![]() |
من الجذور والطفولة والشباب المبكر
الى
الحياة العامة فالشيخوخة
سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف
ـ 2 ـ
'الجزء الأول - البداية الأولى
للرئيس جمال عبدالناصر
..............."
إنتهى نقل هذا الجزء
يحى الشاعر
- يتبع -
الحلقة الثانية
قضيت مع ناصر 18 عاماً أي نحو 6480 يوماً وما يقارب 15520 ساعة
كان اللقاء الأول مع جمال عبدالناصر في أواخر سنة 1951 عندما التحقت بدورة عقدت في مدرسة الشؤون الادارية تمهيدا لرتبة اليوزباشي (النقيب)، وكان هو يقوم بتدريس مادة التحركات والمخابرات في هذه الدورة، التي الغيت بعد اسابيع ثلاثة بسبب حريق القاهرة في 26 يناير ،1952 واعلان حالة الطوارئ في الجيش ضمن قرار بإلغاء كل فرق الدراسة والتدريب بالجيش. ولكن رغم ذلك فقد أتاحت لي هذه الدورة التدريبية فرصة لقاء مباشر مع الرئيس جمال عبدالناصر الذي طلب ان أمر عليه في مكتبه.. وعندما ذهبت اليه استقبلني بود، ودار حديث حول أدائي في الدورة، وأعجب بالنوتة الخاصة بي، كما قال لي على وجه التحديد: “إذا استمررت بهذا الأسلوب فسيكون لك مستقبل يبشر بالخير وأنا متنبئ لك بمستقبل كويس”.
أقول ان هذا كان أول لقاء مع شخص الرئيس جمال عبدالناصر، ولكن لقائي مع مبادئه ورسالته سبق هذا التاريخ بحوالي عام تقريبا عندما أوفد لي الصاغ كمال الدين حسين من سلاح المدفعية عددا من أصدقائي الضباط هم أحمد كامل ومحمد المصري ومبارك الرفاعي واحمد شهيب، وطلب ان أزودهم بكميات من الوقود والذخيرة الفائضة وورق كتابة لا يتشرب. كنت وقتها اركان حرب وحدة مدفعية ضمن اللواء الأول المضاد للطائرات بمنطقة ألماظة بطريق القاهرة/السويس، وكانت لي معرفة سابقة بالضباط الثلاثة: الأول منذ ان خدمنا معا في مدرسة المدفعية وكانوا يحضرون لزيارتي اثناء نوبتجيتي لأن الوحدتين متجاورتان. أما الاخ احمد شهيب فقد كانت تربطنا ببعض علاقات عائلية واجتماعية قديمة من أوائل الاربعينات، ورغم أنه لم يكن لي معرفة سابقة بالصاغ كمال الدين حسين إلا أنه اشتهر بيننا بأنه ضابط مدفعية كفء، يتميز بالضبط والربط والشدة والجدية، كما عرف عنه تعاطفه الشديد مع الفدائيين سواء في فلسطين أو في منطقة القناة. ولما كان حضورهم وطلبهم هذا يبدو خارج أية قواعد معمول بها داخل الجيش وفي سلاح المدفعية بالذات، فقد رفضت في بادئ الأمر تلبية طلباتهم نتيجة امتناعهم عن بيان أسباب طلبهم هذا، لكن جاءني محمد المصري الذي تربطني به صداقة قديمة منذ ان كنا طلبة في مدرسة المنصورة الثانوية في الاربعينات وكان واضحا انه ابلغ كمال الدين حسين بموقفي جاء ليبلغني ان هذه الاشياء مطلوبة لمساعدة الفدائيين في منطقة القناة ضد المحتل البريطاني. بناء على ذلك، ولثقتي الكاملة في محمد المصري وافقت على تزويدهم بكل ما طلبوه بل وأكثر، خصوصا وان حضورهم قد تزامن مع تنفيذ مشروعات التدريب السنوية على ضرب النار، والتي يجري خلالها استهلاك كميات كبيرة من الذخيرة مما يسهل تغطية العملية بتوفير كميات من الذخيرة على أنها استخدمت في المشروعات. وبعد فترة قصيرة ابلغني محمد المصري ان الصاغ كمال الدين حسين يرغب في رؤيتي؛ وبالفعل توجهنا لمنزله حيث اعرب لي عن امتنانه لما قدمته وعلي ان انتظر طلب المزيد وحياني على ما قمت به. لقد كان ذلك في أواخر ،1951 وواصلت بعد ذلك امدادهم بما يطلبون.
منذ لقائي مع كل من الصاغ كمال الدين حسين ثم مع البكباشي جمال عبدالناصر لم يفاتحني أحد في الالتحاق أو الانضام لأي نشاط تنظيمي أو خلايا ثورية رغم ان صيتها كان متداولا في أوساط الجيش وكنا نقرأ منشورات الضباط الأحرار كلما صدرت، ولكن في ليلة 23 يوليو 1952 وحوالي منتصف الليل تقريبا فوجئت باليوزباشي محمد المصري على باب بيتي في مصر الجديدة، وطلب مني على استعجال ان أرتدي ملابسي العسكرية وأصحبه دون ان يبدي أي اسباب، لكني استجبت هذه المرة دون تردد ونزلت معه حيث وجدت ثلاثة من زملائنا. وخلال توجهنا الى طريق مصر/ السويس الصحراوي، وقبل ان نصل الى منطقة ألماظة أبلغني محمد المصري: ان الثورة قد قامت “وعليك ان تعتبر نفسك منذ هذه اللحظة مسؤولا عن الآلاى الأول الذي تنتمي اليه باعتبارك أركان حربه، وسوف تستلم في الصباح كشفا بأسماء عدد من الضباط لتقوم إما بتحديد اقامتهم في ميس الضباط أو تأمرهم بالعودة الى منازلهم. وبالفعل قمت بتنفيذ عدد من التكليفات لتأمين الثورة وفي حدود ما رسم لي من القيادة المباشرة، وكان اتصالي منتظما مع البكباشي محمد فوزي قائد اللواء الأول المضاد للطائرات بالنيابة (الفريق أول محمد فوزي فيما بعد)، الذي كان يبلغني بهذه التكليفات، ويعاونني في تذليل ما قد يواجهني من صعوبات أو ينبهني للحذر من أوضاع أو اشخاص معينين.
في يوم 26 يوليو 1952 كان قد صدر أمر بنقلي الى مدرسة المدفعية كمدرس للرادار المضاد للطائرات وكانت مادة حديثة على الجيش المصري إلا أنه وردت اشارة عاجلة في اليوم نفسه بضرورة تقديم نفسي الى ادارة المخابرات الحربية فورا، حيث كلفت بالتوجه الى مبنى مصلحة التليفونات والتلغراف في شارع الملكة نازلي (رمسيس الآن) للاشراف ومراقبة البرقيات الصادرة والواردة من والى المراسلين الاجانب في مصر، باعتبار أنني اجيد الانجليزية والفرنسية.
