الأمة العربية واضطرت للاستسلام فإن الاتحاد السوفييتي سوف يكون مرغما على التراجع والخروج تماما من الشرق الأوسط والبحر الأحمر وإفريقيا.

هذا ما أردت أن أقوله لكم فيما يتعلق بكم.

ثم انتقل جمال عبدالناصر ليقول:

“إن مبادرة روجرز كما تعلمون وصلتني عندما كنت ازور ليبيا مؤخرا، وهناك وصلتني معلومات ونصوص مبادرة أمريكية جديدة يعرضها علينا ويليام روجرز، وأنا أشعر الآن أن في وسعي أن أقبلها لأسباب ثلاثة:

* الأول: أن نتائج زيارتي الأخيرة لكم في يناير الماضي قد أحدثت تغييرا في الموازين الاستراتيجية بيننا وبين “إسرائيل”، فالعمق المصري كله مدافع عنه، والجبهة في وضع أفضل بكثير وصباح اليوم تلقيت تقريرا بأننا أسقطنا أربع طائرات “إسرائيلية”.

الماريشال جريتشكو مقاطعا :

“سيادة الرئيس، إنكم أسقطتم هذا الصباح تسع طائرات وليس أربعاً، هذا ما جاءنا من خبرائنا”.

الرئيس عبدالناصر:

“والسبب الثاني لقبول المبادرة هو أننا لا نريد أن نتسبب في مواجهة بينكم وبين الأمريكان، فنحن لا نريد لأنكم أعطيتمونا سلاحاً اكثر ووضعتم رجالكم في خدمة حماية العمق المصري، لا نريد أن تصل المسائل إلى درجة من التوتر تفلت من زمام سيطرتنا.

والسبب الثالث هو أننا بقبولنا مبادرة روجرز وما تنص عليه من وقف إطلاق النار المحدود بثلاثة شهور نريد أن نعطي قواتنا المسلحة فرصة للحشد والتركيز والتقاط الأنفاس لأننا حين تنتهي هذه الشهور الثلاثة لابد أن نكون في وضع يسمح لنا بنوع آخر من العمليات العسكرية.. شيء آخر أكبر من عمليات المدفعية وعمليات الاستنزاف والدوريات المحدودة والوحدات الصغرى.

ثم هناك عامل آخر أحب أن أقوله بصراحة وهو أننا نريد أن نستكمل إعداد وتنسيق وضبط فاعلية الصواريخ لتقدر على حماية قواتنا في أي عمليات على الضفة الشرقية لقناة السويس، ولهذا كله سوف نقبل مبادرة روجرز “.

بريجينيف:

“الصديق الرئيس ناصر، هل تقبل مبادرة روجرز وهي تحمل علما أمريكيا؟”

الرئيس عبدالناصر:

“أنا أقبلها بالتحديد لأنها تحمل علما أمريكيا فهذه أول مرة تدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية بخطوة تبدو جادة.. وهذه أول مرة تتحرك فيها الولايات المتحدة الأمريكية تحت ضغط أوضاع متغيرة على جبهة القتال المصرية التي تواجه “إسرائيل” بالذات.

وهذه أول مرة يجيء لنا فيها مشروع جرى بحثه بينكم وبينهم، وقد عرضه الصديق جروميكو عندما حضر لزيارتنا في القاهرة. ثم هذه أول مرة ترد فيها كلمة الانسحاب صريحة في وثيقة أمريكية.

وانتقلت المباحثات بعد ذلك إلى تحديد مطالب عسكرية طالب فيها عبدالناصر بإمدادات جديدة متطورة خصوصا في مجال الحرب الإلكترونية، والقوات الجوية المتطورة ومعدات القتال الليلي، والدفاع الجوي، ومطالب قواتنا المسلحة من خطوط الذخيرة الاحتياطية.

وقبل الرئيس جمال عبدالناصر مبادرة روجرز التي لم يكن لديه أمل في نجاحها بأكثر من نصف في المائة لكن الواجب هو الذي فرض بقبولها.

وفي الحقيقة فإنه قبل مبادرة روجرز كان ينظر بتوجس الى نجاح الدفاع الجوي المصري والطيران المصري في التصدي للطيران “الإسرائيلي” بفاعلية متوازيا مع تساقط الفانتوم “الإسرائيلي”، ومع تطور كفاءة القدرة للقوات البرية والقوات الخاصة والمدفعية. وهذه كلها كانت دلائل على تحول في النظرة للقدرة العسكرية المصرية الجديدة فهل كانت أمريكا تسمح أن ينجح جمال عبدالناصر في المعركة ويعبر قناة السويس؟

كان سؤالا أجابت عنه الأجهزة الأمريكية بإصدار أوامرها بإنهاء عبدالناصر قبل أن يخرج المارد من القمقم وقرروا ألا يسمح لعبدالناصر بالانتصار بأي حال من الأحوال.

