Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

نص مبادرة روجرز وموقف مصر منها

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 29 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة 29


بادر الرئيس جمال عبدالناصر بتكليف محمود رياض بإرسال مذكرة إلى مجلس الأمن جاء فيها ما يثبت امتناع “إسرائيل” عن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وبصفة خاصة القرار ،242 كما أوضحت النوايا التوسعية وآخرها ما صرحت به جولدا مائير أمام الكنيست “الإسرائيلي” في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1968 حيث أعلنت:

“إننا عندما نقول ان حدودنا الآمنة هي نهر الأردن، فإننا نعني أنه عند توقيع اتفاقية سلام فلن تعبر هذه الحدود أي قوات أجنبية، بل حتى بعد توقيع اتفاقية سلام لن توجد أي قوات أردنية أو عربية غرب نهر الأردن في ظل أي تسوية سلمية”. كما أعلن ليفي أشكول رئيس وزراء “إسرائيل” في التاسع من فبراير/ شباط 1969: “إن “إسرائيل” لن تتخلى عن الجولان”.

وبناء على هذا قام مبعوث الأمم المتحدة جونار يارينج في مارس/ آذار 1969 بتوجيه ورقة أسئلة لكل من مصر والأردن و”إسرائيل” وهي تدور حول الموافقة على تنفيذ بنود القرار 242 وقد ردت القاهرة وعمان بالإيجاب في 24 مارس/ آذار ،1969 لكن “إسرائيل” ردت بالسلب في الثاني من إبريل/ نيسان 1969.

ولقد كان السؤال الموجه إلى “إسرائيل” على وجه التحديد هو:

“هل توافق “إسرائيل” على سحب قواتها من أرض الأردن التي احتلتها في نزاعها الأخير؟

وكانت إجابة “إسرائيل” “أنه عندما يتم الاتفاق وتقرر الحدود الآمنة سيتم سحب القوات من الحدود”.

وفى رد “إسرائيل” على مفهومها للحدود الآمنة أجابت: “إنه لا توجد حتى الآن حدود آمنة ومعترف بها بين “إسرائيل” والدول العربية”.

وهكذا أصبح واضحا أمام الدول الكبرى أن “إسرائيل” ترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة أو الانسحاب من الأراضي التي احتلتها.

ولتحريك الموقف تقدمت فرنسا في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 1969 بورقة عمل تشمل اقتراحات تسوية بين الأردن و”إسرائيل” باعتبار أن سيناء لم تكن مشكلة أمام انسحاب “إسرائيل” منها، ولكن المشكلة كانت في الأردن التي كانت “إسرائيل” تتمسك باعتبار نهر الأردن هو الحد الآمن، ورأت فرنسا أن تقترح الانسحاب الكامل ل “إسرائيل” مع وجود قوات دولية في المناطق التي يتم الانسحاب منها على أن يتم الانسحاب على مرحلتين وفي هذه الحالة ستعتبر خطوط الهدنة هي خط الحدود لتطبيق مبدأ عدم اكتساب أراض عن طريق القوة.

وفي مواجهة المشروع الفرنسي هذا، تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية باقتراح في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الاول 1969 أقرت فيه باعتبار الحدود الآمنة مقاربة لخط الهدنة سنة 1949 باستثناء القدس باعتبارها حالة خاصة وضرورة بقائها مدينة موحدة وهو موقف لم تتمسك به واشنطن إطلاقا إنما اقترحته كمناورة قبل اجتماع القمة العربية في الرباط لتهدئة العرب أو على الأصح قادة عرب معروفين، ومن ناحية أخرى كمحاولة للتمشي مع المشروع الفرنسي الذي كانت باقي الدول الكبرى تؤيد خطوطه العريضة.

وفى الثلاثين من ديسمبر 1969 اجتمع مندوبو الدول الأربع الكبرى في نيويورك، وكان موقف الولايات المتحدة الأمريكية المعلن بالنسبة للحدود وعلى ضوء المشاريع التي قدمتها لكل من القاهرة وعمان كالآتي:

بالنسبة للقاهرة:

الحدود الدولية لمصر هي الحدود الآمنة مع “إسرائيل”.

