Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

من الجذور والطفولة والشباب المبكر

الى

الحياة العامة فالشيخوخة

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 3 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة الحلقة الثالثة

للرئيس جمال عبدالناصر



* في 19 مارس 1955 أبلغني زكريا محيي الدين أن عبدالناصر اختارني للعمل معه سكرتيراً للمعلومات

* عمل جمال كان يبدأ التاسعة صباحاً وكان يحرص على قراءة
الصحف اللبنانية من دون تلخيص




واصلت العمل في القسم الخاص بالمخابرات العامة حتى كان يوم السبت 19 مارس 1955 عندما استدعاني زكريا محيي الدين إلى منزله في “عمارة الرشاد” في منشية البكري، الساعة التاسعة صباحاً بحضور الصاغ محيي الدين أبوالعز رئيس القسم الخاص الذي قد ألمح لي في الليلة السابقة عن نيّة نقلي من المخابرات، ولم يزد أو يفصح عن أي تفاصيل أخرى.

وفي منزل زكريا محيي الدين استقبلنا بودّ وبابتسامة اعتاد هو ونحن عليها وقال: “مبروك يا سامي.. الرئيس جمال عبدالناصر اختارك للعمل معه سكرتيراً للمعلومات.. إيه رأيك؟!” أجبت: “يا افندم ده شرف ليّ كبير، وأرجو أن أكون عند حسن ظن الرئيس، وأن يوفقني الله في أداء الواجب وما أكلف به”.

قال: “إنت يا سامي موضع ثقة، وإلا لما كان هذا الاختيار، وعلى فكرة إنت كنت موضع اختباره شخصياً طول العامين الماضيين ونجحت، وإن شاء الله يكون النجاح حليفك دائماً.. واعتبر أن إدارة المخابرات ستتعاون معك في مهمتك الجديدة، ولا تترد أن تطلب منّا ما تريد، كما انك لك الحق في الاتصال بأي قسم لتسهيل مهمتك فنياً وإدارياً. إنت ميعادك مع الرئيس في بيته في منشية البكري العاشرة صباحاً.. يعني دلوقت، قوم بقى علشان تلحق تقابله.. وبالتوفيق”.

وبقدر سعادتي بهذا الاختيار، فقد شعرت بالتوتر يزداد داخلي عندما فكرت في حجم المسؤولية الجديدة التي كُلفت بها، ودعوت الله أن يلهمني الصواب وأن ينير بصري وبصيرتي في أداء الواجب.

لم يكن هذا اللقاء مع الرئيس جمال عبدالناصر في منشية البكري عادياً بالنسبة لي، فكما وضح مما سبق كانت قد تعددت لقاءاتي معه بوصفه قيادة سياسية يستلزم واجبها اليومي والرسالة الوطنية والقومية التي يعمل من أجلها والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها قدرة على التحكم في التوازنات السياسية والاجتماعية، والإلمام بأكبر قدر من المعلومات في كل المجالات. أما هذه المرة فقد كان لقائي معه بوصفه رئيسي المباشر من الناحية الوظيفية، إلى جانب إيماني به كزعامة سياسية وقيادة وطنية مخلصة، وطالما انني أعمل تحت رئاسته المباشرة، فيجب أن أستوعب جيداً مهمتي الجديدة بكل ما تتطلبه من مسؤوليات، وما تفرضه من محاذير، بل وما قد تنطوي عليه من مخاطر.

إنهما مهمة جديدة نسبياً على النظام الثوري في مصر، لقد كانت هناك سكرتارية للمعلومات موجودة في مجلس الوزراء لخدمة اللواء محمد نجيب، لكن عملها كان محدوداً للغاية. وعندما توجهت للاطلاع على ما تحويه لم أجد سوى سبعة ملفات ذات لون أخضر زيتوني من ورق مقوى، ولا يحتوي أي منها على أكثر من تقرير أو اثنين، ولم تكن محتوياتها ذات قيمة معلوماتية تُذكر، لكنني حرصت على الاحتفاظ بها على سبيل التذكار، وكانت مودعة في حافظة خاصة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات في منشية البكري.

كانت هذه الخواطر تدور في ذهني وأنا في طريقي إلى منزل الرئيس جمال عبدالناصر في منشية البكري، وكان في مقابل منزل زكريا محيي الدين ولا يفصلهما إلا شارع الخليفة المأمون ومنزل مكرم عبيد الذي سبق أن أوفدني عبدالناصر لمقابلته لطلب نسخة من الكتاب الأسود، كما أبلغته رسالة تقدير منه.

استقبلني الرئيس في المكتب، وبعد الترحيب والتهنئة حدد لي الإطار العام للمهمة وقال: “أنا عايزك تنشئ سكرتارية للمعلومات وكل ما أستطيع أن أقوله لك الآن:

* أولاً: لا توجد أي قيود عليك في تنفيذ المطلوب.

* ثانياً: أنصحك بأن تبدأ على نطاق ضيق، ثم يتم التوسع بعد ذلك تدريجياً سواء في الأفراد أو الاختصاصات أو المكان، وفقاً لتطور سير العمل، وحسب التجربة والخطأ، وكذا معدلات الأداء.

* ثالثاً: يمكنك أن تستعين بمن تراه من الخبراء المصريين والأجهزة والوزارات في الدراسة ووضع الهيكل العام المصغر بدايةً.. وآلية العمل في السكرتارية.

* رابعاً: اعتبر أن الإمكانات المتاحة ستُوضع تحت تصرفك بلا قيود وبلا روتين من أجل تحقيق هذا الهدف، ويمكنك الاطلاع على ما لدى الجهات المعنية من معلومات أو دراسات أو أبحاث تساعد على تحقيق الهدف.. عليك أن تضع خطتك”.

