Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 27 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة 27



كانت الولايات المتحدة الأمريكية قبل عدوان 5يونيو1967 تحمي الكيان الصهيوني، ولكنها من يونيو ،1967 أصبحت تساعد العدوان وتدعم التوسع “الإسرائيلي” بل وتحميه أيضا

الذي حدث بعد يونيو 1967 وباختصار شديد أن السياسة الأمريكية أدت إلى المزيد من النفوذ السوفييتي في المنطقة لأننا إزاء المساعدات غير المحدودة عسكريا ل “إسرائيل” أصبحت الدول العربية في حاجة إلى التسليح لإعادة بناء قواتها المسلحة حتى تتمكن من استرداد أراضيها المغتصبة، ومع تزايد المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية ل “إسرائيل” لتحول دون وصول القوات العربية المسلحة إلى قدراتها العسكرية التي تمكنها من تحرير الأرض مما كان يدفع العرب باستمرار لطلب المزيد من المساعدات السوفيتية، بل تطورت الأوضاع عندما هددت الطائرات الأمريكية التي قدمتها واشنطن لتل أبيب الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية في عمق مصر، إلى طلب اشتراك وحدات عسكرية من قوات الدفاع الجوي السوفييتي المجهزة بصواريخ “سام 3” بالإضافة إلى اشتراك طيارين سوفييت لحماية العمق المصري، ولم يتردد الاتحاد السوفييتي في تلبية طلب مصر، ولسوف أتناول هذا الأمر المهم من العلاقات المصرية السوفيتية بالتفصيل لاحقا.

لكن الشيء المحير حقيقة، هو أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية كان متناقضا، فهي من ناحية تنفق مئات الألوف من الملايين من الدولارات لوقف ما يسمى بالتغلغل السوفييتي في العالم، أما في الشرق الأوسط فقد كانت السياسة الأمريكية تدفع بدول هذه المنطقة الحساسة والخطرة إلى طلب المزيد من الوجود السوفييتي، ولا يفسر هذه السياسة إلا شيء واحد هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن يهمها من قريب أو بعيد أماني واعتبارات شعوب الأمة العربية بل كانت تعمل على ما يرغم هذه الأمة على السير في ركاب سياستها مهما كلفها ذلك دون أي اعتبار لمال تنفقه في مساندة “إسرائيل” ما دام ذلك يحقق مخططاتها.

وقد تجسد المخطط الأمريكي في النقاط الرئيسية التالية:

* تواطؤ واشنطن مع تل ابيب في عدوانها على الدول العربية.

* عرقلة إصدار أي قرار من المنظمات الدولية المجتمع الدولي يدين العدوان “الإسرائيلي”، وحتى بعد صدور القرار242 بعد مماطلات مقصودة سبق أن شرحناها، فقد عمدت إلى عرقلة تنفيذه.

* دعم العدوان “الإسرائيلي” على أرض فلسطين العربية وعلى الأمة العربية سواء في لبنان أو بغداد أو تونس فيما بعد باعتبار أن العرب مهزومون.

* دعم “إسرائيل” في قرارها باتخاذ الإجراءات التمهيدية لضم الضفة الغربية والجولان وغيرها.

كل هذه العناصر لها معنى واحد فقط هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر شريكا أصيلا ل “إسرائيل” في كل ما تقوم به.

لكننا كنا مصرين على المقاومة وعدم الاستسلام بسبب معركة خسرناها وصممنا على مواصلة القتال حتى نحرر أرضنا العربية كلها.

وبعد صدور القرار 242 قال الرئيس جمال عبد الناصر: “إننا نعرف منذ البداية أننا نحن الذين سنحرر أرضنا بقوة السلاح، وهي اللغة الوحيدة التي تفهمها “إسرائيل”، وأن الأمريكان و”إسرائيل” يعرفون جيدا أننا لم نهزم في الحرب ما دمنا لم نتفاوض مع “إسرائيل” ولم نوقع معها صلحا ولم نقبل تصفية القضية الفلسطينية”.