بعد يومين استدعيت لمكتب البكباشي زكريا محيي الدين مدير المخابرات الحربية في ذلك الوقت حيث ابلغني باختياري عضوا في هيئة جديدة تم تشكيلها باسم “هيئة مراقبة الاداة الحكومية”، وهي هيئة تابعة لرئيس مجلس قيادة الثورة، وكانت المجموعة التي شاركت في تكوين هذه الهيئة مكونة من عشرين ضابطا من الضباط الاحرار منهم على سبيل المثال كل من الصاغ محمد فهمي حمد رئيس الهيئة (السفير فيما بعد)، واليوزباشية: فتح الله رفعت محسن عبدالخالق عبدالمجيد شديد محمد زغلول كامل نبيه المسيري صلاح زعزوع محمود عطية مختار عمر احمد محمود مصطفى حمزة سعد الجمال عبدالمحسن فائق (قبل توليه منصب ضابط الاتصال بمصلحة الجوازات وقبل تجنيده لرفعت الجمال “رأفت الهجان”) - رؤوف فهمي محسن حمد الصاغ مهندس محمد يحيى اسماعيل وآخرين. وكانت هذه الهيئة بمثابة الرقابة الادارية الآن، وكان الاشراف الفعلي عليها للبكباشي جمال عبدالناصر والبكباشي زكريا محيي الدين وبعد أيام قليلة استدعاني الأخير وطلب مني التوجه الى مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة لمقابلة البكباشي جمال عبدالناصر وعند لقائه بادرني قائلا: “ازيك يا أستاذ؟ انت حاتشتغل في المخابرات ومش فيها.. ايه رأيك؟” فلما استفسرت عن المقصود من هذه العبارة؟ قال: “وحدتك مع زكريا في المخابرات وهيئة الرقابة، أما تكليفاتك حاتكون مني مباشرة وتقاريرك تعرض علي أنا بس إلا إذا طلبت منك انك تقول لزكريا.. وأنا متفاهم معه على كده واضح؟
ودلوقت عليك ببحث موضوعين، الأول خاص بالسكة الحديد، والثاني خاص بالارشيف الخاص بمصطفى أمين في “اخبار اليوم”. واستطرد قائلا: “أما موضوع السكة الحديد فهو باختصار يتعلق بالدراسات عن الوسائل الجديدة لتشغيل القطارات بالديزل بدلا من الفحم، فهناك اختلافات كبيرة بين وزير المواصلات محمود ابو زيد الذي يقول ان المشروع سيكلف الدولة حوالي سبعين الف جنيه كان بمقاييس وقتها مبلغا كبيرا والفنيين في السكة الحديد، كما ان هناك أساتذة في الجامعات وخبراء السكة الحديد الذين لهم آراء مختلفة حول هذه القضية، والمطلوب عمل حصر وبحث لكل الموضوع واستطلاع آراء الفنيين، كما يمكنك طبعا ان تستعين بأي عناصر سواء من المرفق أو من خارجه للوصول الى نتائج تساعدنا على اتخاذ القرار السليم”. وأضاف: “يمكنك ان تستعين من السكة الجديد بالمهندس ذو الهمة الشرقاوي والمهندس حامد معيط ومن يرشحونه لك.. وبهذه المناسبة فقد كانا من ضمن تنظيم الضباط الاحرار “القطاع المدني”، والذي كان يضم على وجه التحديد كلاً من صلاح الدسوقي (ضابط الشرطة والسفير فيما بعد)، وشوقي عزيز وحسن النشار، ومحمد مراد غالب، واحمد فؤاد. وأضاف جمال عبدالناصر: “يمكن ان تتصل ايضا بدكتور مهندس شاب في كلية الهندسة في جامعة القاهرة عائد قريبا من امريكا اسمه مصطفى خليل، عامل دراسة يمكنك الاطلاع عليها أو الاجتماع معه للاستفادة منه ومن آرائه.
والموضوع الثاني، ان هناك كلاما ان مصطفى امين عامل ارشيف سري خاص به وحده خارج الاطار التنظيمي للجريدة، وهناك معلومات بأنه يستخدم محررين بعينهم للحصول على اخبار ومعلومات والقيام بمهام خاصة ليست للنشر عن مواضيع واشخاص، وأنهم كانوا يتلقون منه مرتبات شخصية.. والمطلوب منك تأكيد أو نفي هذا الموضوع، واذا كان صحيحا فأين هو هذا الارشيف؟ وماذا يحوي؟ حاتقدر تعمل حاجة في التكليفين دول؟”.
قلت: “ربنا يقدّرني يا افندم”.
ولم يفته ان يذكرني بلقائنا الأول وحديثه عن النوتة وعن أدائي في مدرسة الشؤون الادارية.. ودون الدخول في تفاصيل هذه الموضوعات أود فقط ان اشير الى ان موضوع السكة الحديد كان سببا في تعرف قيادة الثورة على الدكتور المهندس مصطفى خليل الذي لعب دورا مهما في خطط التنمية التي وضعتها الثورة وتدرج في المسؤوليات حتى تولى رئاسة الوزارء فيما بعد. ومن المفارقات الغريبة ان رئيس الجمهورية يستطيع ان يعين أي شخص نائنا لرئيس الجمهورية أو رئيسا للوزراء أو وزيرا لكنه لا يستطيع ان يعين استاذا مساعدا أو مدرسا رئيسا للجامعة الذي يحتم القانون ان يكون استاذ كرسي، وهذا ما حدث مع الدكتور مصطفى خليل عندما ترك الوزارة لفترة وأراد الرئيس ان يعينه رئيسا لجامعة القاهرة، إلا ان القانون وقف امام هذه الرغبة ولم يعين في هذا المنصب.
وبدأت فورا أداء المهمة بتحديد مكان ومحتويات الأرشيف الخاص بمصطفى امين في مبنى “اخبار اليوم” وذلك بعملية اختراق لأشخاص قريبين منه. بعدما اقمت صلة شخصية معه ومعهم، وقد اتضح ان مصطفى امين كان يستخدم في هذه المهمات الخاصة كلا من موسى صبري وسامي جوهر ومفيد فوزي وابراهيم سعدة ومريم روبين ووجدي قنديل ولطفي حسونة وآخرين.
