Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

تجربة رائدة للعمل السياسي المنظم في شرق القاهرة

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 20 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة العشرون


قد يكون من المفيد حتى يكتمل شرح تجربة العمل السياسي ان أقوم بشرح تجربتي الشخصية من خلال استعراض الموقف في تنظيم شرق القاهرة الذي كنت أتولى مسؤولية قيادته منذ قيام التنظيم الطليعي وحتى 13 مايو/ايار 1971.

ولفهم تجربة منطقة شرق القاهرة لتنظيم طليعة الاشتراكيين، يجدر بنا الرجوع إلى ما سبقها من أنشطة في مجال العمل السياسي التي كانت ركيزة ومنطلقاً لهذه التجربة، وأقصد بذلك تنظيم هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي بديلاً عن التجمع العفوي لمن أبدى تأييده المبكر لثورة يوليو؛ فقد كان لتنظيم الاتحاد القومي اتجاه فكري وتنظيم هرمي مؤسسي قام على الانتخابات من القاعدة إلى القمة.

ولما كان فكر الثورة المعلن، واتجاه تطبيقات هذا الفكر قد أوضحت اتجاهاً غير مسبوق في تحرير الوطن وتحرير المواطن واتجاه اقتصادي واجتماعي لمصلحة القوى المقهورة والتي ظلت فترة طويلة محرومة من حقوقها الأساسية، مع فتح آفاق ميسرة للشرائح العليا لاستثمار أموالها وأفكارها في النهوض بالمجتمع اقتصادياً واجتماعياً وللحلول محل القوى الاقتصادية الأجنبية المتمصرة ذات الجذور الأجنبية.

وفي تنظيم الاتحاد القومي برز تجمع الطبقة المتوسطة والعناصر النشيطة فيها جنباً إلى جنب مع العناصر التي تمثل الشرائح العليا وبقايا الفئات التي كانت تحتل قواعد كثير من التنظيمات السابقة على الثورة بالإضافة إلى الأعيان في الريف وممثلي التجار والمهنيين في المدينة.

كما نجح في الانتخابات بعض ممثلي الفلاحين والعمال بأعداد محدودة.

ولكن كان هناك برامج عمل وأنشطة جماهيرية وسعت القاعدة الجماهيرية وأيقظت وعي المواطنين. وأيضاً كان هنالك صراع بين التنظيمات المنتخبة وبين الادارات الحكومية. كما كان هناك صراع داخل التشكيلات المنتخبة لوجود ممثلي كافة الطبقات، وكان هذا الصراع غير صحي أدى إلى شل الحركة في كثير من الأحيان لممثلي الطبقات الدنيا ولم يتمكنوا من ممارسة ما رشحوا أنفسهم من أجله لمزيد من المكاسب للطبقات الشعبية، حيث تصدى لهم ممثلو الطبقات والشرائح العليا المحافظة بطبيعتها، والتي انضمت لتكون في الصورة وقريبة من أهل الحكم ورجال الثورة. وضاع كثير من جهد القيادات المهنية والمثقفة وسط هذا الصراع وان كانت المجالات قد فتحت أمامها للاتصال المباشر بالشعب والتعرف إلى كثير من القيادات الثورية الوسطية، وظهرت تجارب رائدة، ففي مصر الجديدة مثلاً تكونت ما أطلق عليها البرلمانات الشعبية بحيث تجتمع قيادات كل منطقة مع ممثلي الأجهزة التنفيذية فيها يتدارسون مشكلات منطقتهم والمعوقات ويقترحون الحلول.

وقد كانت تجربة رائدة لإشعار المواطنين بما لهم من حقوق واسهامهم في توصيلها للناس بأيسر السبل والتصدي للمعوقات وكشف المعوقين، وقد كان لي شرف ان أكون على رأس هذه التجربة بعد ان انتخبت جماهيرياً من شعب مصر الجديدة البالغ تعداد أصوات ناخبيه في تلك الفترة حوالي الربع مليون حزت منها ما يقرب من المائة ألف صوت وكان ترتيبي الأول من بين المرشحين الذين شكل العشرون الحائزين على أكثر الأصوات منهم لجنة الاتحاد القومي لقسم مصر الجديدة وكان من بينهم على سبيل المثال فتحي رضوان والإمام الشيخ محمد أبوزهرة وزكريا لطفي جمعة وأحمد شهيب وأحمد إبراهيم ودرويش محمد درويش وماهر محمد علي وأحمد طلعت وبخيت عبدالراضي وسنية الخولي ومنير مراد وعبدالمنعم سيف وعلي زين العابدين صالح وآخرين من الاخوة.