عدم عودة غزة للإدارة المصرية وتدخل في نطاق المباحثات مع الأردن.

عدم عودة شرم الشيخ للسيطرة المصرية، مع عدم استبعاد وضعها تحت إشراف قوات دولية.

بالنسبة لعمان:

تصبح خطوط الهدنة سنة 1949 هي خطوط الحدود بين “إسرائيل” والأردن مع إجراء تعديلات غير جوهرية.

بقاء القدس مدينة موحدة.

واقترحت واشنطن اتباع أسلوب رودس في المفاوضات بدلا من المفاوضات المباشرة.

واتفقت كل من القاهرة وعمان على رأي موحد ملخصه:

الإبقاء على الحوار مع واشنطن وعدم إغلاق الباب.

عدم رفض المشروع.

يتقدم الأردن بملاحظاته ويطلب من واشنطن تفسير النقاط الغامضة خاصة بالنسبة للانسحاب، مع التأكيد على أهمية الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة ومنها الأراضي السورية.

وقد قبر هذا المشروع عندما رفضت “إسرائيل” كل بنوده.

واستمرت واشنطن في سياستها برفضها الاعتراف بالعدوان “الإسرائيلي” واستمرارها في إمداد “إسرائيل” بالأسلحة المتطورة مع عدم قبولها بمبدأ الانسحاب الكامل، وترى أن مصير غزة وشرم الشيخ مرتبط بالقرار “الإسرائيلي”، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت ملتزمة بمراعاة ما تقبله “إسرائيل”. ومن الغريب أن واشنطن تقدمت للقاهرة بمذكرة في أوائل فبراير/ شباط 1970 سبق أن أشرت إليها والتى جاء فيها أنها لا تعلم ما إذا كانت تستطيع أن تصل مع “إسرائيل” لمحادثات على أساس الوثيقتين الأمريكيتين من عدمه.

ودارت الأمور بعد ذلك في حلقات مفرغة إلى أن تيقن الكل من استحالة الاتفاق الرباعي، وأصبح الموقف كالآتي:

تزايد الشعور المعادي لأمريكا في الوطن العربي.

قيام الثورة في السودان في مايو/ ايار 1970 ثم ثورة الفاتح من سبتمبر/ ايلول 1969 في ليبيا بما يحقق دعماً وعمقاً استراتيجياً جديداً وكبيراً للمعركة.

مصر تواصل حرب الاستنزاف بنجاح وبتصميم على مواصلة القتال من أجل تحرير الأرض.

تعاون وثيق بين القاهرة ودمشق توج بتوقيع اتفاق عسكري في أغسطس/ آب 1969 وانبثقت عنه قيادة سياسية للمعركة مشكلة من رئيسي الدولتين وعضوية وزراء الدفاع والخارجية في البلدين.

تدفق الأسلحة السوفييتية على مصر وهو ما تراه واشنطن تزايداً للوجود السوفييتي في المنطقة، الأمر الذي سبب الإزعاج للولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها.

تيقن الرئيس جمال عبدالناصر من أن تحرير الأرض لن يتم عن طريق الأمم المتحدة، بل إن الطريق الوحيد لاسترداد الأرض العربية المحتلة هو القوة المسلحة وأن ما أخذ بالقوة لن يسترد بغيرها، ولكن علينا في الوقت نفسه ولإعطاء أنفسنا فرصة للاستعداد، أن نطرق الوسائل السلمية لنثبت للعالم حقيقة نوايا “إسرائيل” التوسعية وهذا ما تقرر فعلا في اجتماعات مجلس الدفاع العربي الذي قرر فشل الحلول السلمية نتيجة لتعنت “إسرائيل” وما تلقاه من دعم أمريكي مادي وعسكري وسياسي، وقرر المجلس الدعوة لعقد مؤتمر قمة عربي يعقد في الرباط في العشرين من ديسمبر/ كانون الاول 1969 من أجل تحقيق قومية المعركة واشتراك جميع الدول العربية فيها.

وكان لإعلان فشل الحل السلمي هذا أثره في الإدارة الأمريكية التي سارعت بتقديم مقترحات بغرض إقناع الدول العربية بعدم إغلاق الباب أمام التسوية الشاملة ولعدم اتخاذ مواقف تسيء للمصالح الأمريكية الواسعة في العالم العربي كذلك.