وأضاف انه يعطيني مهلة أسبوعين سوف يسافر خلالها إلى باندونج، وعندما يعود أكون قد انتهيت من إعداد الدراسة الكاملة حول وضع الهيكل التنظيمي للسكرتارية ليقوم بمراجعتها معي. وعليّ أن أبدأ الممارسة العملية بالتجربة والخطأ حتى أضع قدمي على بداية الطريق الصحيح، وحتى لا يضيع الوقت.

كانت كلمات الرئيس واضحة، محددة، مختصرة، وفي الوقت نفسه مطمئنة، فهو لا يطلب المستحيل أو ينشد المثاليات، بل يدرك مقدماً أن ثمّة أخطاء يمكن أن تقع وأن التجربة العملية هي المحك الوحيد لاكتشاف المنهج الأنسب.

لقد تغيرت العلاقة الخاصة غير المباشرة التي قامت بيني وبين جمال عبدالناصر خلال عملي في المخابرات، وما كنت أتلقاه من تكليفات منه شخصياً وأعرض نتائجها عليه مباشرة، أما الآن فإنني أعمل إلى جواره، وأصبح بقائي في المكتب مرتبطاً به من الناحية العملية، ليس فقط بممارسته لنشاطه اليومي، بل يرتبط أيضاً بمجرى الأحداث، وطالما وجدت هناك حركة أو حدث أو خبر فمن واجبي أن أبقى يقظاً باستمرار.

وبدلاً من أن يكون تعاملي مع القائد وفقاً لترتيبات خاصة تثير معي من الحساسيات أكثر مما تخدم العمل، فقد أصبحت أحد النوافذ التي يطل منها على كل ما يجري في الدولة أو خارجها، وحلقة اتصال مع منابع الأحداث بما يقتضيه ذلك من درجة عالية من السيطرة على تدفق المعلومات، ودقة في التنظيم وتحديث الأولويات حتى لا تتحول سكرتارية المعلومات إلى عامل تشتيت وإشغال للرئيس.

أدركت أيضاً أسلوب عبدالناصر في اختيار معاونيه، فهو لا يعتمد على العمل بموجب تقويمات الآخرين. لقد أدركت تماماً أنه وضعني تحت نظره بتدقيق منذ لقائي الأول معه في مدرسة الشؤون الإدارية، وأجرى الاختبارات لي في كل المواقع التي عملت فيها، بل أكثر من ذلك كانت تجربة السجن الأولى وموقفي في قضية المدفعية اختباراً عملياً سواء في النيات أو في الضعف أو القوة أو في القدرة على التحمل ومجابهة المواقف الصعبة، أو في التهاون في المبدأ وأشياء أخرى كثيرة، وكانت توجيهاته بعد ذلك تعبر عن وضوح كامل في الرؤية ومعرفة دقيقة لما يريد أن يحققه.

خرجت من مكتب الرئيس جمال عبدالناصر وفي ذهني مطلبان أساسيان: أولهما يتعلق بالمكان، والثاني يتعلق بآليات العمل وأساليب الممارسة والإنتاج.

في ما يتعلق بالمكان، فقد اخترته في مبنى مجلس الوزراء، باعتبار أن الرئيس كان يمارس عمله الرسمي منه، علاوة على مباشرته العمل أيضاً من مكتبه في منشية البكري.

بدأت فوراً مشاوراتي واتصالاتي مع العديد من الجهات التي تأتي في مقدمتها وزارة الخارجية والمخابرات العامة، واتصلت بزميل الدراسة مصطفى حمدي وكان يعمل في جهاز التنظيم والإدارة (1) وكذا في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والمباحث العامة والقيادة العامة للقوات المسلحة والمخابرات الحربية وبعض خبراء الإدارة من الجامعات ومجلسي الخدمات والإنتاج، منهم السفير إبراهيم صبري والدكتور إبراهيم حلمي عبدالرحمن، والأستاذ السيد محمد يوسف، والبكباشي حسن طلعت والصاغ أحمد زكي عبدالحميد والدكتور راشد البراوي واللواء أمين أنور الشريف والمستشار حسن نورالدين.

كانت حصيلة كل هذه المشاورات الخروج بتصور عرضته على الرئيس بعد عودته من باندونج، فوضع عدداً من الإضافات المهمة حتى خرجنا بنقطة بداية تمثلت في تنظيم وآلية عمل تحكمه الاعتبارات التالية:

* أولاً: توفير اتصال سريع وسهل لمصادر المعلومات داخل الدولة وخارجها، لتوفير المعلومات اللازمة يومياً من كل الأجهزة المعنية في الدولة وفي جميع ميادين المعلومات (سياسية اقتصادية عسكرية اجتماعية علمية.. إلخ).

ثانياً: وضع أسلوب ميسّر لتصنيف وتبويب المعلومات وترتيبها وفقاً لأولوياتها وعرضها على الرئيس في التوقيت المناسب لتساعد في تكوين صورة عمّا يجري في الدولة وتسهيل عملية اتخاذ القرار.

وكانت تعليمات الرئيس في هذه النقطة واضحة تماماً، فقد أعطى توجيهاً واضحاً بعدم عرض أية ورقة تبدأ بعبارات مثل “نما إلى علمنا”، أو “يُقال”، أو “يُشاع” إلا إذا كان التقرير عن الإشاعات، وأكد أن ما يجب عرضه فقط هو ما يندرج في مفهوم المعلومة المحققة مثل “الواقعة كذا حدثت في الساعة كذا في المكان كذا..”، وأمر بإعادة ما يخالف ذلك للجهة التي أرسلته أو إهماله كلية، أما إذا كان ثمة استنتاج فيمكن عرضه مزوّداً بالبراهين والحيثيات التي ساعدت في التوصل إليه.

* ثالثاً: تكامل المعلومات الصالحة للعرض على الرئيس وتدعيمها بالآراء الفنية، وعدم التسرع في عرض معلومات ناقصة قد تقود إلى اتخاذ قرار متعجل أو خاطئ.