وقامت في الزيتون، تجربة التثقيف، وقام نشاط كبير ليس لتثقيف الكوادر فقط ولكن لتثقيف القيادات العمالية أيضاً، حيث اختيرت العناصر الواعدة من القيادات المنتخبة لحضور دورات تثقيفية متكررة تضم كل دورة منها حوالي الخمسين قيادة شعبية يدرسون برنامجاً تثقيفياً معداً بعناية ويحاضر فيه عدد من الاساتذة وكبار المثقفين وعدد من القيادات الثورية مثل علي صبري وكمال الدين رفعت وكمال الحناوي وسامي شرف وأحمد بهاء الدين وأمين هويدي وشعراوي جمعة وعبدالفتاح أبو الفضل وأمين عز الدين وآخرين.

واكب ذلك بالاتفاق مع رؤساء مجالس ادارات الشركات عمل دورات تثقيفية للكوادر العمالية يتم فيها شرح المبادئ المعلنة، الديمقراطية والاشتراكية والتعاون والحرية والقومية العربية، وكان وراء هذا النشاط مصطفى المستكاوي وحمدي حراز ونبيل نجم. كما واكب هذا النشاط حملة مكثفة دارت حول الاهتمام بنشاط المرأة وحركتها في المجتمع والإلحاح على ضرورة مشاركتها في البناء السياسي الجديد باعتبارها نصف المجتمع وأم المستقبل. وقد شارك في هذه العملية مجموعات من العناصر النسائية النشيطة من فضليات سيدات المنطقة سواء على مستوى ربات البيوت أو سيدات التعليم سواء في التعليم العام أو الجامعي من جامعة عين شمس وكلية البنات والجمعيات الأهلية، وكذلك فقد شاركت زوجات قيادات وبعض أعضاء التنظيم السياسي في النشاط النسائي على مستوى الاقسام من ناحية وعلى مستوى منطقة شرق القاهرة من ناحية أخرى مشاركة غطت جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وكان هناك مقر علني للنشاط النسائي لمنطقة شرق القاهرة في كل من جمعية الخدمات بمنطقة البستان، وكذلك مقر آخر في مكتبة مصر الجديدة بشارع العروبة علاوة على مقرات أخرى فرعية في باقي أقسام المنطقة في الزيتون والمطرية والوايلي.

تلى ذلك صدور ميثاق العمل الوطني كوثيقة فكرية للثورة واستتبع ذلك وتنفيذاً لما نص عليه الميثاق من انشاء وتنظيم الاتحاد الاشتراكي، وكان المفترض ان يتخلص التنظيم الجديد من السلبيات التي أظهرها تشكيل الاتحاد القومي وأهمها التخلص من سيطرة كثير من القيادات المحلية المحافظة والتقليدية السابقة على التشكيلات السياسية القاعدية.

ولكن ظروفاً حالت دون عملية الفرز والاستبعاد فجرت الانتخابات لتشكيلات الاتحاد الاشتراكي بشكل مفتوح بعد ان فتح باب الانضمام لجميع الراغبين.

ولكن بالضرورة فإن تجربة الاتحاد القومي مكنت الجماهير من اجراء الفرز إلى حد معقول إذ استبعدت من النجاح في الانتخابات العديد من العناصر المحافظة والتقليدية وزجت إلى التشكيلات بالعديد من العناصر القيادية الجديدة التي ظهر عطاؤها إبان فترة الاتحاد القومي، ونتيجة للممارسة بدأت مشاكل الاتحاد القومي ذاتها في تشكيلات الاتحاد الاشتراكي.