وكان ثمة تكليف ثالث أعتبره من الانجازات التي حققتها هذه الادارة الوليدة في باكورة حياتها، ولم يكن هذا التكليف صادرا من جمال عبدالناصر أو حتى من زكريا محيي الدين. ففي أحد الاجتماعات التخطيطية العليا التي يعقدها كبار الضباط وهم في الغالب رئيس ادارة المخابرات ونوابه طرح موضوع الارشيف السري لجهاز البوليس السياسي الذي كان موجودا قبل الثورة، وكانت هناك معلومات عن وجود ارشيفين لهذا الجهاز الخطير الذي كان يشكل رعبا لكل الحركات الوطنية النشيطة على الساحة بل والكبار والمسؤولين والصحافيين أيضاً.
فتطوعت للقيام بهذه المهمة، فقد كنا كادارة للمخابرات في أشد الحاجة للحصول على هذا الأرشيف ليس فقط بهدف التعرف على ممارسات البوليس السياسي أو بوليس القصور الملكية، وإنما وهو الأهم لوقف سيل البلاغات الكيدية التي كانت تتدفق على وزارة الداخلية تحمل اتهامات لمسؤولين وصحافيين وغيرهم بالتعامل مع البوليس السياسي أو تلقي الهبات أو المصروفات أو ممارسة انشطة ضارة متنوعة.
ولقد كانت تلك المهمة مغامرة محسوبة (1) لأن تطوعي لم يأت من فراغ.. فقد حدث قبل قيام الثورة بسنوات ان كان اللواء محمد ابراهيم امام رئيس البوليس السياسي في زيارة لمحافظة المنوفية ووقع له حادث اثناء ركوبه “موتوسيكل” بجوار مدينة الباجور وأصيب، وكان الطبيب المعالج هو والدي الدكتور عبدالعزيز محمد شرف الذي كان يعمل في الادارة الطبية بالمحافظة (المديرية وقتها). وحمل اللواء امام وقتها تقديرا بالغا لوالدي وكان يردد دائما أنه انقذ حياته، ومن ثم كان يداوم الاتصال به في مختلف المناسبات والاطمئنان عليه. عدت الى والدي وسألته عن كيفية الاتصال باللواء امام وفوجئت بقوله انه لا تتوفر لديه أية معلومات سواء رقم تليفونه أو عنوانه وان الصلة لم تكن إلا من جانب واحد بمبادرة من اللواء امام الذي كان يقوم هو بالاتصال، فطلبت من والدي اذا ما اتصل به ان يحصل منه على عنوانه أو رقم التليفون، والجدير بالذكر انه لم يكن لوالدي أي اهتمامات سياسية أو حزبية قبل الثورة وكان يهتم فقط بأداء مهمته الوظيفية كطبيب كما ينبغي بل ان اغلب وقته كطبيب شرعي ايضا جعلت منه اشبه يالقاضي الذي ينأى بنفسه عن أية مؤثرات سياسية.
في اليوم التالي مباشرة فوجئت بوالدي يتصل بي في مكتبي ليخبرني ان اللواء محمد ابراهيم امام اتصل به وحصل منه على رقم تليفونه وأملاه علي وكانت بالطبع مصادفة سعيدة ومواتية تماما، فقمت على الفور بالاتصال باللواء امام طالبا منه بعد ان عرفته بنفسي - ان نلتقي سواء في بيته أو في مكتبي فلم يمانع في الحضور الى مكتبي، وفي الموعد المحدد فوجئت به يحضر الى المكتب مصطحبا معه حقيبة صغيرة أوضح ان بها بعض متعلقاته الشخصية فقد توقع انه سيتم احتجازه أو اعتقاله بحكم وظيفته السابقة فطمأنته ونفيت له ذلك وصارحته بالتكليف الموكل إليَّ بحكم عملي في المخابرات، فأفادني بأنه بعد حريق القاهرة مباشرة تم دمج الارشيفين التابعين لجهاز البوليس السياسي في ارشيف واحد أودع في احدى غرف قصر عابدين، ووصفها لي بدقة فقد كانت اشبه بالغرفة السرية التي يصعب الوصول اليها بسهولة.
وبعد ان توصلت الى هذه النتيجة قلت له ان ثمة سؤال يلح علي ولم أجد له اجابة وتعددت بشأنه التفسيرات والتحليلات وهو يدور حول حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952:
من هو الفاعل الحقيقي؟
وكانت دهشتي شديدة عندما أكد اللواء محمد ابراهيم امام رئيس البوليس السياسي السابق ان الشرارة الأولى في هذا الحريق اطلقها الملك فاروق بترتيب محكم مع عدد محدود من المحيطين به، وكان الهدف منه أولا: هو احراج حكومة الوفد التي تتزايد شعبيتها منذ اعلان النحاس باشا الغاء معاهدة ،1936 لكنه أي النحاس باشا لم يكن يملك أية خطة عمل واضحة في التعامل مع المسألة الوطنية بعد ان أثار قراره هذا حماس مختلف الاتجاهات والتيارات الوطنية في البلاد، وفي نفس الوقت سعى الملك من وراء هذا الفعل الاجرامي إلى ممارسة الضغط على الانجليز الذين كانوا يتعالون عليه ويتعاملون معه بأساليب مهينة ويظهرون تعاطفا مع حزب الوفد الذي لم يمنعهم من ارتكاب مذبحة بشعة ضد قوات البوليس في مدينة الاسماعيلية في 25 يناير 1952.
ويستطرد اللواء امام في شهادته بأن الملك فاروق اطلق هذه الشرارة بعد المذبحة البشعة، لكنه سريعا ما فقد السيطرة عليها وانفلت الزمام أمام مسارعة عناصر متطرفة من الشيوعيين والاخوان المسلمين ومصر الفتاة لاستغلال الموقف واحداث حالة من الفوضى والاضطراب أتت على ما يقرب من ثلث مدينة القاهرة في ذلك اليوم (2).
وقد سألت اللواء امام بعد ذلك عما اذا كانت تحركات الضباط الاحرار كانت مرصودة، وهل كان للبوليس السياسي دور أو رأي في نشاط الجيش؟
فقال: “طبعا، كنا نتابع كل الأنشطة السياسية في البلد، وبالنسبة للجيش كان هناك تعاون بيننا وبين بوليس السراي والمخابرات الحربية ويوسف رشاد (الحرس الحديدي)”. وأضاف: “أنه بالمناسبة كان قد تقرر اعتقال بعض الضباط الذين عرف أنهم يقومون بنشاطات واهتمامات سياسية، من الذين كانوا يتصلون ببعض الاحزاب والاخوان المسلمين والشيوعيين، والذين كانوا يدربون الفدائيين في منطقة القناة وكذلك الذين تزعموا تحريك عملية انتخابات نادي ضباط الجيش”. ولما استوضحته عن اسماء هؤلاء الضباط قال:
“حسبما اذكر الاسماء البارزة منهم: جمال عبدالناصر عبدالحكيم عامر جمال سالم صلاح سالم حسن ابراهيم انور السادات عبداللطيف البغدادي كمال الدين حسين وجيه اباظة خالد محيي الدين حسين ذوالفقار صبري عبدالمنعم عبدالرؤوف ابوالمكارم عبدالحي”.