* رابعاً: وضع سكرتارية المعلومات بوصفها جزءاً عضوياً من مؤسسة رئاسة الجمهورية ككل، من حيث تقنين الاتصالات العرضية مع قائد الجناح علي صبري مدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية من دون أن يؤثر ذلك في قناة الاتصال المباشرة مع الرئيس.

* خامساً: نبّه الرئيس إلى موضوع اعتبره هو من أهم المسائل التي ستضبط النغمة الصحيحة لسكرتارية المعلومات من حيث الأسلوب والإنتاج وتحقيق التقدم، ثم عملية المتابعة.. ثم متابعة المتابعة. وبالفعل تمت إضافة فرع يختص بالمتابعة، وأعدت له النماذج التي تحوي ملخصات الموضوعات، ونصّ تأشيرات الرئيس أو تعليماته الشفوية، والجهة المكلفة بالتنفيذ، والنتيجة التي تحققت ثم متابعة المتابعة في حال عدم التنفيذ أو تأخيره وهكذا.

* سادساً: أشار الرئيس إلى أنه يحسن أن نفكر في سكرتارية صحافية، وإن لم يبت في وضعها التنظيمي حيث كان هناك أكثر من خيار على أساس أن الوضع العملي في هذه الفترة بالنسبة للنواحي الإعلامية كان باختصار كالآتي:

كانت هناك مجموعة تُسمى مجموعة الصحافة في المخابرات العامة، وكان يرأسها الصاغ عبدالقادر حاتم ويعاونه الصاغ مصطفى المستكاوي.

وكان الرئيس يفكر في إنشاء إدارة للاستعلامات ووكالة أنباء مصرية في مقابل وكالة “رويتر” الإنجليزية ووكالتي “اليونايتد برس” و”الأسوشيتيد برس” الأمريكيتين.

ثم رأى الرئيس في هذه المرحلة الاكتفاء بإنشاء سكرتارية المعلومات، ثم مصلحة الاستعلامات على أن يرأسها عبدالقادر حاتم، ويتولى مصطفى المستكاوي مجموعة الصحافة في المخابرات. ويكون في الوقت نفسه ضابط اتصال مع سكرتارية المعلومات في ما يتعلق بالصحافة والإذاعات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تقارير الاستماع التي كانت تمدنا بها الإذاعة المصرية، تمهيداً للبت بصفة نهائية في إنشاء سكرتارية صحافية للرئيس.


2

تطور العمل في سكرتارية

الرئيس للمعلومات


فرضت علينا تطورات الأحداث بعد ذلك، واتساع حجم العمل والخبرات التي أمكن اكتسابها، إضافة إلى الدراسات المستفيضة لأسلوب العمل المتبع مع الرؤساء في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والهند والاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وفرنسا والصين، كل ذلك فرض علينا إجراء تطويرات مهمة في أسلوب العمل والخريطة التنظيمية لسكرتارية المعلومات، كما كان لاحتياجات الرئيس التي لا تنقطع تأثيرها أيضاً في إضافة أقسام جديدة في السكرتارية، أو استحداث آليات جديدة ووسائل اتصال يمكن أن تلبي هذه الاحتياجات بأسرع وأنسب طريقة ممكنة. ويمكن القول إن تجربة العمل في سكرتارية المعلومات أفرزت مجموعة من المبادئ والاتجاهات، إلى جانب خلق نوعيات مختلفة من العلاقات سواء داخل مؤسسة الرئاسة أو مع مؤسسات الدولة وقياداتها لم تترك آثارها في سكرتارية المعلومات فقط، وإنما أثرت في مواقف العديد من الشخصيات والأجهزة، وقادت في بعض الأحيان إلى تراكم بعض الرواسب التي ظهرت على السطح بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، وتمثلت أهم هذه الاتجاهات في الآتي:

* أولاً: لم يعتمد الرئيس جمال عبدالناصر على سكرتارية المعلومات وحدها في الحصول على ما يريد من معلومات أو تحصيل المعرفة بصفة عامة، بل كان دائم البحث عن كل ما يثري معرفته ويصقل قراره، حتى أكاد أقول إنه لم يصل إلى مصر زائر أجنبي ذو ثقل في تخصصه أو كان على صلة بصنّاع القرار في بلاده أو رشحه له أحد معاونيه، إلا واستقبله الرئيس عبدالناصر في جلسات حوار غير رسمية أو رسمية قد تطول أو تقصر حسب موضوع الحوار والمناقشة.

كما استنّ الرئيس جمال عبدالناصر تقليداً في حواراته الصحافية والتلفزيونية حيث كان يطلب أن يحضر الكاتب أو المراسل الصحافي أو المحاور الذي يرغب في إجراء الحوار قبل موعده بوقت كافٍ لإجراء مناقشة من نوع مختلف معه، يستمع هو فيها للزائر، وكان الرئيس يجري مناقشات مطوّلة أيضاً مع زواره أو من كانوا على اتصال به من الرؤساء الأجانب أو الشخصيات العامة من مختلف أنحاء المعمورة. وكان لكل من الرؤساء تيتو ونهرو وباندرانيكة وأحمد سيكوتوري وكوامي نكروما وشواين لاي والامبراطور هيلاسيلاسي وأنديرا غاندي وغيرهم من القادة الأجانب، وكذلك القادة العرب الذين كان لهم وضع خاص مثل: أحمد بن بلا والملك محمد الخامس وفؤاد شهاب (2)، وهواري بومدين وصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وعبدالسلام عارف ومعمر القذافي وشكري القوتلي وكمال جنبلاط، كما كان يسعى لمناقشة بعض القادة العرب ممن كان يعلم أنهم مختلفون فكرياً مع فكر الثورة، كان لكل هؤلاء نصيب وافر في هذا المجال.