ولكن في الوقت نفسه تولى هنري كيسنجر مسؤولية الأمن القومي في البيت الأبيض، وعمل منذ اللحظة الأولى على تجميد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي نادى بها ويليام روجرز ونجح في إقناع ريتشارد نيكسون بتبني وجهة النظر “الإسرائيلية” مع عدم الضغط على تل أبيب.

وتحضرني في هذا المجال واقعة تدل على الانتهازية السياسية وسوء نوايا هنري كيسنجر فقد طلب مقابلة محمود رياض وزير خارجية مصر أثناء وجوده في نيويورك خلال شهر أكتوبر/ تشرين الاول 1969 على أن تتم المقابلة سرا ولا يعرف بها سوى الرئيس الأمريكي نيكسون فقط ومن دون علم وزير الخارجية الأمريكي روجرز، وهكذا كان هناك صراع يدور على أعلى مستوى في أكبر دولة في العالم ووزير الخارجية في أمريكا يعتبر في منزلة رئيس الوزراء. فكيف تثق الدول في ثبات السياسة الأمريكية واحترامها لتعهداتها. وكان محور اللقاء يدور حول الحل المنفرد بين مصر و”إسرائيل” الذي أصبح الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية والذي كان في الوقت نفسه موضع رفض كامل من القاهرة، وغير مقبول مناقشته أصلا.

وبعد توقف الجهود الرباعية كانت القوات المسلحة المصرية قد وصلت إلى حد الحرب الحقيقية مع “إسرائيل” فقد كانت القوات الجوية المصرية تضرب في عمق سيناء، وكانت المدفعية المصرية تكاد تشل حركة القوات “الإسرائيلية”، كما كانت القوات الخاصة تعبر قناة السويس بصفة مستمرة ووصلت إلى مستوى راق من حيث النوع والكم والأداء والقدرة القتالية التي لم يسبق لها مثيل في العمليات الخاصة، والشيء نفسه بالنسبة لباقي وحدات الدفاع الجوي والقوات البرية.

وفي عيد العمال في الأول من مايو/ ايار 1970 وجه جمال عبدالناصر خطابا مفتوحا إلى نيكسون يطلب منه أحد موقفين:

إما أن يضغط على “إسرائيل” كي تنسحب من كل الأراضي العربية المحتلة.

وإما أن يوقف شحن الأسلحة ل “إسرائيل”.

وإلا فإن الولايات المتحدة الأمريكية تكون بذلك شريكا في احتلال الأراضي العربية باعتبار دعمها للعدوان الدائم والمستمر منذ يونيو/ حزيران 1967.

وردت الإدارة الأمريكية بمجموعة مبادئ لتسوية سلمية يتم تنفيذها في ظل وقف لإطلاق النيران مع تكليف مبعوث الأمم المتحدة بالاتصال بالأطراف المعنية (مصر و”إسرائيل”).

وقد قبل الرئيس جمال عبدالناصر بهذه المبادئ على أساس منح التسوية السلمية حقها وهو واثق أن فرصتها لا تتعدى النصف في المائة فقط، واختبار للنوايا وفي هذا كسب للرأي العام العالمي ومن ناحية أخرى وهي الأهم أخذ فرصة للاستعداد لمرحلة قتالية سبق إعدادها كحرب شاملة ضد “إسرائيل” لتحرير سيناء كاملة وبالتعاون مع القوات السورية في الوقت نفسه لتحرير الجولان وذلك في توقيت لا يتأخر عن ربيع عام 1971.

وعلى الطرف الآخر والأهم فقد بدأت في هذه المرحلة قوة صاعدة مشتركة من القوات الجوية المصرية والدفاع الجوي المصري في إسقاط أعداد من الطائرات الفانتوم الحديثة والسكاي هوك، وفي الأسبوع الأول من شهر يوليو/ تموز 1970 أسقطت ثلاث عشرة طائرة “إسرائيلية” وتم أسر خمسة من الطيارين مما ترتب عليه أن قامت “إسرائيل” بإبلاغ واشنطن بأن سلاح الطيران “الإسرائيلي” بدأ يتآكل!