وكان قرار الرئيس جمال عبدالناصر بقبول المبادرة بعد لقاءات ومشاورات ودراسات شاركت فيها مختلف أفرع القوات المسلحة والخارجية المصرية والمخابرات العامة والمخابرات الحربية وأجهزة رئاسة الجمهورية المتخصصة والتنظيم الطليعي وبلورتها لجنة خاصة على أعلى مستوى سياسي وأقرتها اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي في اجتماعها بتاريخ 18 يوليو/ تموز 1970. تم إبلاغ واشنطن بقرار القاهرة الذي سلمه محمود رياض وزير الخارجية للقائم برعاية المصالح الأمريكية دونالد بيرجيس وهو موافقة مصر على مبادرة روجرز، مع الإشارة إلى ضرورة الانسحاب “الإسرائيلي” من الجولان السوري وقد رد بيرجيس بأن واشنطن لا تستبعد سوريا، وأن قبولها للقرار242 سيؤدي إلى إجراء تسوية معها على أساس عدم جواز اكتساب أراض عن طريق الحرب وقد أكد محمود رياض للقائم بالأعمال الأمريكي من جديد على نقطتين جوهريتين مرتبطتين بالموافقة المصرية على المبادرة وهما:

الانسحاب الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة.

التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني كما حددتها قرارات الأمم المتحدة.

وقد ألحت الولايات المتحدة على سرعة تنفيذ وقف إطلاق النار قبل الثامن من أغسطس/ آب 1970.

وأذكر في هذا السياق أن الولايات المتحدة الأمريكية أخطرتنا بأنها سوف ترسل طائرات استطلاع تطير على ارتفاع عشرة كيلومترات لمساعدة “إسرائيل” في الرقابة، كما أبلغتنا أنها تتصور أن الاتحاد السوفييتي سيفعل نفس الشيء لمساعدة مصر، إلا أن عبدالناصر رفض الاعتراف بحق الولايات المتحدة الأمريكية في إرسال طائرات “يو 2” للتجسس علينا لحساب “إسرائيل”.

وتمكن الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة ومعاونوه من استكمال تجهيز المواقع الأساسية لشبكة الصواريخ قبل الثامن من أغسطس ،1970 وأصبحت “إسرائيل” تواجه شبكة كاملة من الصواريخ المصرية حيث لم تتوقع كما لم تتوقع واشنطن أيضا أن تتمكن مصر من القيام بهذا العمل الخارق في هذا الوقت الضيق، وقبل سريان إيقاف إطلاق النار. هذا العمل الذي تكاتفت فيه كافة الإمكانات المادية والبشرية والمعنوية من رجال القوات المسلحة وعمال مصر ومهندسيها.

وثارت “إسرائيل” وقامت بتوجيه جام غضبها وثورتها نحو المبادرة الأمريكية ذاتها، ولم يستطع ويليام روجرز الصمود أمام ثورة “إسرائيل” وضغوط أنصارها وعلى رأسهم هنري كيسينجر (راجع كتابه سنوات في البيت الأبيض) حيث كان منذ البداية ضد هذه المبادرة على أساس أن التسوية الشاملة سوف تساعد على التغلغل الشيوعي في المنطقة.

وتقدمت الإدارة الأمريكية لوزارة الخارجية المصرية بمذكرة في الثالث من سبتمبر/ أيلول 1970 تتضمن اتهام مصر بمخالفة اتفاقية وقف إطلاق النار.

كما أعلنت “إسرائيل” في السادس من سبتمبر 1970 رفضها إجراء أي اتصالات مع جونار يارينج مبعوث الأمم المتحدة لوضع الترتيبات الكفيلة بالإشراف المحايد على الاتفاقية، فانهارت مبادرة روجرز وكسب كيسينجر هذه الجولة التي كان يرى أنه إذا كانت واشنطن تريد أن تتحرك نحو الحل الشامل في الشرق الأوسط فلابد من حدوث تطورات ثلاثة رئيسية وأساسية هي:

* أولا: إسقاط جمال عبدالناصر.

* ثانيا: إنهاء الوجود السوفييتي في مصر والمنطقة كلها.