وقد فتح الرئيس جمال عبدالناصر بابه للسياسيين والمثقفين والمناضلين في العالم الثالث حيث كانت الجلسات الطويلة معهم تستهدف الاستماع إلى آرائهم الشخصية والتعرف إلى شعوبهم وإلى تجاربهم السياسية والنضالية ومكوّنها الثقافي، ولا يُستثنى من ذلك أبرز فلاسفة العصر مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وروجيه جارودي أو من كبار الأدباء والكتّاب والمثقفين. على سبيل المثال روبرت سان جون وكلود استييه وجان لاكوتير وديزموند ستيوارت وويلتون وين وجون بادو وأندريه مالرو وجون جونتر وغيرهم من أقطاب الفكر الاستراتيجي والقادة العسكريين. من أمثال الجنرال بوفر والماريشال البريطاني مونتجومري، وقد تم إيفاد أكثر من وفد مصري ما بين عسكريين وسياسيين لمقابلة الجنرال جياب، حاملين رسائل واستفسارات شخصية من الرئيس للتعرف إلى تجربته في مقاومة الاستعمار وأساليب القتال المتبعة للاستفادة منها في مقاومة العدو “الإسرائيلي” في معركة تحرير الأرض، وقد قدمت كل هذه البعثات تقاريرها التي أودعت كوثائق في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات، ثم كبار رجال الاقتصاد مثل شاخت وإيرهارد وكبار رجال الصناعة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد السوفييتي واليابان.

وكانت هذه اللقاءات أو الاتصالات ترتب أعباء إضافية علينا نتيجة ما نتلقاه من احتياجات من الرئيس في أعقابها، سواء لاستكمال معلومات تم تداولها مع الضيوف أو الذين اتصل بهم وقرأ لهم أو عنهم، أو البحث عن كتب وإصدارات ودراسات جديدة يرغب في الاطلاع عليها أو متابعة أحداث وأخبار تلقاها في حواراته ومقابلاته.

* ثانياً: كان الرئيس جمال عبدالناصر يحرص على أن يكون أقدم مسؤول في الرئاسة على بينة من كل الأمور وما يحدث في كل الأفرع تجنباً لأي تعقيدات إدارية، كما كان يحرص من جانب آخر على ألا ينحصر أو يحصر العاملين معه في قوالب جامدة، بل كانت تحركه دائماً نزعة التغيير لدرجة أننا كنا نعجز في كثير من الأحيان عن مسايرة هذه النزعة، وكانت النتيجة المنطقية لذلك هي إجراء مزيد من التطوير والتحديث في مؤسسة الرئاسة وتعديل آليات العمل بما فيها سكرتارية المعلومات لمعالجة الثغرات وتحسين الأداء واحتواء أي حساسيات من وقت إلى آخر.

وعلى سبيل المثال، فقد اقتضى العمل بعد ذلك وقبل أن تتمكن المؤسسات التقليدية من تفهم أهداف الثورة والتكيف معها توزيع مسؤوليات العمل الخارجي والداخلي على مجموعة من المعاونين الذين يثق الرئيس في إمكاناتهم وكفاءتهم وإخلاصهم، فتم إنشاء مكاتب موازية لبعض المؤسسات المهمة في الدولة، فأنشئ في رئاسة الجمهورية مكتب للشؤون العربية وآخر للشؤون الإفريقية وثالث لشؤون آسيا فأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، علاوة على مكتب للشؤون العلمية وآخر للشؤون الاقتصادية. وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه المكاتب الموازية هو ضمان استمرار تدفق المعلومات وتقديم التحليلات وتقديرات الموقف بالنسبة للأنشطة المختلفة داخلياً وخارجياً بفكر مستقل، وبعيداً عن تأثير بيروقراطية الإدارات التقليدية، ولعدم الانغلاق على رأي واحد من الجهة المعنية.

كان محمود رياض يشرف على المكاتب السياسية، أما باقي المكاتب الفنية الأخرى فكانت تتبع علي صبري مدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية فوزير شؤون رئاسة الجمهورية فيما بعد.

وعندما تولى محمود رياض وزارة الخارجية رُؤي ضم المكاتب السياسية إلى وزارة الخارجية، ونقل المشرفين عليها كأعضاء في السلك الدبلوماسي وذلك حتى نتجنّب الازدواجية، ولم يستثن منها سوى مكتب الشؤون الإفريقية الذي ظل يمارس دوره تحت إشراف محمد فائق، ومكتب الشؤون العربية الذي كان يشرف عليه فتحي الديب (3).

أحب أن أشير، بهذه المناسبة، إلى أن كل استحداثات لمكاتب أو أفرع جديدة في الرئاسة لم يكن يستدعي إنشاء هياكل وظيفية لها، بل كانت تعتمد على الشخص الموكَل إليه المهمة فقط، وكانت سكرتارية الرئيس للمعلومات هي التي تتولى جميع الشؤون الإدارية والمكتبية والمساعدات الفنية لهذه المكاتب.

واستطراداً لمفهوم التطوير المستمر، فقد أنشئ بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا سكرتارية جديدة تحت رئاستي تختص بالمعلومات المتعلقة بالإقليم الشمالي، وتولى الإشراف عليها الدكتور حسين صبري الخولي الذي عُين ممثلاً شخصياً للرئيس بعد إلغائها عندما وقع الانفصال.

