Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

حول خطاب عبد الناصر في عيد المعلم

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 17 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة السابعة عشر


في لقائه مع الفائزين في جامعة القاهرة، لمس الرئيس جمال عبدالناصر، بما عودنا دائما من وضوح وعمق وصراحة، قضايا فكرية ومنهجية عدة، اخذت تفرض نفسها بإلحاح في المرحلة الجديدة، وبالوضوح والعمق وبالصراحة حدد الحلول الواجبة لهذه القضايا، ارتفاعا بالعمل الوطني الى مستوى مسؤولياته المتجددة:

1 كانت القضية الاولى التي طرحها عبدالناصر مدخلا لكل القضايا الاخرى، ان العلم هو الأمل الحقيقي والوحيد لحل كل ما يواجهنا اليوم من مشاكل ومشاغل تتصل بالعمل على مواجهة خطر انفجار السكان، وتحقيق آمال مضاعفة الانتاج، وفرض السيطرة على جموح الاستهلاك، وتضمن تحسين مستويات الخدمة والادارة، فليس من شك أنه بالفكر العلمي وبالتخطيط العلمي وبالتنفيذ العلمي وبالمراجعة العلمية كذلك، فإن شعبنا يستطيع ان يسد بسرعة الفجوة القائمة الآ بين قصور الواقع وطموح المنى.

2 بالمنهج العلمي في التفكير يرفض الرئيس جمال عبدالناصر، ولا بد ان نرفض معه، تصور وجود فراغ بين مراحل التطور لشعب واحد، فإن خط التطور السليم يؤكد بالفكر العلمي ان حركة أي جيل سبق - حتى في اصعب ظروف اليأس والتردد - هي باستمرار الحافز الى حركة جيل جديد يتقدم للعمل الوطني بالعزم والشباب، وهو ما يفرض على كل جيل واجبا أوليا وأساسيا هو ان يمهد الفرصة لجيل جديد يستطيع ان يقود التطور في جميع المجالات، ومن هنا واذا كنا - على حد تعبير الرئيس جمال عبدالناصر - لم نوفر حتى الآن اهتماما كافيا او حوافز كافية لأجيال الشباب. فإن الوقت قد آن لكي نؤكد اذا كان من واجبنا في كل عيد للعلم ان نلتفت الى احتمالات الابداع التي حققت نفسها بالفعل، وان نكرمها، فإن من واجبنا كذلك ان نتطلع الى احتمالات الابداع التي ما زالت تناضل لتحقيق نفسها وان نشجعها.

3 كذلك فإذا كان من حق الاجيال التي اصبحت الآن في مواقع التأهب للخلق العلمي والفكري والفني ان نكرمها، فإن من واجب هذه الاجيال ان تشعر وان تعمق في نفسها الشعور بأنها مطالبة الآن بأن تعامل بجد اكثر متطلبات ما نذرت نفسها اليه، وان ترد لمجتمعها الذي اعطاها الكثير من طاقاته واولاها من رعايته بعض حقه عليها، ولا بد لهذه الاجيال من ان تعليم ان مجتمعنا قد اعطى فرصة لحرية الفكر والثقافة غير متاحة في كثير من البلدان، وانه لا بد - مع احترام القديم ووضعه في مكان التكريم من حركة التطور العام - من ان تشجع كل جديد بشرط ان يعلم هذا الجديد انه مطالب امام مجتمعه بأن يبدأ بشق طريقه بنفسه، فالإبداع لا ينتقل من جيل الى جيل بمجرد الارث. وانما بالجدارة المؤكدة وبالاستحقاق الشجاع.