* ثالثا: القضاء على القوة العسكرية للفدائيين.

لم يكن فشل مبادرة روجرز مفاجأة لنا جميعا، وبالتالي فلم يتأثر الاستعداد للمعركة بل أمكن أن يتحدد بصفة مبدئية موعد معركة التحرير بعد وصول الصفقة السوفييتية الأخيرة، وأغلبها أجهزة إلكترونية بما لا يتجاوز ربيع عام،1971 كما تم في هذه المرحلة الإعداد للتصور العام للمعركة بتطوير الخطة “ 200 الدفاعية” لتكون خطة هجومية مع قدرة القوات المسلحة على تنفيذ المرحلة الأولى منها “جرانيت 1” أي عبور قناة السويس ثم الوصول إلى خط المضايق في سيناء كما كانت القوات السورية قد استكملت استعداداتها لتحرير الجولان أيضا.

وكان ما يشغل فكر القيادة السياسية والعسكرية، كيف يمكن التغلب على ذلك الساتر الترابي (خط بارليف) الذي أقامته “اسرائيل” على الشاطئ الشرقي للقناة.

فلقد ظلت “إسرائيل” على مدى ست سنوات تقيم حاجزا من التراب والرمال والقضبان الحديدية على الضفة الشرقية لقناة السويس حتى وصل في بعض المناطق إلى ارتفاع عشرين مترا مما جعل عمليات الاستطلاع لقواتنا تزداد صعوبة فضلا عن أن من شأن مثل هذا الحاجز أن تصبح أي عملية عبور للقوات إلى الضفة الشرقية في حكم المستحيل نظرا للميل الحاد 80 درجة الذي بني به هذا السد الترابي مما يعوق تحركات القوات المدرعة بصفة خاصة وكذلك وحدات المدفعية المحمولة وكانت أكثر التقديرات تفاؤلا تنتهي إلى أن إزالة أو اختراق هذا الحاجز يستغرق يومين على الأقل مما يترتب عليه أن يستطيع العدو إبادة تلك القوات التي تحاول العبور لتتجاوز هذا الحاجز.

البداية كانت سنة 1964 عندما كان المقدم المهندس باقي زكي يوسف منتدبا للعمل في هيئة السد العالي وساهم وشارك في عمليات إقامة هذا الصرح العظيم وخصوصا تلك التي تناولت الوسائل التي اتبعت ونفذت في تجريف لفتح الثغرات لإزالة الصخور ورمال السد العالي.

وفي الخامس من يونيو1967 عاد مرة ثانية للخدمة في القوات المسلحة في الجيش الثالث الميداني حيث كان الجميع يفكر في شيء واحد هو الثأر واستعادة الأرض المحتلة وفي سنة 1969 ومع اشتداد القتال الذي صاحب حرب الاستنزاف وعندما صدرت التعليمات بالتجهيز لعمليات العبور بدأ يفكر في الوسائل التي تتمكن بها القوات من تذليل مشاكل العبور للضفة الشرقية وكان من أبرزها هو كيفية فتح الثغرات في الساتر الترابي، وكانت في هذه المرحلة قد تمت عدة تجارب لفتح الثغرات بواسطة التفجير بالمدفعية بمختلف أعيرتها، وأعقب ذلك تجارب أخرى باستخدام أنواع من الصواريخ صنعت خصيصا لتحقيق هذا الغرض، هذا علاوة على تجارب أخرى تمت باستخدام أنواع مختلفة من المفرقعات كانت تتم تحت إشراف سلاح المهندسين.

وفي وسط كل هذه المحاولات المضنية والإصرار على تحقيق الهدف استعاد المقدم باقي زكي يوسف فكرة استخدام التجريف في فتح الثغرات بالسد الترابي وهي نفس الفكرة التي استخدمت من قبل في إزالة الصخور والرمال أثناء بناء السد العالي.