ولعلي اشير هنا ايضا الى واقعة شخصية حدثت لي في ذلك اليوم، فقد كنت يومها مشاركا في فرقة الشؤون الادارية التي سبق الاشارة اليها، ولكن في صباح يوم 26 يناير/كانون الثاني 1952 ابلغنا بإلغاء الدورة وان علينا ان نسلم انفسنا الى وحداتنا الأصلية في الجيش في اليوم التالي، فخرجت مع اثنين من الزملاء في الدورة هما الملازمين الأول مختار هلودة (رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فيما بعد) ومحمد حلمي عبدالخالق، خرجنا نتجول في الاسواق لشراء بعض القمصان الكاكي اللازمة لنا من منطقة وسط القاهرة، وفوجئنا نحن الثلاثة بما يجري في شوارع القاهرة، فتوجهنا الى ميدان الاسماعيلية (التحرير حاليا) ليستقل كل منا الاوتوبيس متوجها الى منزله، كان هلودة متوجها الى شبرا وحلمي الى مصر القديمة وأنا الى مصر الجديدة، ولكن وحدات بلوكات النظام (شبيهة بالأمن المركزي الآن)، التي كانت تتظاهر مع المتظاهرين من الطلبة والعمال والجماهير تمكنت من محمد حلمي عبدالخالق، وحملوه على اكتافهم واتجهوا به الى مبنى رئاسة مجلس الوزراء في شارع قصر العيني وهم يرددون الهتافات وهو يشاركهم بعد ان اخذه الحماس وهو عضو في الضباط الأحرار وردد هتافات ضد الانجليز وضد الملك، وتم القبض عليه كما تم استجوابي أمام النائب العام في ذلك الوقت محمد كامل قاويش، ولم يتخذ أي اجراء معي سوى التنبيه علي بالعودة الى وحدتي بسلاح المدفعية.
استمر عملي في هيئة رقابة الاداة الحكومية بعد قيام الثورة طوال العام ،1952 وقد كنت اتردد بحكم عملي على ادارة المخابرات الحربية، (التي اصبحت المخابرات العامة فيما بعد) في كوبري القبة بجوار مبنى القيادة العامة للجيش، ثم انتقلت بعد ذلك الى مبنى مستقل في منشية البكري حيث كان التفكير قد بدأ في تكوين المخابرات العامة. وكانت العناصر الرئيسية التي اسهمت في تأسيس هذا الجهاز الوطني من يوم 23 يوليو/تموز حتى أواخر سنة 1952 تتكون من: زكريا محيي الدين عثمان نوري حسن بلبل كمال الدين رفعت عاطف عبده سعد محمد عبدالفتاح ابوالفضل عمر لطفي سعد عفرة فريد طولان محمد فتحي الديب عبدالمجيد فريد (3) لطفي واكد حسن التهامي محمود سليمان محمد عبدالقادر حاتم مصطفى المستكاوي عزت ابراهيم سليمان محيي الدين أبوالعز محمد محمود السقا محمد وفاء حجازي سامي شرف محمد زغلول كامل محمود محمد عطية احمد محمود العقاد زغلول عبدالرحمن زكي منصور احمد فؤاد هلال سمير غانم سعيد عبدالعزيز حليم احمد عبدالسلام كفافي محمد غانم محمود سامي حافظ محمود حسين عبدالناصر محمد محمد فائق ابراهيم بغدادي مصطفى مختار جمال الشناوي - محمد شكري عبدالمحسن محمد فائق (4) حامد محمود حامد عبدالفتاح الشربيني محمد عبدالخالق شوقي.
ثم توالت الترشيحات والتعيينات في هذه الادارة تباعا وكانت هناك ضوابط وقيود قاسية جدا سواء في عملية الترشيح أو التزكية للعمل في هذا الجهاز الحساس، حيث انضم بعد ذلك على سبيل المثال وليس الحصر كل من الشهيد عمرو شعبان هريدي وصلاح حجازي ومحمد نسيم (قلب الأسد) وكمال الغر وآخرين، ثم بعد تولي صلاح نصر ادارة هذا الجهاز في 1957 عين كلاً من امين هويدي وعمر محمود علي وطلعت خيري وشعراوي جمعة وحلمي القاضي وآخرين.
وطبعا حدثت تطورات كبيرة بعد ذلك حيث تولى رئاسة المخابرات العامة كل من زكريا محيي الدين (52 56) علي صبري (56 957)، صلاح محمد نصر (57 67)، ثم تولى الاشراف على هذا الجهاز فقط، ولم يصدر قرار جمهوري بتوليه رئاسة الجهاز، أمين هويدي (67 68) ثم ترأس الجهاز بعد ذلك محمد حافظ اسماعيل (68 70)، ثم احمد كامل حتى مايو/أيار 1971.
وهنا أود ان أنوه بمجهود كبير قام به احد الجنود المجهولين في وضع الهيكل التنظيمي لبناء جهاز المخابرات العامة على مدى سنتين تقريبا، وهو المرحوم السفير مصطفى حمدي الذي زاملني في مراحل التعليم الثانوي، ثم اكمل دراسته في كلية التجارة شعبة ادارة الأعمال، ثم عين في ديوان الموظفين (الجهاز المركزي للتنظيم والادارة فيما بعد) كخبير في علم الادارة. ولما طلب زكريا محيي الدين ترشيح شخص مؤتمن وكتوم وقادر ليتولى معه شخصيا وضع التخطيط والأساس لقيام المخابرات العامة، رشحت له مصطفى حمدي الذي عمل معه ووضع اللبنات الأولى للهيكل التنظيمي، ثم قام ايضا بادخال التعديلات على المشاريع التي وضعها بعض الخبراء الامريكيين بما يتماشى مع الاهداف المصرية وذلك دون ان يظهر على الملأ وإنما كان كل نشاطه في الظل ومع زكريا محيي الدين شخصيا. وكان المستشار القانوني الذي عاون ايضا في هذا المجال حسن نور الدين المستشار بمجلس الدولة ثم أصبح المستشار القانوني لوزير الداخلية. وعندما انهى مصطفى حمدي مهمته بنجاح عاد الى ديوان الموظفين، ورفض ان ينضم إلى جهاز المخابرات العامة، مفضلا المكان الطبيعي لخبرته ولتخصصه، إلا أنه عندما رؤي في مرحلة لاحقة تدعيم وزارة الخارجية بعناصر شابة لها قدرات خاصة، كان مصطفى حمدي من أوائل المرشحين من ديوان الموظفين، علاوة على تأييد ترشيحه ايضا من المخابرات العامة.