4 اذا كنا في معركة التنمية نراجع خططنا في الانتاج والاستهلاك، فإن اهم من ذلك الآن ان نراجع خططنا في ما يتعلق بالأفراد، بحيث نتمكن من وضع تنظيم حازم يفرض الرجل الصحيح في المكان الصحيح، ويحفظ بالتالي الطاقة البشرية الضخمة في مجتمعنا ويصونها من ان تبدد على غير أساس. واذا كان التخطيط فيما يتعلق بالافراد لازما في عمومه، فإنه ألزم ما يكون في شأن الكثيرين من شبابنا الذين عادوا من البعثات، حاصلين على اعلى الدرجات، واصلين في العلم الى اشد ما نحتاج اليه، ان وضع هؤلاء في غير ما أهلوا له، وإبعادهم بغير حساب عما أعدوا فيه هو باختصار اهدار لأغلى طاقاتنا، واهدار لتكاليف فادحة دفعها الشعب، وتبديد لوقت لا يعوض في عصر تسابق فيه الشعوب الى التقدم بالساعات وبالثواني.

5 امتداد وراء الذين عادوا من البعثات، بطرح عبدالناصر قضية الآلاف من ابنائنا المبعوثين في الخارج، الذين يعانون الآن - ونعاني معهم - مشكلة احساسهم واحساسنا معهم، بعزلتهم عن وطنهم وعما يجري فيه، واذا كان هؤلاء المبعوثون في الخارج اهمل رصيدنا المستقبلي لكل احتمالات الابداع العلمي والفكري والفني، فإن جهدا لا بد وان يبذل، وان تخطيطا علميا لا بد وان يوضع، لكي نضمن لهم استمرار الارتباط الفكري والشعوري بمجتمعهم الذي ينتظرهم، وفتحا لطريق التفكير في حل هذه المشكلة، اعلن عبدالناصر انه يوافق على عقد مؤتمر في الصيف المقبل يشترك فيه اكبر عدد من ممثلي المبعوثين في الخارج! ليتدارسوا الوسائل التي تعمق ارتباطهم بالعمل اليومي لجماهير شعبهم.



قضية روديسيا وقرار الجمهورية العربية

المتحدة قطع العلاقات مع بريطانيا



1 قامت الجمهورية العربية المتحدة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المتحدة، تنفيذا لقرار منظمة الوحدة الافريقية الذي اتخذته الدول الافريقية بالاجماع ضد بريطانيا، لمؤامرتها الدنيئة ضد الشعب الافريقي في روديسيا، حيث مكنت الاقلية البيضاء التي لا يزيد عددها على 250 الف نسمة معظمهم من اصل انجليزي، من التحكم في الاغلبية الافريقية التي يصل تعدادها الى 4 ملايين نسمة، والسماح لهذه الاقلية بإعلان الاستقلال من جانبها، دون ان تتخذ بريطانيا الاجراءات الكفيلة لردع هذه الحالة التي تعتبر نظريا حالة تمرد ضد بريطانيا نفسها، باعتبار روديسيا مستعمرة انجليزية.

2 تعتبر بريطانيا المسؤولة عن خلق هذا الوضع الشاذ منذ عام 1923 عندما منحت المستوطنين الاوروبيين، الاستقلال الذاتي، ووضعت دستورا يحرم الافريقيين من حقوقهم السياسية، ويضمن بقاء سيطرة الاوروبيين، ثم عادت واكدت هذا الوضع الظالم في دستور جديد عام ،1961 رغم معارضة الافريقيين في روديسيا ومقاومتهم اليائسة، وسمحت بريطانيا لهذا النظام ببناء جيش قوي مدعم بسلاح جوي من احدث الطائرات.

3 كانت الجمهورية العربية اول دولة تثير قضية روديسيا في الامم المتحدة عام ،1961 ونبهت الضمير العالمي لما ترتكبه بريطانيا من مؤامرة خطيرة ضد الافريقيين في روديسيا، واصدرت الامم المتحدة قرارات عديدة منذ ذلك التاريخ، كلها تطالب بريطانيا بتغيير هذه الاوضاع الشاذة، وبدلا من ان تستجيب بريطانيا الى هذه القرارات كانت تدافع عن هذا النظام الفاسد، وتدعي في غش وخداع انها تهيئ الافريقيين للحكم، انها لن تعطي الاستقلال الا لحكم الاغلبية.