وقد كانت الفرصة متاحة للقيادات السياسية لاختيار العناصر الجادة والفاعلة من بين القيادات المنتخبة والتي برز عطاؤها خلال الاتحاد القومي وظل مستمراً بعد نجاحها في انتخابات الاتحاد الاشتراكي. فتم تشكيل المكاتب التنفيذية من بين قاعدة عريضة من القيادات الشعبية التي اختيرت وظهرت سلوكياتها وبرز انضباطها وإيمانها بالمبادئ، وكان هذا التشكيل وراء نشاط جماهيري وشعبي جيد وأعطى الاتحاد الاشتراكي حيوية وايجابية.

وكانت منطقة شرق القاهرة وهي تشمل اقسام مصر الجديدة والنزهة والزيتون والوايلي والمطرية وعين شمس ومدينة نصر، وهي أول منطقة يتم فيها تشكيل المكاتب التنفيذية في أوائل عام ،1963 وكان يسير مواكباً لذلك تشكيل تنظيم طليعة الاشتراكيين من عناصر منتقاة بعناية سبق اختبارها عملياً وتم التأكد من صلاحيتها لتكوين حزب عبدالناصر الاشتراكي القومي العقائدي، وكان يتم انتقاء العضو على أساس سلوكه وإيمانه ونشاطه وجماهيريته وحركيته وتجرده، وكان كل عضو يختار حلقة من ثلاثة إلى عشرة أعضاء يتم مفاتحتهم للانضمام إلى التنظيم الطليعي بواسطة قيادة تنظيمية كبرى علي صبري وسامي شرف بعد موافقة شخصية من الرئيس جمال عبدالناصر.

وبعد مناقشة هذه الحلقات للائحة التنظيم واقرارها، وبعد انضمام عدد معقول إلى عضوية التنظيم تم هيكلته بشكل جغرافي بحيث يسكّن كل عضو في مكان سكنه أو مكان عمله.

وتشكلت بذلك خلايا التنظيم داخل إطار تشكيلات الاتحاد الاشتراكي كوحدات قاعدية ثم في المحافظات إلى الأمانة العامة، ومن ثم تشكلت تنظيمات منطقة شرق القاهرة:

الوحدات القاعدية في كل قسم من اقسام مصر الجديدة والزيتون والمطرية والوايلي، وكان قسم مصر الجديدة يشمل مناطق النزهة ومدينة نصر، كما كان قسم المطرية يشمل منطقة عين شمس، ومن ثم تشكلت لجنة في كل قسم، ومن كل هذه اللجان مع بعض مقرري لجان أخرى مثل جامعة عين شمس ومنظمة الشباب الاشتراكي وتنظيم الطلاب تشكلت لجنة شرق القاهرة وكنت مقررها يعاونني أحمد شهيب الذي كان مسؤول التنظيم على مستوى القاهرة في الوقت نفسه، وتضم كلاً من أحمد كامل وعلي زين العابدين صالح ومصطفى المستكاوي ونبيل نجم وحمدي حراز وعبدالعاطي نافع ودرويش محمد درويش ومحمد البديوي فؤاد وأحمد إبراهيم موسى سمك وشوقي عبدالناصر وعبدالعزيز السيد ومحمد الصفطاوي وحاتم صادق وجمال هدايت وأحمد حمادة وتوفيق عثمان وأبوصالح الألفي وسنية الخولي وأحمد كمال الحديدي ومحمد شهيب كمسؤول إداري. ومع تطور العمل الميداني والوقت ضم للجنة شرق القاهرة أحمد عزالدين هلال وعبدالهادي قنديل ثم شكلت من داخل اللجنة، لجنة عمل يومي من كل من أحمد شهيب وجمال هدايت وأحمد إبراهيم ونبيل نجم ودرويش محمد درويش ومحمد شهيب.

وللحقيقة وللتاريخ كان تنظيم الاتحاد الاشتراكي في شرق القاهرة من أفضل التنظيمات السياسية التي شهدتها مصر في تاريخها المعاصر.

فأحزاب ما قبل الثورة كانت تجمعات فكرية لطلائع من المثقفين تفتقد البرنامج الفكري المحدد وتفتقد التنظيم المؤسسي، الأمر الذي توافر بشكل واضح في تنظيم الاتحاد الاشتراكي وبداخله محركه التنظيم الطليعي.