ولقد أدى التصعيد الناجح للعمليات العسكرية المصرية ضد “إسرائيل” إلى تعبئة الجماهير العربية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ومما زاد في هذا الشعور المعادي ما ترتب عن الأضرار التي أصابت المدنيين في غارات “إسرائيل” على العمق المصري.

ووجد الرئيس الأمريكي نفسه أمام موقف صعب، فهو يريد من جهة أن يحسن علاقاته مع الدول العربية لتفادي تهديد مصالح بلاده، ومن ناحية أخرى كان حريصا على تبني السياسة “الإسرائيلية”، وعندما حاول الاقتراب من المطالب العربية العادلة وجد نفسه مضطرا للتراجع تحت الضغط الصهيوني.

وقرر الرئيس نيكسون أن يتحرك استجابة لنداء الرئيس جمال عبدالناصر الذي أعلنه في أول مايو،1970 فامتنعت واشنطن في هذه المرحلة عن البت في مطالب “إسرائيل” بالحصول على صفقات جديدة من الطائرات، وإن كانت قد استمرت في تسليم “إسرائيل” الطائرات التي سبق التعاقد عليها بمعرفة الرئيس جونسون، ثم بعث ويليام روجرز وزير الخارجية الأمريكي في العشرين من يونيو1970 برسالة إلى وزير الخارجية محمود رياض، فيما يلي نصها:

“عزيزى السيد وزير الخارجية :

لقد اطلعت بعناية على تصريح الرئيس جمال عبدالناصر بتاريخ أول مايو، وما أدليتم به من ملاحظات بعد ذلك بعد ذلك الى بيرجس، كما قدم لي المستر سيسكو تقريرا كاملا عن الأحاديث التي أجراها مع الرئيس ناصر ومعكم، وقد قمنا بالتفكير جديا فيما يمكن عمله بالنسبة للوضع في الشرق الأوسط.

إنني أقر بأن الوضع قد بلغ نقطة خطيرة، وأعتقد أن من مصلحتنا المشتركة أن تحتفظ الولايات المتحدة وتنمي علاقات صداقة مع كل شعوب ودول المنطقة، ونأمل في تبين أن ذلك يمكن تحقيقه ونحن على استعداد للقيام بدورنا، وإننا ننظر إلى الأطراف الأخرى المعنية، وبصفة خاصة لحكومتكم التي يقع عليها دور بالغ الأهمية، وعلى أمل أن تتحرك معنا لانتهاز هذه الفرصة، فإذا ضاعت هذه الفرصة فإننا سنعاني جميعا من النتائج وسنشعر حقا بالأسف على ذلك. ومن خلال هذه الروح فإنني أناشد حكومتكم أن تدرس بكل عناية الأفكار التي سوف أعرضها فيما يلي:

إننا نهتم بالغ الاهتمام بالسلام الدائم، ونود أن نساعد الأطراف المعنية للتوصل إلى هذا السلام.

لقد قدمنا مقترحات جدية وعملية من أجل ذلك، كما قدمنا النصح لكل الأطراف بالحاجة إلى قبول حل وسط ولضرورة خلق الجو الذي يصبح السلام فيه ممكنا، ونقصد بهذه النقطة الأخيرة تقليل حدة التوتر من ناحية وتوضيح المواقف من ناحية أخرى حتى تتوافر للعرب ول “الإسرائيليين” بعض الثقة من أن ما سيتم الانتهاء إليه سوف يحفظ لهم مصالحهم الأساسية.

وفى رأينا أن الوسيلة الأكثر فعالية للتوصل إلى تسوية تكون بأن تبدأ الأطراف في العمل تحت إشراف السفير يارينج للتوصل إلى الخطوات التفصيلية اللازمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242.

وزير خارجية “إسرائيل” أبا إيبان قال أخيرا ان “إسرائيل” على استعداد لتقديم تنازلات عندما تبدأ المباحثات، وفي الوقت نفسه فإن المشاركة المصرية في مثل هذه المحادثات ستؤدي بدرجة كبيرة إلى التغلب على التشكك “الإسرائيلي” في أن حكومتكم تسعى بالفعل للتوصل إلى سلام معها.