وبعد صدور القرار 242 حاولت الأمم المتحدة تنفيذه، لكن “إسرائيل” كانت تضع العراقيل باعتبار أن القرار هو مجرد جدول أعمال يجب التفاوض بشأنه، وأيدتها واشنطن في وجهة نظرها هذه متجاهلة أنها أيدت من قبل أن القرار للتنفيذ وليس للتفاوض، وبعد أن اطمأنت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الدول العربية ستنفذ القرار قامت بتأييد مناورات “إسرائيل” للتحلل من الالتزام الرئيسي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وكان رفض القاهرة للمفاوضات المباشرة والوقوع في هذه “الخيّة” يرجع إلى أن التفاوض بين الطرفين سيتم في ظل احتلال عسكري “إسرائيلي” للأراضي العربية تم بعد خسارة معركة عسكرية، وأن هذه المفاوضات لن تنجح لأننا نرفض التفاوض من منطلق نادت به “إسرائيل” هو أن هزيمة العرب هزيمة نهائية.

المهم أن “إسرائيل” ظلت ترفض وبتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ القرار ،242 وبدأت واشنطن من جديد تلعب من خلف الستار بالاتصال بالملك حسين في عمان وإبلاغه بأنهم يرون عدم التمسك بعبارة “أن الأطراف مستعدة لتنفيذ القرار” من صيغة اقتراح قدم للأمم المتحدة بخصوص تنفيذ القرار،242 وطلب واشنطن رفع هذه العبارة من التوصية يعني شيئا واحدا هو رفض “إسرائيل” تنفيذ القرار،242 وأن واشنطن تؤيدها وتدعمها في هذا الرفض.

وهنا لا يمكن أن نغفل بأي حال تطور العلاقات المصرية السوفيتية في هذه المرحلة الحساسة ولا أجد أقوى ولا أدل على أهميتها سوى الاستشهاد بجزء من محضر لقاء تم في الاتحاد السوفييتي بين الرئيس جمال عبد الناصر والقادة السوفييت خلال شهر يوليو 1968جاء فيه ما نصه:

“الرئيس عبد الناصر: إنكم معنا في الهزيمة، سواء كنتم تريدون أو لا تريدون، سواء كان لكم دخل فيها أو لم يكن لكم دخل، لقد كنا نحن الطرف الأقرب إليكم في المعركة وكنا نحمل سلاحكم سواء أحسنا استخدامه أو أسأنا، ومهما قلتم أو قال غيركم فإن هزيمتنا في جزء منها هزيمة لكم، ومهما كان أو يكون فإن هذه الهزيمة هزيمة لسلاحكم.

إن العلاقات بيننا وبينكم لم تكن طريقا من جانب واحد، ونحن لم نكن عالة عليكم، وإذا كان ذلك ظن أحد عندكم فنحن على استعداد لقفل الموضوع كله ونظل أصدقاء ونعود إلى بلادنا عارفين أن المستقبل للولايات المتحدة الأمريكية وللذين يتعاونون معها.

هذا أسهل الحلول وأما أصعبها فهو أن نواصل ما نفعله الآن لمقاومة الاستعمار والسيطرة الأجنبية.

إننا لم نختر الطريق السهل أو أسهل الحلول وإنما أخذنا الصعب منها وكان ذلك ما أملته علينا مبادئنا ولكني أريد أن أقول لكم إن الاتحاد السوفييتي حقق لنفسه فوائد ضخمة من مواقفنا، إن خلافنا الأول مع أمريكا كان بسبب الأحلاف العسكرية، ونحن رفضناها حرصا على استقلال بلادنا، ولو كنا قبلناها لأدى ذلك إلى تطويقكم ومحاصرتكم من حلف جنوب شرق آسيا وحلف بغداد وحلف الأطلنطي، إن سياستنا المستقلة فتحت لكم أبواب البحر الأبيض والبحر الأحمر إلى المحيط الهندي، وكنتم من قبل ذلك محبوسين في البحر الأسود.

أنتم أيضا بسياستنا المستقلة استطعتم الوصول إلى إفريقيا. إن فوائد ذلك كله لم تكن استراتيجية فقط ولكن كانت سياسية ومعنوية وتجارية كذلك.

وأنا لا أقصد أي إساءة إذا قلت بأمانة إن الاتحاد السوفييتي تمكن من بلوغ مرحلة القوة العظمى الثانية في العالم بسياساته في الشرق الأوسط وليس بسياساته في أي منطقة أخرى غيره.

