Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

الجيش الوطني هدفه حماية الشعب والديمقراطية السليمة

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 15 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة الخامسة عشر


* الرئيس: في تعليقي على كلام الاستاذ خالد هو ابتدأ كلامه وقال: إن الكلام دا خطير، والكلام دا أنا ما باقولوش لأول مرة، أنا قلت الكلام دا مرات قبل كده متعددة.

من أول يوم في الثورة وأنا باقول هذا الكلام بصيغات مختلفة. والاجتماع اللي هو بيقول عليه في شارع عدلي يمكن كانت عملاه رابطة قنا اللي هي كانت موجودة في شارع عدلي في أول الثورة. اتكلمت على الرجعية، واتكلمت على الشعب، واتكلمت على الثورة، واتكلمت على مبادئ الثورة. من أول يوم في كل خطبة من خطبي باتكلم على مبادئ الثورة الستة.

الأخ خالد بيقول ان احنا لا نمارس اليوم ثورة، ونحن نعيش في تطور، وبعدين في الآخر في حماسه قال: هذا الشعب المؤمن بثورته، دليل حتى في قرارة نفسه هو معتقد ان فيه ثورة لأن الشعب مؤمن بثورته إزاي ومافيش ثورة! فيه ثورة مستمرة وأنا من أول يوم في الثورة قلت إن هذه الثورة استمرار لثورات أخرى قام بها الشعب. وكتير قلت دا احنا يجب ان نحمد الله ان احنا استطعنا ان نجني ثمار هذه الثورة اللي كافح من أجلها الآباء والأجداد.. كنت باستمرار أقول الآباء والأجداد كافحوا وقتلوا من قبل ما يجنوا ثمار هذه الثورة. واحنا سعداء إن احنا استطعنا ان احنا ننجح في هذه الثورة، واستطعنا ان احنا نرى بأعيننا نجاح كفاحنا وكفاح آبائنا وكفاح أجدادنا.

الأستاذ خالد بيقول: إذا كانت ثورة ما نعمل مجلس قيادة الثورة، ما كنا عاملين مجلس قيادة الثورة، النهارده احنا عايزين نعمل من الشعب مجلس قيادة ثورة، الشعب الأصيل.. (تصفيق) دا اللي أنا باقصده بالديمقراطية السليمة. فيه خلاف بينا في فهم الديمقراطية والديمقراطية السليمة.

الأستاذ خالد بيقول: ان احنا بنتجنى على اللي فات، احنا ما بنتجناش على اللي فات، احنا جينا في المبدأ السادس للثورة، وقلنا إقامة حياة ديمقراطية سليمة، معنى هذا إن ما كانش فيه حياة ديمقراطية سليمة.

جينا في المبدأ الخامس قلنا إقامة جيش وطني قوي، معنى هذا إن ما كانش فيه جيش وطني قوي، معنى هذا إن الجيش كان بيستخدم ضد الشعب مش من أجل الشعب، ونريد ان نحوله ليستخدم من أجل الشعب لا ضد الشعب. (تصفيق).

ما بنقولش نلغي الديمقراطية، دا طبعاً تعقيباً على مقارنتك، بنقول نلغي الجيش، أبداً قلنا: إقامة جيش وطني قوي، وقلنا: إقامة حياة ديمقراطية سليمة. معنى هذا إن الجيش اللي احنا كنا فيه كنا شاعرين انه مش الجيش الوطني القوي. نزل يوم 26 يناير علشان يضرب الشعب، وما كناش نقدر نقول لأ، ولو كانت طلعت أوامر علشان تنضرب الناس كنا حنضرب، العسكري حيضرب، الضابط حيضرب، الضابط اللي حيقول ما أضربش حيتحاكم، مين حينقذه؟ ما كانش فيه استعداد للثورة، ما كانش فيه خطة للثورة.