ثالثاً: تشكّل في الوقت نفسه فريق عمل تحكم علاقات أفراده وأفرعه قواعد عمل محددة، وكان هو نفسه مؤسسة الرئاسة، فرغم تعدد المكاتب والأفرع العاملة في مجال المعلومات داخل الرئاسة، أستطيع أن أقول إنه لم يقع أي نوع من الصدام أو الخلاف فيما بينها تحت أي ظرف من الظروف، وكانت تعليمات الرئيس عبدالناصر واضحة في هذا الشأن، فكل ما تتداوله سكرتارية الرئيس للمعلومات ينقل صورة منه إلى علي صبري مدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية، وكان أيضاً كل ما يعرضه علي صبري يتم تقديمه للرئيس عن طريق سكرتارية المعلومات. وبقدر ما مثل ذلك دعماً لسيولة المعلومات واستقرار العلاقات في مؤسسة الرئاسة، فقد كان مصدراً لاطمئنان الرئيس وتجنّب إغراقه في مشكلات صغيرة أو تفصيلات غير مهمة، وساعد على ذلك استحداث آليات عمل ديناميكية لدعم اتخاذ القرار، تمثلت أساساً في تشكيل فريق العمل اليومي الذي كان يضم مدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية ورئيس المخابرات العامة أو أحد نوابه، ونائب وزير الخارجية ورئيس مصلحة الاستعلامات، وسكرتير الرئيس للمعلومات، ويقوم بأعمال السكرتارية منير حافظ مساعد سكرتير الرئيس للمعلومات وجميع محاضر هذه الاجتماعات وتسجيلاتها محفوظة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات في منشية البكري.

وقد كانت مهمة “لجنة العمل اليومي” تقديم “تلخيص” من مختلف القطاعات والوزارات ومؤسسات الدولة عن الأحداث خلال الأربع والعشرين ساعة السابقة وعرض التحليل والتقدير والتوصيات والبدائل على الرئيس يومياً. واستمر عمل هذه اللجنة التي تولى رئاستها فيما بعد محمود رياض حتى ،1967 حيث عدّلت لتكون برئاسة السيد أنور السادات وعضوية علي صبري ومحمود رياض وشعراوي جمعة وأمين هويدي وسامي شرف، وكان لها أن تستدعي من ترى من المسؤولين، وظل نظام العمل في هذه اللجنة هكذا حتى 13 سبتمبر/ أيلول ،1969 حيث عدّل التشكيل ليضم أيضاً: السادة أنور السادات وعلي صبري ومحمود رياض وشعراوي جمعة وعبدالمحسن أبوالنور لبحث مسائل خاصة بالاتحاد الاشتراكي، وأمين هويدي والفريق أول محمد فوزي لبحث مسائل عسكرية، وسامي شرف ومحمد حسنين هيكل.

* رابعاً: لم تكن العلاقات تسير بالسلاسة نفسها مع جهات رئاسية أخرى، ومن ذلك مثلاً المؤسسة العسكرية، إلا أن تعليمات الرئيس جمال عبدالناصر كانت تقضي بإخطار المشير عبدالحكيم عامر بكل ما يتم عرضه على الرئيس من أمور الدولة باستثناء ما يحدده الرئيس، وإن كنت أقرّر أن هذا الاستثناء لم يُستخدم في أي مرة قبل 1967. أما في ما يتعلق بالمعلومات العسكرية، فقد كان الموقف عكسيا، فلم تكن سكرتارية المعلومات تدخل ضمن معدلات التوزيع لما تصدره المخابرات الحربية أو باقي أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة أو وزارة الحربية، وكان المشير عامر هو الذي يتولى بنفسه إخطاري بالمعلومات التي يرى عرضها على الرئيس أو يقوم هو في أغلب الأحوال بإبلاغها للرئيس مباشرة. وفي الوقت نفسه كانت تعليمات المشير مشددة لي شخصياً بعدم الاتصال المباشر مع أفرع القيادة العامة أو طلب أي شيء منها، كما أعطى تعليمات للمخابرات الحربية وبصفة خاصة فرع المعلومات بعدم إبلاغي بأي معلومات إلا إذا أقرّها هو أو شمس بدران. وكذلك كان من المحظورات القاطعة الاتصال من أو إلى فرع الأمن في المخابرات الحربية. ولا يخفى على أحد أن هذا الأسلوب في التعامل يكتنفه القصور سواء بالنسبة لعنصر الوقت أو دقة المعلومات وموضوعيتها.

وقد ولّد ذلك بدوره إحساساً عالياً بالذات لدى غالبية معاوني المشير عبدالحكيم عامر وفي مقدمتهم شمس بدران وانعكس بالتالي على تصرفاتهم وأسلوب تعاملهم مع سكرتارية الرئيس للمعلومات أو حتى مع باقي مؤسسات الدولة، وليس أدلّ على ذلك من اكتشاف أكثر من تدبير تآمري تم بوساطة عناصر كانت تعمل في مكاتب المشير عامر بعد أن أغرتهم السلطة ودفعتهم إلى التحليق في آفاق حالمة بعيدة عن الواقع! (قضايا عبدالقادر عيد وداود عويس وعبدالكريم النحلاوي وغيرها).

كذلك انسحب هذا الأمر بشكل أو بآخر على العلاقات بين سكرتارية الرئيس للمعلومات والمخابرات العامة تحت قيادة صلاح نصر، فرغم أن هذه العلاقة كانت تخضع لوضع قانوني وتنظيمي مؤسسي ومستقر ورغم احتفاظي بعلاقات جيدة ومبنية على الثقة مع كثيرين من قيادات المخابرات العامة بحكم عملي السابق فيها، بل وترشيحي لعدد ممن أصبحوا قيادات فيه، وكانت هناك سيولة كاملة في انتقال المعلومات والدراسات والتحليلات من المخابرات العامة إلى سكرتارية الرئيس للمعلومات، فعندما تولى صلاح نصر رئاستها بترشيح من المشير عبدالحكيم عامر في 1957 بدأ نوع من الحساسية نحو سكرتارية المعلومات. وفي اعتقادي الشخصي أن ذلك كان يرجع وكما أثبتته الحوادث فيما بعد إلى ولاء صلاح نصر للمشير عبدالحكيم عامر وصداقته الحميمة لعباس رضوان وشمس بدران. ولقد تحولت الحساسيات إلى اتهامات وشكاوى لدى الرئيس.