وهذا كله معرض الآن للخطر إذا سمحنا للولايات المتحدة الأمريكية أو ل “إسرائيل” بسياسة فرض الأمر الواقع بعد عدوان 1967.

وأحب أن ألفت نظركم لنقطتين أساسيتين هما:

الأول أن هناك مصالح أمريكية طائلة في الشرق الأوسط، ولكن هذه المصالح مكشوفة أمام تقدم وصعود الفكرة الاستقلالية والوحدوية للقومية العربية.

والثانية أن علينا ونحن نبحث عن المصالح الأمريكية في المنطقة أن نتأكد تماما أين تقع هذه المصالح على الخريطة، فالعالم العربي مع الأسف الشديد منقسم في هذه المرحلة من تطوره الاجتماعي والسياسي ثم إن سعيه إلى نوع من الوحدة هو واحد من أهم أسباب العداء الأمريكي للحركة القومية العربية”.

وقد وافق القادة السوفييت على هذه الرؤية التي أوضحها جمال عبد الناصر، وكان القرار باستمرار الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي من جانب الاتحاد السوفييتي لمصر.

في 9أكتوبر 1968 فوجئ المجتمع الدولي أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار أصدره الرئيس الأمريكي ليندون جونسون يقضي بتزويد “إسرائيل” بخمسين طائرة جديدة من أحدث طراز فانتوم، وهذا يعني في العرف الدبلوماسي أن واشنطن تدعم “إسرائيل” بلا تحفظ كما يعني أنها تعطيها الضوء الأخضر للاستمرار في سياستها والتعنت في عدم تنفيذ القرار،242 وقد تسلمت “إسرائيل” هذه الصفقة بالتدريج بواقع ثلاثة طائرات في كل دفعة اعتبارا من ديسمبر1968.

وفي الثاني من نوفمبر 1968 تقدم دين راسك وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت بمشروع حل منفرد مع مصر يشمل سبع نقاط، وأساسه انسحاب “إسرائيل” من الأراضي المصرية بالكامل مقابل إنهاء حالة الحرب بين مصر و”إسرائيل”، ولكن القاهرة ردت بأن القرار 242 يقضي بانسحاب “إسرائيل” من كافة الأراضي العربية المحتلة وليس من الأراضي المصرية فقط، كما أكدت القاهرة بأنها تعترض على إنهاء حالة الحرب من جانبها في حين مازالت القوات العسكرية المعادية تحتل الأراضي العربية في سوريا والأردن ولبنان.

وأكدت القاهرة أنها على استعداد لإنهاء حالة الحرب بمجرد انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية المحتلة. وقد رد دين رسك بقوله إن واشنطن تستطيع أن تتقدم بمشروع مماثل لعمان كما أبدى استعدادهم لتقديم مشروع مماثل لدمشق، إذا أعلنت موافقتها على القرار،242 لكنه لم يتقدم بأي مشروع مماثل للأردن لسبب بسيط هو تعارض تقديم مثل هذا الاقتراح مع أهداف تل أبيب التي تعتبر الضفة الغربية أراضي “إسرائيلية”.

وفي هذه المرحلة قامت فرنسا بدور إيجابي لا يمكن إغفاله لأنه يجسد صدقية سياسية تستوجب منا أن نسجلها. فقد بعثت باريس برسالة للرئيس جمال عبد الناصر في السادس عشر من يناير 1969 كانت عبارة عن صورة من مذكرة مقدمة من الحكومة الفرنسية موجهة للاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، تقترح فيها عقد اجتماع في نهاية شهر يناير 1969 يضم ممثلين عن الدول الأربع في نيويورك للبحث عن الوسائل التي يمكن بوساطتها أن تقوم حكوماتهم بالمساهمة في تحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، وبصفة خاصة وضع شروط تطبيق قرار مجلس الأمن رقم242 وضمان تنفيذه.

ولقد وضع هذا الاقتراح الفرنسي واشنطن أمام خيار صعب حيث إنها لن تستطيع أن تنفذ ما سوف يسفر عنه هذا اللقاء من نتائج، لأنها تعلم مقدما أنها سوف تجد نفسها الدولة الوحيدة بين الدول الأربع التي تتبنى الموقف “الإسرائيلي”، ولذا لم يكن أمامها من سبيل سوى المناورة للعمل على ألا تسفر هذه اللقاءات الرباعية عن أية نتائج محددة أو إيجابية.