يوم 26 يناير أنا نزلت بالليل في عربيتي ولفيت على وحدات الجيش هنا في القاهرة وكانت النار مندلعة وكان منع التجول ممنوع، وكان معايا في العربية صلاح سالم، نزلت كان عندنا اجتماع يومها، اجتماع لما سمي بعد ذلك مجلس الثورة، بعد الاجتماع نزلنا علشان نتصل بأكبر عدد من الناس ونقول لهم على قدر الإمكان ما تضربوش في الشعب، بس مين كان يضمن؟ هم الضباط اللي قاموا بالثورة كام؟ الضباط الأحرار اللي قاموا بالثورة كام؟ مية، كان فيه آلاف من الضباط اللي عارف فيهم إن إذا ما نفذش الأوامر حيفصل، والجيش بينفذ الأوامر، جيش وطني قوي يعني جيش من أجل حماية الشعب، ومن أجل حماية اهداف الشعب، ومن أجل وضع أهداف الشعب موضع التنفيذ. جيش وطني قوي علشان يحمي الديمقراطية السليمة اللي احنا بنتكلم عنها وبنادي بها. ما قلناش بعد كده بنلغي الجيش، لأنه كان قبل الثورة مش جيش وطني قوي. وما قلناش أبداً إن حنلغي الديمقراطية، لأن الديمقراطية قبل الثورة ما كانتش ديمقراطية سليمة، قلنا عايزين نخلي هذه الديمقراطية ديمقراطية سليمة.

أنا في كلامي ما باقولش هذا الكلام علشان أدين، ما لو كنت عايز أدين كنت عملت محاكم، وأدنت من 23 يوليو سنة 52 زي ما اتعملت محاكم في الثورة الفرنسية، واتعملت محاكم في الثورات الشيوعية وفي الثورات الأخرى، العملية مش إدانة. أنا باقول إن احنا هنا بنبحث عن الحقيقة وإذا كنا عاوزين نبحث عن الحقيقة بناخد هذه الحقيقة منين؟ من تجربتنا في العشر سنين دي ومن السنين اللي حصلت قبل هذه الثورة. تجربتنا كانت تدل على إيه؟ هل استطعنا أن نقيم عدالة اجتماعية؟ هل استطعنا أن نقيم ما يمكنّا من القضاء على الظلم الاجتماعي؟ هل استطعنا أن نقضي على الاستغلال السياسي والاستغلال الاقتصادي والاستغلال الاجتماعي؟ أبداً ما استطعناش. وانت في كتبك اللي عاملها قبل الثورة كنت بتقول: إن احنا بنكافح من أجل القضاء على الاستغلال السياسي وعلى الاستغلال الاجتماعي، في كل هذه الكتب وفي كل صفحة منها كنت بتتكلم وبتطالب بالقضاء على الاستغلال السياسي والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.

إحنا ما بنقولش النهارده عايزين نشتغل لمصلحة خاصة، بنقول احنا عايزين نقيم حياة ديمقراطية سلمية. ما بنقولش عايزين نحرم الشعب من مسؤوليته، ما بنقولش عايزين نحرم الشعب من انه يختار رئيس جمهوريته، ما بنقولش دا أبداً، ما بنقولش ان احنا عايزين نحرم الشعب من الدستور، ما بنقولش ان احنا عايزين نحرم الشعب من البرلمان، أبداً بأي حال من الأحوال، ما بنقولش إن احنا عايزين نحرم الشعب من المعارضة أبداً، لأن في أي برلمان لا بد حيكون فيه اليمين واليسار والوسط، مهما اتقال هنا، فيه يمين، وفيه يسار، وفيه وسط، واليمين واليسار والوسط دا ما هواش أبداً تعبير من الرجعية أو الشيوعية ولكنها عملية نسبية. هنا في هذه القاعة، فيه يمين، وفيه يسار، وفيه وسط، واحد متطرف إلى اليسار، وهي عملية نسبية، واحد متطرف إلى اليمين، وهي عملية نسبية، في أي برلمان، في أي ناس موجودين، كل واحد يستطيع أن يعارض، ويستطيع انه يقول رأيه. بس أنا باقول، ما يقولش ان احنا نعيد الإقطاع، ولا نعيد الاستغلال، ولا ديكتاتورية رأس المال، أو نرجع الإنجليز، أو نرجع المندوب السامي أو نرجع السير “برسي لورين” أو “لورد كرين” أو حد من الناس دول، لأنه بهذا بيبقى خرج عن أهداف الشعب.