فالفكر محدد بالميثاق، وبيانات عبدالناصر، والزعيم محدد الفكر والهوية. واللائحة قائمة ومنظمة للتشكيلات، وطريقة عملها، والاشتراكات، والمحاسبة، والهيكلة التنظيمية التي بلغت من النجاح إلى الوصول إلى ما سمي بالمربعات السكنية، بل الوصول إلى وجود لجان لها مقار وقيادات على مستوى المربع السكني والشارع تكون تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي وإن كان قياداتها على الأقل من التنظيم الطليعي.

فكان التنظيم بذلك يقود حركة الجماهير من القاعدة فعلاً، وكان كل مواطن على صلة مباشرة بالقيادة، وهذه الصلة جعلت المجتمع كله يتحرك، وكان كل مواطن له دور عام بالإضافة إلى دوره الخاص بنفسه وعائلته.

واندمجت الأجهزة التنفيذية في الحكومة أو الشركات لأداء الرسالة في أحسن صورها، وكانت أي عوائق تزال في حينها بالتفاهم والود.

وكانت منطقة شرق القاهرة تعتبر الرائدة في هذا المجال، وكانت سباقة في ابتداع'سنوات مع عبد الناصر 20 صور مضيئة للعمل الجماهيري السياسي، ويكفي ان أذكر بضعة أمثلة لهذا النجاح ودليلي على ذلك ان جميع أعضاء لجنة التنظيم الطليعي لمنطقة شرق القاهرة تم اعتقالهم بالكامل في ليلة 13 مايو/ايار 1971 أي قبل اعتقال جميع من قدموا للمحاكمة في انقلاب مايو/ايار 1971.

أي أنه حين تقرر إنهاء التجربة الناصرية والارتداد عن فكر ثورة يوليو/حزيران المعلنة، وجهت أول أقوى ضربة لمنطقة شرق القاهرة تمهيداً للثورة المضادة، ذلك ان منطقة شرق القاهرة هي منطقة الزعيم الذي كان يحتضن التجربة ويتابع نشاطها ويوجهها شخصياً. والصور عن نشاط منطقة شرق القاهرة المتميز عديدة يصعب حصرها.

والأمثلة عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

* ان منطقة شرق القاهرة أقامت وانشأت وأدارت أكبر نادٍ رياضي واجتماعي حديث في مصر بالجهود الذاتية وهو نادي الشمس وذلك بعد ان قامت بتجارب أقل أو أصغر حجماً تمت بإنشاء نادي النصر ونادي الغابة. هذا علاوة على المعسكرات الخاصة التي اقيمت على مدار سنوات، وطوال العام لمنظمة الشباب على كافة الاصعدة للفتيان والفتيات والطلائع كل على حدة.

* حققت منطقة شرق القاهرة بنجاح أفضل وأقوى تنظيم نسائي على مستوى الجمهورية وشاركت المرأة وربة البيت جنباً إلى جنب مع اساتذة الجامعة ومدرسات الثانوي والاعدادي مع الطبيبة، مع المحامية، مع المهندسة.. الخ، في كافة الأنشطة الجماهيرية حتى وصلت إلى الاشراف الفعلي على ضمان حسن توزيع السلع الضرورية والخدمات بعدالة إلى مستحقيها.

* حققت أول وأقوى تنظيم طلابي في جامعة عين شمس خلق كوادر نشيطة وحركية استطاعت ان تسيطر على حركة الطلاب وتوجيهها لمصلحة العمل الوطني ومنع تسلل عناصر التخريب بجميع أشكاله وميوله إلى هذه الحركة.

* حققت أفضل تنظيم للدفاع المدني والدفاع الشعبي وقامت عناصرها بالمشاركة في حراسة وحماية المنشآت الحيوية.

* حققت أفضل النتائج في الحلول الذاتية بجهد الأعضاء سواء بتجميع الخردة والنفايات ونظافة وحدات الانتاج، أو عمل تنسيق بين الشركات واداراتها لعمل تعاون ايجابي بينها انعكس على النتائج النهائية للإنتاج.

* تصدت لبعض المحاولات للتحرك المضاد أثناء مؤامرة الاخوان المسلمين سنة 1965.