كانت رؤية الرئيس جمال عبد الناصر للموقف بصفة عامة في بداية عام1969 من واقع تقدير للموقف أملاه عليّ كما يلي:

استحالة التفاوض المباشر مع “إسرائيل”.

استحالة التنازل عن أي ذرة تراب من أي أرض عربية مهما كانت الظروف والأحوال.

من الممكن ومن الجائز التفكير في ترتيبات للسلام طبقا للقرار،242 وعلى أساس انسحاب “إسرائيل” من كافة الأراضي العربية التي احتلتها في يونيو،1967 وأنه لابد أن يحدد أطراف النزاع التزامهم طبقا للقرار242 ويسجل في وثيقة ثم يقر مجلس الأمن هذه الوثيقة شكل من أشكال السلام التعاقدي ، وإذا أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على ورقة واحدة يوقعها الطرفان، فإنه يمكن النظر في صياغة وثيقة تعتمد على القرار242 توضع في مكتب السكرتير العام للأمم المتحدة وإلى هناك يذهب مندوبو الأطراف في مجلس الأمن أو وزراء الخارجية كل على حدة في موعد مخصص لكي يوقع الوثيقة.

لا يمكن تجنب القبول بعودة قوات دولية للمنطقة على أن يكون تمركزها على جانبي الحدود الدولية يوم4يونيو1967.

لابد من إتاحة الفرصة لعمل عسكري نشيط يساعد على عدة أهداف منها:

أ - تعبئة الرأي العام العربي والعالمي لسخونة الأزمة.

ب- زيادة الضغط على “إسرائيل”.

ج- التمهيد من أجل عمليات عسكرية كبرى، وفي هذا الشأن وضع جمال عبد الناصر التوجيه الاستراتيجي التالي للمعركة وهو ما أطلق عليه الاسم الكودي “جرانيت 1”، وكانت عناصره تركز على ما يلي:

* أولا: عبور قناة السويس بالقوة والتمسك برؤوس جسور، والوصول إلى منطقة المضايق الاستراتيجية شرق قناة السويس وتأمينها كمرحلة أولى.

* ثانيا: إلحاق خسائر بشرية كبيرة في القوات المعادية.

* ثالثا: عمليات عسكرية طويلة لا تنتهي في أيام على أساس استنزاف التعبئة للعدو وإثارة الرأي العام المصري والعربي والعالمي.

وجاء ريتشارد نيكسون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وقد حاول الاتحاد السوفييتي في بداية ولايته أن يتبنى مشروعا مؤداه أنه يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تضغط على “إسرائيل” من أجل الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة تنفيذا للاتفاق بين الدولتين العظميين وعلى أساس الانسحاب في مقابل السلام. وقد وافقت القاهرة على مقترحات موسكو التي لم تلبث أن أخطرتها بعد فترة بسيطة بأن واشنطن قد رجعت في كلامها، وأصبحت أكثر التحاما مع أهداف “إسرائيل”، وأنها غير مستعدة للضغط عليها لتنفيذ القرار، ومما زاد الطين بلة أن تمكن هنري كيسينجر من أن يسيطر على ريتشارد نيكسون وبدأ النفوذ الصهيوني الذي كان منحسرا نسبيا في بداية ولاية نيكسون بالتغلغل في كافة أجهزة الإدارة الأمريكية ومن بينها البيت الأبيض.

ولم يكن غريبا أن تتقدم واشنطن في هذه المرحلة بمشروع جديد لحل منفرد بين القاهرة وتل أبيب، ولم ينص هذا المشروع على الانسحاب إلى حدود مصر الدولية كما سبق أن جاء في مشروع دين راسك في نوفمبر،1968 بل أضاف مقترحا جديدا هو نزع سلاح سيناء، وطبعا فقد رفضت مصر هذا الهراء.

ثم عادت واشنطن وقدمت مشروعا آخر في منتصف يوليو1969 أساسه تعديل حدود مصر الدولية مما يتيح ل “إسرائيل” الإبقاء على قوات لها في شرم الشيخ، وطبعا رفضت القاهرة هذه المشاريع باعتبارها غير قابلة للمناقشة أصلاً. وأعلن الرئيس جمال عبد الناصر في خطابه في عيد الثورة في يوليو1969 انتقالنا إلى مرحلة الردع، وكان علينا مواصلة حرب الاستنزاف لمقاومة الأمر الواقع الذي تريد “إسرائيل” فرضه على مصر.