* خامساً: في الوقت الذي كان يفضّل فيه غالبية أعضاء مجلس الثورة مثل عبداللطيف البغدادي وكمال الدين حسين التعامل المباشر مع الرئيس في ما يتعلق بالمهام الموكلة إليهم، فقد كان زكريا محيي الدين في جميع المناصب التي تولاها يتعامل مع مؤسسة الرئاسة من خلال سكرتارية الرئيس للمعلومات، وهذا طبعاً لا يعني أنه لم يكن هناك اتصال مباشر بينه وبين الرئيس في كثير من المسائل، ولكن كانت هذه الاتصالات توثق بعد ذلك بإبلاغي عن مضمونها سواء من جانب عبدالناصر أو من زكريا محيي الدين أو مكتبه (4). كذلك الحال كان مع كل من السادة جمال سالم وصلاح سالم وحسين إبراهيم وحسين الشافعي، والأسلوب نفسه كان متبعاً مع باقي المسؤولين والقيادات العليا في الدولة. وهكذا كانت كل الأمور مسجلة ومكتوبة ومصنّفة وموثقة ومحفوظة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات في منشية البكري حتى مساء يوم 13 مايو/ أيار 1971.

* سادساً: تعرّضت أساليب العمل في سكرتارية الرئيس للمعلومات، كما ذكرت من قبل، لتغييرات مستمرة لمعالجة الظروف المستجدة، ولم يكن هناك أي جمود، فقد كان جوهر الممارسة هو “التجربة والخطأ”، وكانت العناصر الإدارية مستقرة وميسّرة، أما الجوانب الفنية فهي التي كانت تتعرض لتعديلات من وقت إلى آخر، وتمت الاستعانة بعناصر فنية من وزارة الخارجية والمخابرات العامة ووزارة الاقتصاد ومصلحة الاستعلامات والجامعات ومن أجهزة أخرى مختلفة في الدولة، إلى أن تمكّنا من إقامة نظام على درجة من الكفاءة يساعد على تدفق المعلومات في وقتها ومن جميع المناطق الجغرافية في مصر. وقد استخدمنا أحدث وسائل الاتصال التي ظهرت في ذلك الوقت وهو التلكس، والذي تم توصيله في محافظات مصر الست والعشرين، إضافة إلى شبكتي التليفونات واللاسلكي كخطوط ودوائر خاصة بسكرتارية الرئيس للمعلومات. غير ان التطوير الرئيسي كان بعد الانفصال بين مصر وسوريا. وأضيف لما سبق أن عبدالناصر لم يكن يعتمد على سكرتارية المعلومات وحدها في الحصول على ما يريد، ولم يكن أسيراً لها، بل إن مصادر معلوماته كانت متعددة ومتنوعة من اللقاءات ورسائل المواطنين والتي بلغت في الأيام الساخنة والأحداث الكبيرة مئات الألوف يومياً، علاوة على حصيلة الاستماع للإذاعات العالمية على مدار الساعة والاطلاع على الصحف والمجلات والدوريات العربية وخصوصاً اللبنانية والأجنبية


3

يوم العمل عند الرئيس
جمال عبدالناصر


حرص الرئيس عبدالناصر على ألا ينحصر في قالب أو يضع العاملين معه في وضع جامد بل على العكس كانت تحكمه إرادة التغيير الجامحة.

لقد كان يوم عمله يبدأ في أغلب الأيام حوالي التاسعة صباحاً، وفي بعض الأحيان يبدأ قبل ذلك، وفي الأزمات الكبرى يستمر طوال الأربع والعشرين ساعة.

فعلى سبيل المثال، خلال أزمة العدوان الثلاثي سنة 1956 وحتى سنة ،1958 والتي شهدت أحداث تأميم قناة السويس ثم العدوان الثلاثي فإجراءات التمصير ثم إعلان الوحدة المصرية - السورية، كانت الأمور كلها تستلزم التواجد لساعات طويلة بل الى المبيت في المكاتب، وكذلك كان الحال سنة ،1967 حيث أقمت في منشية البكري ليل نهار، ولم أغادر المكتب إطلاقاً من يوم 14 مايو 1967 حتى منتصف يناير 1968.

ولقد بدأ العمل في سكرتارية الرئيس للمعلومات في أواخر شهر مارس.آذار سنة 1955 بثلاثة أفراد فقط وفي غرفتين اثنتين وجهاز تيكرز لوكالة الأنباء العربية (رويترز) وكانت تبث أنباءها باللغة الانجليزية فقط في ذلك الوقت- وتليفون واحد وموتوسيكل واحد، أي اننا كلنا نعتمد على امكانات محدودة للغاية، وكنت أؤمن بأن الجهد البشري هو العنصر الأساسي والفيصل في التحصيل.

كان يوم العمل يبدأ باستعراض التقارير والبرقيات الواردة من وزارات الخارجية والداخلية والمخابرات العامة والسفارات المصرية في الخارج. يضاف الى ذلك إنتاج وكالة الأنباء العربية، فقد كنا نحصل عليها من الإذاعة المصرية، أما باقي الوكالات الأجنبية مثل “يونايتد برس” و”اسوشيتد برس” لم نكن قد اشتركنا فيها بعد باعتبار ان التوجيه العام في البداية ان نبدأ من أول السلم ثم نتطور ونكبر واحدة واحدة، والصحافة الأجنبية التي كانت تمدنا بها مجموعة الصحافة في المخابرات العامة ثم بعد ذلك مصلحة الاستعلامات ووكالة أنباء الشرق الأوسط بعد إنشائها، وقد اقتضى ذلك الاستعانة بمترجمين سواء مقيمين في السكرتارية أو من مصلحة الاستعلامات. وفي الحقيقة فلقد كانت هذه فرصة لتوسيع مساحة العلاقات الشخصية مع هذه الجهات، مما كان له أثره في تيسير العمل وخلق نوع من التعامل بين هذه المؤسسات بروح الفريق على أسس علمية وانسانية.