4 في الوقت الذي كانت فيه حكومة الاقلية في روديسيا تعد لإعلان الاستقلال من جانب واحد، وكان العالم يطالب بريطانيا بالتدخل لوقف هذه المهزلة، رفضت بريطانيا اتخاذ أي اجراء من هذا القبيل، وذهبت الى حد اعلان انها لا يمكن ان تستخدم القوة ضد ابناء جنسها من الاوروبيين في روديسيا ان هم خرجوا عن طاعتها واعلنوا الاستقلال، وانها في هذه الحالة ستكتفي بفرض حصار اقتصادي على روديسيا، وقد كان هذا التصريح في حد ذاته اكبر مشجع لحكومة “أيان سميث” لإعلان الاستقلال من جانبها.

5 ان كل ما يعني بريطانيا من موضوع روديسيا هو حماية رؤوس اموالها الموجودة هناك، واستمرار نهب الشركات الانجليزية لثروات البلاد، كما ترى في خلق دولة عنصرية في روديسيا حماية للنظام القائم في جنوب افريقيا، حيث تصل استثمارات انجلترا هناك الى 2700 مليون جنيه استرليني.

6 مؤامرة روديسيا تكرار لمؤامرة “اسرائيل”:

إننا نجد تشابها عجيبا بين المؤامرة التي تحدث حاليا في روديسيا ومؤامرة خلق “اسرائيل” عام ،1948 وفي كلتا الحالتين نجد أقلية غريبة تدعي لنفسها حقا في وطن شعب آخر، وتحت ظل الاستعمار تتقدم لتمسك بمفاتيح الثروة الوطنية. والسلطات الفعلية، ثم تفرض بالقوة سيطرتها الى حد اعلان استقلال مزعوم.

7 يتظاهر الاستعمار بعدم الرضا في كلتا الحالتين مع انه يملك فرصة التغيير ووسائله، ولكنه في الواقع شريك نفس المخطط العدواني، مهما تظاهر ومهما كان التنوع في توزيع الادوار، ويعلل تظاهره بالعجز امام الظلم بوجود دستور هو الذي صنعه. ففي الوقت الذي رفضت فيه بريطانيا نداء الامم المتحدة والعالم كله لوقف العمل بدستور 1961 في روديسيا متعللة بقانونية هذا الوضع، نجدها تمزق الدستور في عدن معتدية بذلك على الاوضاع القانونية والقيم الانسانية واستخدمت جميع اساليب القمع لإخماد ثورة الشعب العربي.

8 كما خلق الاستعمار “اسرائيل” لتكون أداة للعدوان في قلب العالم العربي، يخلق اليوم روديسيا لتكون أداة للعدوان في قلب افريقيا.

9 كما اعتبر خلق “اسرائيل” تحديا للشعور العربي ونيلا من كرامة العرب فقد اعتبر الافريقيون في خلق روديسيا تحديا لهم ونيلا من كرامتهم.

10 قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا:

لقد اتخذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا بإجماع الدول الافريقية. ولكننا نعلم بطبيعة الحال انه قد لا يكون في مقدور الجميع تنفيذ مثل هذا القرا لما نعلمه من تمكن الاستعمار من بعض الدول حديثة الاستقلال، ولكن جميع الدول القادرة على الحركة في هذه القارة والتي تتصدر حركة التحرير في إفريقيا، وفي مقدمتها الجمهورية العربية المتحدة، اقدمت على تنفيذ هذا القرار بطبيعة الحال، ومن هذه الدول: غانا - تنزانيا - غينيا - مالي - كونغو برازافيل - موريتانيا - الصومال - السودان - الجزائر. وتجدر الاشارة هنا الى ان دولا من بينها - مثل غانا وتنزانيا - تدخل في رابطة الكومنولث ولها ارتباطات ومصالح كثيرة مع بريطانيا، ورغم ذلك اقدمت على تنفيذ هذه الخطوة بشجاعة، وتحملت كل ما يترتب على ذلك من تضحيات.

