Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

في ذكري وحدة مصر وسوريا

الدرس الباقي

مجدي رياض

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 16 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة السادسة عشر


عندما قامت ثورة يوليو واتضح توجهها القومي بدأت الأنظار في سوريا تتجه نحو القاهرة، وبدأت الطلائع القومية هناك ترصد بكثب تطورات الأوضاع في مصر ومتابعة بروز نجم جمال عبد الناصر وتأكيد زعامته داخل مجلس قيادة الثورة _كما ورد في شهادات قيادة البعث_ وداخل مصر أولاً ثم علي امتداد الوطن العربي ثانياً وفي مرحلة لاحقة.. وبالفعل بدأت الوفود البرلمانية والقيادات السياسية تندفع نحو القاهرة لتدفعها نحو العمل الوحدوي، وبدأ التعاون المشترك وعقدت اتفاقية اقتصادية بين البلدين في 29 يناير 1956 وتبعها التوقيع علي اتفاقية الوحدة الاقتصادية الكاملة في 1957، وكانت تستهدف حرية انتقال الأشخاص والأموال والتملك والإرث وتنسيق السياسات الزراعية والصناعية والضريبية والجمركية..الخ. كانت العوامل الضاغطة سلسلة من الوقائع والأحداث الدافعة نحو تقريب موعد الوحدة وشكل إعلانها، كانت هناك عوامل خارجية تمثلت في الضغوط الغربية التي مورست علي مصر وسوريا بصفة عامة وعلي سوريا بصفة خاصة، وكانت هناك العوامل الداخلية التي جسدتها الصراعات وهددت الأوضاع بالانفجار داخل سوريا، بل هددت وحدتها الوطنية وكادت تدفعها نحو الهاوية ع! لي حد تعبير حسنين هيكل. علي المحور الخارجي بدأت المحاولات الأمريكية التي تستهدف تنفيذ مشروع أيزنهاور بملء الفراغ ولتطوق مصر وتعزلها عن المتحالفين معها وفي مقدمتهم سوريا، وكان حلف بغداد قد اتخذ خطوات متعددة في سبيل حصار دمشق وتهديدها عن طريق التهديد المباشر بالقوات الأمريكية والتركية علي الحدود الشمالية لسوريا، وكذلك دعم جبهة المصالح الرأسمالية والإقطاعية وبعض قيادات الجيش من أجل جر البلاد إلي حرب أهلية ثم الانحياز إلي بغداد _ أمريكا، لذا كانت الوحدة هي الرد الطبيعي والضروري لمواجهة ذلك المخطط، وقد أشارت اللوموند الفرنسية في 7/5/1958 تعليقاً علي هذا الأمر قائلة (إن الدول الغربية الكبري عمدت منذ نشوء أزمة السويس إلي تأييد خطة العزل التي اتبعتها وزارة الخارجية الأمريكية، وقد أسفرت هذه السياسة عن نتائج متواضعة). وعلي المحور الداخلي فقد انقسم المجتمع السوري وتشتت بين ثلاث سلطات، السلطة المدنية التي يقودها الساسة التقليديون، والسلطة العسكرية التي تستخدم القوة والقهر وقامت بعدة انقلابات متتالية، وسلطة الجماهير التي تطالب بالتغيير وتجذب إليها بعض الأحزاب القومية والتقدمية مثل حزب ا! لبعث، وبذلك فإن الوضع الداخلي شهد توزيعا وانتشارا للقوة