وفي النهاية يتم استعراض رسائل المواطنين للرئيس، سواء من الداخل أو من الخارج، وخصوصاً تلك التي كانت تحوي معلومات أو آراء مؤيدة أو معارضة للنظام، بما فيها الشتائم والنكت ولا يخفى ان هذه الرسائل تعطي مؤشرات للرأي العام الى ان تشكلت وحدات لقياس الرأي العام، في وزارة الإعلام ومصلحة الاستعلامات على أسس علمية كانت تغطي كل الجمهورية.

وكانت كل هذه المواد يتم تصنيفها وتبويبها في شكل تقرير يومي ينقسم الى قسمين: الأول يحتوي على المعلومات السرية، والثاني يشمل المعلومات العلنية، ويتم في هذا التقرير تلخيص كل الموضوعات التي تتضمنها التقارير المختلفة، وتعرض منسوبة الى مصادرها الأصلية، وموضحاً عليها تواريخ تحريرها وتاريخ وصولها الى السكرتارية، ويعلق عليها بمقترحات استكمالها من مصادر أخرى أو انه جار استيضاح المزيد من مصادرها الأصلية أو إجراءات متابعتها، وان احتاجت المعلومة الى تحليل أو يمكن الاستفادة منها باستنتاجات تدون قرين المعلومة وهكذا.

وكان يتبع نفس الإجراء بالنسبة للمصادر العلنية، ورسائل المواطنين، ويدون أمام كل موضوع الإجراء الذي اتخذ حياله أو التوصية المقترحة أو الحلول التي يرى الرئيس ان يختار منها ما يراه مناسباً من وجهة نظره، سواء بالموافقة أو التعديل أو الرفض أو المزيد من المعلومات.

وتجدر الإشارة الى انني كنت قد فكرت في البداية في إصدار التقرير اليومي لسكرتارية الرئيس للمعلومات في شكل جريدة مصغرة تضم من أربع الى ست صفحات، ولكن صرف النظر عن هذه الفكرة للأسباب الآتية:

1- ان إصدار مثل هذه الجريدة قد يحدث تداخلاً بين ما هو سري وعلني وقد يترتب على ذلك إهدار عامل السرية.

2- ارتفاع التكلفة، وكان الخط العام هو تقليل الانفاق قدر الإمكان.

3- ان ثمة مسائل لا يجب ان تدرج في التقرير اليومي لسريتها العالية، والتي كان يقتضى إعدادها في شكل تقرير منفصل قد يكتب بخط اليد وليس على الآلة الكاتبة.. ويعني هذا ازدواجية في العمل وإهداراً للوقت.

في هذا الإطار بدأ العمل في سكرتارية المعلومات في أواخر شهر مارس سنة 1955 بثلاثة أفراد هم:

سامي شرف (سكرتير الرئيس للمعلومات)

هاشم مصطفى نجيب (آلة كاتبة وأرشيف)

محمد عبدالحميد السعيد (سكرتير خاص ومسؤول عن تجميع المصادر الصحافية العلنية).

وفي عام 1956 وفي منتصف يوليو، وقبيل زيارة الرئيس جمال عبدالناصر الرسمية ليوغسلافيا والتي صاحبته فيها، وقبيل العدوان الثلاثي، بدأ أول توسع في سكرتارية الرئيس للمعلومات حيث انتدب للعمل بها كل من:

عبدالرحمن عبداللطيف سالم، حسن فهمي الإمبابي، احمد فؤاد احمد علي، توفيق عبدالعزيز احمد، وزكريا حسني خليل.

وفي نفس الوقت كانت رئاسة الجمهورية قد أعيد تنظيمها من جديد، وتقرر إنشاء السكرتارية الصحافية للرئيس سنة ،1956 قبيل العدوان الثلاثي، وقد تولى رئاستها كمال الحناوي أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس رئاسة اتحاد الدول العربية وعضو مجلس الأمة السابق ولقد اتخذ الرئيس قرار إنشاء السكرتارية الصحافية كإجراء تنظيمي يكمل هياكل مؤسسة الرئاسة من ناحية، ومن ناحية أخرى لتكون مسؤولة عن النواحي الإعلامية المكتوبة والمسموعة وتنسقها تمهيداً للعرض على رئيس الجمهورية وتلقي تعليماته لإبلاغها لوسائل الإعلام المختلفة، علاوة على تنسيق الاتصال بوكالات الأنباء والصحافة والحصول على جميع الصحف والمجلات الأجنبية وتبويبها وتلخيصها وعرضها على الرئيس في شكل تقرير يومي او لحظي للأنباء العاجلة أو المهمة.

ومما يجدر الإشارة اليه ان الرئيس جمال عبدالناصر كان إعلامياً من الطراز الأول، يتابع بنفسه الإذاعات العالمية مثل الإذاعة البريطانية “بي بي سي” B.B.C وصوت أمريكا، وإذاعة “الشرق الأدنى” من قبرص التي كانت لسان حال الاستعمار البريطاني في المنطقة، وإذاعة”مصر الحرة” التي كان يتولى أمرها آل أبو الفتح بدعم من المخابرات الغربية وبعض الأنظمة العربية وكانت أساسا موجهة ضد مصر الثورة، وكذا إذاعة “اسرائيل” وصحافتها. وإن لم يتمكن من الاستماع بنفسه لهذه الإذاعات لسبب أو لآخر، لقد كان يحرص على الاطلاع على تقرير استماع كامل وغير مختصر لهذه الإذاعات التي كانت تعطيه المؤشرات الحقيقية لاتجاهات وسياسات الدول التي تتبعها نحو مصر والمنطقة كلها. وفي الوقت نفسه كان الرئيس عبدالناصر يعتبر الصحف اللبنانية بمثابة مرآة ونافذة على العالم الخارجي عربيا وعالميا الغرب بالذات وكان يهتم بكل ما تنشره هذه الصحف، المعادي منها قبل المؤيد لسياسة الثورة، وإذا ما تأخر وصول هذه الصحف، التي كان يحب أن يقرأها كما هي صادرة دون تلخيص او عمل قصاصات منها، كما يبدي ضيقه ويظل منتظرا وصولها ليطلع عليها. وكان ايضا يحب أن يقرأ صحف ومجلات أجنبية بالذات مثل “النيوز ويك” وال “التايم” و”النيويورك تايمز” و”الواشنطن بوست” من أمريكا، و”التايمز” و”الجارديان” و”الايكونوميست” البريطانية، علاوة على تلخيص باقي الصحف والمجلات العالمية الأخرى من فرنسا وايطاليا وألمانيا وغيرها، هذا بخلاف ملخصات النشرات والدوريات السياسية والاقتصادية والعسكرية ذات الأهمية.