إنني أدرك المشاكل التي تواجهكم بالنسبة للمفاوضات المباشرة، وقد أوضحنا منذ البداية أننا لا نقترح وضع مثل هذه الترتيبات موضع التنفيذ منذ البداية، وإن كنا نعتقد ويتوقف ذلك على التقدم الذي يحرز في المناقشات أن الأطراف سيجدون أنه من الضروري أن يتقابلوا في مرحلة ما إذا كان السلام سيسود بينهم.

قام بتسليم رسالة روجرز أو المشروع لوزارة الخارجية المصرية دونالد بيرجس المشرف على رعاية المصالح الأمريكية في القاهرة إلى السفير صلاح جوهر وكيل وزارة الخارجية المصرية في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم 20 يونيو ،1970 حيث كان وزير الخارجية محمود رياض مصاحبا الرئيس جمال عبدالناصر في زيارة رسمية إلى ليبيا في ذلك الوقت، وقد قمت بإرسال نص الرسالة التي كانت تحوي المبادرة وكذا مذكرة التفسيرات الملحقة بالرسالة والمذكرة الخاصة بالفلسطينيين إلى الرئيس عبدالناصر في طرابلس (ليبيا) بصحبة حامل حقيبة خاص فور استلامها. وقد درست هذه الرسالة والمذكرة الملحقة بها هناك كما درست في موسكو بين الرئيس والقادة السوفييت ثم نوقشت في اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي في القاهرة الذي سيرد نص محضر اجتماعها في السطور التالية، والتي تقرر فيه عرض هذه المبادرة على المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي لاتخاذ قراره بشأنها.

وفي الوقت نفسه سلم دونالد بيرجس للسفير صلاح جوهر تفسيرات للرسالة التي سلمها له من وزير الخارجية الأمريكي وتضمنت التفسيرات النقاط التالية:

إن إيقاف إطلاق النار يشمل الأرض والجو، بحيث تمتنع كل من الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفييتي عن تغيير الوضع العسكري القائم في منطقة غرب قناة السويس بمعنى أن لا توضع فيها صواريخ أرض / جو، أو أي منشآت عسكرية جديدة أي عدم السماح للصواريخ المصرية بالتحرك شمالا في منطقة القناة، على أن تلتزم “إسرائيل” التزاما مماثلا في منطقة مماثلة شرق القناة.

أن تضع الجمهورية العربية المتحدة في اعتبارها أن الولايات المتحدة الأمريكية تطلب بناء على هذا المشروع من “إسرائيل” تنازلات سياسية مهمة وخاصة فيما يتعلق بالآتي:

أ- بموافقتها على الدخول في مفاوضات غير مباشرة.

ب- وموافقتها على مبدأ الانسحاب قبل المفاوضات، إدراكا من الولايات المتحدة الأمريكية بأن لا انسحاب من دون سلام، ولا سلام من دون انسحاب.

بالنسبة لطلب “إسرائيل” المزيد من الطائرات الأمريكية فقد قررت الولايات المتحدة الأمريكية ألا تتخطى الحد الذي تعهدت به في العقود المبرمة أصلا مع “إسرائيل” فقط وذلك خلال الفترة التي تبحث فيها مبادرة السلام الأمريكية، أي لا تتعدى تسليم الطائرات الفانتوم الخمسين المتعاقد عليها سنة ،1968 والمائة طائرة سكاي هوك المتعاقد عليها سنة 1969.

وأضاف عن هذه النقطة تحذيرا من واشنطن في حال رفض مصر للمبادرة أو عدم احترام وقف إطلاق النار بأن حكومته قد أعدت في الوقت نفسه ترتيبات احتياطية تسمح بتعويض “إسرائيل” مستقبلا عما تفقده من طائرات لو تطلب الموقف ذلك، وعبر عن رجائه أن تبقى هذه النقطة غير معلنة لأن بلاده لا ترغب في الوقت الحاضر مناقشة موضوع مساعداتها العسكرية ل “إسرائيل” بشكل علني.

إن حكومته تتقدم بهذه المبادرة مباشرة إلى الجمهورية العربية المتحدة رغبة منها في تلافي أي سوء فهم إذا ما تم نقلها بواسطة طرف آخر ( المقصود به الاتحاد السوفييتي).