لقد كان الهدف الاستراتيجي الذي حدده الرئيس جمال عبد الناصر لحرب الاستنزاف يتمثل في العناصر الثلاثة التالية:

أولا: إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية في قوات العدو.

ثانيا: القضاء على أكبر نسبة ممكنة من منشآت العدو الحيوية ووحداته العسكرية.

ثالثا: إهدار معنويات العدو وإرهاقه نفسيا بإطالة مدة العمليات العسكرية.

بدأت حرب الاستنزاف يوم 24 إبريل 1969. وفي هذه المرحلة كانت الأوضاع كما يلي:

1- القوات المسلحة المصرية كانت قد استعادت قوتها الدفاعية نسبيا، ولذلك فقد تقرر أن تبدأ عمليات محدودة هدفها إعلام العدو بأن مصر لن تقبل بتجميد الأوضاع العسكرية على جبهة قناة السويس.

2- كانت المدفعية المصرية تتفوق محليا في الوقت الذي لم تكن “إسرائيل” تستطيع إتمام حشد مدفعي مواز، أو لعلها لم تكن مستعدة خصوصا بعد القصف المدفعي المفاجئ الذي أنزل بهم خسائر فادحة في أكتوبر 1968 مما دفع “إسرائيل” لتحصين خطوطها الأمامية خط بارليف . وتطورت الأمور بعد الأسبوع الأول من مارس 1969 حيث بدأت عمليات قصف مدفعي عنيف وصفه أكبر خبراء “إسرائيل” العسكريين زائيف شيف .. “استمرت عمليات القصف يومين متتاليين دون تدخل الطيران “الإسرائيلي”، وأطلق المصريون نحو أربعين ألف قذيفة..”.

3- وفي نهاية شهر إبريل1969 وفي 19 إبريل بالذات عبرت وحدات من قوات الصاعقة قناة السويس ورفعت العلم المصري فوق أحد الحصون “الإسرائيلية”. وكان هذا بداية الالتحام البشري مع العدو والذي تكرر خمس مرات في أسبوع واحد.

وفي هذه المرحلة حدد الرئيس جمال عبد الناصر الأهداف كالآتي:

أولا: تدمير أكبر قدر ممكن من تحصينات خط بارليف بالمدفعية.

ثانيا: تقوم وحدات من قوات الصاعقة بعبور قناة السويس لاقتحام وتدمير المراكز “الإسرائيلية” والالتحام بالعدو ثم تنسحب بعد فترة زمنية محدودة.

ثالثا: قيام وحدات أكبر حجما بعمليات عبور قناة السويس.

رابعا: على ضوء نتائج هذه العمليات المحدودة المحسوبة تتم عمليات عبور أكبر يكون هدفها تحرير منطقة أو مناطق من الضفة الشرقية لقناة السويس والبقاء فيها.

وجدير بالذكر أنه قد صاحب هذا التطور في العمليات العسكرية النشيطة أن أتم نحو ثلاثمائة طيار مصري تدريبهم في الاتحاد السوفييتي، وكان التقدير أن القوات الجوية المصرية أصبحت تتعادل على الأقل مع الطيران “الإسرائيلي” فوق جبهة القتال إن لم تكن تتفوق عليه.

وقد ردت “إسرائيل” على هذه المبادرات المصرية بالآتي:

أولا: زيادة تحصين خط بارليف.

ثانيا: رد مدفعي على أهداف مدنية واقتصادية.

ثالثا: غارات انتقامية بوساطة قوات محمولة جوا على أهداف في عمق الأراضي المصرية.

وصرح موشي ديان في أول يوليو1969 بقوله: “إنه من الخطأ الافتراض أن “إسرائيل” ستكتفي بعمليات انتقامية محدودة انطلاقا من وضع دفاعي.. يجب الافتراض بأن العمليات “الإسرائيلية” في المستقبل ستتخذ طابعا آخر..”.