ما بنقولش إن احنا بنخاف على الشعب اليوم، أبداً بالعكس، وأنا إذا كنت خايف على الشعب اليوم، كنت ليه يعني أبدأ هذه العملية؟ دا أنا بادئ هذه العملية من أجل أن يكون الشعب هو مجلس الثورة؛ من أجل أن يقود الشعب هذه الثورة. زي ما قلت لكم يمكن كان ممكن يكون سهل قوي لو كنا عملنا مجلس ثورة. أهو بنطلع أوامر وتتنفذ، بس مش هو دا المطلوب. المطلوب في هذا الوقت هو تطبيق المبدأ السادس، إقامة حياة ديمقراطية سليمة. وأنا معاك إن الشعب مؤمن بثورته ولا يمكن بأي حال أن يتخلى عنها. معاك في هذا (تصفيق) عايز تقول حاجة؟ واللا نروح؟

خالد محمد خالد: في الحقيقة أنا لما ضربت المثل بالصين كان مثل جانبي بحت، يعني عاوز أقول إنه كان في هذا المجتمع اللي عداواته كثيرة ومحنه كثيرة، ناس قاموا ينادون بعملية عزل أعداء الشعب، فجاء “ماوتسي تونج” وأخذ جانباً آخر من الرأي وكان رأيه زي ما قلت: دعوا جميع الأزهار تتفتح، وهو إلى الآن حين يتحدث عن المجتمع الصيني يقول: البرجوازية الصغيرة، ويقول: أصحاب الأعمال بل والمثقفون أيضاً، يقول: إن كثيراً من المثقفين لا يزالون يحملون أفكاراً غير اشتراكية، ومع ذلك فلست أنصحكم أن تقاوموهم ولكن ساعدوهم على أن يقبلوا على الاشتراكية. دي باخذها أنا كمثل من بعيد عندما نتحدث عن عزل أعداء الشعب.

أنا عاوز أتجنب ما استطعت، كما قلت آنفاً، هذه الشعارات العنيفة، يعني أريد أن نذهب جميعاً في موكب حافل واحد بعد أن تستبين معالم مجتمعنا الاشتراكي، هذه المعالم التي سيوضحها الدستور، نمضي معاً، يحمل قوينا ضعيفنا، يحمل سليمنا سقيمنا، وعندما قلت الأحزاب في المجتمع الصيني قلت إنه بالغ، يعني في عملية دعوا جميع الأزهار تتفتح، بالغ فيها، سمح بقيام أحزاب واشترط أن تعمل داخل السور الاشتراكي نفسه، فإذا يوماً ما وأنا لا أنسى حديث صحفي لسيادتكم في هذا العام مع صحفي أظن كان ألماني قلت سيادتكم: إنني أؤمن أو أرى أن هناك أحزاباً ستنشأ في مجتمعا في المستقبل وستكون أحزاباً قويمة لن تنتكس بالمجتمع إلى الوراء، ولكن ستطور مفاهيمه وقيمه. أنا أذكر هذا، سيادتك قلت هذا في حديث مشهور.

* الرئيس: في المستقبل قلت. (ضحك).

خالد محمد خالد: آه طيب ما باقولش حاجة، أنا كل الذي أقوله إنني أريد ما استطعت لله ولرسوله ولهذا الوطن أن نبدأ بداية عميمة في حبها دافئة في مودتها، وكما قلت نستقبل قبلتنا الجليلة جميعاً شعباً واحداً وأمة واحدة، والسلام عليكم ورحمة الله. (تصفيق).

* الرئيس: في المستقبل إن شاء الله، يعني إذا استطعنا أن نذيب الفوارق بين الطبقات في فترة بسيطة، وممكن تقوم أحزاب ولكن حتبقى أحزاب على أساس أشخاص، يعني يطلع خالد محمد خالد، على هذه المبادئ يعمل حزب، وحسين الشافعي على هذه المبادئ بيعمل حزب. نفس العملية، (ضحك) ولكن ما يبقاش فيه أحزاب رجعية، ما يبقاش فيه أحزاب بتعمل على عودة الإقطاع، ما يبقاش فيه أحزاب تعمل على عودة ديكتاتورية رأس المال أو سيطرة رأس المال، وبعدين موضوع الشعارات العنيفة، أنا بيتهيأ لي إحنا صفيناه الجلسة اللي فاتت، ما فيش شعارات عنيفة ولا حاجة، والسلام عليكم. (تصفيق).