طرحت الفكرة أولا على مستوى الجيش الثالث حيث تناقش باقي زكي يوسف في الأسبوع الأخير من مايو1969 مع اللواء سعد زغلول عبد الكريم قائد الفرقة وشرح له كيف أن علم التجريف استخدم في بناء السد العالي وأنه يمكن أن نتبع نفس الأسلوب في حل مشكلة الساتر الترابي باستخدام تكنولوجيا التجريف في فتح الثغرات وأن الأدوات المستخدمة في هذه العملية غاية في البساطة وهي عبارة عن طلمبات مياه ضغط عال توضع على خراطيم في القناة وتسلط هذه الخراطيم على الساتر الترابي وعند تشغيل الطلمبات تندفع المياه بقوة إلى الخراطيم فتسحب رمال الساتر الترابي إلى قاع القناة وتستطيع بكل متر مياه مضغوط سحب متر مكعب من الرمال ودارت مناقشات بين القائد وضباطه المقاتلين والمهندسين. وأعاد المقدم باقي شرح فكرته إلى أن اقتنع الجميع بأنها جديرة بالعرض على المستويات الأعلى ولكن بعد أن تحسم مجموعة من النقاط الأساسية تركزت حول:

هل المياه المحملة بالرمال عند فتح الثغرات في الساتر الترابي ستؤثر في أعمال المهندسين العسكريين ؟

وهل ستؤثر في أعمال التجهيزات وبناء الكباري التي ستعبر عليها القوات المصرية إلى الضفة الشرقية ؟

كما تم بحث موضوع مهم هو: هل أرضية الثغرة ستنهار من ضخ المياه بكثافة بحيث تعوق المعدات أثناء العبور لأنه بمجرد فتح الثغرة ستندفع المدرعات والمجنزرات منها لدعم القوات البرية التي ستكون على أرض المعركة في سيناء ؟

جاءت نتيجة الدراسة بما يفيد أن دخول الدبابات والمجنزرات في الموجات الأولى من العبور سوف يعمل على تمهيد الأرض وتهذيب أرضية الثغرة نظرا لثقل وزنها، ثم عندما يأتي دور باقي المركبات ذات العجل فستكون الأرضية صالحة لعبورها. أما المشكلة الثالثة كانت في كيفية أو في صعوبة نقل المعدات الثقيلة التي استخدمت في بناء السد العالي لفتح الثغرات والمناورة بها ثم نقلها إلى الضفة الشرقية لقناة السويس ولما تبين صعوبة تنفيذ هذا الواجب، بل نادى بعض الفنيين باستحالة استخدام هذه المعدات في هذه المهمة رفضت الفكرة وتم التفكير في استيراد طلمبات أصغر حجما وأخف وزنا. وبمجرد الانتهاء من مناقشة كافة هذه التفاصيل تم الاتصال بقائد الجيش الثالث حيث عرضت عليه الفكرة ونتيجة الدراسات قام باستدعاء المقدم باقي الذي أقنعه، فما كان من قائد الجيش إلا أن عرض الأمر على نائب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة اللواء ممدوح جاد تهامي الذي تحمس للفكرة خصوصا بعد ما تمت مقابلة بينه وبين المقدم باقي يوسف الذي وصل إلى القاهرة في سيارة قائد الجيش الثالث بصفة سرية، ونتيجة لهذا عقد رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة اجتماعا حضره مدير إدارة المهندسين العسكريين اللواء جمال محمد علي الذي بعد مناقشة الفكرة وافق على تنفيذها وطلب الاستعانة ببعض الضباط المهندسين الذين سبق أن خدموا في بناء السد العالي وكان منهم العقيد شريف مختار الذي شارك في الدراسة ووافق عليها وقال إن الفكرة تستحق التجربة للتأكد من صلاحيتها.

وتم في نفس الوقت الاستعانة بما لدى وزارة السد العالي من صور وأفلام وإرشادات خاصة بعمليات التجريف. وانتهى الأمر برفع تقرير قدمه المقدم باقي زكي يوسف لقائد الجيش الثالث أوضح فيه أسلوب التنفيذ للفكرة وكذا المعدات التي يمكن استخدامها ورفع هذا التقرير للفريق أول محمد فوزي وزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة الذي بعث به لسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات ولقد عرضته على الرئيس جمال عبدالناصر فوافق على الفكرة واتصل بالفريق محمد فوزي حيث أبلغه بموافقته على الفكرة وطلب القيام بإجراء التجارب دون أي إبطاء مع توصيته بتذليل كل المصاعب مهما كانت من أجل نجاح هذه الفكرة.

في الحقيقة لم تكن هناك مشاكل سوى توفير طلمبات ميكانيكية صغيرة الحجم وتكون خفيفة الوزن لفتح الثغرات خلال مدة لا تزيد على ساعات خمس وكانت الوسائل التقليدية للقيام بمثل هذه العمليات تحتاج نوعاً معيناً من المفرقعات يستغرق 15 ساعة لتنفيذ المهمة حيث كانت الثغرة تحتوي على كميات من الرمال يتراوح حجمها من 1500 إلى 2000متر مكعب، ولكي يستطيع مقاول أن يرفع هذا الحجم من الرمال يحتاج إلى خمسة آلاف رجل في الساعة ونحو خمسين بولدوزر لرفعها دون تدخل من العدو.