وفي 20 يوليو 1969 نفذ ديان تهديده بعملية اشتركت فيها قواته البرية والجوية والبحرية وادعى بأنه احتل الجزيرة الخضراء في خليج السويس لمدة ساعة وانسحب بقواته، ولكن الحقيقة أن القوات المصرية في الجزيرة دمرت سفينتي إنزال “إسرائيليتين” وفشل الهجوم.

كما قام الطيران “الإسرائيلي” في نفس اليوم بعمليات جوية ودارت معركة ضخمة فوق الجبهة دمرت فيها سبع عشرة طائرة “إسرائيلية” وادعت “إسرائيل” أنها دمرت خمس طائرات مصرية وهي خسرت طائرتين فقط.

وكان هذا اليوم نقطة تحول في حرب الاستنزاف حيث حاول الطرفان تحقيق السيطرة الجوية على سماء المعركة.

وفي خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في 23يوليو1969 قال:

“إنه كان من الضروري أن تكون هناك جبهة شرقية وجبهة غربية، وأن يكون هناك تنسيق كامل بين الجبهتين الشرقية والجبهة الغربية. إن المعركة تتطلب عطاء أكثر اتساعا في أبعاده.. وأكثر من أي وقت مضى إلى تفكير مشترك وتخطيط مشترك وعمل مشترك لأن الميدان واسع والقوى المعادية ضخمة.. نحن الآن في معركة طويلة.. ونحن الآن على استعداد لمعركة طويلة.. معركة طويلة لاستنزاف العدو، ويجب أن تكون سياسة الدول العربية كلها سياسة استنزاف...”

إلا أن العمليات العسكرية على الجبهة الشرقية لم تتخذ شكلا فعالا لكي تؤثر في الأوضاع في الجبهة الغربية، وأبلغ مثل على هذه المقولة هو جبهة الأردن جبهة العمل الفدائي “إسرائيل” فقد قامت “إسرائيل” بعمليات ردع ضد العمل الفدائي بشكل مستمر قابله إجراءات دفاعية وقائية فقط من جانب الأردن.

وما كانت الجبهة السورية قاصرة على مجابهة جوية محدودة. وأكثر من ذلك فإن التنسيق كان قاصرا بين القوات السورية والقوات الأردنية والقوات السعودية والعراقية كل منها تعمل على حدة في أكثر الأوقات والظروف دون أن تصل إلى الحد الأدنى المطلوب من التنسيق.

منذ أن بدأت “إسرائيل” في مهاجمة أهداف اقتصادية ومدنية على طول جبهة قناة السويس بشكل يومي، دخلت حرب الاستنزاف مرحلة الاستنزاف المضاد، وأصبح الموقف العسكري والسياسي على حد سواء يتوقف مع غياب الجبهة الشرقية على نتائج العمليات العسكرية في الجبهة المصرية فقط تقريبا.

كما ترتب على المعارك العسكرية التي دارت على مدى شهري يونيو ويوليو1969 خسائر كبيرة في القوات “الإسرائيلية” من 51 قتيلا ممن بينهم 13 قتيلا خلال شهر مايو1969 إلى 89 قتيلا من بينهم 17 قتيلا في يونيو حتى 112 قتيلا بينهم 31 قتيلا في يوليو،1969 مما حدا ب “إسرائيل” إلى اتخاذ قرار باستخدام القوات الجوية في المعارك، وكان عبور وحدة صاعقة مصرية لقناة السويس في 10 يوليو1969 مما ترتب عليه جرح وقتل أكثر من أربعين جنديا “إسرائيليا” واحتلال الموقع لمدة ساعة كاملة مع تدمير خمس دبابات “إسرائيلية” ومركز مراقبة، والأهم هو اختطاف جندي “إسرائيلي” تعود به وحدات الصاعقة إلى الضفة الغربية للقناة.. كل هذا كان مبررا كافيا بعد تردد لمدة أسبوع في اتخاذ القرار “الإسرائيلي” باستخدام قواتها الجوية في العمليات ومن ثم تبادلت القوات الجوية المصرية و”الإسرائيلية” العمليات حيث قامت أربعون طائرة مقاتلة وقاذفة مصرية بالهجوم على المواقع “الإسرائيلية” في أنحاء متفرقة من سيناء، وكانت نتيجة هذه المعارك إسقاط ست طائرات “إسرائيلية” في مقابل طائرة مصرية واحدة.