وبرغم أن هذه المناقشات كان يُجرى التعقيب عليها داخل اجتماعات مجلس الوزراء، إلا أن القيادة السياسية لم تشأ أن تتدخل بأي أسلوب في مناقشات اللجنة التحضيرية نفسها، وكانت التعقيبات داخل مجلس الوزراء تستهدف فقط الخروج بالاستنتاجات وكيفية الاستفادة بها في إنجاز المشروع.

وقد أسفرت هذه المناقشات عن وضع “الميثاق الوطني” الذي طُرح على المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عُقد في شهر مايو/ أيار عام ،1962 وكان أكثر اتساعاً في عضويته من اللجنة التحضيرية السابقة، وهو الذي وضع الملامح الرئيسية للمجتمع الاشتراكي الذي بدأ بقوانين يوليو/ تموز الاشتراكية وانتهى إلى إصدار الميثاق الوطني، وهو ما أطلق عليه الرئيس جمال عبدالناصر اسم “ثورة 1961” باعتبار أن ثورة 1952 كانت ثورة سياسية استهدفت تغيير الأوضاع السياسية الفاسدة، وأن ثورة 1961 استهدفت تغيير الأوضاع الاجتماعية، وإقامة توازن اجتماعي جديد لمصلحة كل الفئات وليس لمصلحة فئة على حساب أخرى.

وفي ميثاق العمل الوطني الذي أعلنه الرئيس جمال عبدالناصر في اجتماع المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في 21 مايو/ أيار 1962 كدليل عمل لمرحلة جديدة من العمل السياسي، بتشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي، وإجراء انتخابات عامة لمجلس الأمة، ووضع الدستور الدائم سنة 1964. وكان الرئيس عبدالناصر قد أوضح تفصيلاً كل الخطوات والطريق للوصول إلى تحقيق أهداف المرحلة ورسم صورة المجتمع الجديد وحدد المفاهيم والقيم والمعايير ودور قوى الشعب العامل التي سيُجرى العمل على أساسها من أجل الوصول إلى هذا المجتمع الجديد وكان في مقدمتها قضايا الحرية والاشتراكية والوحدة. وكان ميثاق العمل الوطني يشمل عشرة أبواب هي:

* نظرة عامة.

* في ضرورة الثورة.

* جذور النضال المصري.

* درس النكسة.

* عن الديمقراطية السليمة.

* في حتمية الحل الاشتراكي.

* الإنتاج والمجتمع.

* مع التطبيق الاشتراكي ومشكلاته.

* الوحدة العربية.

* السياسة الخارجية.

وحدد الرئيس عبدالناصر في الباب الخامس منه “معالم الديمقراطية السليمة” في الأسس التالية:

* أولاً: أن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية الاجتماعية، ولا تتحقق الديمقراطية الاجتماعية إلا بتحرير الفرد من الاستغلال، وإتاحة الفرص المتكافئة له، وتخليصه من كل قلق على مستقبله.

* ثانياً: الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تتحقق في ظل سيطرة طبقة من الطبقات، وإنما تتحقق الديمقراطية بسلطة مجموع الشعب وسيادته. ولا بد أن يسقط تحالف الرجعية والرأسمالية المستغلة، ولا بد أن يحل محله التفاعل الديمقراطي بين قوى الشعب العاملة، الفلاحين، والعمال، والجنود، والمثقفين، والرأسمالية الوطنية غير المستغلة.

ثالثاً: وحدة هذه القوى تصنع الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي يصبح السلطة الممثلة للشعب، والدافعة لإمكانات الثورة، والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة. وفي هذا الصدد فإن هناك أربعة أسس لا بد من قيامها في الاتحاد الاشتراكي العربي:

1 أن يكون للفلاحين والعمال نصف المقاعد في كل المجالس الشعبية بما فيها المجلس النيابي، وذلك باعتبارهم الأغلبية التي طال حرمانها.

2 سلطة المجالس الشعبية يجب أن تتأكد فوق سلطة أجهزة الدولة التنفيذية.