11 قد كان غرض منظمة الوحدة الافريقية من اتخاذ هذا القرار هو الضغط على بريطانيا حتى تستجيب الى نداء الضمير العالمي. ولا شك ان قطع العلاقات بهذا الشكل الجماعي امر أزعج بريطانيا ونال كثيرا من هيبتها. وعرض مصالح كثيرة لها في افريقيا للضياع.

12 ان اقدام بعض الدول الافريقية - خاصة تلك التي كانت تستعمرها بريطانيا - على قطع العلاقات معها امر سوف يعمل ولا شك على تصفية النفوذ البريطاني وبقايا الاستعمار في هذه الدول، (كما حدث في مصر بعد العدوان عام 1956).

13 أثر قطع العلاقات مع بريطانيا على الجمهورية:

رغم ان قرار قطع العلاقات مع بريطانيا اقتصر على النواحي الدبلوماسية فقط، بمعنى انه لم يتعداه الى النواحي الاقتصادية في هذ المرحلة، الا اننا بطبيعة الحال على استعداد لمواجهة امتداد ذلك للنواحي الاقتصادية. وهنا نود الاشارة الى اننا لن نتأثر اقتصاديا ولن تتأثر تجارتنا اذا حدث ذلك، وان اي محاولة من هذا القبيل ستعكس في غير صالح بريطانيا، حيث ان ميزان المدفوعات بيننا حتى الآن في صالح بريطانيا، كما ان كل ما نستورده منها في هذه المرحلة هي سلع رأسمالية تتنافس دول كثيرة في انتاجها وتصديرها، ويمكن لنا بذلك ان نستوردها من دول غيرها، اما صادراتنا لها فيمكن توجيهها الى دول اخرى في غير عناء.

14 ليست هذه هي المرة الاولى التي نقطع فيها علاقاتنا مع بريطانيا فقد سبق ان فعلنا ذلك عام 1956 مع كل من بريطانيا وفرنسا عقب العدوان الثلاثي، وقد ساعدنا ذلك في تدعيم اقتصادنا وتخليصه من رواسب الاستعمار، في الوقت الذي كان ينهار فيه الجنيه الاسترلينيني بسبب اغلاق قناة السويس، لولا تدخل امريكا وتقديمها الاعانات اللازمة لحفظ الجنيه الاسترليني من الانهيار.

قرارات الاسعار والضرائب

لجأت الحكومة في الايام الاخيرة الى رفع الضرائب على الشرائح العليا من الدخل، والى رفع أسعار السلع الضرورية ونصف الضرورية، كما أثاروا موجة من التساؤلات، فقد تساءل البعض على وجه الخصوص ما اذا لم يكن ممكنا للدخول المرتفعة وحدها ان تتحمل هذه الاجراءات المطلوبة.

وحتى يمكننا ان نواجه هذه الموجة من التساؤلات وان نوضح الامر على حقيقته، يلزم ان نبدأ بعرض الموقف عرضا صريحا وعلميا، واذا كان هذا العرض قد لا يرضي كثيرا من العواطف الا ان تجاهله يشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد القومي.



ويتلخص الموقف الاقتصادي في بساطة ووضوح في مشكلتين اساسيتين هما:

1 عدم التوازن بين الطلب على سلع الاستهلاك وعرض هذه السلع، وذلك نتيجة لزيادة طلب هذه السلع على عرضها زيادة لا يمكن لهذا العرض ان يقابلها، الا اذا قبلنا ايقاف التنمية الاقتصادية على ما سنرى، ويترجم عدم التوازن بين طلب هذه السلع وعرضها على النحو السابق بوجود ما يعرف “بالهوة التضخمية” في سوق سلع الاستهلاك.