كان ترددي بحكم طبيعة عملي أيضاً على مبنى مجمع التحرير الدور العاشر حيث القسم الخاص التابع للمخابرات الحربية (العامة فيما بعد)، وكان يرأسه الصاغ محيي الدين أبوالعز الذي أصبح محافظ الفيوم فيما بعد. وقد أصدر البكباشي زكريا محيي الدين تعليمات بأن يخصص لي مكتب بصفة شخصية في هذا القسم لمتابعة تكليفاتي باعتباره في منطقة وسط البلد، ثم لم يلبث بعد شهور قليلة أن صدرت أوامر بأن أنقل للعمل بصفة أصلية في هذا القسم منفصلاً عن عضوية هيئة الرقابة، وأصبحت مسؤولاً عن شعبة الجهاز الحكومي ووحدة قياس الرأي العام، إلى جانب مهمة ضابط الاتصال مع البكباشي جمال عبدالناصر، وكذا ضابط الاتصال بين المخابرات وإدارة المباحث العامة التي كانت قد أنشئت في تلك الفترة تحت إشراف البكباشي زكريا محيي الدين، بالتوازي مع بدء تنفيذ مشروع المخابرات العامة.
وكان أول من تولى رئاسة إدارة المباحث العامة البكباشي رأفت النحاس ونخبة من أكفأ ضباط البوليس الذين كانوا مثالاً للتعاون البنَّاء معنا مما شكَّل نسيجاً يُحتذى به في تعاون الأجهزة الأمنية الوطنية من أجل خدمة وحماية أهداف الثورة وسلامة مصر، أذكر منهم على سبيل المثال: عبدالعظيم فهمي، محمد سيف اليزل خليفة، عبدالعزيز سيف اليزل خليفة، حسن طلعت، محمد محمود زهدي، محمود الحمزاوي، زكي علاج، أنور الأعصر، سعد الشربيني، يوسف القفاص، أحمد رشدي (وزير الداخلية فيما بعد)، عبدالوهاب نوفل، محمد نبوي إسماعيل (وزير الداخلية فيما بعد)، محمود الغمراوي، محمد شكري حافظ، ممدوح سالم (وزير الداخلية ورئيس الوزراء فيما بعد)، السيد فهمي (وزير الداخلية فيما بعد)، حسن أبو باشا (وزير الداخلية فيما بعد)، فؤاد علام، مصطفى علواني (محافظ أسوان فيما بعد)، حسن رشدي، أحمد صالح داود، حافظ عزيز، يوسف المعناوي، أحمد والي، عبدالفتاح رياض، سعدالدين وهبة، أحمد بلبل، أحمد فؤاد نسيم، عزالدين عثمان، محمد محمود عبدالكريم، محمد رشاد حسن، يوسف أبوعوف، ألبير تادرس، وآخرين كثيرين.
كانت العلاقة مع البكباشي جمال عبدالناصر غير سرية، فقد أعطاني رقم تليفونه الخاص، وكان يصدر إليّ تكليفاته بصفة يومية، مما رسَّب بعض الحساسيات لدى بعض الزملاء ممن كانوا يشاركونني المكتب نفسه، أو من بعض الضباط الأحرار الذين كانوا يترددون على القسم الخاص وكان لهم دور خاص في تأمين الثورة. وقد تقلَّص هذا العدد ليتبقى في النهاية مجموعة معيّنة أبت أن يشاركهم عنصر آخر وبالذات من سلاح المدفعية باعتباري دخيل، وقد شاركهم هذه الأحاسيس بعض أفراد من السكرتاريا الخاصة الذين كانوا سواء عن حق أو عن باطل، يظنون أنهم أولى أو قادرون على القيام بما يوكل إليّ من مهام بدت أهميتها أمامهم من كثرة اتصالات البكباشي عبدالناصر بي، ومن كثرة ترددي على مكتبه أو منزله في أي وقت وبلا موعد سابق، كما أمرني هو بذلك، هذا علاوة على أنني لم أكن ممّن يتكلمون كثيراً، أو أكثر من الأصدقاء من دون داعٍ، كنت معتاداً على الكتمان والحفاظ على السرية، وهي عادة لازمتني منذ الصغر.
وثمّة سبب آخر لتلك الحساسيات، فقد ترددت أخبار في هذه الفترة على نطاق ضيِّق جداً تسرّبت من مكتب القائد العام للقوات المسلحة مفادها أن هناك نيّة لإنشاء مكتب مستقل لجمال عبدالناصر خارج الإطار التنظيمي للمخابرات، وبدأ أحد الزملاء (شمس بدران) يخطط ليتولى هو هذا المكتب أو أحد رجاله، وكانت المواصفات المطلوبة لا تنطبق عليه، وعلم بحكم موقعه وقربه من الدائرة العليا أن الترشيح المفضل هو لسامي شرف نتيجة مطابقة المواصفات والجهد والعمل التي أعلنت عن نفسها علاوة على تزكية البكباشي جمال عبدالناصر شخصياً. أقول إن هذه الحساسيات وهذا الوضع الذي استجد قد اقترنا بمحاولات للدسِّ والوشاية، وكانت تلك أول تجربة لي في هذا المضمار والصراع، في الوقت الذي تفجّرت فيه ما أطلق عليها قضية المدفعية أو قضية رشاد مهنا (5).
وقد تسبَّبت هذه القضية في إثارة علامات استفهام وشكوك حول كل ضابط كان ينتمي لسلاح المدفعية، خاصة ان شركاء القسم الخاص كانوا كلهم من سلاح المشاة وكذلك المترددين عليهم، وفي ذلك الوقت لاحظت تراجع معدل الاتصال والتكليفات من البكباشي جمال عبدالناصر بشكل مفاجئ. وفي الساعة الثالثة من فجر يوم 15 يناير/ كانون الثاني فوجئت بعدد من الضباط على باب منزلي يطلبون مني مصاحبتهم بالملابس المدنية، وظننت لأول وهلة أن انقلاباً قد وقع ضد الثورة. ووجدت نفسي نزيل إحدى زنزانات سجن الأجانب (6)، بقيت فيها أربعة عشر يوماً لا أغادرها إلا للذهاب إلى دورة المياه، كما لم أر أي أحد سوى عساكر الحراسة من سلاح الحدود من أبناء النوبة. وفي صباح اليوم الرابع عشر، فتح الباب ووقف أمامي اليوزباشي محمد أبونار الذي كان في ذلك الوقت سكرتيراً للصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة وكانت عيناه مغرورقتان بالدموع، قائلاً إنه لم يكن ينتظر أن نلتقي في مثل هذا الموقف (7). واصطحبني إلى سيارة خارج مبنى السجن كان يجلس فيها اليوزباشي كمال الدين رفعت (8). وكان متأثراً من هذا الوضع لكنه كان قليل الكلام، وعبرت قسمات وجهه عن حزن واستغراب، بل يمكن أن أقول عدم تصديق. المهم، سارت بنا السيارة حتى وصلت إلى معسكرات قصر النيل (مكان فندق هيلتون النيل ومبنى جامعة الدول العربية الآن).