* كما تصدت لمحاولات التحرك المضاد بعد نكسة 1967 ونجحت في إحباط بعض هذه المحاولات.

* حققت أفضل نتائج في التبرع بالدم حيث مولت القوات المسلحة بما يزيد على حاجتها.

* حققت أفضل خدمة لأسر المهجرين وأسر المجندين وأسر الشهداء، وتفرض بعض الحوادث والذكريات نفسها في هذا الصدد.

* وبهذه المناسبة فإنه من المفيد ان أتعرض هنا لما قامت به قيادات المنطقة من جهود من أجل انجاح “فصائل خدمة الجبهة” التي شكلت لخدمة المقاتلين على جبهة القتال، فقد تم إيفاد عشرة أفواج من شباب منطقة شرق القاهرة، كل فوج من ألف طالب، ولمدة شهر كامل يعيشون بين الجنود في الجبهة ويتعايشون معهم، وكانت النتيجة ان تم تطعيم الشباب بجو المعركة كما كان حافزاً لهم لدعم قواتهم المسلحة بعد المعايشة على الطبيعة ومع الجنود على أرض القتال.

* كانت الوحدات القاعدية تجتمع اسبوعياً ولها جدول أعمال يشمل:

1 الشؤون السياسية حيث كانت تمد بالنشرات وأدق المعلومات ليكون العضو على بينة ومعرفة بمجرى الأحداث وقادر على التحليل والنقد وإبداء رأيه على أساس من المعرفة.

2 الأعمال والانجازات التي قامت بها الوحدة أو الجهة التي تعمل بها.

3 المعوقات التي تعرضت لها في أداء نشاطها وكشف الانحرافات إن وجدت وتسجيل الرأي العام والنكات السياسية والشائعات، فكانت القيادة على علم أولاً بأول بما يدور في الشارع من خلال قيادات عقائدية ليس لها مصلحة إلا نجاح الثورة وانتشار أفكارها ومبادئها.

كانت المعلومات التي تعدها مصلحة الاستعلامات بالنشرات الحمراء والصفراء والتي كانت توزع على المسؤولين في الدولة للإحاطة بما يدور ويجري في الداخل والخارج من أحداث وما كان يذاع في الاذاعات ويكتب في الصحافة الأجنبية حتى المعادية منها كانت تصل لعضو التنظيم الطليعي فيستشعر مدى أهميته، ويصبح على علم وبينة كاملة من التطورات والأحداث مما يكسبه قدرة على التحليل والشرح وتدعم قدرته على القيادة في موقعه.

واذكر في مجال دعم القدرة القيادية لأعضاء التنظيم انه كان للجنة شرق القاهرة دور كبير في اختيار قيادات العمل الانتاجي والاداري من بين أصلح القيادات في تلك المواقع وثبت من الممارسة نجاحها وكفاءة الاختيار. فكان الترشيح يتم من الوحدة القاعدية.

وحين يتم الاختيار يقوم مقرر القسم وهو في الأغلب أمين الاتحاد الاشتراكي بإبلاغ القيادة بوقوع الاختيار عليها مما يعطيه قوة كبيرة في عمله السياسي وفي خدمة الجماهير ويقرب من ولاء هذه القيادة للعمل السياسي أو على الأقل عدم تضاربها مع قياداته أو تصديقها لمصالح العاملين.

ووصل الأمر إلى ترشيح الوزراء ورؤساء الجامعات ورؤساء مجالس ادارات المؤسسات والشركات ورؤساء الأحياء. بل وصل الأمر إلى اختيار شيخ مشايخ الطرق الصوفية ومفاتحته بالتعيين الأمر الذي حول هذه الطرق من تجمعات سلبية وسلفية إلى عناصر ايجابية نشيطة انخرط اعضاؤها في تشكيلات الدفاع المدني وتبرعوا بالدم بسخاء، وأذكر انه في مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كان موكب الطرق الصوفية يتحرك من مسجد الرفاعي إلى مسجد الحسين وكان ألوف المريدين يعرجون على باب الأزهر فاتحين أذرعهم للتبرع بالدم قبل التوجه إلى مسجد الحسين، حيث تم ملء أكثر من عشرة لوارى للقوات المسلحة التي قرر المسؤولون عنها اكتفاءهم بهذه الكميات رغم إلحاح المريدين على إعطاء المزيد من التبرع بالدم.