ولقد تم الحصول على الطلمبات والكباري من ألمانيا تحت ستار أنها معدات للدفاع المدني وإطفاء الحرائق، وهذه قصة أخرى لها أبطالها من رجال المخابرات ووزارة الداخلية والدبلوماسيين المصريين الذين شاركوا في إنجاح هذه الصفقات.

بدأت التجارب بمنتهى السرية والجدية وفي يناير/ كانون الثاني 1970 تمت أول تجربة في منطقة قارون وعلى ضفاف البحيرة، ثم أجريت تجارب أخرى في مناطق أخرى منها في القناطر الخيرية ومنطقة البلاح حيث أزيل ساتر ترابي ناتج من عمليات تطهير قناة السويس ومشابه للساتر الترابي “الإسرائيلي” وتمت التجربة بنجاح كامل.

وقد يكون من المفيد أن أضع تحت أنظار القارئ الكريم تقويما مركزا لمرحلة حرب الاستنزاف دون ما الدخول في التفاصيل العسكرية وهذا التقويم من وجهة نظري يتلخص فيما يلي:

بمجرد انتهاء مرحلة الدفاع النشط في فبراير/ شباط 1969 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر في وضع الخطط الكفيلة بتحقيق الأهداف المرحلية المنشودة مع مداومة تطويرها طبقا لمختلف العوامل المؤثرة.

وقد اشترك كبار القادة المنتظمين في كلية الحرب العليا عامي 1968 و1969 في وضع الخطط التي تحقق تلك الأهداف المرحلية، وكانت تلك الخطط المقترحة ترفع إلى القيادة العامة للقوات المسلحة وإلى هيئة العمليات الحربية لدراستها وللاستفادة منها.

كان الهدف المحدد من حرب الاستنزاف هو الحفاظ على الروح المعنوية للمقاتلين، ورفع معنويات الشعوب المصرية والعربية وتهيئة الظروف المناسبة للانتقال إلى مرحلة العمليات التعرضية وإبقاء مسألة احتلال “إسرائيل” للأرض العربية في قائمة المشاغل الدولية ضمانا لاستمرار الاتحاد السوفييتي في الإمداد بالأسلحة والمعدات الأكثر تطورا وإزعاج القوات “الإسرائيلية” وإيقافها ووضعها وشعب “إسرائيل” تحت الضغط المعنوي المستمر نتيجة ما يقع بجنودها في الجبهة من خسائر مستمرة.





وايزمان وحرب الاستنزاف



لا يكتمل التقويم الصادق لحرب الاستنزاف إلا بمراجعة ما صدر بشأنها من جانب قادة “إسرائيل” حيث نجد الجنرال عيزر وايزمان نائب رئيس الأركان العامة “الإسرائيلية” إبان حرب الاستنزاف يقول في كتابه “على أجنحة النسور” ما نصه: “إن حرب الاستنزاف التي سالت فيها دماء كثيرة لأفضل جنودنا مكنت المصريين من اكتساب حريتهم على مدى ثلاث سنوات للتحضير لحرب أكتوبر العظمى عام 1973. وعلى ذلك فإنه قد يكون من الغباء أن نزعم بأننا كسبنا حرب الاستنزاف، فعلى العكس كان المصريون رغم خسائرهم هم الذين حصلوا على أفضل ما في تلك الحرب، وفي الحساب الختامي فسوف تذكر حرب الاستنزاف على أنها أول حرب لم تكسبها “إسرائيل”، وهي نفس الحقيقة التي مهدت الطريق أمام المصريين لشن حرب يوم كيبور “.

وفي مجال المقارنة بين ما بذل من جهد خلال فترة حكم عبدالناصر وفترة حكم السادات فإن من خدم في كلتا الفترتين من قادة القوات المسلحة يفخرون بما بذله الشعب والجيش في إعادة البناء، وفي التحضير للجولة الحتمية القادمة، وفي خوض حرب الاستنزاف، وفي التدريب الواقعي على مهام القتال المقبلة، وفي تجهيز مسرح الحرب والقاعدة الخلفية للدولة للحرب، وغير ذلك من الأعمال العظيمة التي تم أغلبها في عهد الرئيس جمال عبدالناصر القائد الأعلى للقوات المسلحة


"

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US