3 خلق جهاز سياسي جديد داخل إطار الاتحاد الاشتراكي العربي، يجذب

العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ونشاطها.

4 جماعية القيادة لتكون عاصماً من جموح الفرد، وتأكيداً للديمقراطية على أعلى المستويات، وتجديد القيادة باستمرار.

* رابعاً: تدعيم قوى الجمعيات التعاونية الزراعية ونقابات العمال.

* خامساً: حرية النقد والنقد الذاتي وحرية الصحافة بعد تخليصها من قوانين الرجعية ومن سيطرة رأس المال.

* سادساً: توفير تعليم يمكن الإنسان الفرد من القدرة على إعادة تشكيل الحياة، وقانون يساير الديمقراطية السليمة ويعبر عنها، وعدل يصل إلى الفرد من دون موانع مادية أو تعقيدات إدارية، وتغيير اللوائح التي كانت من وضع الطبقة الواحدة لتخدم ديمقراطية الشعب.


الهوامش

(1) محضر جلسة مجلس الوزراء في 25 فبراير/ شباط ،1968 وهو موجود في دار الوثائق المصرية





الاتحاد الاشتراكي العربي في التطبيق




هل نجح الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي في الوفاء بأهدافهما؟

لقد كانت المهمة الرئيسية للاتحاد الاشتراكي هي إنجاح عملية التحول نحو المجتمع الاشتراكي الذي لا يتأتى إلا من خلال الاضطلاع بدور في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي.. أي في نجاح خطط التنمية.

ويمكن القول إن الاتحاد الاشتراكي لم يستطع أن يمارس دوره القيادي المطلوب في مرحلة الخطة الخمسية الأولى، وبخاصة في مجال توعية الجماهير بمسؤولياتها والتزاماتها، وتوعيتها بالأهداف السياسية المرجوة.

ولم يتمكن الاتحاد الاشتراكي من خلق القيادات الكافية ودفعها لقيادة البرامج المطلوبة للخطة الأولى للتنمية، والتي شكّلت باكورة الانطلاق نحو التنمية الشاملة والطموحة، والتغلب على الموروثات المصرية من تعقيدات إدارية وبيروقراطية مكتبية.

لقد كان لوجود قيادات واعية على رأس بعض المشروعات الكبرى، مثل قناة السويس والسد العالي واستصلاح الأراضي ومشروعات الصرف الصحي للقاهرة الكبرى، أثره الكبير في إنجاح هذه المشروعات، ولكن مشروعات تنموية أخرى واجهت تعثراً لافتقارها إلى هذا النوع من القيادات. يُضاف إلى هذا تفعيل التنظيم الطليعي بدأ في بداية عام ،1965 علاوة على أن الجماهير المستفيد الحقيقي من التنمية ظلت بعيدة إلى حد ما عن الفهم السياسي والاجتماعي الصحيح لأهداف المرحلة؛ مما أتاح الفرصة للعناصر الانتهازية أن تتسلل مستفيدة من المناخ السياسي السائد وتعمل على بلبلة الرأي العام وتضخم المشكلات، من دون أن يتمكن التنظيم السياسي من كشف أهدافها والتصدي لها، بل إن بعض هذه العناصر مارست نشاطها تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي نفسه، وعملت على إفساد حركته وبث سموم الشك في ما يتحقق من منجزات.

ومع ذلك، فلا يحق أن نقلل من دور الاتحاد الاشتراكي في هذه الفترة من الالتحام والتفاعل مع الجماهير وامتلاك زمام المبادأة في دعم البناء الاشتراكي، وإن لم يكن بالقدر الكافي والمرجو الذي يتوازى وطموح القيادة السياسية.