جلست في غرفة واسعة إضاءتها ضعيفة والسقف عالٍ جداً، كانت محتوياتها كراسي كبيرة الحجم (فوتيلات) وكنب أضخم ذو قماش حريري لامع لونه طوبي غامق، ونجفة نحاسية مستديرة الشكل كبيرة الحجم ويبدو أنها كانت تُضاء من قبل بالشمع وعدلت لتُضاء بالكهرباء. بعد نحو ربع الساعة دخل إلى الغرفة البكباشي زكريا محيي الدين الذي بدا عليه التأثر من لقائنا في هذا الوضع، ثم تبعه قائد الجناح جمال سالم والصاغ صلاح سالم اللذان لم ينطقا بكلمة سوى قولهما لي: “ازيك يا سامي” (9) ثم تبعه قائد الجناح عبداللطيف البغدادي الذي قال لي: “إيه اللي جرى يا سامي؟! شدِّ حيلك..”.
بعد ذلك انصرف أعضاء مجلس الثورة الثلاثة وبقيت مع البكباشي زكريا محيي الدين الذي قال لي: “سامي أنا طبعاً أكثر واحد عارفك ويشاركني جمال في تقديرك وتقويمك.. أنا حا أسألك سؤالا محددا. هل أنت مشارك بأي شكل في ما يقوم به بعض ضباط المدفعية من نشاط حول الأوضاع التي نمرُّ بها؟”.
فقلت له: “الإجابة قطعاً لا. وسيادتك بالذات تعرف أني غرقان في شغلي ليل نهار ولا أحتك أو أتزاور مع أحد، ده حتى الاجتماع الأسبوعي المفروض أن نلتقي فيه مع الصاغ كمال الدين حسين ومع بعض عناصر الضباط الأحرار من سلاح المدفعية لم أعد أستطيع أن أحضره لانشغالي طول الوقت. ثم أحب أن أعرف إذا كان هناك اتهام محدّد أن أواجه به أو أواجه بأي شخص يثبت أن لي نشاطا مضادا للثورة بأي شكل”.
قال: “إن ثمّة شبهات دارت حول اشتراكك مع بعض ضباط المدفعية، نبعت أساساً من مرافقتك لكل من محسن عبدالخالق وفتح الله رفعت (من المدفعية) وصلاح زعزوع (من المشاة) في سيارة واحدة أثناء توجهنا إلى بيوتنا في مصر الجديدة بعد انتهاء يوم العمل، وأنتم الثلاثة مدفعية”.
هنا أدركت أنني ضحية دسيسة وغيرة ظالمة من بعض الأعداء، أكرِّر الأعداء، وليس الأصدقاء.
فقلت: “يا أفندم سيادتك نسيت اني من مدة أثناء لقاء معك في مكتبك في الجزيرة نبهت إلى ما يتردَّد ضد بعض أعضاء مجلس الثورة من حكايات وأقاويل وتريقة.. إلخ، صحيح اني لم أذكر أسماء ولكن كرأي عام داخل القوات المسلحة كانت الصورة واضحة من جانبي، وأبلغت بما يدور، غير مقصِّر في واجبي وإخلاصي نحو تأمين الثورة”.
أنا حافكّر سيادتك.. حصل كلام ضد أنور السادات واعتراض من أغلب الضباط الأحرار في الجيش كله لضمه كعضو في مجلس قيادة الثورة لموقفه ليلة 23 يوليو/ تموز، وما حدث من اعتقاله بوساطة زغلول عبدالرحمن فجر هذه الليلة أمام البوابة رقم 6 في العباسية، وكان محسن عبدالخالق وفتح الله رفعت بالذات هما أكثر الضباط انتقاداً لموقفه واعتراضاً على عضويته للمجلس. بما يفيد بشكل غير مباشر أنهما الأحق بهذه العضوية منه. وقد أصبح هذا الكلام فيما بعد على كل لسان ليس في الجيش فقط ولكن في البلاد كلها، وكذلك الكلام ضد عبدالمنعم أمين وحرمه، وكلام ضدك شخصياً. وكلام عن عنف جمال سالم، والذين يدّعون أنهم أحق بقيادة الثورة، ولعل النشاط الذي أحاط باللواء محمد نجيب من اتجاهات عدة ليس ببعيد، سواء من ناحية الإخوان المسلمين وبالذات نشاطهم وسط ضباط البوليس والجيش. ألا تذكر سيادتك الكشوفات التي صنّفتهم في مستويات ثلاثة وسلمتها لك بحضور الصاغ صلاح الدسوقي أركان حرب وزارة الداخلية في بيتك بمنشية البكري؟ ثم أضفت.. والشيوعيون وبعض السياسيين القدامى، ألم أبلغ عن كل هذه الأنشطة وأشارك في متابعة أغلبها حتى الآن؟ الحقيقة يا فندم أنا مش فاهم إيه اللي بيحصل؟ هل الحفاظ على الثورة أصبح النهاردة اتهاما؟ إذا كان هناك شك وليس دليل إنني قمت أو أقوم بأي نشاط مضاد للثورة فأنا أطالب بإعدامي..”.
وقلت بعد ذلك “إن كل ما عرفته من نشاط يمكن اعتباره مضادا أو ناقدا سبق أن طرحته في اللقاءات التي كانت تعقد بصفة منتظمة في منزل الصاغ كمال الدين حسين لبعض الضباط الأحرار من المدفعية، وكان يحضرها الضباط: أبواليسر الأنصاري وطلعت خيري، وعبدالمجيد شديد وأحمد شهيب ومصطفى كامل مراد وسعد زايد وعماد رشدي ومحمد أبوالفضل الجيزاوي”. وانتهى التحقيق إلى لا شيء.
خرج البكباشي زكريا محيي الدين بعد أن سجل التحقيق الصاغ حسن بلبل (السفير فيما بعد ووكيل وزارة الخارجية والمسؤول عن التنظيم الطليعي فيها)، وجلسنا في غرفة جانبية نحو الساعة وكان يجلس معنا كل من الضباط كمال الدين رفعت ومحمد أبونار وفتحي قنديل (سكرتير حسين الشافعي، والسفير فيما بعد)، عاد بعدها زكريا محيي الدين موجهاً الكلام إليّ برقة وبابتسامته التي لا تفارقه قائلاً: “يا سامي انت حاتروّح دلوقت ونتقابل بكرة في مكتبي في منشية البكري”.
ثم أمر اليوزباشي محمد أبونار أن يصطحبني في سيارته الرسمية، إلى منزلي في مصر الجديدة.. وكانت هذه هي المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة السجون.