ثم قدم دونالد بيرجس بعد ذلك للسفير صلاح جوهر مذكرة مكتوبة بخصوص الفلسطينيين ورأي الإدارة الأمريكية بشأنهم في إطار المبادرة المقترحة وكان نص هذه المذكرة باللغة الإنجليزية كما يلي:

كانت الرسالة تتضمن لأول مرة موقفا أمريكيا لا ينطوي على انحياز كامل وتقليدي ل “إسرائيل”، خاصة في ضوء النص على النقاط التالية:

أن تتعهد الجمهورية العربية المتحدة و”إسرائيل” بإيقاف إطلاق النار لمدة محدودة.

أن تتعهد كل من الجمهورية العربية المتحدة و”إسرائيل” بإخطار الأمم المتحدة بالموافقة على ما يلي:

أ- الموافقة على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بكل أجزائه، وتعيين ممثلين عنهما في المناقشات التي ستدور تحت إشراف ممثل الأمم المتحدة جونار يارينج.

ب- الموافقة على أن الهدف من المناقشات هو التوصل إلى اتفاق على إقامة سلام عادل ودائم يقوم على:

(1)- الاعتراف المتبادل بين كل من الجمهورية العربية المتحدة و”إسرائيل” (وبين الأردن و”إسرائيل”) بحق كل منهما في السيادة والاستقلال السياسي.

(2) الانسحاب “الإسرائيلي” من أراض احتلت في نزاع 1967 بما يتمشى مع القرار242 كما بعثت الخارجية الأمريكية برسالة توضيحية وتأكيدات إضافية في مذكرة أخرى تتضمن عدة نقاط أهمها:

(أ) إن وقف إطلاق النار يعني وقف كل النيران في الأرض والجو، وعدم تغيير الواقع العسكري في منطقة يتفق عليها غرب قناة السويس ومنطقة مماثلة شرق قناة السويس (تم الاتفاق على أن تمتد لمسافة خمسين كيلومتراً شرق وغرب قناة السويس).

ثم بعثت واشنطن بإضافة شفوية بعد هذه الرسالة بناء على استفسارات من القاهرة جاء فيها:

“إن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بأن الفلسطينيين يمثلون طرفا مهما يجب أن تؤخذ اهتماماته في الحسبان عند أية تسوية”.

وبذلك فقد عادت واشنطن إلى التفسير السليم للقرار 242 باعتباره يتضمن حلا للمشكلة وليس مجرد مبادئ يتم التفاوض بشأنها، كما عدلت عن تبني الرأي “الإسرائيلي” الذي ينادي بالإصرار على إجراء مفاوضات مباشرة ونبذ محاولة الحل المنفرد مع مصر.

جاء هذا التحول في الموقف الأمريكي نتيجة تأكد واشنطن بطريقة لا تقبل الشك أن الجمهورية العربية المتحدة جادة في تحرير الأرض العربية المحتلة بالقوة المسلحة، علاوة على أن الوجود العسكري السوفييتي كان تحذيرا كافيا ببداية انقلاب موازين القوى في المنطقة فلأول مرة في تاريخ الاتحاد السوفييتي يقوم بإرسال طيارين مقاتلين لدولة غير شيوعية خاصة بعد أن تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أرسلت طيارين إلى “إسرائيل” يحملون جنسية مزدوجة واشتركوا في الغارات على مصر وتم أسرهم بعد إسقاط طائراتهم.

أصبح واضحا أن العامل الأساسي الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتحرك بسياسة متوازنة هو في الدرجة الأولى في المحافظة على المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة بعد الأخطار المتزايدة ضدها نتيجة تصاعد حرب الاستنزاف من ناحية، ومن ناحية أخرى فعالية التنسيق العسكري بين دول المواجهة الذي استند على دعم عربي لهذه الدول، ومن ناحية ثالثة للندّية التي تعاملت بها القاهرة مع الإنذار الأمريكي (إنذار فبراير 1970) الذي لوّح بمزيد من التصعيد العسكري “الإسرائيلي” في غارات العمق ضد المنشآت الاقتصادية لم يؤد إلى نتيجة بل لقد قرر الرئيس جمال عبدالناصر رفض هذا الإنذار وتحداه باتخاذ قرار بتصعيد عسكري وإعلامي، مما جعل الموقف يتحول ضد هذه المناورات السياسية “الإسرائيلية” الأمريكية.