ويمكن أن نرجع هذا القصور إلى أن تشكيل الاتحاد الاشتراكي في الفترة من 1962 وحتى 1967 قد ارتكز على الأساليب التقليدية الموروثة في المجتمع المصري، حيث تغلبت العصبيات العائلية وعوامل النفوذ التقليدية سواء في القرية أو في المدينة أو في التجمعات العمالية وغيرها على طموحات التغيير التي طرحتها القيادة السياسية. وكان من نتيجة ذلك عدم بروز أسماء وشخصيات جديدة بشكل أو بحجم كافٍ على الساحة، بخلاف ما كان قائماً قبل قيام الاتحاد الاشتراكي، ويمكن استثناء الجامعات من هذا التعميم حيث ظهرت بعض الأسماء النشيطة في العمل السياسي في الأوساط الجامعية، في الوقت نفسه لم تكن في معظمها تحمل توافقاً كاملاً مع فكر ثورة يوليو. لقد كان هذا التوافق يقتصر على السطح فقط، بينما كان المكوّن الفكري الذي تشكّل لديها من واقع المجتمعات التي ابتعثت إليها في مرحلة دراسات الدكتوراه، سواء كان من

الغرب أو من الشرق.

وربما كان ذلك هو السبب في انقلاب أعداد من هذه القيادات على ثورة يوليو في أعقاب رحيل جمال عبدالناصر وعلى مدى عقدي السبعينات والثمانينات.

أما بعد عدوان 1967 فقد أظهر الاتحاد الاشتراكي قدراً أكبر من النضج من حيث دوره في التعبئة بشكل عام، وخصوصاً في مجال الصمود والتصدي والتحضير للمعركة على جميع الصعد، أو في إحداث التوافق مع القيادة السياسية، أو في إنجاح بعض المشروعات الكبرى التي اقتضتها ظروف النكسة في مجال تهجير سكان مدن منطقة قناة السويس وتوطينهم في محافظات بديلة، وفوق ذلك كله يجب ألا ننسى دوره في تقديم دم جديد لمنظومة القيادة السياسية في مصر.

ويمكن إرجاع هذا الإنجاز بصفة أساسية إلى عودة المؤسسة العسكرية إلى واجبها الرئيسي في مواجهة الخطر الخارجي، فلم يقتصر الأمر فقط على وقف تدخلها في شؤون الصعيد السياسي المدني، بل استدعى أيضاً مساندة جماهيرية ضخمة لمهمتها القادمة في تحرير الأرض، وكانت الاستجابة الشعبية في هذا المجال غير محدودة.

باختصار فإن التنظيم السياسي لم يتعرّض لاختبار حقيقي في الفترة الأولى من 1962 ،1967 لكنه أثبت وجوده وفاعليته في الفترة من 1967 ،1970 ومارس دوره بفاعلية في تأمين الأوضاع الداخلية وتخفيف معاناة الجماهير.

ومن هنا، فإنه في الفترة من 67 1970 اكتسب التنظيم السياسي قدراً أكبر من النضج، في الوقت نفسه الذي اتسم فيه الشارع السياسي بقدر موازٍ من الإيجابية والمبادرة، بتأثير التطورات التي أعقبت النكسة التي تطلبت عملاً شعبياً مكثفاً ومنظماً، وتشجيع القيادة السياسية، فقد كان الرئيس جمال عبدالناصر دائماً يحاسب نفسه قبل الآخرين، والدليل على ذلك محضر مجلس الوزراء سنة 1961 والذي سبق أن أشرت إليه.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك استجابة القيادة السياسية لردود الفعل الشعبية التي ترتبت على صدور أحكام الطيران، والتي أظهرت استياءً شعبياً شمل كل الأوساط، شعوراً منها بعدم تكافؤ هذه الأحكام مع حجم الجرم الذي ارتكبه قادة الطيران في حق البلاد.

لقد طرح الرئيس جمال عبدالناصر هذه القضية وما أثارته الأحكام من احتجاجات وتظاهرات بين طلبة الجامعات وفي الشارع المصري بوجه عام، للمناقشة داخل مجلس الوزراء في جلسة 25 فبراير/ شباط 1968 (1).

حيث دعا الرئيس جمال عبدالناصر الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية لعرض تقريره عن محاكمات الطيران.

الفريق فوزي:

ثبت الإهمال ضد قائد الطيران.. حكم المحكمة سليم.. أبعد عقدة الذنب عن سلاح الطيران.. وقع الحكم طيب على القوات المسلحة؛ ولهذا صدقت على الحكم.

* الرئيس جمال عبدالناصر:

طيب نأخذ رأي المجلس.






الخليج الإماراتية
18.10.2003

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US