في اليوم التالي توجهت إلى مكتب زكريا محيي الدين في منشية البكري مرتدياً لأول مرة، منذ شهور، ملابسي العسكرية، وطلبت منه الإذن بالعودة إلى وحدتي العسكرية في مدرسة المدفعية كمدرِّس للرادار، معتبراً أن ما حدث معي فيه مساس بكرامتي.. مؤكداً أنه ليس من طبعي الخيانة بأي حال.
فأجابني: “يا سامي انت تعرف يمكن أكثر من غيرك في هذا المكان أن القرار في ما يتعلق بك ليس قراري ولا قرارك، وانت لا تملك لنفسك شيئاً، انتظر في مكتبك وحابلّغك بما يستقر عليه أمرك”.
قلت: “أنا يا فندم حاانتظر برة عند الصاغ زكي منصور أركان حرب المخابرات.. وأنا مش حارجع للمكتب إلا بعد ما أعرف القرار”.
بعد ساعتين استدعاني مرة أخرى إلى مكتبه وطلب مني أن أتوجه إلى مكتبي في القسم الخاص لاستئناف عملي مع الصاغ محيي الدين أبوالعز، وأن هذا قرار وأوامر البكباشي جمال عبدالناصر.
أتاحت لي الظروف بعد ذلك أن أطلع على أوراق قضية المدفعية في أرشيف سكرتاريا الرئيس للمعلومات في منشية البكري، كما ان الرئيس جمال عبدالناصر أبلغني بظروف القبض عليّ والتحقيق معي بما لا يخرج عمّا قلت واستنتجت منها أني كنت ضحية دسائس ووقيعة من بعض الزملاء للأسف.. امتدت على مدار خمسة عشر عاماً تالية من دون هوادة أو توقف!
وبهذه المناسبة، فقد تمت محاكمة الضباط الذين ثبتت عليهم الادعاءات، وصدرت ضدهم أحكام من محكمة خاصة شُكِّلت بقرار من مجلس قيادة الثورة. وبعد ما يقرب من السنتين، تم الإفراج عنهم وتولوا وظائف مدنية ومنهم محسن عبدالخالق الذي عُيِّن في وزارة الاقتصاد مستشاراً اقتصادياً في لندن ثم سفيراً في طوكيو، وكذلك فتح الله رفعت الذي تولى مناصب مختلفة كان آخرها رئيساً لبنك التسليف الزراعي. وكانا محل رعاية كاملة من عبدالناصر حتى رحيله.
واصلت عملي في القسم الخاص بالأسلوب السابق نفسه والذي حدده لي الرئيس جمال عبدالناصر، وتنوّعت التكليفات، وبدأنا نكتسب الخبرة تدريجياً ويدفعنا الإيمان بالثورة وحب قيادتها إلى مزيد من الابتكار والتطوير. وتزامنت خدمة المخابرات مع أحداث كبرى في تاريخ الثورة، منها على سبيل المثال أزمة مارس/ آذار ،1954 ومؤامرة الإخوان المسلمين ضد الرئيس جمال عبدالناصر ومحاولة اغتياله في ميدان المنشية في الاسكندرية في أكتوبر/ تشرين الأول ،1954 ومفاوضات الجلاء مع بريطانيا، والمؤامرة “الإسرائيلية” لمحاولة إفسادها، وتصاعد تيار الفكر القومي العربي، ودعم حركات التحرر العربي والإفريقي وفي العالم الثالث، وبداية معارك التنمية والتحوُّل الاجتماعي في مصر. وكان للمخابرات العامة القسم الخاص بالذات أدوار مهمة للغاية في خدمة توجهات الثورة وكشف كل الثغرات والعقبات التي تعمل بعض القوى على وضعها في طريق الثورة، وسوف أتعرَّض لجانب من هذه الأمور في فصول قادمة تبحث قضايا العمل السياسي خلال تجربة عبدالناصر الإنسانية.
سامي شرف.. سيرة حياة
* اسمه مركَّب، عبدالرؤوف سامي عبدالعزيز محمد شرف، والشهرة سامي شرف.
* من مواليد مصر الجديدة يوم 20 ابريل/ نيسان سنة 92_I.
* أتم تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس مصر الجديدة والمنيا والمنصورة فمصر الجديدة التي حصل منها على شهادة إتمام الدراسة الثانوية سنة 1945.
* التحق بكلية الطب فكلية التجارة في جامعة فؤاد الأول (القاهرة) العام الدراسي 1946/ 1947.
* تخرّج في الكلية الحربية برتبة ملازم ثانٍ في أول فبراير/ شباط سنة 1949 حيث نال بكالوريوس العلوم العسكرية، وكان ترتيبه السادس عشر من مجموع الدفعة البالغ 261 طالباً.
* خدم في مدرسة المدفعية في ألماظة.
* خدم في سلاح المدفعية باللواء الأول المضاد للطائرات في ألماظة.
* عمل مدرِّساً للرادار المضاد للطائرات على مستوى اللواء.
* عمل كأركان حرب لآلاي (لواء) مدفعية.
* نُقل إلى مدرسة المدفعية مدرِّساً للرادار المضاد للطائرات، ولكنه لم ينفذ هذا النقل لقيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 فبقي في وحدته الأصلية حيث عهد إليه من تنظيم الضباط الأحرار بالإشراف الأمني والسيطرة على هذا الآلاي وتقرّر ضمّه لتنظيم الضباط الأحرار من ليلة 23 يوليو/ تموز 1952 حيث كان يحضر اجتماعات خلية من المدفعية كانت تضم أحمد الزرقاني حطب وكمال الغر وإبراهيم زيادة وعبدالحميد بهجت، ثم انتقل بعد أيام إلى خلية يترأسها الصاغ كمال الدين حسين وكان من بين أعضائها عماد رشدي وسعد زايد وأحمد شهيب ومصطفى كامل مراد ومحمد أبوالفضل الجيزاوي وعبدالمجيد شديد وأبواليسر الأنصاري وكان يسدِّد الاشتراك الشهري 25 قرشاً بانتظام.
* في أول يوليو/ تموز 1952 رُقيّ إلى رتبة اليوزباشي (النقيب).
* في 26 يوليو/ تموز 1952 انتُدب للعمل في المخابرات الحربية وكُلِّف بالإشراف على رقابة البرقيات الصادرة للخارج عن طريق مصلحة التليفونات (هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية) للمراسلين الأجانب.
* في أوائل أغسطس/ آب 1952 كُلِّف بالعمل ضمن مجموعة من الضباط الأحرار ممن كانوا في المخابرات الحربية، وشكّل منهم ما سُمِّي بهيئة مراقبة الأداة الحكومية وتتبع رئيس مجلس قيادة الثورة مباشرة (وهي تعادل الرقابة الإدارية اليوم).