وفي اليوم الرابع والعشرين من يوليو1969 قامت القوات الجوية “الإسرائيلية” بهجوم مضاد على مواقع المدفعية ومواقع الدفاع الجوي المصرية. وصرح حاييم بارليف رئيس الأركان “الإسرائيلي” تعليقا على هذه العمليات بقوله: “إن هذا التصعيد لمنع التصعيد..”

إلا أن العمليات الأرضية والجوية المصرية استمرت حتى بلغت الذروة في سبتمبر1969 حيث قامت نحو ستين طائرة مصرية بهجوم مفاجئ على القوات المعادية في سيناء في أكبر هجوم لها منذ 5 يونيو1967.

كان المخطط “الإسرائيلي” يعتمد على العناصر التالية:

* أولا: توسيع رقعة العمليات مع مصر بحيث تضطر إلى نشر قواتها على طول خط المواجهة مما يقلل من الحشد المصري على القناة ويفرض على مصر إعادة توزيع قواتها بشكل دفاعي.

* ثانيا: فتح ثغرة جوية تتسلل منها الطائرات “الإسرائيلية” إلى عمق الأراضي المصرية بعد تعرية الجبهة من دفاعاتها الجوية.

* ثالثا: السعي لجر القوات الجوية المصرية إلى مجابهة في معارك جوية مما يترتب عليه إضعاف معنويات القوات الجوية المصرية وانكماش عملياتها.

وتمثل تنفيذ هذا المخطط في عمليات الأشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 1969 حيث ركز العدو في عملياته على استهداف مواقع صواريخ وشبكات الرادار أي إضعاف الدفاع الجوي في منطقة قناة السويس

وبناء على ذلك فقد قرر الرئيس جمال عبد الناصر أنه لابد من استمرار الضغط على الرغم من كل المصاعب وتقرر عدم الارتداد لموقع دفاعي إلا إذا فقدت حرب الاستنزاف غايتها الأساسية، وبناء عليه فقد استمرت العمليات البرية والجوية داخل العمق في سيناء وأثبت استمرار العمليات أن القوات الجوية لم تهزم أو تنكمش أو تتأثر بما حدث في معارك يوليو وأغسطس وسبتمبر ،1969 وتمت خلال هذه الفترة عمليات كثيفة ومتتالية لتفادي الرضوخ للاستنزاف المضاد، وكان الهدف المصري كما تحدد في الاجتماعات التي كانت تتم على مدار الأسبوع تقريبا في القيادة العامة للقوات المسلحة بحضور الرئيس جمال عبد الناصر تتلخص في خط استراتيجي واضح:

أولا: متابعة حرب الاستنزاف دون هوادة مع الاستمرار والإصرار على تقوية الأوضاع الدفاعية المصرية بأي ثمن ومهما كانت التضحيات.

ثانيا: تعبئة الجبهة الداخلية ( لجان المواطنين من أجل المعركة ).

ثالثا: استمرار العمليات الهجومية بريا وجويا.

بمجرد انتهاء مرحلة الدفاع النشيط في فبراير1970 انكبت هيئة العمليات الحربية على وضع الخطط الهجومية الكفيلة بتحقيق الأهداف المرحلية المنشودة مع مداومة تطويرها طبقا لمختلف العوامل المؤثرة، وبهذه المناسبة فقد اشترك في وضع هذه الخطط والمساهمة في تجهيز مسرح العمليات القادة المنتظمون في دورتي كلية الحرب خلال عامي 68 و1969.

وكان من ثمار العمليات في تلك الفترة أن تم في شهر فبراير1970 أن هاجمت مجموعتان من الضفادع البشرية المصرية السفينتين “بات يام”. “بيت شيفع” ودمرت الأولى وغرقت وأصيبت الثانية التي تمكن قائدها من سحبها الى الشاطئ.

كما تم في 8 مارس1970 تدمير الحفار “كيتينج” في أبيدجيان بساحل العاج في عملية مشتركة بين رئاسة الجمهورية سكرتارية المعلومات والمخابرات العامة والضفادع البشرية من القوات البحرية.

وفي شهر مايو 1970 تم إغراق سفينة أبحاث “إسرائيلية” شرق بور سعيد.






الخليج الإماراتية
31.10.2003"

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US