ومن ثم تشرذم ا لنخبة السياسية كما يقول د. علي الدين هلال، وهذا الأمر بلغ ذروته في الشهور السابقة علي الوحدة، مما حدا بالجميع إلي الشعور بعدم القدرة علي التغيير أو في سيطرته وسلطته، ومن ثم تطلع الجميع إلي القاهرة بحثاً عن الخلاص ووقف مسلسل الانهيار الداخلي. لقد تفاعل الخطر الخارجي مع ثغرات الصراع الداخلي، وتعقدت الأمور بسبب السلطة العسكرية التي ابتعدت عن دور الجيش كمؤسسة عسكرية وأصبحت منتدي سياسيا متنافرا، وقد ساعد علي ذلك _كما يذكر الفريق عبد الكريم زهر الدين_ سعي كل القوي (العاملة والمؤثرة في المجتمع ليكون لها أنصار في الجيش، وأي اختلاف سياسي ما بين تلك القوي يعكس نفسه بسرعة تلقائية داخل الجيش فتستعد القطاعات العسكرية لملاقاة بعضها علي فوهة المدفع وتحت أزيز الرصاص)، ومن هنا كانت إحدي شروط عبد الناصر الرئيسية بعد أن رضخ للإلحاح بضرورة الإسراع نحو الوحدة، هو أن تبتعد المؤسسة العسكرية عن السياسة وأن تنصرف القيادات المولعة بالعمل السياسي عن الجيش وتندمج في الحياة المدنية والسياسية. وبرغم قناعة عبد الناصر الوحدوية ومعاركه ضد مشاريع أمريكا بالمنطقة، بدءا من كسر احتكار السلاح مروراً بتأميم القنا! ة وصولاً إلي معركة الأحلاف، وبرغم إيمانه بضرورة التفاعل مع سوريا في معركة الحياد ورفض الأحلاف والتلاحم المشترك في مواجهة هذه الأوضاع والأخطار الخارجية والداخلية، إلا أنه كان يصر علي إعطاء مهلة لإنجاز الوحدة الإندماجية _مثل ثلاث سنوات وقيل خمس سنوات_ بحيث يتم الإعداد الصحيح والمؤهل للتصدي لأعدائها وضمان نجاحها، ولكن تحت ضغط الاندفاع الشعبي في سوريا والضغط الحزبي بقيادة البعث والإلحاح الصادق من القيادات الشابة بالجيش السوري والتي أتت إلي القاهرة رافضة العودة إلا بوثيقة الوحدة أو حتي الموافقة، وافق عبد الناصر وأرفق موقفه بعدة شروط أهمها الاستفتاء الشعبي _حل الأحزاب_ وابتعاد الجيش عن السياسة، وقد وافق الجميع علي هذه الشروط فتمت الوحدة، وتؤكد كتابات وشهادات البيطار ومحمود رياض وصلاح نصر ود. جمال الأتاسي.. ومحمد حسنين هيكل..الخ علي هذه الوقائع وذلك السياق العام. ورغم أن الوحدة _تجربة 1958_ لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات ونصف، ورغم جريمة الانفصال المروعة إلا أن هذه التجربة كانت لها إيجابيات عديدة، ولا نقصد بهذه الإيجابيات انتصاراتها علي حلف بغداد أو حماية سوريا من الانهيار أو القواني! ن والإصلاحات التي شهدتها الإجراءات الاشتراكية..الخ، ولكن الإيجابيات ال كبري التي نشير إليها هنا هي التي امتدت حتي وقتنا الراهن، تلك الإضافات الجوهرية التي دفعت الفكر القومي نحو التطوير والإنضاج سواء علي المستوي النظري أو علي المستوي الحركي:

(1 ) لقد دفعت هذه التجربة العمل القومي إلي أحضان الجماهير الشعبية، فلقد كانت الحركة القومية فيما قبل وبعد الحرب العالمية الأولي تحت قيادة الإقطاعيين وزعماء العشائر وكبار العسكريين، ثم انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية إلي الطبقة المتوسطة وذلك بفضل بروز التنظيمات الجديدة كحزب البعث وحركة القوميين العرب. كان حزب البعث آنذاك كما تقول شهادة صلاح البيطار (نخبوياً يستند إلي الطليعة المثقفة، ولو أنه كان دائما يحث أعضاءه علي ضرورة الاتصال بالجماهير والعمل معها، ولكن برأيي كان ينقصه فن مخاطبة الجماهير وهي مشكلة كل الأحزاب الطليعية).

وكانت حركة القوميين العرب كما يحللها د. معن زيادة عاجزة عن الانتقال إلي الحركة الجماهيرية (ليس لأن الجماهير لم تكن مستعدة لأفكار الحركة، بل لأن تركيب الحركة الداخلي لم يكن يسمح بذلك، فقد شيد التنظيم عبر العلاقات الأبوية التي تسود التنظيمات النخبوية السرية).

ومن هنا تبرز أهمية هذه الإيجابية الكبري التي صنعتها تجربة الوحدة تحت قيادة عبد الناصر، إن جموع الفلاحين والمهنيين وصغار الموظفين والحرفيين..الخ، هي التي أصبحت الطرف الرئيسي في الصراع السياسي والاجتماعي بالوطن العربي عامة وفي مصر وسوريا خاصة، سواء تمت هذه القفزة النوعية عبر العلاقة المباشرة بين الزعيم والجماهير أو من خلال الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية أو عبر التنظيمات الشعبية والإعلامية، فإن هذه الجماهير هي التي خاضت معارك الجمهورية العربية المتحدة، ووقفت بصدورها في مواجهة رصاص الانفصال، ومازالت هي المحك والفرز.. وهي الأساس الصحيح لأي عمل وحدوي مستقبلي وبدونها يتعثر العمل ولا أمل فيه.

(2 ) وكانت من إيجابيات هذه التجربة إدراك الفكر القومي لضرورة الخروج من المثالية والتعميم التبشيري إلي دائرة الفهم الجدلي والارتباط بالواقع بحثاً عن الوسائل والأدوات وتشريحا للمعوقات والأخطار. فلقد كانت الكتابات القومية في الفترة ما بين الحربين العالميتين تركز اهتمامها في الدفاع عن الفكرة القومية، بينما لم يشغل الحديث عن أساليب تحقيق الوحدة سوي .7% من هذه الكتابات، بل ولم تسجل هذه الكتابات موقفا يذكر من التغير الاجتماعي أو الديمقراطية، وملأ الموقف من الاستعمار مساحة زهيدة من إنتاجها حوالي 1.8%. في المرحلة التالية والممتدة في أواسط الستينيات ارتفعت النسبة التي تشغلها الكتابات عن أساليب الوحدة إلي 8.8%، وفي الحديث عن الموقف من التغير الاجتماعي تعدي 9.7%، أما الديموقراطية فقد بلغت نسبتها في تلك الكتابات حوالي 3.7%. وإذا نظرنا إلي هذه النسب وتلك الأرقام كمؤشرات، وإذا بحثنا عن المتغير الرئيسي في هذه المرحلة والذي وقف وراء الانتقال الإيجابي في الفكر والكتابات القومية لوجدنا أن الوحدة هي هذا المتغير، وأن أثرها قد امتد حتي بعد الانفصال، لقد دفعت التجربة هذا الفكر إلي اقتحام قضايا لم ! يكن يعيرها اهتمامه والبحث في موضوعات كانت هامشية فيما قبل الوحدة.

(3 ) وهناك أيضاً العديد من الإيجابيات في هذا المنحي، فقد أثبتت التجربة بما لا يدع مجالاً للشك أهمية دور مصر كإقليم قاعدة في بناء المشروع الوحدوي، وأكدت التجربة ضرورة البناء الوحدوي بالتنمية والعدل الاجتماعي، وفي الوقت ذاته أفصحت نهايتها المأساوية عن ضرورة الديمقراطية وإتاحة الفرصة أمام الجماهير لتشكيل أحزابها حتي تنظم صفوفها وتستطيع مواجهة أعدائها وحماية الوحدة.
الأحد 22/2/2004

العدد 897

السنة 11

مجدي رياض

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US