* من مؤسِّسي المخابرات العامة والمباحث العامة سنة 1952.
* في ديسمبر/ كانون الأول 1952 انتُدب للعمل في القسم الخاص بالمخابرات العامة الذي كان مسؤولاً عن الأمن القومي الداخلي وكان مقره في بداية تكوينه مع بداية تكوين المباحث العامة أيضاً في مبنى مجمع التحرير ثم انتقل مع هذه الإدارة إلى مبنى وزارة الداخلية في لاظوغلي.
* في ابريل/ نيسان 1955 اختاره الرئيس جمال عبدالناصر للعمل سكرتيراً لرئيس الجمهورية للمعلومات واستمر في هذا المنصب حتى 28 سبتمبر/ أيلول 1970. وتلقى دورة في البيت الأبيض في واشنطن “كيف تخدم الرئيس”، كما درس أساليب العمل في كل من الكرملين ورئاسة الجمهورية في مكتب الرئيس تيتو وفي الهند والصين الشعبية وفرنسا.
* نُقل إلى الكادر المدني في رئاسة الجمهورية سنة 1956 (الدرجة الثانية) وفي 5 يونيو/ حزيران 1960 صدر القرار الجمهوري رقم 1055 لسنة 1960 بترقيته إلى درجة مدير عام برئاسة الجمهورية، وتدرج في التسلسل الوظيفي الطبيعي من دون أي استثناء حتى رُقيّ إلى درجة وكيل وزارة مساعد برئاسة الجمهورية بالقرار الجمهوري رقم 2748 لسنة 1962 في 16 سبتمبر/ أيلول 1962 ثم وصل إلى منصب مستشار رئيس الجمهورية بدرجة نائب وزير بالقرار الجمهوري رقم 3404/ 65 بتاريخ 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1965.
* شارك في دورتين للأمم المتحدة في نيويورك عامي 1958 حيث شارك في اجتماعات مجلس الأمن أثناء بحث شكوى لبنان ضد الجمهورية العربية المتحدة و1960 ضمن وفد مصر برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر.
* عُيِّن وزيراً للدولة عضواً في مجلس الوزراء بالقرار الجمهوري رقم 685 لسنة 1970 بتاريخ 26 ابريل/ نيسان 1970.
* أعيد تعيينه وزيرا للدولة في 20 أكتوبر 1970.
* في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني عُيِّن وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية.
* قام بالعديد من المهام الرسمية والخاصة داخل البلاد وخارجها.
* متزوِّج وله أربعة أبناء.
* سُجن مرتين: الأولى في يناير/ كانون الثاني 1953 فيما عُرف بقضية المدفعية، والمرة الثانية في 13 مايو/ أيار 1971 فيما عُرف بانقلاب مايو/ أيار، وحُكم عليه في هذا الانقلاب بالإعدام الذي خُفِّف إلى السجن المؤبد وقضى منها عشر سنوات كاملة مضافاً إليها يومان وأربع ساعات متنقلاً في سجون مصر من ليمان أبوزعبل إلى سجن القلعة إلى السجن الحربي إلى ليمان طرة إلى ملحق مزرعة طرة وأخيراً السجن السياسي في مستشفى المنيل الجامعي (القصر العيني) في الشهور العشرة الأخيرة قبل الإفراج عنه يوم 15 مايو/ أيار 1981 الساعة التاسعة مساء.
* مارس العمل السياسي مع قيام الاتحاد القومي، حيث انتُخب عن دائرة مصر الجديدة وحاز على أعلى أصوات الدائرة الانتخابية.
* عضو في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي.
* من أوائل مؤسسي تنظيم طليعة الاشتراكيين الخلية الأولى التي شُكِّلت من الرئيس جمال عبدالناصر وكل من: علي صبري وعباس رضوان وأحمد فؤاد ومحمد حسنين هيكل وسامي شرف ثم عضو الأمانة العامة لتنظيم طليعة الاشتراكيين ورئيس المكتب السياسي. علاوة على تولي مسؤولية التنظيم الطليعي على مستوى منطقة شرق القاهرة (أقسام مصر الجديدة والوايلي والزيتون والمطرية وعين شمس والنزهة)، وجامعة عين شمس.
* أسَّس نادي الشمس الرياضي في مصر الجديدة.
* من مؤسسي الحزب العربي الديمقراطي الناصري، وأشرف رئيساً للجنة الانتخابات على قيام جميع تنظيمات الحزب من القاعدة إلى القمة بالانتخاب، وهي عملية لم يمارسها أي حزب في مصر في الفترة الأخيرة، ثم قدم استقالته من جميع تنظيمات الحزب لأسباب خاصة هو مقتنع بها.
* عضو مكتب اللجنة المصرية لتضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية ويشارك في كل أنشطتها في الداخل والخارج.
* عضو مشارك في ملتقى الحوار العربي القومي.
* شارك في العديد من الندوات والمحاضرات واللقاءات التلفزيونية وكتب المقالات الصحافية في الداخل والخارج (سوريا ليبيا الأردن العراق فرنسا الإذاعة البريطانية “BBC” مجلة “آساهي” اليابانية وكذلك محطتها التلفزيونية في برنامج عن ثورة يوليو/ تموز 1952 ومفجّرها الرئيس جمال عبدالناصر محطة الأوربيت وغيرها).
* بعد خروجه من السجن، انتسب الى الجامعة الأمريكية في القاهرة للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال ولكنه لم يستطع أن ينهي دراسته فيها لأسباب خارجة عن إرادته، حيث تمت مضايقات من أحد رجال المخابرات المركزية الأمريكية من الذين كانوا مزروعين في هذه الجامعة، وقد حاول كبار أساتذة الجامعة الأمريكية إثنائه عن عدم إتمام الدراسة وأبدوا رغبة ملحة في تجاوز هذه المضايقات لكي يتمكّن من الحصول على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية بعد حصوله على درجة الماجستير التي أكدوا أنه سيكون من المتفوقين الذين يحظون بنيل منحة مجانية للدراسات المتقدمة، إلا أنه لم يقتنع.
* حائز على أوسمة ونيايشين من كل من يوغسلافيا كمبوديا السودان أفغانستان المغرب ساحل العاج اثيوبيا النيجر اليمن بولندا بلغاريا ماليزيا تونس رومانيا موريتانيا فنلندا السنغال الكونجو الشعبية المجر إفريقيا الوسطى.
* الأوسمة المصرية التي يحوزها هي الأوسمة العسكرية التي مُنحت له قبل الثورة عندما كان ضابطاً في الجيش المصري
الخليج الإماراتية
28.9.2003 "
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
You are my today's
زيارتكم هى رقم
Web guest
Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT,
International Computer Consulting & Training, Germany, US