2- وجود عجز في ميزان المدفوعات (أي في ميزانية النقد الاجنبي) يبلغ في السنة المالية الحالية 1965/ 1966 حوالي 60 مليونا من الجنيهات. وتعود زيادة الطلب على سلع الاستهلاك عن عرض هذه السلع الى عدة عوامل مرتبطة اهمها:

أ ارتفاع معدل زيادة السكان، اذ يبلغ هذا المعدل في المتوسط في السنوات الاخير حوالي 2،8% وهو ما يعني ان يزداد السكان سنويا بحوالي 800000 (ثمانمائة الف)، وما يعني ايضا ان يبلغ عدد السكان سنة 1970 حوالي 34 مليون نسمة، وهي زيادة رهيبة تلقي أعباء ضخمة على خطة التنمية، كما انها قد تؤدي - اذا لم يقبل الشعب المزيد من التضحيات - الى خفض مستوى المعيشة.

ب زيادة الدخول المتاحة للاستهلاك، وذلك بسبب زيادة حجم العمالة، فقد ارتفعت من 600،6 الف في سنة في الاساس الى 700،333 الف في نهاية الخطة الخمسية الاولى، وبسبب ارتفاع مستوى الاجور، خاصة بعد تقرير الاحد الادنى للأجور وبعد إشراك العاملين في الارباح، فقد أدت هذه الاجراءات معا الى ارتفاع الاجور الكلية مم 549،5 مليون جنيه في سنة الاساس (59/ 1960) الى 879،9 مليون جنيه في السنة الخامسة من الخطة (64/ 1965) اي بنسبة 59،9% وهي زيادة بالغة الارتفاع خاصة اذا ما قيست بزيادة الانتاج في نفس الفترة، وهي تلك الزيادة التي لم تتعد 37% وقد دفعنا الى قبول هذه الزيادة المرتفعة في الاجور - وهي زيادة لا تبررها زيادة الانتاج، الرغبة في رفع مستوى الطبقات العاملة، وفي تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية، وبالإضافة الى ذلك ارتفعت دخول صغار الملاك الزراعيين نتيجة لقوانين الاصلاح الزراعي، وهي دخول تخصص هي الاخرى في غالبيتها للاستهلاك.

ج إعادة توزيع الدخول في صالح الطبقات الفقيرة، وذلك عن طريق التوسع في الخدمات المجانية، وعن طريق تخفيض ايجارات المساكن، مما أدى الى رفع الطلب على سلع الاستهلاك الاخرى.

د زيادة الاستهلاك الجماعي، اي الانفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية، فقد ارتفع هذا الاستهلاك من 228،1 مليون جنيه سنة 1959/ 1960 الى 431،3 مليون سنة 64/ 1965. اي بنسبة 89،6%.

وقد أدت هذه العوامل مجتمعة الى ارتفاع الاستهلاك الكلي بمعدلات تفوق تلك التي كانت مقدرة في الخطة، فقد ارتفع الاستهلاك الكلي - مقوما بالأسعار الجارية - من 1199،7 مليون جنيه سنة 1959/ 1960 الى 1762،2 مليون جنيه في السنة الخامسة للخطة 64/ 1965 اي بمقدار 562،5 مليون جنيه، اي بنسبة 46،9% وقد كان المفروض بموجب الخطة الخمسية الاولى ان يرتفع الاستهلاك في حدود 4،9% سنويا اي بحوالي 24،5% في الخمس سنوات، وقد بلغت هذه الزيادة غير المتوقعة في الاستهلاك 46،9% في الوقت الذي سجل فيه الدخل القومي - وعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلت - قصورا عن المعدلات التي كانت مقدرة في الخطة، فقد كان المقدر ان يرتفع الدخل القومي في نهاية سنوات الخطة الخمسية الاولى بنسبة 40% مما كان عليه في سنة الاساس. غير انه لم يرتفع الا بمقدار 37% فقط، وبالاضافة الى ذلك فإن الانتاج السلعي خاصة في القطاع الزراعي والصناعي قد سجل على وجه الخصوص قصورا عن المعدلات التي كانت مخططة. هذا مع ملاحظة ان انتاج الخدمات يتم بغرض الاستهلاك، وهو ما يعني انه لا يمكن ان يسهم في تمويل الخطة.