وفي عام 1957 تم إلغاء السكرتارية الصحافية بسبب إصدار جريدة “الشعب” التي تولى مسؤوليتها كمال الحناوي وكمال الدين رفعت ولطفي واكد، وأيضا بسبب إنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط التي تولى رئاستها جلال الدين الحمامصي، ثم كمال الدين الحناوي. وقد أسندت مسؤوليات واختصاصات السكرتارية الصحافية الى سكرتير الرئيس للمعلومات باعتبارها المكمل للفرع العلني لهذه السكرتارية (5).

وفي اكتوبر/تشرين الاول 1956 تم استحداث فرع جديد في سكرتارية الرئيس للمعلومات باسم “المكتب الفني”، أشرف عليه منير حافظ، وعاونه: محمد رشدي العمري سيد عثمان رفعت مصطفى ابراهيم صلاح الدين محمود أحمد عبادي محمد عبدالله الشفقي الذي لم يستمر طويلا في العمل معنا، وعاد للعمل في مصلحة الاستعلامات مختار الحمزاوي الذي نجح بعد ذلك في امتحان وزارة الخارجية ووصل الى درجة السفير حسني أحمد السيد.

ثم أعقب ذلك فصل وتوزيع الاختصاصات داخل السكرتارية بحيث تشمل فروعاً ثلاثة رئيسية:

الأول: فرع الأمن:

يعنى بأمن رئاسة الجمهورية وتحركات رئيس الجمهورية، وكان يترأسه عزالدين عثمان ويعاونه محمد محمود عبدالكريم، ثم انضم اليهم محمد رشاد حسن، وهم من ضباط شرطة رئاسة الجمهورية الأكفاء الشرفاء.

الثاني: المكتب الفني:

ومهمته باختصار هي تجميع وتصنيف وتبويب وتلخيص وتوثيق المعلومات والتقارير والدراسات والتحليلات التي ترد الى السكرتارية من مختلف المصادر التي سبق ان أشرت اليها، ثم القيام بتجهيز التقرير اليومي الذي يعرض على الرئيس، بعد عرضه عليّ.

وقد كان منير حافظ ينوب عني في حالة غيابي عن المكتب لأي سبب.

تولى مسؤوليته المستشار محمد فهمي السيد من مجلس الدولة، وكان يعاونه مجموعة من المستشارين من الهيئة القضائية ومجلس الدولة، منهم على سبيل المثال المستشاران محمد ابونصير (وزير العدل فيما بعد) وعادل عبدالباقي (وزير الدولة فيما بعد)، وعلي كامل وعمر الشريف ومحمد كامل مازن ومحمد ابراهيم كامل (وزير الخارجية فيما بعد) وآخرون.

كانت اختصاصات هذا المكتب تتلخص في مراجعة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية قبل عرضها في مجلس الوزراء ومجلس الأمة أو مجلس قيادة الثورة قبل حله، كما كان يراجع المذكرات التفسيرية لهذه المشروعات، ويجري المشاورات بشأن هذه القوانين والقرارات مع جهات الاختصاص مثل مجلس الدولة ووزير العدل واللجنة التشريعية في مجلس الأمة، كما كان يراجع الأحكام في القضايا العسكرية قبل أن يصدق الرئيس عليها، باعتبار ان الرئيس هو الحاكم العسكري العام.

الثالث: أعمال سكرتارية إدارية وأرشيف.

وفي نهاية 1956 انضم الى سكرتارية المعلومات:

محمد فتحي سعد، كان مسؤولا عن تحصيل ايرادات خط السكة الحديدية من القاهرة الى غزة وبالعكس (6)، سامي أحمد سيد أحمد، عبدالحميد عوني، أحمد فؤاد عبدالرحمن، عبدالعزيز قابل، محمود نصر، حسين زايد، شعبان أحمد، محمد محمود الجوهري، محمد حسين، نبيل عبدالخالق، محمد مجدي زعفان.

وفي عام 1961 وقبل وقوع الانفصال بين مصر وسوريا بأيام، انضم لسكرتارية الرئيس للمعلومات كل من: أحمد ابوزيد المنياوي (7)، وأحمد رؤوف اسعد (8).

وكان الثلاثة من الضباط الأحرار وضمن ضباط الياوران في رئاسة الجمهورية، وكان واجبهم يقتصر على استلام بريد سكرتارية الرئيس للمعلومات من مقرها في مبنى الحكومة المركزية في مصر الجديدة، ويتولون وضعه على مكتب الرئيس في منشية البكري، وقد خصص لهم مكتب ضمن السكرتارية الخاصة لرئيس الجمهورية في منشية البكري لأسباب أمنية.




هوامش



(1) وكان في وقتها يُسمى “ديوان الموظفين” والسابق الإشارة إليه حول مساهمته الكبيرة في وضع الهيكل التنظيمي وآليات العمل في المخابرات العامة.





الخليج الإماراتية
29.9.2003

 

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US