وقد قامت مجموعة قاعدية بكشف شبكة تجسس من ملاحظات عابرة أثبتتها في محاضر اجتماعاتها وكم كانت سعادة المجموعة وسعادة المجموعات حين يصلهم الخطاب الذي كان يحرر على ورق بلون أصفر وهو ما كان يحرر عليه كل ما يتعلق بشؤون التنظيم الطليعي المتضمن ملاحظات وتأشيرات الرئيس جمال عبدالناصر على محاضر الاجتماعات هذه مما أشعر كل عضو في مجموعة أنه على صلة مباشرة بالزعيم والقائد.

ومن النتائج الايجابية لتنظيم طليعة الاشتراكيين في شرق القاهرة ان الخلافات التي كانت تبدو دائماً بين الأجهزة السياسية التنفيذية كانت تختفي تماماً نتيجة تحقق الاستراتيجية التنظيمية من تولي قيادة مواقع العمل والانتاج والإدارة عناصر تنظيم ولاؤها الأول للتنظيم فكراً وقيادة. والمثل الذي يحضرني في هذا المجال كان في قسم مصر الجديدة، حيث كان كل من مأمور قسم الشرطة ورئيس الحي أعضاء في التنظيم الطليعي؛ في مقابل عضوية أمين الاتحاد الاشتراكي أيضاً في هذا التنظيم، وكذلك رؤساء أغلب الشركات والمؤسسات المهمة مثل المستشفيات والإدارة التعليمية وشركة مصر الجديدة بما فيها من قطاعات فرعية كالنقل (المترو والترام الأبيض) والكهرباء والمياه والإسكان وشركة مصر للطيران وشركة الدواء والمصانع الحربية الواقعة في المنطقة.

وفي قسم الوايلي أيضاً نفس الوضع تقريباً؛ حيث كان مأمور قسم الشرطة ورئيس الحي ومدير المنطقة التعليمية أعضاء في التنظيم الطليعي علاوة على عضوية أمين الاتحاد الاشتراكي لهذا التنظيم أيضاً، مما جعل الأمر أكثر يسراً وسهولة في التعامل مع كل القضايا المثارة جماهيرياً وسياسياً وهكذا.

وفي قسم الزيتون، كان هناك مكتب لرئيس الحي في مقر الاتحاد الاشتراكي، يوجد فيه بصفة مستمرة مساعد لرئيس الحي، يتحرك فوراً بناء على طلب قيادات الاتحاد الاشتراكي لموقع الخدمة، ويقف عليها حتى يتم تصحيح الأوضاع أو المشكلات المثارة (طفح مجاري انفجار مأسورة مياه انقطاع التيار الكهربائي سقوط منزل إزالة قمامة.. الخ).

وكانت تعقد جلسة شهرية لجميع قيادات الانتاج، يتم فيها مراجعة تنفيذ الخطة، وتبادل الآراء والخبرات، بل وتبادل المنافع بين الوحدات، فمثلاً شركة ملاصقة لشركة أخرى تعلن الأولى عن حاجتها لسلعة ما ويصعب عليها الوصول إلى ذلك لظروف العملة الصعبة مثلاً، حال ان الشركة الأخرى المجاورة لديها فائض تريد التخلص منه، وبذلك تحل المشكلة على فنجان من القهوة أو الشاي في مقر الاتحاد الاشتراكي ويحركه التنظيم الطليعي.

كل يوم ثلاثاء من كل اسبوع كان يعقد اجتماع في مقر الاتحاد الاشتراكي يضم جميع الأئمة والوعاظ القسس والمشايخ لجميع المساجد والكنائس ليتفقوا على موضوع خطبة الجمعة ووعظ الأحد بحيث يكون الموضوع مؤسساً على الآيات القرآنية والانجيلية حسب الظروف. وقد قامت صداقة وألفة ورابطة متينة بين رجال الدين جميعاً واختفت نعرات أو شطحات التعصب من المنطقة.