وتعنى زيادة الاستهلاك بمعدلات تفوق تلك التي كانت متوقعة في الخطة وقصور الانتاج عن المعدلات التي كانت متوقعة في الخطة حدوث عدم توازن بين الاستهلاك والانتاج، اي حدوث هوة تضخمية كما تعنى ايضا بالتقليل من المدخرات اللازمة لتمويل الاستثمارات، وكان طبيعيا ان ينعكس هذا الاختلال القائم بين الدخول المخصصة للاستهلاك والمعروض من سلع الاستهلاك في السوق المحلية في ميزان المدفوعات في ميزانية النقد الاجنبي؟ فقد أدت زيادة الطلب على سلع الاستهلاك على الصورة السابقة الى التوسع في استيراد السلع الاستهلاكية خاصة القمح. هذا بالإضافة الى ضرورة التوسع في استيراد سلع الانتاج اللازمة للقيام بالتنمية الاقتصادية، وانتهى التوسع في الاستيراد بمعدلات تفوق تلك التي كانت مقدرة في الخطة، مع قصور التصدير عن المعدلات التي كانت مقدرة في الخطة، الى حدوث عجز في ميزان المدفوعات، اي حدوث نقص في العملة الاجنبية.

كما قدر العجز المتوقع في النقد الاجنبي في السنة المالية الحالية (65/66) بحوالي 60 مليونا من الجنيهات.

فكيف يمكن اذن معالجة الهوة التضخمية القائمة في سوق سلع الاستهلاك؟ اي كيف يمكن اعادة التوازن بين المطلوب من هذه السلع والمعروض منها؟ اي كيف يمكن اعادة التوازن بين الدخول المخصصة للاستهلاك والمعروض من سلع الاستهلاك؟

ثم كيف يمكن معالجة العجز القائم في النقد الاجنبي؟ وكيف يمكن تفادي مثل هذا العجز في المستقبل؟

دعنا نواجه الحل أولا على المستوى العلمي النظري. ثم كيف تصرفت الحكومة. ونحكم على تصرفها.

ليس من الممكن بداهة، على الاقل في المرحلة الحالية، التوسع في انتاج او استيراد سلع الاستهلاك بما يكفي مواجهة الطلب المتزايد، لأن معنى ذلك بصراحة ايقاف برامج الصناعة الثقافية وبرامج الاستصلاح الزراعي، وهو ما لا يمكن قبوله لأنه يعني في النهاية التضخم بمزيد من الاستهلاك في المستقبل في مقابل زيادة محدودة في الاستهلاك الحالي.

ليس من الممكن بداهة الاستمرار في الاستهلاك المرتفع وبالتالي الاستمرار في استيراد سلع الاستهلاك، لأن مثل هذا الحل يعني بالضرورة الالتجاء الى قروض جديدة، هذا في الوقت الذي يلزم فيه الوفاء بالتزامات القروض القائمة.