كان الموقف كما قدره الرئيس عبدالناصر وأملاه عليّ في ذلك الوقت كما يلي:

مبادرة أمريكية تبدو متوازنة وإن كانت تحتاج لدراسة متعمقة للوصول إلى قرار حول مدى جديتها ومدى قدرة واشنطن على تنفيذها إزاء “إسرائيل”.

تأثير قبول هذه المبادرة على أوضاعنا العسكرية في جبهة القتال النشيطة في ذلك الوقت خصوصا إذا طلب من القوات المسلحة إيقاف إطلاق النار، وأثر ذلك في المعنويات المرتفعة، ثم العودة إلى القتال من جديد في حالة فشل هذه المبادرة.

ماذا عن حائط الصواريخ لتقوية وتدعيم الدفاع الجوي في منطقة قناة السويس، وبالتالي على العمق المصري حيث أن إيقاف إطلاق النار سيترتب عليه استكمال المواقع التبادلية والاحتياطية المطلوب إنشاؤها في منطقة القناة وغيرها مما يتيح لهذه الصواريخ تغطية عملية العبور لقواتنا المسلحة لتحرير الأرض.





مقترحات روجرز



ومع مراعاة هذه الأفكار، فإن الولايات المتحدة تتقدم بالمقترحات التالية لتقوم الجمهورية العربية المتحدة بدراستها:

* أن توافق كل من “إسرائيل” والجمهورية العربية المتحدة على العودة إلى وقف إطلاق النار ولو لفترة محدودة.

* أن توافق “إسرائيل” والجمهورية العربية المتحدة (و”إسرائيل” والأردن أيضا)، على التصريح التالي على أساس أن يصدره السفير جونار يارينج في شكل تقرير إلى السكرتير العام يوثانت:

“أبلغتني الجمهورية العربية المتحدة (والأردن) و”إسرائيل” أنها توافق على:

أ- إنه بعد أن قبلت وأبدت رغبتها في تنفيذ “ carry out” القرار 242 بكل أجزائه فإنها سوف تعين ممثلين لها في المناقشات التي تعقد تحت إشرافي طبقا للإجراءات والمكان والزمان الذي قد أوصي به، مع الأخذ في الاعتبار كلما كان ذلك مناسبا ما يفضله الأطراف بالنسبة لأسلوب الإجراءات وبالنسبة للتجارب السابقة بينهم.

ب - إن الهدف من المناقشات المشار إليها أعلاه هو التوصل إلى اتفاق حول إقامة السلام العادل والدائم بينهم مستندا إلى:

(1) الإقرار المتبادل من الجمهورية العربية المتحدة (والأردن) و”إسرائيل” للسيادة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي للطرف الآخر.

(2) الانسحاب “الإسرائيلي” من أراض “from territories” احتلت خلال نزاع عام ،1967 وذلك طبقا للقرار 242.

ج - وإنه لتسهيل مهمتي للعمل من أجل التوصل إلى اتفاق كما تضمن القرار 242 فإن الأطراف ستحترم بكل دقة ابتداء من أول يوليو حتى أول أكتوبر على الأقل قرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار نص تصريح الأمين العام المقترح .

إننا نأمل أن يلقى هذا الاقتراح قبولا من الجمهورية العربية المتحدة، كما نأمل في الحصول على موافقة “إسرائيل”، وإلى حين ذلك فإنني واثق أنكم تشاركونني الرأي لبذل كل الجهود من أجل الاحتفاظ بسرية هذه المقترحات حتى لتؤثر في احتمالات قبولها.

وإنني أوجه رسالة مماثلة إلى الوزير الرفاعي (وزير خارجية الأردن)، وآمل أن أتلقى ردكم في أقرب فرصة”.



مع أطيب التمنيات

المخلص ويليام ب. روجرز






الخليج الإماراتية
2.11.2003"

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US