ومما أذكره تماماً حين تجلت السيدة العذراء على كنيستها بالزيتون ان قام التنظيم الطليعي تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي بجهد كبير يسّر الزيارة وأحاط ملايين المسيحيين والمسلمين المتجمعين لانتظار لحظة التجلي بالرعاية الكاملة حيث أخلى الجاراج المواجه للكنيسة وصفت الكراسي بالآلاف، وكان يقوم على الحراسة والخدمة 500 متطوع دفاع مدني منهم 200 مسعف بشنط الاسعاف. بحيث ظل المترددون بالملايين من كافة أنحاء مصر يومياً دون ما انقطاع دون ان تحدث حادثة واحدة تكدر الأمن وكان الاشراف والتنظيم والخدمة كلها شعبية وكانت الأجهزة الرسمية خارج النطاق الجغرافي وتحت الطلب من التنظيم السياسي بل يمكن ان أقرر أن هذه الأجهزة كانت في خدمة العمل السياسي الجماهيري.

ونظراً لوجود كثير من شركات الدواء بمنطقة شرق القاهرة فقد قامت تجربة فريدة لخدمة أسر المهجرين والشهداء والمجندين بإقامة صيدلية بمقر الاتحاد الاشتراكي تجمع فيها عينات أدوية الدعاية التي يتم التبرع بها ويقوم صيدلي متطوع الدكتور كمال حنا بتولي صرف الأدوية لمدة ثلاث ساعات يومياً برغم امتلاكه لصيدليتين بعد حصر عدد كبير من الأطباء يقومون بالكشف المجاني ووصف الدواء، كانت خدمة طبية وعلاجية متكاملة كلها متبرع بها نتيجة الإيمان بالعمل السياسي الجماهيري بقيادة التنظيم الطليعي. وقامت اللجان النسائية والشبابية بالإشراف على المستشفيات العامة والأندية ومراكز الشباب والعديد من الجمعيات الأهلية، وظهر ذلك في حيوية وحسن الأداء واختفاء شكوى المتعاملين، وزيادة ثقة الجماهير في الاتحاد الاشتراكي وقياداته وأغلبها من عناصر التنظيم الطليعي.

كانت هناك أفضل غرف عمليات تضم الخرائط والبيانات وكروت العضوية ومواقع الاتصال الجماهيرية وشبكة من ضباط الاتصال على أعلى درجة من الكفاءة والاستعداد والتضحية.

وعموماً تمكنت لجنة شرق القاهرة من قيادة جميع مواقع العمل التنفيذية والادارية والسياسية والانتاجية بحيث أصبحت مثلاً لإنجاز الخطة الانتاجية والسياسية، وبحيث انها أصبحت مهيمنة على حركة الجماهير في الاتجاه الصحيح، ويرجع ذلك إلى قيادة الزعيم وحركة وحيوية الذين تولوا المسؤولية وحسن اختيار القيادات المعاونة ودعم حركتها ومساندتها.

وقد وصل الأمر على سبيل المثال إلى عقد مؤتمر كل شهر بقسم من الاقسام يحضره الوزير المختص مع اجهزته المعاونة مع أمناء الوحدات ومساعديهم بحيث يثير أي مواطن ما يراه من نقد في الأداء في أي موقع أو مرفق ويرد المسؤول ويأخذ القرار بمعرفة الوزير أو المحافظ والأمين في ذات اللحظة وكأننا في ديمقراطية مباشرة على أعلى مستوى.

طبعاً كان لهذه التجربة خصومها ومنافسوها فكان أعداء الثورة، وعناصر الثورة المضادة ألد خصومها، وكانت الأجهزة الأمنية تغار من منافستها وهي أول من انقض عليها في مايو/ايار ،1971 حيث كان تنظيم شرق القاهرة قد سبقها في كشف الحقائق وتوصيلها للقائد قبلها لمدة سنوات طويلة مما كان يضعها في حرج شديد، ومما ساعد على ذلك ان قيادة شرق القاهرة كانت قد نجحت في تجنيد قيادات الأمن في التنظيم الطليعي على مستوى المنطقة.



الخليج الإماراتية
"

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US