ليس من السليم اقتصاديا ان نقترض بغرض الاستهلاك، فالمنطق الاقتصادي السليم يستلزم، في مثل ظروفنا، ضرورة ان نستخدم القروض لتمويل الاستثمارات التي ترفع الكفاية الانتاجية للاقتصاد القومي، بل وليس من الملائم اخلاقيا ان يقترض الجيل الحاضر ليستهلك، لأن ذلك يعني في وضوح ان الآباء يستهلكون والابناء يدفعون! وليس ذلك من العدل في حق ابنائنا، بل العدل في حقهم ان يدخر الآباء ليستهلك الابناء. ليس من الممكن اذن ان نمول الاستهلاك عن طريق القروض او عن طريق تحميل ابنائا اعباء هذا الاستهلاك، فماذا نفعل اذن؟

لا بد في مثل هذه الظروف، وحتى نتمكن من قطع مرحلة اكبر من التنمية الاقتصادية تضمن وفرة سلع الاستهلاك في المستقبل، ان نضغط الاستهلاك الحالي، وبذلك نتمكن من تحقيق هدفين متكاملين يعيدان التوازن لسوق سلع الاستهلاك ولميزان المدفوعات، وهما نقص في الاستيراد وزيادة التصدير.

وفي مجال مناقشة موضوع نقص الاستيراد لا يكون من الممكن بداهة مواجهة ضغط استيراد سلع الانتاج. لأن ذلك يعني - كما قدمنا - وقف التنمية، وانتشار البطالة بين العمال، وهو ما لا يمكن ان يقبله شعب يقدر مسؤولياته.

لم يبق إذن - وقد امتنع علينا زيادة المعروض من سلع الاستهلاك، وقد امتنع علينا ايضا ضغط استيراد السلع الوسيطة اللازمة للانتاج. الا ان نقبل - وبتفهم للوضع - ضغط الاستهلاك، رغبة في الحد من استيراد سلع الاستهلاك، ورغبة في التوسع في تصدير هذه السلع، وهنا ننبه الى انه يلزم حتى نتفادى العجز في ميزان المدفوعات البالغ 60 مليونا من الجنيهات، ان نخفض الاستهلاك بما لا يقل عن 100 مليون جنيه، ويمكن بداهة ان نخفض ضغط الاستهلاك عن طريقين، وهما: تخفيض الدخول المخصصة للاستهلاك وخاصة الاجور، ورفع اسعار سلع الاستهلاك، ويعني تخفيض الاجور انقاص حجم العمالة وتسريح عدد من العمال، وهو ما لا تقبله حكومة اشتراكية. كما ان مثل هذا الحل يتطلب انخفاضا في الاجور لا يقل عن 20%، ذلك ان الاجور التي يمكن التحكم فيها والتي يمكن بالتالي انقاصها هي 500 مليون جنيه، وان المبلغ المطلوب لإنقاص الاستهلاك مقداره نحو 100 مليون جنيه. ومع ذلك فقد لجأت الحكومة الى رفع الضرائب على الشرائح المرتفعة من الدخل، غير ان ذلك لا يعتبر حلا للمشكلة لأنه لا يمكن بداهة احداث التخفيض المطلوب في الاستهلاك.





لماذا تؤيد الجمهورية العربية شعب زيمبابوي (روديسيا) في قضيته؟



اننا تؤيد هذا الشعب في قضيته لإيماننا بعدالة هذه القضية، ولأننا نقف ضد جميع المحاولات التي تهدف الى اهدار كرامة الشعوب وضياع حقوقها، اننا نقف ضد الحكومة العنصرية وضد سياسة التفرقة العنصرية الكريهة بجميع اشكالها وصورها، ونفعل ذلك بوحي من مبادئنا التي نستمد منها قوة هائلة في صراعنا ضد الاستعمار.

ان هذه القضية تقرب قضية فلسطين الى أذهان الافريقيين للتشابه الكبير بين القضيتين، ولا شك ان تأييدنا هذا يشجعهم في اتخاذ موقف مؤيد لحقوق عرب فلسطين.

ان الجمهورية العربية المتحدة باعتبارها طليعة الدول المتحررة في افريقيا، لا بد ان تتحمل مسؤوليتها في مثل هذه القضايا التي تمس كرامة افريقيا وتهدد سلامتها.




الخليج الإماراتية
21.10.2003

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US